الموسيقى «العلاجية» عبر الإنترنت... اتجاه مربح لا يستند إلى أي أسس علمية

نوتات موسيقية (رويترز)
نوتات موسيقية (رويترز)
TT

الموسيقى «العلاجية» عبر الإنترنت... اتجاه مربح لا يستند إلى أي أسس علمية

نوتات موسيقية (رويترز)
نوتات موسيقية (رويترز)

تنتشر بصورة كبيرة عبر مواقع التواصل مقاطع فيديو تبث موسيقى هادئة يُقال إنها تساهم في معالجة المرضى المصابين بالسرطان، في خطوة مربحة أحياناً لكن قد تنطوي على خطورة في حال دفعت المريض للتخلي عن العلاج الطبي، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

وحصدت مقاطع فيديو تحمل عنوان «الصولفيج المقدس» ومرفقة بوسم «صولفيجيو فريكونسيز»، أكثر من 42 مليون مشاهدة عبر شبكة «تيك توك». وتتمثل هذه الفكرة الشائعة التي يؤمن بها كثيرون في إسناد مزايا علاجية مختلفة إلى نغمات موسيقية. وبينما يكتفي عدد من مستخدمي الإنترنت بالتشديد على الخصائص المهدئة أو الروحانية لهذه النغمات، يؤكد آخرون أنها قادرة على معالجة «حب الشباب والسرطان والإنفلونزا والقضاء على السموم وتحفيز جهاز المناعة وتطهير الالتهابات».

وتنتشر عبر تطبيقي «سبوتيفاي» و«ديزر»، مقاطع موسيقية بعنوان «تدمير الخلايا السرطانية من خلال الصولفيج المقدس» أو «الصولفيج المقدس، الموسيقى العلاجية لتفعيل الحمض النووي».

مخاطر

يقول الطبيب المتخصص في الأورام والباحث بيار سانتينيي إنّ «الاستماع إلى موسيقى ممتعة يساهم في الاسترخاء ويساعد طبعاً على التخفيف من القلق والألم ربما»، إلا أنه يشير إلى أنّ الشفاء من خلال النغمات «غير مُثبت علمياً».

وتعتبر عالمة الاجتماع المتخصصة في العلوم والمعتقدات رومي سوفاير، أنّ ثمة احتمالاً في أنّ يكون العلاج لدى المريض متأخراً، أو أن يكون هؤلاء فقدوا الأمل عندما يعتقدون أن هذا العلاج البديل يحل مكان الطب التقليدي. وتتابع: «إنّ الاستماع إلى النغمات هو طبعاً أكثر إمتاعاً من الخضوع لعلاج كيميائي، أو من أن يعرف المريض أنّ لا علاج لحالته».

وتشير الإدارة العامة للصحة من جهتها إلى أنّ هذه الممارسة قد ينجم عنها انجراف الشخص طائفياً، مع أنّ الهيئة المشتركة بين الوزارات لليقظة ومكافحة الانجرافات الطائفية أفادت بأنها لم تتلق بعد أي بلاغ متعلق بمقاطع فيديو «الصولفيج المقدس». وتقول نائبة رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات الدفاع عن العائلات وضحايا الطوائف ماري دريلون، إنّ «الإشارة إلى إمكانية تجديد الخلايا من خلال الموسيقى تنطوي على خطورة وهي جزء من موجة نيو إيدج بينما لا تتماشى مع العلم»، مضيفةً: «من الشائع أن نستهدف الروحانيات والصحة والتنمية الشخصية لطرح علاجات، وهو ما يمكن أن يكون مدخلاً إلى هيمنة ما».

وتُوجَّه أصابع الاتهام تحديداً إلى الصيغ المدفوعة والمربحة المرتبطة بـ«النغمات العلاجية».

وعبر موقع «ديفلبمان بيرسو دوت كوم» (Developpementperso.com)، تباع مقاطع الموسيقى المعنونة «نغمات علاجية» لقاء 149 يورو. فنغمة على مقياس 528 هرتز مثلاً تُباع بـ47 يورو في موقع «مانتل-ويفز دوت كوم» (Mental- waves.com) تحت تسمية «النغمة المعجزة»، ومع تفاصيل تشير، من دون إثبات علمي، إلى أنّه «جرى إثبات أنّ مجرد الاستماع إلى نوتة موسيقية واحدة على مقياس 528 هرتز قد يفعّل الحمض النووي لدينا».

