الفيلسوف لوك فيري يتساءل: أين هو الانحطاط الفرنسي؟

قارنوا بلدان العالم الثالث بأوروبا قبل قرنين أو 3 قرون وليس بأوروبا الحالية

الفيلسوف لوك فيري يتساءل: أين هو الانحطاط الفرنسي؟
TT

الفيلسوف لوك فيري يتساءل: أين هو الانحطاط الفرنسي؟

الفيلسوف لوك فيري يتساءل: أين هو الانحطاط الفرنسي؟

لم يعد لوك فيري بحاجة إلى تعريف. فهو أحد أهم فلاسفة فرنسا المعدودين حالياً. كان من آخر ما نشره كتاب ضخم بعنوان «قاموس عاشق للفلسفة» (1500 صفحة فقط!). ومن لا يعشق الفلسفة؟ من لا يهيم بها؟ عمَّ يتحدث هذا الكتاب الذي يتجاوز 400 صفحة من القطع الكبير؟ باختصار شديد... عن وضع العالم حاضراً ومستقبلاً. فالمستقبل قد يكون حكيماً عاقلاً سعيداً، وقد يكون متهوراً مجنوناً. كل شيء يتوقف على كيفية تحضيرنا واستعدادنا له منذ الوقت الحاضر. الكتاب موجه ضد فلاسفة التشاؤم في الساحة الباريسية من أمثال ميشيل أونفري وآلان فنكيلكروت وآخرين.

يطرح الكتاب الذي بين أيدينا اليوم تساؤلات من نوع؛ لماذا يغرق كثير من المثقفين الباريسيين في نزعة التشاؤم السوداء هذه الأيام؟ لماذا يستمتعون بذلك كل الاستمتاع؟ ألا يرون إلى حجم التقدم الهائل الذي حققته أوروبا الغربية قياساً إلى الماضي البعيد، وقياساً إلى بقية النطاقات الجغرافية والحضارية الأخرى؟ هل يعلمون أنه حتى القرن التاسع عشر كان الإنسان الفرنسي أو الأوروبي يموت في الأربعين أو الخامسة والأربعين على أحسن تقدير؟ هكذا كان متوسط العمر آنذاك. أما الآن فأصبح متوسط العمر 82 سنة. يقول المؤلف: «بمعنى أننا ربحنا 40 سنة قياساً إلى أجدادنا أو أجداد أجدادنا. هل هذا قليل؟ هل يعلمون أن الإنسان عندما كان يعاني من وجع الأضراس مثلاً كان مضطراً لتحمل هول ذلك والابتهال إلى الله عز وجل لكي يخفف عنه هذا الألم الذي لا يحتمل ولا يطاق.

أما الآن فيكفي أن يذهب الإنسان الفرنسي أو الإنجليزي إلى أقرب طبيب أسنان في حيه أو شارعه لكي يحل له مشكلته خلال ساعة زمان! هل هذا قليل يا جماعة؟ ولكن هذا الوجع المضني للأسنان لا يزال يصيب الناس في البلدان الفقيرة، أو قل يصيب شرائح واسعة غير قادرة على التداوي ودفع أجور الطبيب. لاحظوا أسنان الفقراء في بلدان الجنوب؛ والله شيء يوجع القلب! بدءاً من الثلاثين تكون أسنانهم قد اصفرت وتدهورت وخربت لأنهم لم يضعوا قدمهم عند طبيب أسنان واحد في حياتهم كلها. ولا يستطيعون ذلك أصلاً. وبالتالي فقارنوا بلدان العالم الثالث ببلدان أوروبا قبل قرنين أو 3 قرون، وليس ببلدان أوروبا الحالية. مستحيل. والدليل على ذلك أن البلدان الأوروبية المتقدمة تؤمن لجميع سكانها الضمان الصحي والضمان الاجتماعي، في حين أن ذلك معدوم في بلدان الجنوب الفقيرة (ما عدا البلدان العربية الغنية في الخليج). لا يوجد فرنسي أو ألماني أو هولندي أو إنجليزي... إلخ إلا وهو يتمتع بالضمان الصحي الذي يؤمن له المعالجة والاستشفاء مجاناً في أفضل المشافي والعيادات الطبية. فلماذا يتشاكى إذن مثقفو فرنسا ويتباكون على أحوالهم ويتحدثون عن الانحطاط الداهم أو القريب العاجل للغرب، ألا يستحيون على أنفسهم؟ ألا يخجلون؟ بأي حق يحق لهم ذلك، وسكان بلدان الجنوب يتضورون فقراً وجوعاً وحرماناً؟ والله عيب! العمى وصلنا إلى آخر الزمن؛ أصبح الغني المرفه هو الذي يتشاكى ويتباكى ويندب حظه، وليس الفقير المدقع! لقد انقلبت الدنيا عاليها سافلها. أين نحن؟ قليلاً من الخجل أيها المثقفون الفرنسيون! في القرن التاسع عشر ما كان الفرنسي كما قلنا يعيش في المتوسط أكثر من 40 سنة، وبعد أن يكون قد دفن 4 أو 5 من أطفاله، وربما أصبح أرملاً أو امرأته هي التي أصبحت أرملة. وذلك لأن الطب ما كان متطوراً وما كان متوافراً للجميع».

