معرض البحرين... سرد فني معاصر بتأويلات مبتكرة

55 فناناً يعكسون الوجه الحديث للحراك التشكيلي البحريني

الفنانة مياسة السويدي أمام عملها الفائز بالمركز الأول "أحجية" ("الشرق الأوسط")
الفنانة مياسة السويدي أمام عملها الفائز بالمركز الأول "أحجية" ("الشرق الأوسط")
TT
20

معرض البحرين... سرد فني معاصر بتأويلات مبتكرة

الفنانة مياسة السويدي أمام عملها الفائز بالمركز الأول "أحجية" ("الشرق الأوسط")
الفنانة مياسة السويدي أمام عملها الفائز بالمركز الأول "أحجية" ("الشرق الأوسط")

الفن مرآة الشعوب، وللوقوف بعمق على واقع المشهد الفني في البحرين فلن يكون هناك ما هو أكثر صدقاً من معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية، الذي يمثل أكبر تظاهرة فنية بالبلاد، انطلقت منذ عام 1972 وما زالت مستمرة حتى اليوم. وانطلق المعرض بنسخته الـ49، جامعاً نحو 55 فناناً ونحاتاً، ضمن منصة إبداعية داخل متحف البحرين الوطني، باعتباره مكاناً يشترك فيه تاريخ البلاد ومستقبلها.

ويمثّل هذا المعرض السنوي خطاباً إنسانيّاً بصريّاً وتأويلاً مفتوحاً، يتحرّر في كل مرّة من قالبِ موضوعٍ ما إلى قالبِ موضوعٍ آخر أو مفاهيم متنوّعة، تلامس الجدليّة الفرديّة والذاتيّة لكل فنّان. ولا يكتفي المعرض بفكرة التّنافس ولا المعروضات، بل يجسّد فضاؤه ذاكرةً تأريخيّةً وفنّيّةً جماعيّةً تتجاور من خلالها الأجيال الفنّيّة المختلفة والقراءات الإبداعيّة والأدوات المتاحة كافة، في أعمال تتنوّع ما بين الرسم، والتصوير الفوتوغرافي، والنحت، والتركيب، ومقاطع الفيديو.

مشروع "حنين" للفنان كريم الجنوبي ("الشرق الأوسط")
مشروع "حنين" للفنان كريم الجنوبي ("الشرق الأوسط")

يقدم المعرض جوائز الدانة بالمراكز الثلاثة، حيث يُختار الفائزون بالجوائز من قِبل لجنة تحكيم يبحث أعضاؤها عن معايير عدة، وينظرون إلى أعمال الفنانين الذين طوّروا لغتهم الفريدة في وسائطهم، بحيث ينفتح العمل على الأفكار الجديدة، ويكون في الوقت نفسه مترسخاً في ثراء مرجعية تاريخية أو أثرية هي أساس العمل الفني الحديث.

عمل الفنانة ندى المقهوي الفائز بالمركز الثاني ("الشرق الأوسط")
عمل الفنانة ندى المقهوي الفائز بالمركز الثاني ("الشرق الأوسط")

جائزة الدانة

الفائزة بالمركز الأول بجائزة الدانة، مياسة السويدي، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الجائزة تتويج لسنوات طويلة اشتغلتها في الفن، حين بدأت هاوية، مضيفة «كانت المشاركة بالنسبة لي أشبه بالحلم، ولسنوات عدة كنت أتقدم للمشاركة وأُرفض، إنه المعرض الأهم في البحرين، ويحظى برعاية كريمة من رئيس الوزراء، وهذه المعطيات تمنحه ثقلاً وأهمية كبيرة في المشهد الفني البحريني. كنت أتمنى المشاركة، والآن أفوز بالجائزة!».

