بدأت الدول الأفريقية الست المشاركة في مبادرة إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية اتصالات مكثفة تمهيداً لتحديد جدول أعمال زيارة مرتقبة لكييف وموسكو، وسط معلومات عن «تحركات لمبعوثين في العاصمتين لاستكشاف المواقف والترتيب للخطوات المقبلة».
وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ«الشرق الأوسط»، أمس (الثلاثاء)، إن «مبعوثاً من جانب الدول الشريكة في المبادرة أجرى زيارة لم يعلن عن تفاصيلها إلى العاصمة الروسية قبل أيام، وأجرى مباحثات مع مسؤولين هناك، وإن هناك زيارة أخرى مماثلة مقررة إلى العاصمة الأوكرانية»، لافتاً إلى أن هدف الزيارة «تَركز على استكشاف مدى التجاوب الذي يمكن أن تبديه أطراف النزاع مع المبادرة».
وكان رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، قد أعلن في 16 مايو (أيار) الحالي، أن 6 دول أفريقية هي: «جنوب أفريقيا، ومصر، وزامبيا، وجمهورية الكونغو، والسنغال، وأوغندا» طرحت مبادرة مشتركة «للبحث عن حل سلمي للصراع في أوكرانيا»، وأن المبادرة تتضمن أن «تقبل أوكرانيا فتح محادثات سلام مع روسيا حتى مع بقاء القوات الروسية على أراضيها»، مشيراً إلى أن «السلطات الروسية والأوكرانية اتفقت على استقبال وفد أفريقي».
وأوضح المصدر الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» طالباً عدم الكشف عن هويته، أن «زيارة زعماء الدول التي طرحت مبادرة إنهاء الحرب لعاصمتَي طرفَي النزاع لا تزال محل ترتيب»، مستدركاً: «الموعد المطروح مبدئياً في مطلع يونيو (حزيران) المقبل، لكنّ الترتيبات النهائية تتوقف على نتائج الاتصالات الجارية، سواء مع طرفَي النزاع، أو بين قادة الدول الست».
ووصف المصدر الاتصالات الجارية حالياً بـ«الصعبة، والمعقَّدة»، لافتاً إلى «تمسك كل طرف بمواقف واشتراطات يراها ضرورية قبل بدء المباحثات».
وكانت أوكرانيا قد أعلنت في مواقف سابقة أن القوات الروسية يجب أن تنسحب من أراضيها قبل بدء أي محادثات، بينما تريد موسكو أن تعترف كييف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها من أوكرانيا في 2014، كشرط مسبق للمفاوضات.
وأضاف المصدر أنه «لم يتم حتى الآن طرح صياغة نهائية لبنود المبادرة»، مشيراً إلى أن المطروح حالياً يتضمن وقفاً فورياً وشاملاً لإطلاق النار مع بقاء القوات في مواقعها مؤقتاً، تعقبها استضافة مباحثات مباشرة أو غير مباشرة في إحدى العواصم الأفريقية الست للدول أطراف المبادرة، لإطلاق مسار جدّي وأكثر تقدماً للسلام».
ووصف المصدر الاتصالات الجارية حالياً بأنها «سباق مع الزمن»، مؤكداً حرص الدول الست صاحبة المبادرة على التوصل إلى «اختراق ما» قبل القمة الروسية - الأفريقية، المقرر عقدها في مدينة سان بطرسبرغ في النصف الثاني من يوليو (تموز) المقبل.
وأعلن مسؤولون روس وأوكرانيون عقب إعلان المبادرة عن ترحيبهم بها، دون الإفصاح عن إجراءات أو ترتيبات تتعلق بالتنفيذ، كما أعلنت «مفوضية الاتحاد الأفريقي»، و«الأمم المتحدة»، دعمهما لأي جهد يصب باتجاه إنهاء الصراع.
وأعرب متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في تعليق على الخطة الأفريقية، عن «الترحيب بأي جهد ناجح لإقناع (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين بإنهاء حربه العدوانية على الأراضي»، على حد وصفه.
من جانبها، وصفت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمختصة بالعلاقات الدولية، المبادرة الأفريقية بأنها «تعبّر عن تطلعات دول الجنوب لإنهاء الأزمة في أوكرانيا»، لافتةً إلى أن «دول الجنوب تحملت العبء الأكبر على مدى أكثر من عام جراء تداعيات الحرب، وأن تقارير الأمم المتحدة تشير بوضوح إلى أن الدول الأفريقية هي الأشد معاناة على كل المستويات».
وحول توقعاتها لفرص نجاح المبادرة الأفريقية في إحلال السلام، في ضوء الاتصالات الجارية حالياً، قالت الشيخ لـ«الشرق الأوسط»، إن المبادرة «جهد مشكور ومطلوب وتمثل صرخة حقيقية من دول الجنوب»، لكنها أضافت أن «الاختراقات الرئيسية في الأزمة في يد الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً».
وأشارت الشيخ إلى أن المواقف التي أعلنتها الدول الغربية عقب القمة الأخيرة لمجموعة السبع في اليابان مؤخراً «لا توحي بأن هناك اتجاهاً لقبول تسوية سلمية للأزمة، وهناك أيضاً مؤشرات لاستنزاف القدرات الروسية، عبر التمسك بتزويد كييف بالأسلحة، بل تقديم أسلحة أكثر تقدماً وطائرات مقاتلة».
ولفتت الشيخ إلى أن «كييف كانت على مقربة من توقيع مسودة اتفاق للسلام في إسطنبول قبل فترة، إلا أن الضغوط الأميركية دفعتها إلى التراجع ومواصلة القتال، وهو ما يعني أن قرار إنهاء القتال لا يرتبط فقط بأطراف النزاع المباشرين، وأن الترحيب الأميركي بالمبادرة الأفريقية لا يتجاوز كونه موقفاً دبلوماسياً».
يُذكر أن البلدان الأفريقية واجهت أضراراً متعددة جراء تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، نتيجة ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة، إذ تعد القارة من أكبر مستوردي الحبوب من البلدين المتصارعين، إضافةً إلى ما واجهته القارة من تراجع في معدلات الاستثمار والسياحة، حيث تعد روسيا مصدراً حيوياً للسياحة إلى القارة، وبخاصة لمصر وسيشل.