الكفر بالتقدم

كان العلاج مقصوراً على الأغنياء فقط. وبالتالي فملايين الأطفال كانوا يموتون من أمراض عادية بسيطة بسبب عدم وجود علاجات. أما الآن فموت الأطفال في الدول المتقدمة أصبح نادراً، وربما معدوماً نتيجة تقدم الطب والعلاجات والعيادات المتخصصة والمستشفيات الحديثة المزودة بأفضل التجهيزات. وهل هناك أصعب من موت طفل؟ معظم الأمراض التي كان الناس يموتون منها قبل قرن أو قرنين بسبب عدم وجود أي علاج لها أصبحت الآن عبارة عن مزحة بسيطة. أليس هذا تقدماً؟ فلماذا تكفرون بالتقدم إذن يا فلاسفة فرنسا؟ لماذا تحنون إلى الزمن الماضي؛ زمن آبائكم وأجدادكم؟ لماذا تتحسرون عليه؟ من قال بأن التقدم ليس له معنى؟ لم تعد هناك مجاعات في الغرب، في حين أنها كان تحصد الناس بالملايين في القرون الوسطى، حتى القرن السابع عشر في عهد لويس الرابع عشر. ولكنها لا تزال تحصد الناس بالملايين في بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وعموم العالم الفقير. العامل البسيط الآن يعيش بشكل مرفه أكثر من ملك فرنسا في القرن السابع عشر! من يصدق ذلك؟ ثم يضيف الفيلسوف الفرنسي الشهير قائلاً:

«لم يعد هناك شخص واحد في أوروبا يخشى على نفسه لأسباب دينية أو طائفية. لم يعد يخجل من حاله أو على حاله إذا لم يكن ينتمي إلى طائفة الأغلبية أو الأكثرية الكاثوليكية. في الماضي، كان الكاثوليكي الأكثري يحتقر الأقلي البروتستانتي ويكفره بل يدعو إلى ذبحه واستئصاله باعتباره رجساً من عمل الشيطان. انظروا إلى المجازر الطائفية في فرنسا قبل أن تستنير وينتصر فولتير على الظلامية الدينية. أليس هذا تقدماً تحسدنا عليه البلدان التي لا تزال غارقة في بحر من الحزازات المذهبية والمجازر الطائفية؟».

لا أستطيع الدخول في كل تفاصيل هذا الكتاب الضخم، وإلا كنت قد دبجت عشرات الصفحات. يقول لنا الفيلسوف لوك فيري: «لقد سافرت إلى كثير من دول العالم وحاضرت في معظم جامعاتها ولكني لم أجد أفضل من قارتنا العجوز (أوروبا). فهي متقدمة على جميع القارات الأخرى من حيث تأمين الحريات والمساواة النسبية والمستوى العالي للمعيشة والحماية الصحية. وهذا الكلام ينطبق على فرنسا وعموم أوروبا الغربية التي تشكل بالفعل منارة البشرية منذ قرون كثيرة». ثم يردف قائلاً:

«على الرغم من الصعود الصاروخي للصين، وعلى الرغم من الهيمنة الأميركية الجبروتية، فإن أوروبا الغربية تبقى فضاء نادراً لا مثيل له من حيث الرفاهية الاقتصادية، والحريات الدينية، والحريات السياسية، والإبداع الأدبي والفني والعلمي والفلسفي. لا مثيل لأوروبا من هذه النواحي، حتى أميركا لا تستطيع أن تضاهيها. وذلك لأن حضارة أوروبا أكثر قدماً وعراقة من الحضارة الأميركية الحديثة العهد. إنها مركز الحضارة منذ 4 قرون وحتى اليوم، أي منذ عصر النهضة في القرن السادس عشر حتى القرن العشرين. وإذا كانت أوروبا مهددة اليوم، فذلك لأن معنوياتها ضعفت، وثقتها بنفسها تلاشت، وما عادت متوجهة بأنظارها نحو المستقبل. فهل تعبت أوروبا وشاخت يا ترى؟ هل أصبحت عاجزة عن رؤية نفسها قوة حقيقية قادرة على التأثير على مجرى العالم؟ على أي حال، فإنها مهددة بأن تتحول إلى مستعمرة للصين أو لأميركا إذا لم ترتفع إلى مستوى التحدي».

لوك فيري

لوك فيري يدافع عن فوكوياما

على عكس ما يزعمه كثير من المثقفين الفرنسيين وغير الفرنسيين، فإن فوكوياما لم يقل بأن التاريخ توقف أو انتهى بعد انهيار الكتلة الشيوعية السوفياتية. لم يقل أبداً بأنه لن يحصل أي شيء بعد ذلك. لم يقل بأن التاريخ الحدثي الوقائعي انتهى نهائياً. هذا غباء، هذا مستحيل. لم يقل بأنه لن تحصل أزمات بعد اليوم، أي بعد أن انتهت الحرب الباردة وانهار جدار برلين والعالم الشيوعي بأكمله. لم يقل بأنه لن تحصل حروب في العالم بعد اليوم، أي بعد انتصار المعسكر الليبرالي الغربي على المعسكر الآخر. وإنما قال إن النظام الديمقراطي الغربي الأوروبي - الأميركي هو أفضل نظام ممكن للعالم. ولولا ذلك لما انتصر على النظام الشيوعي للحزب الواحد والحريات المخنوقة والديماغوجية الغوغائية المملة. علاوة على ذلك فينبغي العلم أن الحضارة الأوروبية هي وحدها التي انتصرت على الظلامية الأصولية وأمنت للبشرية حرية التعبير والتفكير والطبع والنشر، حتى في مجال الدين والمقدسات. وهذا أكبر تحرير يحصل للروح البشرية في التاريخ. وهذا ما قاله فيلسوف الأنوار الأكبر إيمانويل كانط في نصه الشهير: «ما هي الأنوار؟ أو ما معنى التنوير؟» لقد قال إن «التنوير يعني أن البشرية حققت أخيراً نضجها وعقلانيتها وانتقلت من مرحلة القصور العقلي إلى مرحلة سن الرشد. لقد تحررت من وصاية اللاهوت والكهنوت ورجال الدين. هذا هو التنوير. ينبغي أن تعانيه من الداخل. ينبغي أن يتمخض من أعماقك وإلا فلا معنى له. ينبغي أن تتوصل إليه بعد جهد جهيد. ينبغي أن تصارع التنين!». وهذا ما حققته الحداثة الغربية بعد موت كانط بقرن أو أكثر. لقد سُحقت الظلامية المسيحية على يد سبينوزا وبيير بايل وفولتير وديدرو وجان جاك روسو وكانط وفيخته وهيغل وغيرهم من عباقرة الأنوار الكبار. ولم تُسحق إلا بعد معارك طاحنة سجلتها كتب التاريخ بأحرف من نور. فأين هم المثقفون العرب الذين سيصارعون التنين «الإخواني الداعشي» مثلما صارعوا هم التنين الأصولي الكهنوتي ومحاكم التفتيش؟ (بين قوسين... هذا ما كنت قد شرحته مطولاً في كتابي الجديد الصادر عن «دار المدى»، بعنوان «من التنوير الأوروبي إلى التنوير العربي»).