وبسؤال السويدي عن عملها الفائز بجائزة «أحجية»، تشير إلى أن له ارتباطاً بتخصصها الأكاديمي (الرياضيات)، إذ إنها تحاول من خلال لوحتها ربط المنطق مع الفن بشكل إبداعي مبتكر، لافتة إلى أن «الفن يتضمن مزيجاً من الفرح والحماسة والسعادة والهدوء، وفي عملي أظهرت قدرة الألوان على التقاط هذه المشاعر النفسية، بطريقة تجريدية».

السويدي تزواج بين منطق الرياضيات وحرية الفن ("الشرق الأوسط")
السويدي تزواج بين منطق الرياضيات وحرية الفن ("الشرق الأوسط")

الثاني والثالث

المركز الثاني كان من نصيب الفنانة ندى المقهوي عن عملها «الشخصية الغامضة»، وهو عمل يدور حول الشخص الغامض الذي يبذل قصارى جهده محاولاً إخفاء ضغط الحياة وندوب روحه وجوانبها الأكثر ظلاماً، واختارت اللون الأسود والأبيض والرمادي في تجسيد هذه الشخصية، ويحيط بها عدد من الألوان الأساسية والثانوية. في حين فاز بالمركز الثالث الفنان سلمان النجم، عن عمله «أكسو (ألفا، تشي، أوميغا)»، وهي لوحة تتطرق إلى التناغم بين عدة أيقونات ثقافية عالمية، ويركز على الجندر (الذكر والأنثى) وفلسفة الزواج وطاقاته المختلفة.

تقنيات فنية جديدة يقدمها المعرض الذي يجمع 56 فنان بحريني ("الشرق الأوسط")
تقنيات فنية جديدة يقدمها المعرض الذي يجمع 56 فنان بحريني ("الشرق الأوسط")

مدارس فنيّة

الفنان أحمد عنان الذي يمتاز بأعماله المليئة بالشخوص، يشارك بلوحة «الجاذبية 2» التي تظهر مجموعة كبيرة من البشر الذين يتهاوون نحو مركز خفي، وهي دلالات عميقة يحرص عنان على تقديمها في اتجاهه الفني. أما الفنان أصغر إسماعيل، فقدم سلسلة لوحات بعنوان «زيارات الفريج» تتضمن مجموعة من النسوة في الحارة البحرينية القديمة.

الفنان جعفر العريبي يشارك بثلاث لوحات بعنوان «طبوغرافيا» علم يتناول سمات سطح الأرض، وهو ما بدا واضحاً في عمق الأبعاد الفنية التي قدمها في عمله المليء بالغموض، وكأنه يؤكد على أن كوكب الأرض ما زال مليئاً بالأسرار غير المكتشفة. في حين يرى الفنان جمال عبد الرحيم الظلام بصورة مختلفة، عبر ثلاث لوحات بعنوان «شخصيات في الظلام» أظهرت براعته في سبر أغوار الظلمة ومحاولة إظهار ما يخفى وسط السواد الدامس.

ويستكمل الفنان زهير السعيد رسالته الفنية في التوعية بضرورة الحفاظ على البحار، عبر عمله الفني المكوّن من قطع عدة من الطين البحري المدموج مع الريزن، بعنوان «نهاية البحر». في حين يسترجع الفنان سيد حسن الساري ذكرى الشاعر الراحل الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة في لوحات حملت عنوان «مذكرة التاريخ».

النفس البشرية

وتحاول عديد من الأعمال المشاركة في المعرض سبر أغوار النفس البشرية، من ذلك عمل الفنانة مريم دشتي «الأنا والطفل الداخلي»، عمل مُشبع بالألوان الزاهية، يتطرق لأعماق الروح وذاكرة الإنسان. وكذلك الفنان مصطفى النشيط في سلسلة لوحات شارك بها، تحمل العناوين: «صبر»، و«بصيرة» و«حبيب».

