صعَّد رؤساء الطوائف اللبنانية من حِدة انتقادهم للقوى السياسية، على أثر الفشل في إنهاء الشغور الرئاسي بلبنان. وبدا البطريرك الماروني بشارة الراعي، الأكثر قسوة، إذ اتهمهم بـ«الاستماع إلى مصالحهم الخاصة والفئوية، وأصوات الأحقاد والكيديات، على حساب هدم مؤسسات الدولة»، مطالباً، في الوقت نفسه، بـ«إجراء المفاوضات اللازمة مع سوريا والمجتمع الدولي؛ من أجل عودة النازحين السوريين».
وفشل البرلمان 11 مرة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا يزال الاستعصاء السمة الأبرز للأزمة، بالنظر إلى أن المعارضة لم تتفق بعدُ على مرشح واحد، كما لم تتفق مع «التيار الوطني الحر» على شخصية واحدة أيضاً، رغم الاتصالات بينهما. في المقابل، لا يزال «حزب الله»، و«حركة أمل» (الثنائي الشيعي)، يُصرّان على ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، للرئاسة.
عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعيعيد سيّدة الزروعبكركي – الأحد 14 أيّار 2023https://t.co/qHCEWWXtGF#البطريركية_المارونية #البطريرك_الراعي #شركة_ومحبة #حياد_لبنان #لبنان_الكبير #الراعي #بكركي #معا_من_أجل_لبنان #لبنان pic.twitter.com/wKY3pKvHrU
— البطريركية المارونية (@bkerki) May 14, 2023
وقال الراعي، في عظة الأحد: «لا يستطيع نواب الأمة والمسؤولون السياسيون عندنا، متابعة صمّ آذانهم عن سماع كلام الله، ومتابعة سماع أصوات مصالحهم الخاصة والفئوية، وأصوات الأحقاد والكيديات، على حساب هدم مؤسسات الدولة، بدءاً من عدم انتخاب رئيس للجمهورية مِن شأنه أن يوحي بالثقة في الداخل والخارج، وصولاً إلى إفقاد المجلس النيابي صلاحية التشريع، وحرمان الحكومة من كامل صلاحياتها، وتعطيل التعيينات المستحَقة، وتفشي الفساد في الإدارات العامة».
وأضاف: «لو يسمعون كلام الله، لتسارعوا إلى إصلاح الهيكليات والمؤسسات، وإلى النهوض بالاقتصاد، والحد من إفقار الشعب، ولأصلحوا الوضع المالي، وأوقفوا هجرة قوانا الحية، ولحزَموا أمرهم، ووحّدوا كلمتهم، وعمدوا إلى إجراء المفاوضات اللازمة مع سوريا والمجتمع الدولي؛ من أجل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وقد أصبحوا خطراً متزايداً على بلادنا، مطالبين الأمم المتحدة بمساعدتهم على أرض وطنهم».
عودة: هوى خارجي
ويواظب رؤساء الطوائف في لبنان على انتقاد المسؤولين السياسيين؛ على خلفية الأزمة الرئاسية. وقال متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس، المطران إلياس عودة، إن «ارتباطات معظم الزعماء والمسؤولين في لبنان، وتعلقهم بهوى خارجي، أوصلاه إلى قاع الهوة التي يقبع فيها، اليوم».
وأضاف: «الدول المحيطة كانت ترنو إلى لبنان، بعضها يحبه، وبعضها يسعى إلى أن يكون مثله، والبعض الثالث يحسده، أما الآن فقد سبقوه جميعهم، وأصبحوا يفتشون عن حل لقضيته بسبب تقصير أبنائه وخلافاتهم وانقساماتهم».
«يطلقون المواقف والشعارات المرتكزة على المبادئ والقيم، لكن أعمالهم تفضح نياتهم»
المطران إلياس عودة
وأشار عودة إلى أن المسؤولين اللبنانيين «يقولون ما لا يفعلون، يطلقون المواقف والشعارات المرتكزة على المبادئ والقيم، لكن أعمالهم تفضح نياتهم». وإذ أكد أن «الجميع ينادون بضرورة انتخاب رئيس، ويحددون مواصفاته»، سأل عودة: «ماذا ينتظرون؟! ما هذه الاستحالة في انتخاب شخصية تترأس الدولة؟! هل خلا البلد من الرجال الذين ينبض قلبهم بحب لبنان؟!».
قبلان: كارثة تاريخية
وانسحبت انتقادات الكنائس المسيحية للمسؤولين على رجال دين مسلمين، ورأى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في بيان، أنه «بعيداً عن الكارثة التاريخية، التي تضرب لبنان، يبدو أننا أمام لحظة جِدية لتسوية رئاسية تضع البلد والدولة بقلب النهوض مجدداً»، مطالباً بـ«أكبر تضامن وطني؛ لأن الحلاوة لا تُستخرج من الحنظل، والإنقاذ الوطني ضرورة وطنية وسياسية واجتماعية ونقدية ومالية، وترك لبنان دون إنقاذ سياسي أكبر خيانة للبلد وشعبه».
وأضاف أن «الناس تنتظر وسط كارثة معيشية واقتصادية لا سابقَ لها بتاريخ لبنان، والقطار الوطني لمن يركب فيه، وتصحيح وضعية البلد يبدأ من مجلس النواب، والمسكِّنات السياسية وصفة وطنية مسمومة، والتسوية الحالية ستساهم برسم ملامح البلد، وإعادة بناء جسم الدولة». وأضاف قبلان: «حماية لبنان تبدأ من المقاعد النيابية، والجوع السياسي أسوأ خطر يهدد لبنان».
فضل الله: عقلية الوطن
بدوره قال العلامة الشيعي السيد علي فضل الله: «لن نستطيع أن نبني وطناً ونَقدر على مواجهة التحديات والأزمات التي نعيشها، إلا عندما نقرر أن نخرج من عقلية الطائفة والمذهب إلى عقلية الوطن وإنسانه»، مشيراً إلى أن «المشكلة لن تُحلّ بانتخاب رئيس أو تشكيل حكومة، ما دامت هذه الطبقة السياسة تفكر بهذا المنطق؛ منطق تقاسم الحصص والغنائم، وتسعى إلى تكريسه».
— السيد علي فضل الله (@SayyedFadlallah) March 17, 2023
وقال فضل الله: «المواطن اللبناني لا يهمُّه هوية من يتسلم هذا الموقع السياسي أو ذاك، بقدر ما يعنيه أن يكون صادقاً وشفافاً ويعمل لمصلحة الوطن والمواطن»، محذراً من أن «هناك من بنى موقعه وامتيازاته على بث المخاوف والهواجس بين مكونات هذا الوطن».