فريدريك مال لـ («الشرق الأوسط»): العود أكبر كذبة في صناعة العطور حاليًا

المايسترو الذي أخرج العطارين من الظل وحوَّلهم إلى نجوم

فريديريك مال
فريديريك مال
TT

فريدريك مال لـ («الشرق الأوسط»): العود أكبر كذبة في صناعة العطور حاليًا

فريديريك مال
فريديريك مال

عندما تُذكر أسماء عطارين أتحفونا بعطور فاخرة، فإن أسماء كثيرة تتبادر إلى الذهن من جون كلود إلينا، بيير بوردون، ودومينيك روبيون إلى إدوارد فليشيير، وأوليفيا جياكوبيتي، وموريس روسيل، مرورا بإدمون رودنيتسكا، وآخرين، لكن عندما يُذكر اسم خبير عطور بمرتبة مايسترو أمين على صناعتها وحريص على الحفاظ على تميزها، فهناك اسم واحد في الساحة العالمية حاليًا وهو فريدريك مال، مؤسس دار «إيديشن دو بارفان» Editions de Parfums.
عندما أسس هذه الدار في عام 2000، كانت فكرته تتلخص في الارتقاء بهذه الصناعة إلى مستوى فني بعيد عن الابتذال التجاري. اختار عشرة من أكبر العطارين واقترح على كل واحد منهم ابتكار عطر لا تنازلات فيه من ناحية الخامات أو الوقت الذي يستغرقه أو التكاليف، على شرط أن تأتي النتيجة بالمستوى الذي يطمح إليه. كان مقتنعًا بأنه: «عندما تختار أحسن عطار وأفضل الخلاصات فإن المتعة تكتمل».
ما قام به فريدريك مال أيضًا أنه رد لهؤلاء العطارين الاعتبار، بكتابة أسمائهم بالبنط العريض على ابتكاراتهم، عوض بقائهم في الظل كما كان الحال في السابق عندما كانت مهمتهم تنتهي بمجرد توصلهم للخلطة التي تبيع لبيوت الأزياء وشركات التجميل الكبيرة. وبالفعل راقت الفكرة لهم، ولم يترددوا في التعاون معه، ما كان ثمرته حتى الآن عطورًا لا مثيل لها مثل «كارنال فلاور»، و«بورتريت أوف ألايدي»، و«لو بارفان دو تيريز»، و«إين فلور دو كاسي»، و«فتيفير إكسترا أوردينير»، وأخيرا وليس آخرًا «ليل»، العطر المستوحى من الشرق وموجه إليه.
غني عن القول إن هذه الخطوة أثارت الانتباه والإعجاب، واقتدت بها شركات العطور وبيوت الأزياء. فالآن أصبح للعطارين اسم وصورة، ولا يكتمل حفل إطلاق أي عطر من دون حضور «الأنف» المبتكر، لما يعطيه حضوره من ثقل للعطر. وهذا يعني أن فريدريك مال أخرجهم من الظل وحوَّلهم إلى نجوم.
في لقاء خص به «الشرق الأوسط» مؤخرًا، بمحله الجديد بـ«14 بيرلينغتون أركايد» 14 Burlington Arcade بمنطقة مايفير، تحدث مال عن علاقته بالشرق الأوسط وفلسفته في صناعة العطور عمومًا، مؤكدًا أنه يرى أن مهمته تتلخص في إعادة الحميمية والتميز لهذه الصناعة بعد أن أصبحت تجارية إلى أقصى حد، وأصبح الكل يستسهلها جريًا وراء الكسب، موضحًا: «عندما يكون طموحك إغراء كل الناس، فإنك تصبح مملاً وتفقد روحك وشخصيتك».
ما تجدر الإشارة إليه أن فريدريك ليس عطارًا بالمعنى المتعارف عليه، فهو لا يخلطها ويبتكرها، لكنه يفهم كل تقنياتها وأسرار مكوناتها، وكأنها كتاب مفتوح حفظه عن ظهر قلب منذ ولادته، بحكم أنه ولد في أسرة تتقن لغة العطور، وبيت تفوح من بين جدرانه روائحها الغنية. فجده هو سيرج هيفتلر، مؤسس عطور كريستيان ديور، ووالدته كانت مديرة فنية في نفس الدار، كما كانت الشقة التي ولد ونشأ فيها ملكًا في فترة من الفترات لجون بول غيرلان، العطار المشهور، وهو ما يعلق عليه مبتسمًا: «كنت أشم العطور في الجدران».
