رئيس جيبوتي لـ«الشرق الأوسط»: التحديات كبيرة وقمة جدة تعزز العمل العربي

نتابع الملف السوداني بقلق ونرحّب بالتقدم لإنهاء الأزمة في سوريا

إسماعيل عمر غيلة رئيس جمهورية جيبوتي خلال حضوره إحدى المناسبات (غيتي)
إسماعيل عمر غيلة رئيس جمهورية جيبوتي خلال حضوره إحدى المناسبات (غيتي)
TT

رئيس جيبوتي لـ«الشرق الأوسط»: التحديات كبيرة وقمة جدة تعزز العمل العربي

إسماعيل عمر غيلة رئيس جمهورية جيبوتي خلال حضوره إحدى المناسبات (غيتي)
إسماعيل عمر غيلة رئيس جمهورية جيبوتي خلال حضوره إحدى المناسبات (غيتي)

بينما تتجه الأنظار إلى جدة غرب السعودية يوم الجمعة، حيث انطلاق القمة العربية في ظروف جيوسياسية معقدة وأزمات عربية متعددة يتصدرها الصراع السوداني المسّلح في السودان، قال إسماعيل عمر غيلة رئيس جمهورية جيبوتي: الشعوب العربية تعول على أن تخرج القمة بقرارات تحتوي الأوضاع المتأزمة في المنطقة وتعزز العمل العربي المشترك، مشيرا إلى الجهود السعودية المستمرة لإعادة الأمن والاستقرار في اليمن.

وأقرّ غيلة في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن الوطن العربي ليس بمعزل عن نشوء تكتلات عالمية جديدة بما لا يتعارض مع العمل المشترك وثوابت المجتمع الدولي، مؤكدا على محورية السعودية في تعزيز القرار العربي وتوحيد الصف، مفصحا عن أن العمل يجري حاليا لإنشاء مشاريع مشتركة بين بلاده والمملكة بمجال النقل البحري والجوي وإقامة منطقة حرة.

وأضاف غيلة أن «المبادرة السعودية الأميركية تبذل جهودا جبارة لاحتواء الأزمة السودانية في إعلان جدة، ومستعدون للبدء في وساطة فاعلة لاحتواء الأزمة السودانية، ونأمل أن تسهم مبادرة منظمة (إيغاد) في إيجاد حلّ للأزمة المتفاقمة، مشيرا إلى أن التقارب السعودي الإيراني، يرسي قواعد الاستقرار والتنمية بالمنطقة ويعزز العمل الإسلامي المشترك».

وأكد غيلة على التقدم المحرز لإنهاء الأزمة السورية ورفع عزلتها السياسية لاستعادة أمنها واستقرارها وتنميتها، مبينا أن التطرف والإرهاب والهجرات غير الشرعية أهم تحديات الملاحة البحرية وأمن البحر الأحمر، مبديا تفاؤله بتسوية أزمة سد النهضة والتوصل إلى تفاهم يرضي الأطراف المعنية، مبينا أن بلاده تدعم الجهود الرامية لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية، محذرا من الانزلاق إلى حرب نووية.

فإلى تفاصيل الحوار:-

إسماعيل عمر غيلة رئيس جمهورية جيبوتي

* تنعقد القمة العربية في جدة يوم الجمعة... ما أهم أجندتها المتوقعة؟

- القمة العربية تنعقد في ظل متغيرات جيوسياسية متعددة ومعقدة وظروف حرجة تمر بها بعض الدول العربية الشقيقة، وهذا ما يميزها ويضفي عليها أهمية خاصة، هذا بالإضافة إلى انعقادها في السعودية، الشقيقة الكبرى، ورأس العرب، وقبلة الإسلام والمسلمين، ومن المتوقع أن تتصدر أجندة القمة أبرز الملفات الشائكة والقضايا الساخنة في العالم العربي وكذلك مختلف التطورات الجيوسياسية في المنطقة.

* لكن ما أبرز التحديات التي ستواجهها هذه القمة؟

- التحديات في الوطن العربي كثيرة ومتشعبة في الوقت الراهن، ومعلوم أن كثيرا من الدول الشقيقة تمر بظروف حرجة، كالسودان الذي يشهد وضعا مترديا وخطيرا جدا، وكذلك اليمن، مع إشادتنا وتفاؤلنا الكبير بالجهود السعودية لحل الأزمة ووضع حد لمعاناة الإنسان والمكان، وإعادة الأمن والاستقرار في اليمن «السعيد».