وبشكل ساخر وهزلي، يقدم الفنان خالد آل عباس 3 لوحات تدمج ما بين الضحك والبكاء في آن واحد، الأولى «سيدة الجزرة»، ثم «ذات الرأس المخروط» والأخير «زهر». أما الفنان أحمد السعيد، فيقدم رمزية لافتة في عمله «لا، تعتبر جملة تامة» بما يوحي بقيمة هذه الكلمة وتأكيد ضرورتها. ويشارك الفنان تركي القحطاني بعمل فيديو مصوّر بعنوان «أكواب وأثواب»، يبدو فيه مجموعة من الرجال بالثوب الخليجي الملوّن، استبدل رؤوسهم بأكواب القهوة، بما يثير تساؤلات المتلقي في مغزى الفنان ودلالة العمل.

روح البحرين

وللبحرين نصيب وافر، إذ يقدم الفنان أحمد الأنصاري لوحته «مليون نخلة» وتأتي بطول وعرض متساوٍ (مترين)، وهي من خامات متعددة على القماش تحمل رسوماً لعدد كبير من النخيل التي تشتهر بزراعتها البحرين في خلفية صفراء، في دلالة على الأرض والنماء. في حين تظهر الفنانة ضوى آل خليفة الحياة الاجتماعية للبحرين في عملها بعنوان «تغذية الفكر».



مصر تستعيد أغاني وأعمال صلاح جاهين في ذكرى رحيله

صلاح جاهين (صفحة ابنته الفنانة سامية جاهين على «فيسبوك»)
صلاح جاهين (صفحة ابنته الفنانة سامية جاهين على «فيسبوك»)
TT
20

مصر تستعيد أغاني وأعمال صلاح جاهين في ذكرى رحيله

صلاح جاهين (صفحة ابنته الفنانة سامية جاهين على «فيسبوك»)
صلاح جاهين (صفحة ابنته الفنانة سامية جاهين على «فيسبوك»)

استعادت قنوات ومواقع مصرية أغاني الشاعر والفنان الراحل صلاح جاهين في الذكرى 39 لرحيله التي تحلّ، الاثنين، بالتزامن مع احتفالات مصر بعيد «شم النسيم» المعروف بعيد الربيع، وانتشرت أغنيته الشهيرة «الدنيا ربيع والجو بديع» التي تغنيها سعاد حسني كأيقونة لهذا اليوم.

وأعلنت وزارة الثقافة المصرية عن تنظيم فعاليات ثقافية وفنية بعنوان «ليلة الوفاء»، بقصر الأمير طاز (وسط القاهرة التاريخية)، في ذكرى صلاح جاهين وسيد مكاوي اللذين تُوفيا في اليوم نفسه 21 أبريل (نيسان) بفارق 11 سنة بين رحيل الأول والثاني.

وتأتي هذه الفعالية، المقرر إقامتها الخميس، تكريماً لمسيرة اثنين من أبرز رموز الفن والثقافة في مصر، وتتضمن افتتاح معرض كاريكاتير بالتعاون مع الجمعية المصرية للكاريكاتير، يضم أعمالاً لفناني الجمعية تجسّد ملامح من سيرة الراحلَين الكبيرين، وتعكس تأثيرهما العميق في الوجدان المصري، وتعيد تقديمهما برؤية فنية معاصرة.

ووُلد صلاح جاهين في حي شبرا بالقاهرة عام 1930، واشتهر بعمله كرسام صحافي وشاعر، تعاون مع الكثير من نجوم الفن مثل عبد الحليم حافظ وسعاد حسني، وكتب عدة أفلام مثل «أميرة حبي أنا» و«خلي بالك من زوزو» و«شفيقة ومتولي»، كما قام بالتمثيل في بعض الأفلام مثل «المماليك» و«شهيدة الحب الإلهي»، وترك عدة دواوين شعرية أبرزها «الرباعيات»، كما كتب أوبريت «الليلة الكبيرة» الذي لحّنه سيد مكاوي، وأخرجه صلاح السقا. ورحل جاهين عام 1986.

