توفيق سلطان يستعيد مراحل تسلّم وليد جنبلاط من كمال.. وتيمور أخيراً

الزعامة الجنبلاطية في 3 أجيال

وليد جنبلاط (رويترز)
وليد جنبلاط (رويترز)
TT

توفيق سلطان يستعيد مراحل تسلّم وليد جنبلاط من كمال.. وتيمور أخيراً

وليد جنبلاط (رويترز)
وليد جنبلاط (رويترز)

يستعيد الباحث السياسي توفيق سلطان، مراحل استلام رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، زعامة الحزب والطائفة الدرزية والكتلة النيابية من والده، إثر إعلان وليد جنبلاط عن استقالته، تمهيداً لتسليم الإرث السياسي والاجتماعي إلى نجله تيمور. يخلص إلى أن جنبلاط الذي وجد نفسه فجأة يتقلد عباءة والده، ينقل الزعامة إلى ابنه تدريجياً، من غير أن يتخلى عن العمل السياسي، ويحصّن نجله بشبكة علاقات واسعة ومتشعبة، ستمكّنه من تأمين استمرارية «دار المختارة»، أي مركز الزعامة الجنبلاطية في جبل لبنان.

من يراقب مسار تسليم جنبلاط مقاليد الدار لابنه تيمور، يعقد مقارنة مباشرة مع تسلم والده في عام 1977، إثر اغتيال كمال جنبلاط. يقول سلطان لـ«الشرق الأوسط»: «كان ظرف استلام وليد جنبلاط مختلفاً كلياً عن الظرف اليوم، لأنه استلم مقعد والده فجأة، ولم يكن كمال قد هيّأ نجله الوحيد لوراثة زعامة المختارة».

كان كمال جنبلاط متعدد المهام والمواقع، فإلى جانب كونه الزعيم الأول لدى طائفة الموحدين الدروز، كان رئيساً للحزب التقدمي الاشتراكي، ورئيساً لـ«كتلة النضال الوطني» النيابية، و«رئيس الجبهة العربية للأحزاب المشاركة في الثورة الفلسطينية». وعندما أَلبَسَ شيخ العقل الشيخ محمد أبو شقرا والشيخ بهيج تقي الدين عباءة الزعامة لوليد أثناء جنازة كمال في المختارة، «بقيت المناصب الأخرى شاغرة»، حيث لم يتسلّم رئاسة الحزب إلا بعد أشهر، كذلك رئاسة «جبهة النضال الوطني» لأنه لم يكن نائباً.

هذه التجربة، استفاد منها وليد جنبلاط لتسليم المناصب لتيمور بالتدرج، كما يقول توفيق سلطان، ويضع وليد بين يدي ولده شبكة من العلاقات «خاطها بصعوبة، وأجاد بينها احترام التوازنات، وتمكن من صياغتها بذكاء شخصي»، متوقفاً عند زيارة وليد للجنة المركزية للحزب الشيوعي في أول زيارة له إلى الاتحاد السوفياتي، بالتزامن مع زيارة ياسر عرفات برفقة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بدعوة من الاتحاد الآسيوي الأفريقي.

ورث وليد جنبلاط صراعاً محتدماً مع سوريا، استطاع تطويعه، حسب ما يقول سلطان، وهو تحدٍّ ماثل أمام تيمور. يعود بالذاكرة إلى زيارة وليد إلى السويداء للتعزية بوفاة شيخ العقل في أواخر السبعينات. «كان وليد يريد مشاهدة العمارة التراثية للمحافظة، لكن حصل التباس حيث لم يقدم محافظ السويداء لوليد التكريم اللائق»، يضيف سلطان: «في الليلة نفسها، كنا على طاولة الرئيس الراحل حافظ الأسد في منزله بدمشق، فور دخولنا، قال له الأسد: لقد تم نقل محافظ السويداء». كانت تلك رسالة سورية لجنبلاط، فهمها على أنه مرحب به.