وفي فلسطين تواصلت في الفترات الأخيرة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، مثل اقتحام وتدنيس شرطة الاحتلال الإسرائيلي مصلى باب الرحمة الذي يعد جزءا لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، وكذلك رفعها علم الاحتلال الإسرائيلي على سطح وجدران الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، وذاك انتهاك صارخ للقانون الدولي واتفاقيات جنيف وقرارات الشرعية الدولية، واستفزاز لمشاعر الأمة الإسلامية، وهنالك العديد من الدول الشقيقة التي تواجه مختلف التحديات لاستعادة مكانتها، بعدما شهدت كثيرا من القلاقل والاضطرابات والحروب، ومثال ذلك ليبيا وسوريا والصومال.

ونأمل أن تخرج القمة العربية الحالية بتوصيات وقرارات من شأنها أن تسهم في حلحلة الأوضاع المتأزمة والظروف الحرجة التي يمر بها العالم العربي، بما يضمن الحفاظ على الوحدة والتضامن بين الأشقاء، ويحقق رخاء وازدهار الوطن العربي بعيدا عن القلاقل والاضطرابات الأمنية والحروب، ويسهم في تعزيز العمل العربي المشترك.

أعمدة الدخان تتصاعد فوق المباني بعد قصف جوي خلال اشتباكات بين قوات الدعم السريع شبه العسكرية والجيش في الخرطوم ( رويترز)

* وكيف سيتم التعامل مع الملف السوداني خاصة وأن جيبوتي جزء من دول «الإيغاد»؟

- نتابع الأحداث الدامية في السودان الشقيق بقلق شديد، ومجموعة «الإيغاد» كانت سباقة في تقديم مبادرتها للوساطة لحل الأزمة الحالية، وتم تعيين رؤساء كل من جمهورية جيبوتي وجمهورية كينيا وجمهورية جنوب السودان للذهاب إلى السودان، وما تزال المشاورات جارية للشروع في الوساطة، لكن تحرك الرؤساء الثلاثة نحو الخرطوم يبقى مرهونا بتوقف إطلاق النار وصمود الهدنة التي تشهد اختراقات. نحن مستعدون للبدء في وساطة فاعلة ونأمل أن تسهم مبادرة منظمة «إيغاد» في إيجاد حلّ عاجل للأزمة المتفاقمة منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي. كما نحيّي الوساطة الحالية للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية في «حوار جدة» لإيقاف إطلاق النار.

وعن دور جمهورية جيبوتي بصفة خاصة، كنا على مر التاريخ – وما زلنا - متضامنين مع السودان الشقيق، انطلاقا من عمق ومتانة العلاقات التي تربطنا به. وكما عرفت جمهورية جيبوتي بأدوارها المشرفة في رعاية السلام والمصالحات في القرن الأفريقي، فإنها أسهمت بجهود تصالحية للتقريب بين فرقاء السودان في مراحل سابقة، ومن ذلك اتفاق السلام الشامل الذي رعيناه أواخر عام 1999 بين الحكومة السودانية وحزب الأمة المعارض، بحضور الرئيس السابق لجمهورية السودان، عمر حسن البشير، ورئيس حزب الأمة، رئيس الوزراء السابق، الصادق المهدي، وأسهم ذلك الاتفاق في حلحلة العديد من المشكلات والصراعات التي كانت قائمة آنذاك، كما وضع الفرقاء على طريق التعايش السلمي وتغليب المصلحة العليا.

ولا تنس أن جمهورية جيبوتي تنازلت أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 للسودان الشقيق عن الرئاسة الحالية لمنظمة «إيغاد» هدية من جيبوتي للشعب السوداني الشقيق ودعما له في مسيرته الراهنة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن جمهورية جيبوتي ملتزمة بدعم السودان والوقوف إلى جانبه في تخطي جميع التحديات التي تواجهه، ومساندته من خلال المحافل الدولية، وحاليا، فإن جمهورية جيبوتي تراقب تطورات الأحداث التي تمر بها جمهورية السودان الشقيقة بعناية وقلق بالغين، وتبدي استعدادها التام من خلال عضويتها في العديد من المنظمات القارية والإقليمية لبذل كل ما يحفظ استقرار السودان الحبيب ووحدته، ويحقق مصلحة شعبه الشقيق.