صلاح جاهين (وزارة الثقافة المصرية)
صلاح جاهين (وزارة الثقافة المصرية)

وأذاعت أكثر من قناة كما نشرت أكثر من صفحة على «إكس» الأغنية الشهيرة التي كتبها جاهين، وغنتها سعاد حسني، من ألحان كمال الطويل، في فيلم «أميرة حبي أنا» عام 1974، وهي أغنية «الدنيا ربيع».

وعدّ الناقد الفني أحمد السماحي الاحتفاء بصلاح جاهين واستعادة ذكراه «أمراً مهماً لكونه يمثل رحلة زاخرة بالإبداع في مجالات الرسم والشعر والإنتاج السينمائي والغناء»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لقد قدم جاهين في كل هذه المجالات أعمالاً خالدة، وصل فيها إلى الجمهور بالبساطة والتلقائية التي لا تخلو من عمق وفهم لنفوس البشر».

ويرى السماحي أن صلاح جاهين قدّم لسعاد حسني أغاني ترسخت في وجدان المصريين، خصوصاً في أفلامه الأخيرة «أميرة حبي أنا» و«خلي بالك من زوزو»، وكذلك من خلال المسلسل الذي كتب له السيناريو والأغاني «هو وهي»، وشاركت سعاد حسني بطولته مع أحمد زكي عام 1985.

ويشارك في فعاليات احتفالية وزارة الثقافة بذكرى صلاح جاهين، المعماري حمدي السطوحي، رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، من خلال تقديم عرض تفاعلي بعنوان «رباعيات معمارية»، بمشاركة المخرجة والممثلة عبير لطفي، في تجربة فنية تتداخل فيها عناصر الشعر والصورة مع المعمار، وهي مستوحاة من الرباعيات الشهيرة لصلاح جاهين وأعماله مع الفنان سيد مكاوي.

إعلان الاحتفالية بذكرى جاهين ومكاوي (وزارة الثقافة المصرية)
إعلان الاحتفالية بذكرى جاهين ومكاوي (وزارة الثقافة المصرية)

كما تقدم ورشة «لحن وكلمة» عرضاً فنياً مستوحى من أعمال جاهين ومكاوي، وذلك بإشراف الدكتور علاء فتحي والشاعر سامح محجوب، بالتعاون مع الشاعر جمال فتحي والموسيقار خالد عبد الغفار.

وينظم مركز إبداع بيت السحيمي بشارع المُعِز، عرضاً فنياً بعنوان «رباعيات من زمن فات»، يسلط الضوء على مسيرة جاهين ومكاوي الفنية والشخصية، ويقدّم نماذج مختارة من أعمالهما الخالدة التي لا تزال تُشكل علامة فارقة في تاريخ الشعر والغناء والموسيقى المصرية.

وقدم الموسيقار سيد مكاوي (1928 - 1997) العديد من الأعمال التي كتبها صلاح جاهين، من بينها أوبريت «الليلة الكبيرة» لمسرح العرائس، كما تغنى برباعيات صلاح جاهين التي تحمل أبعاداً فلسفية تتسم بالعمق والبساطة معاً.

ويرى الناقد الفني أحمد سعد الدين أن «من المفارقات الغريبة أن اليوم هو (شم النسيم) وأعياد الربيع، وهو نفسه يوم ذكرى رحيل الشاعر والفنان الكبير الراحل صلاح جاهين الذي كتب أغنية (الدنيا ربيع والجو بديع) التي تعتبر أيقونة مصرية لهذه المناسبة».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «صلاح جاهين واحد من أهم شعراء العامية في مصر، ودائماً ما نتذكره في الأغاني الوطنية أو مع حلول الربيع، لكن معنى أن نظل نتشوق لأغنيته بعد أكثر من نصف قرن على ظهورها، هذا دليل عبقرية نابعة من فنان حقيقي ستظل أعماله حية بيننا».