وعود كاذبة

وتقول دريلون: «ينبغي التفريق بين الشعور بالراحة جراء الاستماع إلى الموسيقى والوعد بالشفاء من السرطان، التي هي أقرب إلى الإعلانات المضللة». وتوضح مديرية مكافحة عمليات التزوير أنّ مقاطع الفيديو هذه تمثل «ممارسة تجارية مضللة» يعاقب عليها القانون بالسجن عامين وغرامة قدرها 300 ألف يورو، لأنّها «تؤكد الفكرة الخاطئة القائلة إنّ منتجاً أو خدمة ما قد تعالج الأمراض والاختلالات والتشوهات».

وتدعو الإدارة العامة للصحة إلى الحذر من المواقع التي «تسيء إلى الطب التقليدي والعلاجات المرتبطة به، ويشجع الناس على وقف علاجاتهم، ويَعدهم بعلاج سحري حتى عندما يكونون في مرحلة متقدمة من المرض». وتعتبر أنّ مقاطع فيديو «الصولفيج المقدس» تندرج في مجال «العلاج بالموسيقى» الذي يشكل «جزءاً» من الرعاية غير التقليدية التي تشهد تنامياً مطرداً منذ خمسة عشر عاماً وتسارعت منذ جائحة كوفيد - 19.

وفي حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، تشير الجمعية الفرنسية للعلاج بالموسيقى إلى أن «الصولفيج المقدس» «غير مثبت ولا يمارسه» أعضاؤها، لافتةً إلى أنّ «العلاج بالموسيقى ينبغي أن يكون مصحوباً بعلاجات دوائية لدى مرضى السرطان».


مقالات ذات صلة

بعد علاقة متوترة... جيف بيزوس يتناول العشاء برفقة ترمب في فلوريدا

الولايات المتحدة​ مؤسس شركة «أمازون» جيف بيزوس (أ.ب)

بعد علاقة متوترة... جيف بيزوس يتناول العشاء برفقة ترمب في فلوريدا

شوهد مؤسس شركة «أمازون» جيف بيزوس وهو يتجول في مقر إقامة الرئيس المنتخب دونالد ترمب بولاية فلوريدا، في وقت متأخر من ليلة الأربعاء حيث تناول العشاء معه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)

سمكة تلهم باحثين لتطوير نموذج مرشّح مياه صناعي!

طريقة تغذية سمكة «موبولا راي» تدفع باحثي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتطوير أنظمة ترشيح فعالة.

نسيم رمضان (لندن)
أوروبا طائرة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تصل إلى بيروت 23 أكتوبر 2024 (رويترز)

طائرات أعضاء الحكومة الألمانية تتجهّز بنظام حماية ضد الهجمات الصاروخية

تقوم وحدة الاستعداد الجوي التابعة لوزارة الدفاع الألمانية بتجهيز طائرات الركاب المخصصة لتنقلات أعضاء الحكومة بنظام حماية ضد الهجمات الصاروخية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
تكنولوجيا تعمل استراتيجيات مثل الأمن متعدد الطبقات واستخبارات التهديدات المتقدمة على تعزيز دفاعات الشركات السعودية (شاترستوك)

السعودية تسجل 44 % انخفاضاً في الهجمات الإلكترونية حتى نوفمبر مقارنة بـ2023

تواجه السعودية التحديات السيبرانية باستراتيجيات متقدمة مع معالجة حماية البيانات وأمن السحابة وفجوات مواهب الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تتضمن الاتجاهات الرئيسة لعام 2025 الاستعداد الكمومي وممارسات الأمن السيبراني الخضراء والامتثال (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟

«بالو ألتو نتوركس» تشرح لـ«الشرق الأوسط» تأثير المنصات الموحدة والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية على مستقبل الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)

البحث عن بطل

البحث عن بطل
TT

البحث عن بطل

البحث عن بطل

في كتاب «البحث عن منقذ» للباحث فالح مهدي شرح مفصّل عن الشعوب التي ترزح تحت نير الظلم والإذلال، وكيف تعلّق أمرُ خلاصها برقبة منقذ تستعير اسمه من أساطين الدّين، تنتظر عودته إلى الحياة عن طريق البعث أو النشور، كي يحقّق العدل الغائب عن وجه الأرض، ويعوّض ناسها ما فاتهم من عيشة هانئة مستقرّة. اكتسى هذا المخلّص عبر مراحل التاريخ بجلابيب أسماء عديدة، منها «كريشنا» المنتظر في الديانة الهندوسيّة، و«بوذيستاوا» أي «بوذا» المنتظر، و«ماهافيرا» المنتظر في الديانة الجاينيّة، و«زرادشت» المنتظر في المجوسيّة، وفي اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة لدينا المسيح المنتظر والمهدي المنتظر وإسماعيل المنتظر والسفياني المنتظر واليمانيّ المنتظر والقحطانيّ المنتظر.