أول ما يواجهك عندما تدخل محله في رواق «بيرلينغتون» بمايفير، إلى جانب القارورات المرصوصة على الأرفف الخشبية، صور بالأبيض والأسود لكل العطارين الذين تعاون معهم حتى الآن. يشرح بأن العلاقة التي تربطه بهم، مبنية على مفهوم المشاركة والاحترام أكثر منها مجرد علاقة عمل تنتهي بانتهاء العمل، مشبهًا نفسه برئيس تحرير «عطور»، يقترح فكرته، ويترك للمحررين أو «المؤلفين» مطلق الحرية في صياغتها حسب رؤيتهم. ولأنه مقتنع تمامًا بقدراتهم الإبداعية، فهو لا يتدخل إلا في بعض الحالات النادرة جدًا. وطبعًا هذه العطور المتميزة، تحتاج إلى محلات تليق بها وتتوجه إلى زبائن أكبر، لهذا بعد باريس، افتتح محلاً في نيويورك، صممه المهندس ستيفن هال، وأخيرًا وليس آخرًا وصل إلى لندن، معترفًا بأنه تردد طويلاً قبل أن يتخذ هذه الخطوة، لأنه لم يكن متحمسًا للندن، لأنها أصبحت وجهة متوقعة بالنسبة للكل وهو يختلف عن الكل. يشرح: «كنت أفكر في روما، لكن لم يتحقق الأمر، وعندما أصبحت لندن خيارًا لا بديل عنه، كان لا بد أن تتم العملية بشروطي وبمنظوري الخاص، بأن يكون المحل في موقع مميز بمعماره وجيرانه، وأصدقك القول إنني عندما زرت رواق (بيرلينغتون) هذا شعرت أن وقت النقلة قد حان»، مضيفا أن «التسوق والتسرع لا يتماشيان مع بعض.. فللتسوق متعة يجب تذوقها ببطء، وهذا ما يوحي به هذا الرواق.. كل ما أتمناه ألا يخضع لتغييرات عصرية جذرية، وأن تبقى فيه محلات الجواهر لأنها تضفي عليه بريقًا». تجدر الإشارة هنا إلى أن الرواق قد يتحول قريبًا إلى وجهة لعشاق العطور، فبعد «شانيل» و«بينغهاليون» و«فريدريك مال» ستُفتتح فيه قريبًا محلات لكل من «روجا داف» و«باي كيليان».
عندما تدخل محل «فريدريك مال» حضر نفسك بألا تتفاجأ بمساحته الصغيرة، رغم أنه يمتد على ثلاثة طوابق، ولا ببساطة ديكوره الذي تغلب عليه ألوان الخشب الدافئة وعلب العطور الحمراء والسوداء المتراصة جنب بعض، والتي أضفت عليها صور بالأبيض والأسود لكل العطارين الذين تعاون معهم حتى الآن واحتلت جدارًا بالكامل، لمسة فنية، فسرعان ما ستكتشف أن المحل مثل قارورة ثمينة ما إن تفتحها حتى تدهشك بما تكتنزه بداخلها. صغر المكان وديكوره المرتب، يجعل نصبًا أنبوبيًا مستديرًا في الوسط يمتد من الأرض إلى السقف تقريبًا، يبدو نشازًا للوهلة الأولى خصوصًا إذا اعتقدت، مثلي، أنه قطعة فنية معاصرة مستوحاة من مسلسل «ستار تريك»، لكنك ستغير رأيك سريعًا عندما يضخ مدير المحل، عطرًا بداخله ويسألك أن تدخل رأسك من خلال باب جانبي لشمها. فهذه طريقة جديدة للتعرف على العطر الذي اخترته من دون حاجة إلى تجربته على بشرتك.
بمجرد صعودنا إلى الطابق الأول وجلوسنا يعود فريدريك مال للحديث عن سبب اختياره لهذا الموقع بالذات موضحًا أنه كان بإمكانه الاكتفاء بباريس لا يخرج منها، وخصوصًا أن اسمه انتشر بين النخبة، لكن العصر يتطلب افتتاح محلات جديدة وربط علاقات مع زبائن جدد من أسواق بعيدة، وهو ما اضطر إلى احترامه، لكن بشروطه الخاصة حتى يحافظ على شخصيته وروحه.
يقول إن بدايته كانت في منطقة «سان جيرمان» الباريسية، وليس في شارع سانت هونوريه أو جادة «الشانزاليزيه»، حيث يتقاطر السياح، إلا أن لكل مرحلة استراتيجياتها، حسب رأيه: «فعندما تكون في بداية الطريق، يكون لك زبائن من النوع الفضولي الذي يكون منفتحًا على الاستكشاف، وهو أمر رائع جدًا، لكن عندما تكبر شركتك، يصبح الوجود في موقع يسهل وصول الزبائن من كل النوعيات إليه أمرًا ضروريًا.. لحسن الحظ أن لا أحد سيصاب بخيبة الأمل عندما يأتي إلى هذا الرواق لأنه سيستمتع بمعماره المميز وما يقدمه من منتجات فريدة».