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لدى حضوره اجتماع وزراء الخارجية العرب في جدة (أ.ف.ب)

* تعود دمشق إلى الجامعة العربية من بوابة قمة جدة، كيف ستتعامل الدول العربية مع الملف السوري؟

- الأمة العربية كالجسد الواحد في ترابطها وقوة ومتانة علاقاتها، وبلا شك فإن «شغور مقعد دولة عربية ما وغيابها عن الإجماع والقرار العربي» أمر مؤسف، وكان الملف السوري شهد العديد من المفاوضات الأممية والإقليمية منذ اندلاع الأزمة، وكنا متمسكين وما زلنا بأن الحل الوحيد للأزمة هو الحل السياسي بما يلبي تطلعات الشعب السوري، ودعم الجهود الرامية لتحقيق تسوية سياسية تنهي معاناة الشعب السوري الشقيق، وانطلاقا من ذلك فإننا نرحّب بالتقدم المحرز في سبيل إنهاء الأزمة السورية، بما يرفع العزلة السياسية عن سوريا الشقيقة وينهي معاناة شعبها العزيز، ويلبي تطلعاته في الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار.

* تنعقد قمة جدة وسط تغيرات جيوسياسية عالمية وتكتلات، أين سيكون موقع الدول العربية من ذلك؟

- يتحدث المنظرون عن خريطة جيوسياسية جديدة تبعا لنظام عالمي جديد بات أقوى ظهورا من أي وقت مضى، ولكن ذلك لا يعني حدوث تغير جذري مفاجئ في مواقع الدول وحدودها الجغرافية، فذلك ثابت إلى حد ما منذ معاهدة ويستفاليا وما بعدها من اتفاقيات عالمية، ولكن من الطبيعي في الوقت نفسه نشوء تكتلات عالمية جديدة، والوطن العربي ليس بمعزل عما يشهده العالم من تطورات في هذا الصدد، ومن الطبيعي أن تتعاون أي دولة عربية مع أي تكتل، سواء أكان اقتصاديا أم عسكريا ونحوه، ترى فيه مصلحتها، بما لا يتعارض مع العمل العربي المشترك وثوابت المجتمع الدولي.

* وماذا عن التسابق الأميركي والصيني تجاه القارة الأفريقية؟

- إذا كان التنافس الأميركي الصيني في أفريقيا يصب في مصلحة التنمية فهذا أمر إيجابي نرحب به.

* وكيف تنظرون للأزمة الروسية الأوكرانية والتقارب الروسي الصيني وتأثيراتهما على المنطقة؟

- الحرب الروسية الأوكرانية دخلت عامها الثاني والمؤسف أن لا نهاية وشيكة لها تلوح في الأفق، ومؤكد أن آثارها السلبية ليست محصورة في نطاق جغرافي معين ولكنها أزمة عالمية تلقي بظلالها على العالم بأسره وتعرقل النمو الاقتصادي، وتزيد نسبة التضخم نتيجة تأثر حركة الصادرات والواردات في العالم، لا نتمنى أن تشهد الأوضاع مزيدا من التدهور وأن تنزلق إلى حرب نووية، بل نجدد دعمنا للجهود الدولية الرامية لإنهاء الأزمة سياسيا، كما نأمل من أطراف الصراع القبول بالتفاوض.

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير اللهيان ووزير الخارجية الصيني تشين غانغ خلال توقيع الاتفاق بين البدلين 6 أبريل في بكين (أ.ب)

* شهدت المنطقة تغيرات متسارعة الفترة الأخيرة أبرزها اتفاق الرياض وطهران، كيف سينعكس هذا الاتفاق على المنطقة؟

- إن الاتفاق الأخير بين الرياض وطهران على استعادة العلاقات الثنائية بعد انقطاع متواصل منذ 2016، ستنعكس نتائجه الإيجابية بلا شك على التنمية في كل من السعودية وإيران في المقام الأول، وكلتاهما مستفيدة من التقارب السياسي الذي سيلقي بظلاله الإيجابية في الوقت نفسه على التنمية في المنطقة بأكملها، فالوفاق والتعاون دائما يفيدان جميع الأطراف المعنية، وأي تقارب وتعاون بين دولتين بثقل وحجم المملكة العربية السعودية وإيران، فسيسهم دون شك في إرساء قواعد الاستقرار والتنمية في المنطقة برمتها، وسيعزز العمل الإسلامي المشترك.