تعود هذه الفكرة في الأصل إلى اعتقاد دينيّ قديم مفاده أن الشرّ لا يمكن مواجهته من خلال البشر الفانين؛ لأن كلّ ما يأتي به الشّيطان لا يُهزم بالفعل البدنيّ، ويحتاج الإنسان إلى الاستعانة بالقوى الإلهيّة. وعلى الجميع لهذا السبب المحافظة على تقاليد دينهم وتعاليمه؛ لكي يستعجلوا هذه القوى، وإلّا فهم يقضون حياتهم في حالة انتظار دائم.

هو ليس انتظار اللاشيء، حتماً، لكنّه انتظار من أجل حبّ الانتظار، يعيش المؤمن في ظلّه في حالة وجْد لا يفتُر، يكون الزمن فيه مجمّداً عند المستقبل الأزليّ واللانهائيّ. هل جرّبتم العيش دون حاضر أو ماضٍ؟ عندما تغيب الحيوات والانفعالات والمشاعر «الصعبة» أي الحقيقيّة من المرء، يحلّ اليأس التامّ والمُطلق، وهو أحد شروط تحقيق ما يُدعى بالنيرفانا لدى البوذيّين، الخطوة الأولى في سبيل عودة «بوذا» المنتظر إلى الظهور، ويختلف الأمر كثيراً أو قليلاً بالنسبة إلى بقيّة المخلّصين. ثم يغيب الماضي كذلك، وتختفي معه أحداثه، ويبقى الوقع الأهمّ هو ظهور المُنقذ في القادم من الأيّام والشهور والسنين، وربما حلّ الموعد والمرء نائم في قبره، ويستيقظ عندها ليجد العدل والإنصاف يعمّان الأرض، ويتمّ القصاص من الأشرار والمجرمين والمفسدين.

عندما يتوقّف الدماغ تنشط آلة الخيال، ردّ فعل طبيعيّ لحالة الفقد والحرمان والإذلال، لكنّه خاصّ ببني الإنسان، وهو بالأحرى عقل مرَضيّ مُشِلّ للنّفس والبدن يؤدّي بنا إلى الجنون وخراب الدّيار. الانتظار يولّد انتظاراً آخر، ولا يوجد شيء اسمه فوات الأوان. كما أنّ الخضوع يتبعه انحناءٌ تحت نير جديد. يقول ألبير كامو: «الأمل، عكس ما نظنّ، يُعادل الرُّضوخ. والحياة هي في عدم الرُّضوخ». من فكرة المُنقذ المنتظر جاء حُلم الشعوب المقهورة والضعيفة بالبطل المُرتجى، تبحث عنه كي تؤلّهه، ولن تُرفع إليه الأبصار إن كان حيّاً، وإذا كان ميّتاً تُعينهم ذكراه على تحمُّل الضَّيم الذي يكابدونه. في كلّ بلد ضعيف لا بدّ أن يكون هناك بطلٌ يلجأ إليه الفقراء والبُؤساء، يرسمون له الأساطير التي لا تحكي الواقع بطبيعة الحال، لكنّها تعكس حالة الضعف والخَوَر اللّذيْن يستلبان نفوس المؤمنين بمنقذهم، الذين يُغالون في تبجيله إلى درجة أنهم ربما راحوا يتطلّعون إلى صورته منقوشة على صفحة القمر، وهذا ما جرى حقّاً وفعلاً للعراقيين إِثْرَ مقتل عبد الكريم قاسم على أيدي انقلابيّي «8 شباط»، ثم قام هؤلاء برمي جثمانه في النهر، كي يتخلّصوا من حُبّ النّاس وتقديسهم، فانتقل هذان الفعلان إلى السماء، بعد أن لم يعثر مُريدوه على أثر له على الأرض، وصاروا يتطلّعون إلى صورته في اللّيالي القمراء، والبعض منهم تفيض عيونه بالدُّموع.