جنبلاط ودروز سوريا

والترحيب مرده إلى نظرة دروز سوريا لجنبلاط. يُستدل إليها من زيارة سلطان باشا الأطرش في منزله. يومها، طلب وليد صورة تذكارية أمام المنزل. فسح وليد الطريق للأمير الأطرش ليتقدمه، لكن سلطان باشا رفض، قائلاً لجنبلاط: «نحن متفقون منذ مئات السنين، لا أحد يتقدم عليكم أنتم آل جنبلاط»، في إشارة إلى أنهم يتولون زعامة الدروز.

وينسحب الأمر على دروز فلسطين، وهو ما فاتح به أسامة الباز في مصر، توفيق سلطان، طالباً منه بعد تطبيع مصر مع إسرائيل سؤال وليد جنبلاط من يفضل لمنصب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في فلسطين.

يرى سلطان الذي عايش كمال ووليد جنبلاط على مدى أكثر من 50 عاماً، أن وليد جنبلاط مميز بين الزعامات اللبنانية. يضيف: «لبس العباءة إرثاً وتبّوأ الزعامة عن جدارة واستحقاق في عام 1977، وهي الجدارة التي أوصلته إلى موقعه السياسي»، شارحاً: «وليد يُستقبل في الإليزيه، قبل أن يستلم أي منصب سياسي في لبنان أيام الرئيس فرانسوا ميتران، والتقى بخمسة ملوك للمملكة العربية السعودية، بدءاً من الملك فيصل، إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كذلك استقبله الرئيس المصري الراحل أنور السادات في مصر قبل أن يشغل في لبنان أي موقع سياسي، كذلك في العراق استقبله أحمد الحسن البكر، ثم صدام حسين، وكانت له في الكويت علاقات مميزة منذ كان الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وزيراً للخارجية».

وإلى جانب علاقاته المميزة مع الاتحاد السوفياتي، واليوم مع روسيا من خلال «الاشتراكية الدولية»، لم تنقطع علاقاته مع الغرب، ومن بينها الولايات المتحدة، حتى أن الرئيس جو بايدن كان زاره في المختارة عام 2007.

يسرد سلطان تلك التجارب ليؤكد أن جنبلاط «انسحب من رئاسة الحزب، ويقوم بانكفاء بالتدرج، لكن لم ينسحب من الحياة السياسية. يسخر علاقاته لابنه، ويدعمه. 46 سنة في رئاسة الحزب كانت كافية لأن يؤهل في الحزب كوارد وينشئ مؤسسات فاعلة وموجودة على الأرض»، معتبراً أنه «من القلة التي بقيت متناسقة ومتنامية».

وفي السياسة الداخلية، يرى سلطان أن وليد جنبلاط «الشخصية الأبرز في الحياة السياسية، رفض مرشح تحدٍ للرئاسة، وبقي على توازن مع كل الأطراف، وحافظ على موقعه بيضة قبان، وانفتح على الجميع من (حزب الله) إلى رئيس (التيار الوطني الحر) جبران باسيل، ولم ينقطع عن التواصل مع الفريق المؤيد لانتخاب النائب ميشال معوض، ولم يتوقف عن تقديم الحلول».

ويرى أن جنبلاط يلتزم برؤيته لانتقال سلس في الزعامة، وفتح الباب أمام قيادة جديدة شابة بوجوده، ومستعد ليعطيهم من خبرته وشرعيته وعلاقاته. كذلك «أوصى ابنه بالالتزام بالعمق العربي».