* لدى جيبوتي علاقة مميزة بالسعودية، وهناك حديث عن زيادة التعاون بين البلدين؟

- صحيح العلاقات بالسعودية متينة وعميقة الجذور وهي قديمة فالتواصل بين الشعبين الشقيقين عبر السواحل قديم جدا، وهناك تشابه شديد بينهما في كثير من العادات والتقاليد. وأما على المستوى الرسمي فإن الدعم السعودي لجيبوتي يعود إلى ما قبل نيل الاستقلال، إذ وقفت السعودية إلى جانب النضال الجيبوتي وساندته عبر مختلف المحافل الدولية والإقليمية، واستمرت السعودية – وما تزال – في دعمها لشقيقتها جيبوتي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها، وتزداد العلاقات بين البلدين الشقيقين قوة ومتانة يوما بعد يوما وتناغما في الرؤى السياسية تجاه مختلف الملفات. وعلى صعيد التعاون والتنسيق المستمر، هناك لجان عدة منها الأمنية والعسكرية، وثمة اللجنة الجيبوتية السعودية المشتركة التي تمثل إطارا عاما يندرج تحته التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، إضافة إلى وجود مجلس مشترك لرجال الأعمال الجيبوتيين والسعوديين.

وانطلاقا من التطور الهائل الذي حققناه خلال العقدين الماضيين في مجال الموانئ من حيث الكم والنوع، نتطلع إلى تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين في مجال النقل البحري والخدمات اللوجيستية والموانئ، ويجري العمل حالياً على إنشاء مشاريع مشتركة في مجال النقل البحري والجوي المباشر، وإقامة منطقة حرة ومستودعات خاصة بالصادرات والمنتجات السعودية داخل منطقة التجارة الحرة الدولية في جيبوتي، ما يسهم في تعزيز تدفق الصادرات السعودية نحو القارة الأفريقية.

صورة أرشيفية لاجتماع وزراء خارجية الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن (الشرق الأوسط)

* وماذا عن مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر الذي وقع ميثاقه في السعودية عام 2020؟

- الأهمية الاستراتيجية والمميزات السياسية والاقتصادية للبحر الأحمر عرفت قبل آلاف السنين، فهو يتميز بوقوعه في الوسط بين البحار الشرقية والغربية، أو بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي بشكل أكثر تحديدا، وهو يشبه الجسر العائم بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب، إضافة إلى أنه بحر طويل الساحل، الأمر الذي يترجم جيوبوليتيكيا بالقول إن السواحل الطويلة لها قدرة طاغية على التحكم في مياه البحر وفي الملاحة فيها، ونتيجة لهذا فإن الدول المطلة على هذا البحر المتحكمة في سواحله تؤدي دورا أساسيا في أي صراع دائر حوله، وتتحكم بالتالي في هذا الشريان السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يربط الشرق والغرب بأقصر طريق ملاحية.

وانطلاقا من الأهمية الشديدة لهذا البحر، فإن المسؤولية الملقاة على عاتق الدول المشاطئة له كبيرة جدا، وكانت السعودية من أوائل الدول التي اتخذت خطوات في هذا السياق، إذ تعود فكرة أمن البحر الأحمر إلى «ميثاق جدة» الموقع في 21 أبريل (نيسان) 1956 بين المملكة العربية السعودية ومصر والمملكة اليمنية المتوكلية، ويعد هذا الميثاق أول دعوة إلى إقامة «نظام أمني مشترك» في البحر الأحمر.

وبما أن بلادنا (جمهورية جيبوتي)، تتميز بموقعها الجغرافي الفريد على البحر الأحمر، مطلة على مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية الكبيرة، فإننا نقوم بدور محوري في الجهود المبذولة للحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين من خلال التنسيق والتعاون مع القوى الكبرى لحماية الملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الأمنية التي تؤرق المنطقة والعالم بأسره.

وبالنسبة إلى مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، كان وُقع ميثاقه من قبل الدول الأعضاء في يناير (كانون الثاني) 2020، وكنا من أوائل الدول التي صادقت على ميثاقه، واقترحنا أيضا في وقت مبكر أن يكون مقر المجلس في الرياض بالمملكة، وهو ما تم الاتفاق عليه لاحقا، ومن المنتظر أن ينطلق المجلس ليؤدي دوره في التنسيق والتعاون بين الدول الأعضاء؛ وهي: جيبوتي، والسعودية، ومصر، السودان، الأردن، والصومال، واليمن، وإرتيريا، ودراسة السبل الكفيلة بتحقيق ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والبيئية، وأود التأكيد على أن هذا المجلس مهم جدا لتأمين الملاحة البحرية اقتصاديا وسياسيا، فالمنطقة محاطة بتحديات كثيرة من بينها التطرف والإرهاب والهجرات غير الشرعية، يمكن التغلب عليها بالتكاتف العالمي والإقليمي.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.