عسكريون لبنانيون يخالفون الأنظمة ويزاولون عملاً ثانياً لتأمين قوت يومهم

بين «حب البزة» و«الاختناق» منها...

جنود يقفون في حراسة خارج السراي الحكومي (أ.ف.ب)
جنود يقفون في حراسة خارج السراي الحكومي (أ.ف.ب)
TT

عسكريون لبنانيون يخالفون الأنظمة ويزاولون عملاً ثانياً لتأمين قوت يومهم

جنود يقفون في حراسة خارج السراي الحكومي (أ.ف.ب)
جنود يقفون في حراسة خارج السراي الحكومي (أ.ف.ب)

لم يعد راتب سامر، الجندي في الجيش اللبناني، يكفيه لتوفير احتياجات منزله الأساسية، فوجد الحلّ في العمل ميكانيكياً إلى جانب خدمته العسكرية، علّه يؤمن معيشة أفضل لعائلته الصغيرة وسط انهيار اقتصادي ينهك البلاد.

وسامر واحد من الآلاف من عناصر الجيش وقوات الأمن في لبنان ممن باتوا يزاولون مهنة ثانية، لتعويض تدني قيمة رواتبهم بعد تدهور قيمة العملة الوطنية، رغم أن الأنظمة العسكرية تحظر ذلك ويتعرّض مخالفوها لعقوبات.

لكن على وقع الانهيار الاقتصادي وخسارة الليرة نحو 98 في المائة من قيمتها، تغضّ قيادة الأسلاك العسكرية والأمنية طرفها عن الموضوع، كي تتيح لعناصرها تأمين ما تعجز الدولة المفلسة عن تقديمه.

ويقول سامر (28 عاماً) الذي طلب استخدام اسم مستعار لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «تعرف المؤسسة العسكرية أننا نعمل، لكنها تغضّ النظر، لأن العسكري لم يعد قادراً على التحمل». ويعيش 80 في المائة من السكان في لبنان تحت خط الفقر.

سامر يعمل 3 أيام كل أسبوع في ورشة تصليح سيارات بطرابلس (أ.ف.ب)

ويروي الشاب الذي يعمل حالياً في ورشة تصليح سيارات يديرها عمّه في مدينة طرابلس (شمال)، إحدى أفقر المدن على الحوض الشرقي للبحر المتوسط: «لو لم نفعل ذلك، لهرب الجميع ولم يبقَ عنصر واحد في الجيش».

انضمّ سامر، وهو أب لطفل صغير، إلى السلك العسكري حين كان يبلغ 19 عاماً، ظناً منه أنه «ضمن مستقبله»، مع ما توفره الوظيفة في القطاع العام بلبنان من استمرارية وطبابة وتقدمات اجتماعية، لكن الأزمة قلبت حياته رأساً على عقب.

ويوضح: «كان راتبي يساوي 800 دولار قبل الأزمة، اليوم أحصل على 100 دولار فقط» مع الزيادات المؤقتة والتدابير التي أُقرّت لدعم الرواتب.

في كل أسبوع، يمضي سامر 3 أيام في خدمته العسكرية، ويعمل 3 أيام أخرى في الورشة. مع ذلك، فإن مدخوله «أقل مما يكفي لتأمين المأكل والمشرب والحفاضات والحليب».

مع عجز السلطات عن احتواء الأزمة وتداعيات انهيار الليرة، بدأت قطر صيف 2022، تقديم دعم مالي للجيش على شكل مساعدة مالية بقيمة 100 دولار لعناصره لمدة 6 أشهر.

وأقدمت الولايات المتحدة على الخطوة ذاتها، إذ بدأت الشهر الماضي، وبالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقديم مساعدة مالية بقيمة 100 دولار شهرياً على مدى 6 أشهر لعناصر قوى الأمن الداخلي، على أن يسري ذلك على الجيش أيضاً.

لكن في بلد يبلغ فيه التضخّم معدلات هائلة ويتغير سعر صرف الليرة يومياً، لا تحدث المساعدات فرقاً.

ويضيف سامر: «في نهاية الشهر، لا يبقى معي ألف ليرة حتى».

* «اختنقنا»

وضع الانهيار الاقتصادي القطاعات كافة، بينها الجيش وقوى الأمن أمام تحديات عدة، أبرزها مواصلة تأمين الاحتياجات الأساسية من غذاء وأدوية ومحروقات وصيانة عتاد وإبقاء الطبابة على مستواها.