لا يُشترط في البطل أن يكون غائباً، أو لديه صفات هذه المرتبة الخارقة من القدسيّة والبطولة، بل يمكن أن يكون أحد الذين يعيشون بيننا، أو شخصاً غريباً وقَدَرِيّاً يُرفع إلى هذه المكانة عنوة، ولا يستطيع التراجع عنها لأنّ في ذلك خطراً يتهدّد حياته، فهي صارت أوّلاً وأخيراً بأيدي مريديه. هناك نوع من اشتباك مصائر يعيشه الطرفان: الجماهير تنظر إلى البطل على أنّه حامي ديارها وأرواحها من الخراب والفناء، والمنقذ يتطلّع بدوره إلى هؤلاء، في سبيل بقاء الصفات المبجّلة التي أسبغوها على شخصه.

فكرة البحث عن قائد مظفّر تتوّجه أكاليلُ المجد والغار قديمة لدى الإنسان، وجديدة أيضاً. الأرض تدور كلّ يوم، وفي كلّ سنة من أعمارنا، في شرقنا (السعيد) ثمّة بطل دَوْماً. عندما يغيب العدل في المجتمع يحتاج كلّ جيل إلى ابتكار مُنقذ جديد، من مزاياه أنّه ليس مخلّداً مثل رموز الأساطير الدينيّة، بل هو كائن حيّ له عمرٌ لا يتجاوز عمر البشر، يتمّ دفنه بعد فنائه ليولد بطلٌ جديد يعيش مع الأبناء إلى المحطّة الأخيرة، يترجّل بعدها تاركاً مقعده إلى مُنقذ أكثر جِدّة يواكب الرحلة مع الأحفاد؛ لأنّه لا طاقة لنا على العيش دون هؤلاء الفاتحين.

البطل في الحُلم يُقابله إنسان مهزوم ومأزوم في الواقع، هكذا هي القاعدة في علوم الاجتماع والطبّ والنفس، والفارق بين الاثنين كبير إلى درجة أن الناس يعيشون في ظلّ منقذهم في حال من الرِّقّ الجماعيّ، بكلّ ما في قوّة أنظمة الاسترقاق القديمة من سلطة القانون، وما كانت تحمل من أغلال اجتماعيّة وأخلاقيّة. وإن كان الأمر يحصل بصورة غير ظاهرة للعِيان، لكنّ شكل الحياة الأخير مطابق لذلك الناتج من حالة الاستعباد الجماعي الذي ودّعته البشريّة منذ قرون.

بالإضافة إلى العبوديّة، لا يمثّل البطل في هذا الزمان رمزاً قوميّاً يشدّ من أزر الجميع؛ لأننا نعيش في بلدان متعدّدة الأعراق والمعتقدات والأرومات، ولهذا السبب رحنا نبتكر أكثر من بطلٍ واحد: اثنين أو ثلاثة أو أكثر، يتحوّلون بمرور الوقت إلى أداة للفُرقة، تصيرُ بسبب التشاحن الدائم جزءاً من دمائنا، لتدور عجلة الحرب الأهليّة (الباردة) في البلاد، تدوم طويلاً لأن أسبابها باقية وتتقوّى مع السنين، ويوماً ما سوف تسخن حتماً وتتفجّر إلى هستيريا جماعيّة تستيقظ فيها نوازع الشرّ والتوحّش القديمة النائمة، ويتقاتل عندها الجميع ضدّ الجميع، ليصير الحلّ بتدخّل قوى أجنبيّة (استعماريّة) تُنقذ بقيّة الحياة والعِباد.

عندما تكون حياة الإنسان زهيدة - لأن الشعب عبارة عن مجموعة من الرّقيق - تُرتكبُ أقسى الجرائم بشاعةً. وعندما تكون الحريّة مبذولة، وتسود العدالة الجميع، عندها فقط يختلف وعي الأمة وسوف تجد مُنقذَها من داخلها لا من الغيب. يحتاج الجمهور آنذاك إلى بطل قدوة من نوعٍ ما يتطلّع إلى بلوغ مكانته الجميع، ويحقّق لهم هذه الفكرة الرسّام والموسيقيّ والشاعر والمهندس... مثلما يجري الآن في الأمم المتحضّرة. من هنا جاءت فكرة النجم في المجتمع المستقرّ الهانئ بعيشته، وليس للأمر علاقة بالمال ورأس المال، وغير ذلك من كلام يُضيّق على النفس ويصدّع القلب والرأس.