«السلطة» الفلسطينية تعمّق عمليتها في مخيم جنين: لا تراجع ولا تسويات 

الشرطة الفلسطينية تفرق متظاهرين يحتجون على الاشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين في مدينة جنين... السبت (أ.ف.ب)
الشرطة الفلسطينية تفرق متظاهرين يحتجون على الاشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين في مدينة جنين... السبت (أ.ف.ب)
TT

«السلطة» الفلسطينية تعمّق عمليتها في مخيم جنين: لا تراجع ولا تسويات 

الشرطة الفلسطينية تفرق متظاهرين يحتجون على الاشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين في مدينة جنين... السبت (أ.ف.ب)
الشرطة الفلسطينية تفرق متظاهرين يحتجون على الاشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين في مدينة جنين... السبت (أ.ف.ب)

تواصلت الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن الفلسطينية ومسلحين في مخيم جنين، شمال الضفة الغربية، مع إصرار السلطة على السيطرة المطلقة على المخيم الذي تحوَّل إلى مركز للمسلحين الفلسطينيين، وأصبح منذ سنوات الانتفاضة الثانية، رمزاً للمقاومة والصمود في الضفة الغربية.

واشتبك مسلحون مع عناصر السلطة في محاور عدة داخل المخيم، في حين تجمَّع فلسطينيون في ساحة المخيم ضد العملية الأمنية للسلطة، مطالبين بإنهائها، قبل أن يفضها الأمن بالقوة، ما زاد من توتر الأجواء.

وبدأت السلطة، قبل أكثر من أسبوعين، عمليةً واسعةً في جنين ضد مسلحين في المخيم الشهير، في بداية تحرك هو الأقوى والأوسع منذ سنوات طويلة، ويفترض أن يطال مناطق أخرى، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة.

مركبة تابعة لقوات الأمن الفلسطينية يتم نقلها من مخيم جنين... السبت (رويترز)

وقال الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني، العميد أنور رجب، (السبت)، إن «الأجهزة الأمنية مستمرة في ملاحقة المسلحين وَمن يقف خلفهم، كما سيتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة ليحاسبوا على ما ارتكبوه، وما زالوا من جرائم، وإنه لا تراجع ولا تهاون ولا تسويات ولا صفقات ستحول دون ذلك... إن الخارجين عن القانون ومَن يقف خلفهم تجاوزوا كل الخطوط الحُمر في سلوكهم الإجرامي الداعشي، حتى بات تهديد حياة المواطنين ووضعهم في دائرة الخطر جزءاً من استراتيجيتهم؛ لتأمين أنفسهم وضمان استمرار خطفهم للمخيم».

وأعلن رجب، في بيان رسمي، أن الأجهزة الأمنية أبطلت «مفعول عبوة متفجرة، زرعها الخارجون عن القانون أمام المركز الصحي التابع لوكالة (الأونروا) في وسط المخيم، كما تم إبطال مفعول عبوتين أخريين تم زرعهما في المنطقة نفسها... أيعقل هذا؟ اختطاف أمن وسلامة المواطنين مقابل حفنة من المال المشبوه الذي يصل عبر قنوات متعددة بأجندات لا وطنية، مستوردة من عواصم الدمار والخراب، ومن ضمنها قناة الاحتلال كما حدث سابقاً».

تصريحات رجب جاءت لتأكيد خطاب بدأته السلطة قبل العملية، يصف المسلحين داخل المخيم، وكثير منهم يتبع حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بأنهم «متطرفون وداعشيون يتبعون أجندات خارجية»، لكن المسلحين ينفون ذلك، ويقولون إنهم «مقاتلون ضد إسرائيل»، ولذلك تريد السلطة كبح جماحهم بوصفها «متعاونة مع إسرائيل».

الشرطة الفلسطينية تمنع مظاهرة في جنين... السبت (أ.ف.ب)

وقتلت السلطة خلال العملية مسلحين واعتقلت آخرين، وتعرَّضت لهجمات أدت إلى إصابات وخسائر في المدرعات. وتحاول قوات الأمن الفلسطينية السيطرة على المخيم من خلال اعتقال المسلحين داخله، وتظهر مقاطع فيديو تبادلاً للرصاص، وانفجارات، وحرائق، ودخاناً في أزقة المخيم الذي تحوَّل إلى ساحة قتال، كما أظهرت مقاطع فيديو أخرى (السبت) مشادات مع فلسطينيين جاءوا من مدن أخرى للتضامن مع المخيم.