مقالات ذات صلة

الفن المعاصر من الجمالية إلى صناعة القيمة

ثقافة وفنون المؤرخة أود دو كيروس

الفن المعاصر من الجمالية إلى صناعة القيمة

لعل من أهم سمات الكتابات النقدية المواكبة لتحولات الفن المعاصر عبر العالم، تلك التي تقرنه دوماً بمسعى الانزياح الجذري بدلالات كلمة «فن».

شرف الدين ماجدولين
ثقافة وفنون عباس محمود العقاد

«فلسفة الضحك» عبر التاريخ كما يرويها العقاد

رغم أن الطبعة الجديدة التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة من كتاب «جحا الضاحك المضحك»، توحي بعمل مخصص لأشهر شخصية ساخرة في التراث العربي.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

في روايته الجديدة «ولا غالب» الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة، يقدم الكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي معالجة فنية ودرامية جديدة لتاريخ العرب في الأندلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية
TT

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام (1931- 1987) والذي يتناول التأثير اللافت لهذا المفكر النمساوي على الفلسفة المعاصرة.

وُلد فتجنشتاين في فيينا لأسرة صناعية ثرية ومثقفة، ثم اتجه إلى دراسة هندسة الطيران في مدينة «مانشستر» الإنجليزية، قبل أن يتخلى عن هذا الاتجاه ويتحول تماماً إلى المنطق والرياضيات في جامعة «كامبريدج» متأثراً بالمفكر البريطاني برتراند راسل الذي أشرف على دراسته للفلسفة. تطوع في جيش بلاده خلال الحرب العالمية الأولى وأمضى فترة معلماً في قرية نمساوية، ثم عاد لاحقاً إلى بريطانيا كأستاذ.

ويعد كتابه «رسالة فلسفية منطقية» أبرز مؤلفاته والذي نُشر لأول مرة عام 1921 ويذهب فيه إلى أن حدود اللغة هي حدود عالمنا، وما لا يمكن التعبير عنه بها يجب الصمت عنه، أما «تحقيقات فلسفية» فنشر بعد وفاته عام 1951 ويؤكد فيه على أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت، وهي الفكرة التي كان لها تأثير بالغ على مجلات أخرى كالأدب وعلم النفس.

ويشير المؤلف إلى أنه حصل على أطروحة الدكتوراه في فلسفة المفكر النمساوي لأن أفكاره كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفكر الفلسفي الحديث ويرجع ذلك إلى أهمية المنهج الذي تبناه، وهو المنهج التحليلي المنطقي، يتناول عبارات اللغة التي نصوغ فيها الأسئلة والمشكلات الفلسفية، حيث أثبت أن معظم هذه المشكلات ليست بمشكلات حقيقية وأنها لم تنتج إلا عن سوء استخدام اللغة.

أصبح إسهام فتجنشتاين أشبه ما يكون بالثورة الهادئة على الفلسفة التقليدية، وذلك لأنها غيرت من مفهومها ومجالها ووظيفتها فأصبحت الفلسفة لديه عبارة عن تحليل للغة وانتقل مجال البحث فيها من البحث في الأشياء في ذاتها كالوجود من حيث هو موجود أو العلة أو المطلق أو الجوهر أو اللامتناهي أو العدم إلى البحث في العبارات والألفاظ التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ما له معنى منها وما لا معنى له، أو لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي المنطقي. ومن ثم تغيرت مهمة الفلسفة فأصبحت تنصب على تحليل مشكلات الفلسفة بدلاً من إقامة أنساق فكرية أو ميتافيزيقية جديدة. وتأثر بأفكاره بشدة عموم التيار الفكري الوضعي التحليلي.

واعتمد المؤلف في دراسته لفلسفة فتجنشتاين على مؤلفاته نفسها فضلاً عن بعض محاضراته بالجامعة، وكذلك محاضراته الخاصة التي نشرت في الكتابين «الأزرق» و«البني»، وأيضاً ملاحظاته عن المنطق والرياضيات كما رجع كذلك إلى ما نشر من رسائله إلى براترند راسل، ولم يكن ذلك بالمهمة اليسيرة نظراً لصعوبة كتاباته وتعقيداتها حتى إن كثيرين من تلامذته والباحثين عموماً كانوا يصفونه بـ«الفيلسوف المتعب للغاية».