ومنذ بدء الأزمة، تعتمد قيادة الجيش تقشفاً في موازنتها، فقلّصت مثلاً اللحوم من وجبات العسكريين. ثم أطلقت عام 2021، رحلات سياحية جوية بالمروحيات مخصصة للمدنيين مقابل بدل مادي.

بعدما حاول المواءمة بين خدمته العسكرية والعمل نادلاً في مطعم معروف قرب بيروت، قرّر أحمد الفرار من الجيش والتفرّغ لعمله.

ويقول أحمد (29 عاماً)، وهو اسم مستعار لـ«الوكالة الفرنسية»: «نشأت على حبّ البزة العسكرية. ما زلت أحبها، لكننا اختنقنا». وقد أمضى أحمد 10 سنوات في المؤسسة.

أحمد في منزله يحتسي فنجاناً من القهوة (أ.ف.ب)

ويوضح الشاب: «تركت الجيش لأنني وجدت أن ما من أمل في البقاء»، ويضيف: «شعرت كأنني أعيش في الحضيض. لم يتحسن حالي إلا حين فررت».

وبعدما كان راتبه العسكري لا يتجاوز عتبة 50 دولاراً قبل عام ونصف العام، بات يتقاضى 450 دولاراً من عمله نادلاً. وينتظر اليوم بفارغ الصبر ولادة طفله البكر.

وتتنوع المجالات التي يعمل فيها الجنود كالمطاعم والأفران والزراعة وتصفيف الشعر وقيادة سيارات الأجرة والبناء وحتى كعناصر أمن خاص.

ولم ترد قيادة الجيش على أسئلة وكالة «الصحافة الفرنسية» حول الموضوع.

وتنسحب المعاناة ذاتها على القوى الأمنية التي يبدو وضعها أصعب من المؤسسة العسكرية التي تتلقى مساعدات من دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة، لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

* «ما من حلول»

ويشير مصدر أمني للوكالة إلى أن «قوى الأمن الداخلي تغضّ نظرها عن قيام العناصر بوظائف جانبية، لأن ما من حلول أخرى، فالدولة غير قادرة على تحسين رواتبهم وكل الأعباء حتى أقساط المدارس باتت بالدولار».

ويقول: «نحاول مساعدتهم قدر الإمكان، لكن حتى المائة دولار التي تقدمها الولايات المتحدة غير كافية في ظل الوضع» القائم.

ولم تعد الميزانية المخصصة لطبابة العناصر الأمنية كافية مع ارتفاع كلفة الاستشفاء وتقاضي المستشفيات البدل المالي بالدولار.

لا تتجاوز قيمة راتب إيلي (37 عاماً)، العنصر في قوى الأمن الداخلي والوالد لثلاثة أطفال، اليوم عتبة 50 دولاراً اليوم، فما كان منه إلا أن انضمّ إلى والده لمساعدته في أعمال الزراعة، لتوفير مدخول إضافي، وإن كان قليلاً.

و«أسوأ ما في الأمر»، بحسب إيلي، أنه «لم تعد هناك من طبابة، فإذا كسرت رجلي أثناء دوامي، عليّ أن أتحمّل كلفة العلاج»، ويضيف: «ببساطة، وضعنا مزرٍ».

وأثّرت الأزمة الاقتصادية، وفق ما تشرح الباحثة في مركز «كونترول ريسكس» دينا عرقجي للوكالة، على «قدرة الأجهزة الأمنية على العمل بشكل مناسب وعلى معنويات» عناصرها.

ومع التغاضي عن مزاولة عناصر الأمن والجيش مهناً أخرى، باتت قدرة الأجهزة «على الاستجابة لاحتياجات الأمن الداخلي في البلاد مهددة»، على حدّ قولها، في بلد يشهد انقساماً سياسياً وجموداً يطال عمل المؤسسات كافة.