لم تكن فكرة افتتاح محل في منطقة «نايتسبريدج»، مثلاً، مطروحة بالنسبة له لأنها «تفتقد إلى الحميمية»، كما لم تكن واردة في «سلوان ستريت»، لأنه «كلاسيكيًا إلى حد الملل ولا يتمتع بأي جاذبية»، حسب قوله. فكر في مناطق أخرى مثل «بورتوبيلو» و«نوتينهيل غايت»، لكنه وجدها «إنجليزية محضة ذات طابع محلي، بينما لندن عاصمة عالمية، لهذا كان الخيار الأمثل هو منطقة مايفير، التي خضعت لعمليات تجميل ناجحة جدًا في السنوات الأخيرة جعلتها منطقة جذب لصناع المنتجات الفاخرة».
عندما أشير إلى أن كل العطارين تقريبًا يحلمون بدخول محلات «هارودز» كونها البيت الثاني للعرب، يقاطعني قائلاً: «لا تفهميني خطأ، هناك فرق بين أن أوجد بداخل (هارودز) أو في منطقة (نايتسبريدج). الكل يعتقدون أنهم عندما يفتتحون محلات في المنطقة، سينالهم بعض من النجاح التجاري، والحقيقة أن الزبون الذي نستهدف، يستقل سيارته الخاصة أو تاكسي ويذهب إلى وجهة أخرى من دون أن يلتفت إلى المحلات المجاورة، بمجرد خروجه من (هارودز)». يسكت لبضع ثوانٍ وهو يفكر قبل أن يضيف: «ثم إنني لو اخترت تلك المنطقة، لكنت كمن يقول إنني هناك من أجل السياح والربح السريع، وهو ما أرى فيه بعض الابتذال وعدم الاحترام للذات وللزوار في آنٍ واحد».
نفس الأمر ينطبق على موضة «العود»، التي ركبها معظم العطارين، إن لم نقل كلهم، في محاولة واضحة لجذب المتسوق العربي تحديدًا.
هذا التودد المبالغ فيه لا يناسب حسه الباريسي الرفيع، لما فيه من استسهال يرفضه بكل جوارحه، مع أنه كرر مرارًا خلال المقابلة، أنه يحترم الذوق العربي ويريد أن يلبيه، بدليل أنه استعمل العود في عطره الأخير، لكنه أكد أنه وضع شرطًا مهمًا نصب عينيه، وهو أن يبتكره بطريقة مختلفة تمامًا عما هو متوفر في السوق.
فعلاقته بمنطقة الشرق الأوسط ليست وليدة الساعة، بل بدأت منذ أكثر من 12 سنة تقريبًا عندما كانت «دبي مجرد مشروع على ورق تقريبًا، وحركة البناء فيها لا تتوقف، حيث تظهر شوارع ممتدة بلا نهاية على تلال من الرمل.. أتذكر مجمعات التسوق وكيف كانت أكبر وأفضل من المجمعات الأميركية، لكنها تبقى في نظري مجرد مجمعات ضخمة تفتقد إلى الحميمية. كنت مبهورًا بطموح المشروع، ومع ذلك رفضت عندما عرضت علي فرصة كبيرة للعمل هناك. لقد خفت على نفسي أن أدمن على الربح السهل، كما هو الحال بالنسبة لبعض من قاموا بهذه الخطوة في ذلك الحين. فما اعتبره البعض مكانًا بعيدًا عن أوروبا آنذاك، يمكن أن يبيعوا فيه أي شيء، أصبح مفتوحًا على كل العالم، والوصول إليه سهلاً كما أن سكانه يسافرون إلى كل البقاع في الصيف بما فيها باريس ولندن».
كان فريدريك حينها شابًا يحلم بتأسيس دارًا راقية مبنية على الترف أولاً قبل أن يفكر في التوجه إلى دبي أو غيرها، واستغرقه الأمر 12 عامًا، لكنه حقق هدفه بطريقة عضوية، وبمساعدة أفراد من عائلة الطاير، الذين فتحوا له أبواب هارفي نيكولز بـ«مال الإمارات» و«بلوميندايل» بـ«دبي مال».
