أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، يوم الاثنين، قراراً قضى بإعفاء الفريق أول شرطة عنان حامد محمد عمر من منصبه كمدير عام لقوات الشرطة، ووزير الداخلية المكلف. وقال مكتب الناطق باسم القوات المسلحة السودانية، في منشور على صفحته بموقع «فيسبوك»، إن البرهان كلف الفريق شرطة حقوقي خالد حسان محيي الدين بالقيام بمهام مدير عام قوات الشرطة. كما أصدر البرهان قراراً قضى بإنهاء خدمة السفير عبد المنعم عثمان محمد أحمد البيتي، والسفير حيدر بدوي صادق من العمل بوزارة الخارجية، ووجه الوزارة والجهات ذات الصلة وضع القرار موضع التنفيذ.
ويمت الوزير المقال بصلة قرابة للبرهان، ويتحدران من منطقة واحدة في ولاية نهر النيل، بشمال البلاد. وعقب اندلاع الحرب مباشرة، انسحبت قوات الشرطة التي تقدر بالآلاف من المراكز والأقسام والشوارع في كل أنحاء العاصمة الخرطوم. وفي وقت لاحق، أقدم قادة الجيش على نشر قوات كبيرة من وحدة «الاحتياط المركزي» التابعة للشرطة لتأمين الأحياء السكنية والشوارع، لكنها اصطدمت بمواجهات عنيفة مع قوات الدعم السريع.
وكان البرهان قد أعفى يوم الأحد، محافظ البنك المركزي، حسين يحيى جنقول، وعيّن بدلاً منه برعي الصديق أحمد، أحد نواب جنقول، محافظاً جديداً للبنك، دون توضيح سبب إقالة جنقول. كما أصدر قراراً بتجميد حسابات قوات الدعم السريع وجميع شركاتها في البنوك السودانية وأفرعها في الخارج.
الأزمة الصحية
من جهة أخرى، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن المرافق الصحية في السودان على وشك «الانهيار»، وذلك بعد شهر من اندلاع اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع في البلاد. وأضافت اللجنة عبر حسابها على «تويتر»، أن مرافق الرعاية الصحية في السودان تعاني منذ أسابيع، من نقص الإمدادات والعلاج، مشيرة إلى توقف أكثر من 70 في المائة من المستشفيات عن العمل.
ويشهد السودان اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، مما أسفر عن سقوط مئات الضحايا بين قتلى وجرحى. وهزّ القصف الجوي والانفجارات السودان مجدداً يوم الاثنين، بعد شهر من بدء معارك بين قوات الجانبين المتصارعين على السلطة تهدد بدفع البلاد إلى حافة الانهيار، ما يثير قلق دول الجوار.
وأوقعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع أكثر من 750 قتيلاً وآلاف الجرحى، إضافة إلى نحو مليون نازح ولاجئ.
وأفاد شاهد عيان في العاصمة وكالة الصحافة الفرنسية، بتعرض منطقة «شرق النيل بشرق الخرطوم لقصف جوي»، فيما أكد آخر في جنوب العاصمة أن «قصف الطيران وضرب المضادات له يجريان منذ الثامنة والنصف صباحاً... لم يتغير شيء منذ بداية النزاع». وأضاف: «الأوضاع تتجه إلى الأسوأ رغم الحديث عن الهدنة، لكن عنف الطرفين ومخاوف الناس يتزايدان كل يوم».
مساعدات غذائية
وقبل الحرب كان ثلث سكان البلاد يعتمدون على المساعدة الغذائية الدولية، واليوم أصبحوا محرومين منها، فمخازن المنظمات الإنسانية نهبت، كما علقت منظمات كثيرة منها عملها بعد مقتل 18 من موظفيها.
وأصبحت السيولة نادرة. فالبنوك، التي تعرض بعضها للنهب، لم تفتح أبوابها منذ بداية الحرب التي دخلت شهرها الثاني، فيما سجلت الأسعار ارتفاعاً حاداً وصل إلى 4 أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية و20 ضعفاً بالنسبة للوقود.
ويعيش سكان الخرطوم البالغ عددهم نحو 7 ملايين شخص، مختبئين بمنازلهم في انتظار وقف لإطلاق نار لم يتحقق حتى الآن، فيما تستمر الغارات الجوية والمعارك بالأسلحة الثقيلة ونيران المدفعية التي تطال حتى المستشفيات والمنازل.
وفي مدينة جدة بالسعودية، يجري الطرفان محادثات حول وقف إطلاق نار «إنساني» للسماح للمدنيين بالخروج وإتاحة المجال لدخول المساعدات، لكنهما لم يتفقا حتى الآن سوى على قواعد إنسانية بشأن إجلاء المدنيين من مناطق القتال وتوفير ممرات آمنة لنقل المساعدات. والواقع أنه في كل مرة يتعهدان فيها بوقف إطلاق نار، فإنهما يخرقانه منذ الدقائق الأولى. ويكرر الخبراء والدبلوماسيون أن كلاً من الطرفين مقتنع بأنه يستطيع حسم الأمر عسكرياً. ولكل منهما عدد كبير من العناصر.
خرق الهدن
ويقول أليكس روندوس، ممثل الاتحاد الأوروبي السابق للقرن الأفريقي، إن «الجيش وقوات الدعم السريع يخرقان الهدن بانتظام، ما يدل على درجة غير مسبوقة من الإفلات من المحاسبة، حتى بالمعايير السودانية للنزاع». عرف السودان كثيراً من النزاعات. ففي دارفور، أسفر قمع أقليات عرقية مطلع الألفية في عهد عمر البشير (1989 - 2019) من قبل الجيش وقوات الدعم السريع المتحالفة مع الجيش آنذاك، عن سقوط 300 ألف قتيل ونزوح ما يزيد على 2.5 مليون شخص.
وبسبب حالة السيولة الأمنية في الخرطوم التي تشهد أعنف الصدامات بين المحاربين، انتقل كثير من إدارات الدولة إلى بورتسودان، على بعد 850 كيلومتراً شرقاً على ساحل البحر الأحمر، حيث يسعى فريق مصغر من الأمم المتحدة للتفاوض على مرور المساعدات الإنسانية، ويعقد بعض الوزراء وكبار المسؤولين مؤتمرات صحافية يومية يحرصون فيها على توجيه رسائل طمأنة. ويؤكد الكثيرون أنه مع تدمير معامل للصناعات الغذائية أو مصانع صغيرة، تسببت هذه الحرب بانحسار التصنيع جزئياً، الأمر الذي يعني أن السودان سيصبح مستقبلاً أكثر فقراً ولفترة طويلة.