ولد لودفيغ يوهان فتجنشتاين في السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1889 وكان والده مهندساً مرموقاً يشغل منصباً قيادياً في صناعة الحديد والصلب بالنمسا، كما كان لأم فتجنشتين أثر بالغ في خلق الميل الفني القوي في الأسرة، فقد كانت هي وزوجها موسيقيين من الدرجة الأولى حتى لقد أصبح المنزل في وقت ما مركزاً لحياة موسيقية جميلة وخاصة حينما كان يتردد عليهم صديق الأسرة الحميم يوهان برامز، الموسيقار العالمي الشهير.

اهتم فتجنشتاين أثناء دراسته في «كامبريدج» بالفلسفة وبأسس الرياضيات الحديثة اهتماماً كبيراً كما استفاد من النشاط الفكري الضخم الذي كان موجوداً في الجامعة قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ كان راسل في أوج تفكيره الفلسفي والمنطقي وأخرج هو وألفريد نورث هوايتهد كتابهما «مبادئ الرياضيات» الذي يعد أحد العلامات المميزة في تاريخ المنطق.

على الرغم من اكتساب فتجنشتاين في إنجلترا للجنسية الإنجليزية، فإنه لم يكن معجباً بأساليب الإنجليز في الحياة كما كان يكره الجو الأكاديمي في كامبريدج في ذلك الوقت وحينما انتهت مدة زمالته في كلية ترينتي عام 1930 فكر في زيارة الاتحاد السوفياتي وزاره بالفعل مع أحد أصدقائه. وحين توفي في 29 أبريل 1951 في منزل الطبيب الذي كان يعالجه في بريطانيا، كانت آخر عبارة قالها لزوجة الطبيب: «قولي لهم إنني قد عشت حياة رائعة».

مال إلى البساطة في كل شيء وكان ذلك واضحاً من ملابسه ومن أثاث حجراته في الجامعة، فلم يكن يتمسك في ملابسه بالطريقة التقليدية مثل الأساتذة بل كان يرتدي دائماً بنطلوناً خفيفاً وقميصاً مفتوح الصدر بلا رباط عنق. وتكشف طريقته في إلقاء محاضراته عن أكثر من جانب من جوانب شخصيته، مثل البساطة والجدية والإخلاص للعمل والحب الشديد للحق وأحياناً الخشونة والجفاء والقسوة.

يؤكد فتجنشتاين أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت

لم تكن محاضراته تأخذ الطابع التقليدي، وإنما كانت أشبه باجتماعات برغم إصراره على تسميتها بالمحاضرات. كان يتكلم بلغة إنجليزية وبلهجة الرجل الإنجليزي المثقف وكان صوته رناناً عالي النبرة، وإن لم يكن منفراً، ولم تكن الكلمات تخرج من فمه متدفقة، بل بعد جهد كبير. وجهه كان سريع الحركة بطريقة ملحوظة كما كان معبراً جداً أثناء الحديث وكانت عيناه عميقتين، وغالباً ما كانتا تحملان شيئاً من القسوة في التعبير.

لم تكن مؤلفات فتجنشتاين كثيرة متعددة حتى إنه لم ينشر في حياته إلا كتاباً واحداً هو «رسالة منطقية فلسفية» ومقالاً له بعنوان «بعض ملاحظات على الصورة المنطقية» وبقية ما نشر عدا ذلك كان كله بعد وفاته.

وأهم ما يلاحظ في كتاباته خلوها تماماً من كل زخرفة أدبية أو رطانة في الأسلوب، فنجدها بسيطة قوية تعتمد على خصوبة الخيال، وهو ما تأثر بها كثير من الأدباء لاحقاً. استخدم التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية، فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم إلى مجموعة من الوقائع أو رد اللغة إلى عدة قضايا أو رد المعنى إلى طريقة استخدامنا للألفاظ، إنما هو يستخدمه لكي يوصله إلى غاية أبعد من ذلك، وهي توضيح المشكلات الفلسفية التي إذا ما وضع معظمها تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلاً، على حد تعبيره.

وقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً دقيقاً بقوله: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كُتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل هي خالية من المعنى، فلسنا نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، فهي أسئلة من نوع السؤال الذي يبحث فيما إذا كان الخير هو نفسه الشيء الجميل على وجه التقريب، وإذن فلا عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكلات ليست في حقيقتها مشكلات على الإطلاق».


«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية
TT

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل في حياة ومسيرة عدد من المبدعين والمفكرين والفنانين المؤثرين في مجالاتهم، مستخدماً الصورة القلمية في رسم ملامحهم الثقافية والشخصية، مازجاً المعلومة بالتأويل، ومطوفاً حول عدد من الرموز الثقافية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، في مجالات معرفية مختلفة، كنوع من التحية لهم ولمنجزهم وتراثهم، الذي يمثل زاداً ثقافياً مهماً لمن جاء بعدهم من أجيال لاحقة، حتى لو اختلفوا مع تلك المنجزات.

الكتاب الصادر في القاهرة عن «دار المعارف» يبتعد فيه مؤلفه عن الكتابة الأكاديمية والنقدية التي يتوقعها القارئ من ناقد وأكاديمي، مفضلاً أن يقدم أسلافه عبر لغة رشيقة ومكثفة، لا تخلو من التقدير والإعجاب والتأثر بهؤلاء الرموز، لكن دون تقديس، يقول في المقدمة: «لم يتحمس الكتاب للشخصيات وإن لم ينكر محبتها، ولم يرتد ثوب الدفاع عنها، وإن اعترف بوجود مثالب فيها، وتعامل مع العيوب والنقائص بوصفها جزءاً من طبيعتها البشرية، وركز على أبعاد الإنجاز لديها، واعتبرها مكمن التميز وسط أمواج من العاديين»، فقد حاول الجابري رسم صور لشخصيات احتلت في قلوب الأجيال وعقولها مكانة رائقة، لاستكشاف مفتاح كل شخصية.

يقدم الكتاب بورتريهات عن 16 شخصية ثقافية شهيرة، هم: أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، وعاطف الطيب.

يبدأ الكتاب ببورتريه عن الصحافية المصرية الرائدة، والناشطة النسوية، أمينة السعيد، التي كانت ضمن أول دفعة جامعية تضم فتيات، والتي ترأست دار الهلال العريقة، فكانت أول امرأة تترأس مؤسسة صحافية، وتولت رئاسة تحرير مجلة «حواء»، كما كانت وكيلة نقابة الصحافيين في سابقة لا تتكرر كثيراً. وبعيداً عن الصحافة، كتبت القصة القصيرة، وكانت في أعمالها الأدبية تركز على المثالب الاجتماعية ونقد المجتمع ومشكلاته ومناقشة عاداته المتجمدة وعيوبه الداخلية. ويركز المؤلف على علاقتها بأبيها الذي أصر على أن تكمل دراستها الجامعية ولا تتزوج قبل إنهائها، وكان هذا وعدها له، ثم علاقته بزوجها بعد ذلك، ويرى الجابري أنه بسبب هذه العوامل «لا تجد عند أمينة السعيد نزق النسويين الجدد، أو كراهية مخبوءة للرجل دون داع».

وينتقل الكتاب إلى مي زيادة، وأثرها في الحياة الثقافية العربية، رغم محاولة حبسها في الرسائل المتبادلة بينها وبين العديد من المثقفين، ويرى المؤلف أن مي «لم يجن عليها شيء مثل انفتاحها على الآخرين فتعددت صورها، حتى لم يبق إلا ظلال لا تعكس شيئاً قاطعاً، فمي التي رسمها العقاد تختلف عن التي رسمها شبلي شميل، عن صورتها لدى الأب أنستاس الكرملي، عنها لدى الرافعي وطه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وولي الدين يكن وأنطون الجميل وغيرهم. لقد اقتربوا جميعاً منها، وكل منهم رآها من وجهة نظره هو، فظن أن روايته هي الزاوية الفاصلة الحقيقية الوحيدة، حتى كأن الإنسانة ليس لها وجود، وإنما هناك وجود لظلالها، وانعكاسات لرسمها، وأشكال لسطورها على الورق».