يبدو أن الحديث عن دبي فتح شهيته للحديث عن منطقة الشرق الأوسط، ومدى افتتانه بثقافتها الساحرة وغموضها، لأنه سارع بالإشارة إلى أنه كان حريصًا على ألا يطرح لها عطرًا عاديًا يكون موضة عابرة، وخصوصًا أنه لا علاقات جيدة بأفضل العطارين في العالم، ويمكنه الوصول إلى أجود الخلاصات والمكونات.
وبالفعل وقع اختياره على العطار المحترف دومينيك روبيون، الذي رحب بالمهمة ورافقه إلى الشرق الأوسط للتعرف على الثقافة عن قرب، أو كما قال فريدريك «لدراسة لغة العطور». استغرقهما الأمر عدة سنوات، وبعد أن تيقنا بأنهما أتقنا هذه اللغة، قررا البدء في عملية الابتكار. يشير: «نعم استغرقت العملية سنوات، قضيناها في التعرف على الروائح في الأسواق وكيفية خلطها وتقطيرها، فضلاً عن البحث عن أفضل أنواع العود». يعلق ضاحكًا: «يمكنك تشبيه عملية شراء العود الجيد في هذه الأسواق بشراء المخدرات، لما تكتنفها من سرية ومناقشات عن أصفى الأنواع وأكثرها ندرة». وحتى يختلف، قرر استعمال العود كأساس فقط، لهذا لم ير داعيًا للإشارة إليه في الاسم بشكل مباشر، عدا أن «إضافة كلمة عود إهانة لذكاء الزبون»، حسب رأيه، أي طريقة رخيصة للتسويق.
كان مهمًا بالنسبة له أن ينطلق من فكرة عربية رومانسية، ولم يجد أقوى من صورة الليل جمالاً وشاعرية في المخيلة العربية «ففي الليل تبدأ حياة جديدة مليئة بالغموض والسحر، حيث تتلألأ السماء بالنجوم ويحلو السهر والسمر»، ما أوحى له بإطلاق «ليل» على عطره العربي. عطر يشكل فيه العود نسبة الربع، وهو ما يعتبر نسبة عالية عندما يكون صافيًا وبجودة عالية، وأضاف إليه كمية وافرة من الورود، تم تقطيرها بعناية كبيرة، لترقى به إلى مستوى غير عادي، سواء تعلق الأمر بخلاصة الورد التركي، أو بورد بلغاريا، الذي يتمتع برائحة مثل التبغ، وفي الأخير جعل كل هذه المكونات ترقص على نغمات من المسك والعنبر ما زاد من قوة وسحر «ليل».
في لحظة صراحة، يتبرع فريدريك مال بالقول إن أغلب العطارين لا يستعملون العود الحقيقي، وفي أحسن الحالات يستعملونه بنسب قليلة جدًا: «95 في المائة منهم يكذبون أو يبالغون عندما يقولون العكس.. هناك الكثير من الكذب في هذه الصناعة، فمرة قال لي أحدهم إنه صنع عطرًا لدوق ويندسور، رغم أني تابعت ولادة هذا العطر، وأعرف جيدًا أنه لم يصنع إلا بعد 10 سنوات من وفاة الدوق. هذا يعني أنه بإمكان أي أحد أن يقول أي شيء للتسويق، ومن دون متابعة، وهو ما يحدث كثيرًا للأسف. نفس الشيء بالنسبة للعود، فهو أكبر كذبة في صناعتنا حاليًا، لأنه كلمة السحر بالنسبة للدعاة، وهذا ما جعلني أتجنب استعماله في العنوان، وفضلت عليها (ليل). والحقيقة، إني سعيد جدًا باختياري، لأنه يجعلني أحلم ويأخذني بعيدًا، وهذا هو دور العطر أساسًا». وربما هذا ما يفسر أنه مع الوقت وجد أن أكبر تحدٍ أمامه ليس منافسة كبار العطارين العالميين، بل الدخول في منافسة مع العطارين المحليين في الأسواق الشعبية، لأنهم يفهمون لغة العطور عمومًا والعود خصوصًا بشكل يشد الأنفاس.
ينتهي اللقاء، وتمشي في الرواق المظلل بسقفه العالي، وأنت منتش بروائح العود والورد التي تتبعك أينما توجهت وتلح عليك إلحاح فريدريك مال أنه يرفض الدخول في منافسة مع أي من الشركات الكبيرة، وأنه عندما فكر في عطر للعرب، أراد أن يتحدى هؤلاء العطارين الشعبيين، الذين احتك بهم لفترات طويلة وتعلم منهم الكثير، وكانت النتيجة أنه بعطره هذا انطلق من الشرق الأوسط إلى العالمية، وليس العكس.



المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.