وأطلقت السلطة حملتها على قاعدة أن ثمة مخططاً لنشر الفوضى في الضفة الغربية وصولاً إلى تقويض السلطة وإعادة احتلال المنطقة.

وخلال عام الحرب، هاجمت الرئاسة وحركة «فتح» إيران أكثر من مرة، واتهمتاها «بالتدخل في الشأن الفلسطيني ومحاولة جلب حروب وفتن وفوضى».

وبدأت الحملة الفلسطينية في جنين بعد أيام من تحذيرات إسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا (انهيار نظام الأسد) ضمن وضع تُعرِّفه الأجهزة بأنه «تدحرج حجارة الدومينو».

ولمَّحت إسرائيل إلى أن السلطة تخشى من تحرك جماعات في الضفة على غرار سوريا للسيطرة على الحكم. لكن بعد العملية، قال مسؤولون عسكريون إن الجيش الإسرائيلي يؤيد تعزيز السلطة الفلسطينية حتى تتمكّن من مكافحة الهجمات في الضفة الغربية بشكل أكثر فاعلية.

عناصر من قوات الأمن الفلسطينية في جنين... السبت (أ.ف.ب)

وقال مسؤولون إن الجيش الإسرائيلي يدعم الجهود الرامية إلى زيادة التنسيق والتعاون مع السلطة الفلسطينية بناءً على أوامر الحكومة، وليست مبادرةً خاصة به، على الرغم من تصريحات بعض وزراء الحكومة الذين حثوا على إضعاف السلطة. ويأمل الجيش في تشجيع «السلطة» على مواصلة تنفيذ عمليتها في جنين وفي مناطق أخرى في الضفة. وقال المسؤولون إن الجيش سيبذل قصارى جهده لضمان أن تكون «السلطة» قوية بما يكفي للعمل بنجاح ضد المسلحين، وهو ما من شأنه أن يعود بالنفع أيضاً على الجيش الإسرائيلي، لكنهم لم يقدموا تفاصيل حول الخطوات التي يجري اتخاذها لدعم القوات الفلسطينية. ورفض المسؤولون القول ما إذا كان الجيش يدعم زيادة إمدادات الأسلحة والمعدات لقوات الأمن الفلسطينية، التي يجب أن توافق عليها إسرائيل.

وفي حين ينتقد عناصر اليمين المتشدد في الحكومة منذ فترة طويلة تسليم الأسلحة إلى «السلطة» تتبنى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نهجاً مختلفاً، حيث تنظر إلى رئيس السلطة، محمود عباس، وقواته الأمنية بوصفهما حليفَين مهمَين، وتدعم عموماً نقل الأسلحة والمعدات إلى السلطة الفلسطينية.

وفي محاولة لإعطاء السلطة مساحة خاصة، تجنَّب الجيش الإسرائيلي القيام بعمليات في مخيم جنين منذ بدء السلطة العملية. وقال مسؤولون آخرون في إسرائيل إن الجيش يدعم أيضاً الزيادة المحتملة في التصاريح للفلسطينيين في الضفة الغربية للعمل في المستوطنات وداخل إسرائيل، بعد أن تم إلغاؤها كلها تقريباً في أعقاب هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. والهدف بالنسبة للجيش هو خلق استقرار نسبي في الضفة التي تعدّ «جبهة قتال أخرى» بالنسبة لإسرائيل.

لكن السلطة الفلسطينية ترفض ربط العملية في جنين بإسرائيل بأي شكل من الأشكال. وقال مسؤول أمني لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل تشجِّع على الفوضى في الضفة الغربية وليس العكس. وأضاف: «بعض الخلايا التي تم اعتقالها في مناطق في الضفة اعترفت بتلقي تعليمات من مشغليهم (الإسرائيليين وغيرهم) بنشر الفوضى». وعلى الأقل نفت إسرائيل أي علاقة لها بالعملية على الأرض، وقالت إنها تراقبها من كثب. وقال مصدر أمني إسرائيلي إن السلطة تلعب الآن «لعبة كل شيء أو لا شيء».