ويبدأ بورتريه جمال الدين الأفغاني بمشهد شديد الجدة، وهو مشهد أحفاده وهم يتعلقون بالطائرة الأميركية هرباً مما يخشون منه في بلادهم، ورغبة في الهرب منها فوق طائرة المستعمر، في حين كان جدهم الأفغاني يحمل على عاتقه طوال مسيرته مناهضة الاستعمار، وانتقل بين مصر والهند وعدة دول أخرى منادياً بالتحرر من الاستعمار، ويعرج المؤلف على جهوده في الصحافة والفكر والتجديد، وعلاقته بتلاميذه مثل الإمام محمد عبده وغيره، وكراهية الحكام له، وطرده من أكثر من بلد، لأنه كان مصدر خطر لكثير منهم، ويرتابون في وجوده في بلادهم.

ينتقل الكتاب بعد ذلك للناقد والصحافي المصري رجاء النقاش، المعروف عنه أنه كان مكتشف الأصوات الإبداعية الجديدة، فقد كتب عن الطيب صالح ومحمود درويش في بداياتهما، وكانت كتابته النقدية نموذجاً للتوسط بين الأكاديمية الجافة والتغطية الصحافية السريعة، وكتب عن الشعر والقصة والرواية والمسرح، وقد ترأس مجلتي الهلال والكواكب في مصر، و«الراية» و«الدوحة» في قطر، وتنقل بين صحف ومجلات روزاليوسف والأخبار، وأحيا الصحافة الثقافية بعد ركودها لفترة.

وفي بورتريه عن الأكاديمية والناقدة سهير القلماوي، يرصد الجابري مواطن رياداتها المتعددة وقتالها على جبهات لا تنتهي، فقد كانت أول فتاة تحصل على الماجستير تحت إشراف طه حسين في جامعة القاهرة، فكانت تلميذته النجيبة، وسافرت إلى فرنسا لإعداد رسالتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة»، وقد كافحت للاعتراف بالأدب الشعبي إلى جوار الآداب الرسمية، كما كانت أول أستاذة في جامعة القاهرة وأول امرأة تتولى رئاسة قسم اللغة العربية، وأول رئيسة للهيئة العامة للكتاب، وهي التي أطلقت معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، كما كانت لها الريادة في أدب الأطفال، والكتابة فيه، والمطالبة بالاهتمام به، فضلاً عن حضورها الثقافي خارج جدران الجامعة، ومحاولة مواكبة أحدث المناهج النقدية التي كانت جديدة آنذاك.

ويرسم الكتاب صورة للكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية الدكتورة لطيفة الزيات، التي «جسدت حياتها مرحلة من الجهد النسائي، حتى شكلت حضوراً طاغياً لوجوهها المتعددة؛ مناضلة سياسية أو مترجمة أو أستاذة جامعية أو مبدعة سرد من عيار فريد»، ويتوقف عند أهمية عدد من أعمالها الأدبية والسيرية مثل «الباب المفتوح» و«الشيخوخة» و«حملة تفتيش» و«أوراق شخصية» و«صاحبة البيت» و«الرجل الذي عرف تهمته»، وكذلك عند منهجها في النقد.

وعن يحيى حقي، الموظف ذي الأصول التركية والهوى الصعيدي، يقول إنه خرج من تجربة عمله في وزارة الخارجية برؤية أكثر اتساعاً، فزار تركيا وإيطاليا وفرنسا والسعودية، بما أتاح بعداً إنسانياً واضحاً لتجربته، تجاور فيها الغربي مع غيره من التأثيرات، هذا الخليط الذي جمع المتفرقات، فتعلم التركية والألمانية والإيطالية، مضيفاً إلى الموروث المصريٍ نظيره العربي، الذي يحل بالقوة داخل الوعي المصري وظواهره، وكلك أثر الثقافة العربية على سواها.

وتتوالى البورتريهات التي تحاول التقاط ما هو جوهري في كل شخصية من التي يتناولها الكتاب، بعناوين تحاول تلخيص روح كل شخصية، مثل «عبد الحميد جودة السحار... حتمية التقاء السينما بالأدب»، و«عبد الرحمن شكري... الرائد المنسي والمنسحب النبيل»، و«أحمد أمين يسدد الكثير من ديون التراث»، و«الإمام محمد عبده الإصلاحي الذي رحل سريعاً»، و«جورجي زيدان أو الناهض للتحيزات»، و«أسامة أنور عكاشة... سيناريست بدرجة مناضل»، و«سعد الله ونوس... أمواج مسرحية وموسيقار كبير»، و«ميخائيل نعيمة والتمرد على النمط»، و«عاطف الطيب... العزف بالكاميرا».


صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر
TT

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض، عن الغياب والبحث عن الحكايات التي تقال، وتلك التي تظل مدفونة في الحجر والجسد والخرائط القديمة، عبر سرد يمتزج فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالروح، والقرية بالميناء، في نسيج سردي نابض بالحياة، ويلامس أسئلة الإنسان الكبرى: عن العدالة والخلاص والمعنى.

في مصر أثناء القرن التاسع عشر، بين انتشار الطاعون، والصراع الخفي بين الإمبراطوريات، يصل الطبيب الإنجليزي كامبل إلى الإسكندرية، باحثاً عن رائحة الأرض الحقيقية، وحقيقة نفسه الممزقة بين الحنين والخسارة، إذ تلاحقه ذكرى ابنته «ليزا» التي اختفت مع أمها، ويقوده قدره إلى أعماق مجتمع مكلوم، تتشابك فيه خرافات الخلاص مع يقين العلم، وتلتبس فيه المعجزة بالداء. وفي قلب هذا العالم، يقف الروزنامجي، كاتب الضرائب الذي يعرف كيف تباع القرى وتوزع الأحلام، ليسجل بأمانة زائفة تقسيم البلاد والعباد.

الرواية حافلة بالشخصيات مختلفة المرجعيات الثقافية والاجتماعية والعرقية والدينية، بما يجعلها ساحة للحوار والجدل الثقافي والسياسي، خصوصاً في لحظات سياسية مأزومة، ووباء يطارد الجميع، فضلاً عن الأزمات الشخصية والوجودية لكل منهم، وتساؤلاته الروحية العميقة، وتتوزع الأحداث على خمسة فصول رئيسة، كل منها له عنوان، وهي: كامبل الإنجليزي، حياة النفوس، دلال الحبشية، المتصاحبون، الروزنامجي. وعلى مدار هذ الفصول يتنامى الصراع على السلطة والوجود والأفكار والمكتسبات، بل على الحياة، إذ تفتتح الرواية أحداثها على الوباء وانتشاره، واحتجاز الناس في محجر صحي انتظاراً للموت الذي يفتك بهم، دون العثور على دواء مناسب يعطي بعضاً من الأمل، وفي ظل هذه الأجواء يتصارع الوعي الخرافي والعقل العلمي.

يذكر أن هشام البواردي روائي مصري، من مواليد 1977 بمحافظة المنصورة، شمال القاهرة، وحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الأزهر عام 2000، وحصل على المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية عن روايته «الحياة عند عتبات الموت»، كما وصلت روايته «الرجل النملة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الأدبية عام 2017.

من أجواء الرواية: «تحولت الأمتعة والملابس إلى كتلة من رماد أسود، يعبث به الهواء ويطير، أمرهم كامبل ألا يدخلوا الدير مرة أخرى، وألا يقربوه، وألا يقيموا حتى صلواتهم على عتباته، وأن يتفرقوا في الأرض لو أحبوا. فزعوا من طلبه، وجُنُّوا حين طالبهم بإحضار الجير والتحاريق حتى يطهر الدير. فتح حقيبته وبحث عن قلم، عن دهان، عن لون يرسم به العلامة النكدة على بابه، وأخبرهم أن المكان موبوء، ويجب فعل هذا حفاظاً على الإنسان والحياة. اندفع الرهبان، جميعهم، ناحية كامبل، وحملوه، وقذفوا به بعيداً عن باب الدير. وتسلح كل واحد منهم بكل ما استطاع من أسلحة للاعتداء عليه لو نهاهم، وقالوا في نفس واحد: من أنت حتى تحظر بيت الرب وتمنع الخراف من دخوله؟! لم تقدر على فعل شيء للخادم أيها العاجز، فلتفعل شيئاً يُذهب الطاعون، لو تقدر».