مقالات ذات صلة

دراسة تتوقع ارتفاع الإيرادات السياحية في مصر إلى 30 مليار دولار بحلول 2030

الاقتصاد سائحون يتفقدون «المتحف المصري الكبير» الذي ساهم في زيادة أعداد السياح منذ افتتاحه مؤخراً (أ.ب)

دراسة تتوقع ارتفاع الإيرادات السياحية في مصر إلى 30 مليار دولار بحلول 2030

توقعت دراسة حديثة ارتفاع مساهمة قطاع السياحة المصري في الناتج المحلي، من 8.5 في المائة حالياً إلى 15 في المائة (نحو 25-30 مليار دولار) بحلول عام 2030.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد يعرض أحد مكاتب الصرافة في مومباي أوراق نقدية من فئة 100 دولار أميركي (إ.ب.أ)

الدولار الأميركي يتجه نحو أسوأ أداء سنوي منذ 2003

يتجه الدولار الأميركي نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من عقدين، مع توقعات المستثمرين بخفض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة، العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر تنتظر 3.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خلال أسابيع

تنتظر مصر أن يصرف صندوق النقد الدولي نحو 3.8 مليار دولار ضمن برنامج القرض الممتد بجانب جزء آخر من صندوق الاستدامة والصلابة.

صبري ناجح (القاهرة)
الاقتصاد امرأة تعد أوراق الدولار الأميركي في منزلها في بوينس آيرس بالأرجنتين (رويترز)

عام مخيّب للدولار… وتوقعات بضعف أطول في 2026

ينتهي العام مخيباً للآمال بالنسبة للدولار الأميركي، مع ظهور علامات على استقرار العملة، إلا أن العديد من المستثمرين يتوقعون أن يستمر انخفاضها في العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

بلغت 3.7 مليار دولار.. 26 % زيادة في تحويلات المصريين بالخارج خلال أكتوبر

أعلن البنك المركزي المصري أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج بلغت 3.7 مليار دولار في أكتوبر ‌2025، بمعدل زيادة 26.2 في المائة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الخارجية» السورية: المباحثات مع «قسد» لم تسفر عن نتائج ملموسة

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
TT

«الخارجية» السورية: المباحثات مع «قسد» لم تسفر عن نتائج ملموسة

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)

قال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السورية، اليوم الجمعة، إن المباحثات مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) لم تسفر بعدُ عن نتائج ملموسة، معتبراً أن الحديث عن دمج مؤسسات شمال شرقي البلاد في مؤسسات الدولة يظل تصريحات نظرية دون خطوات تنفيذية.

وذكر المصدر في تصريحات لوكالة الأنباء السورية أن التأكيد المتكرر على وحدة سوريا يتناقض مع الواقع القائم في شمال شرقي البلاد، حيث توجد مؤسسات إدارية وأمنية وعسكرية خارج إطار الدولة تُدار بشكل منفصل، وهو «ما يكرس الانقسام» بدلاً من معالجته.

عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وأضاف: «رغم الإشارة المستمرة من قيادة (قسد) إلى استمرار الحوار مع الدولة السورية، لم تُسفر هذه المباحثات عن نتائج ملموسة، ويبدو أن هذا الخطاب يُستخدم لغايات إعلامية وامتصاص الضغوط السياسية في ظل جمود فعلي وغياب إرادة حقيقية للانتقال إلى التطبيق».

وتابع بالقول: «الحديث عن دمج مؤسسات شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة بقي في إطار التصريحات النظرية دون خطوات تنفيذية أو جداول زمنية واضحة، ما يثير الشكوك حول جدية الالتزام باتفاق العاشر من مارس (آذار) المبرم مع (قسد)».

وفيما يتعلق بملف النفط، قال المصدر المسؤول بوزارة الخارجية إن التصريحات المستمرة من قيادة «قسد» بأن النفط ملك لجميع السوريين تفقد مصداقيتها «طالما لا يُدار ضمن مؤسسات الدولة ولا تدخل عائداته في الموازنة العامة».

وأكد المصدر أن الحديث عن وجود تقارب في وجهات النظر «يبقى دون قيمة ملموسة ما لم يُترجم إلى اتفاقات رسمية واضحة بآليات تنفيذ مجدولة زمنياً».

كما اعتبر أن الحديث عن تفاهمات في الملف العسكري «لا ينسجم مع استمرار وجود تشكيلات مسلحة خارج إطار الجيش السوري وبقيادات مستقلة وارتباطات خارجية، بما يمس السيادة ويعرقل الاستقرار».

ورأى مصدر الخارجية السورية أن الأمر ذاته ينطبق على «السيطرة الأحادية على المعابر والحدود واستخدامها ورقة تفاوض، وهو ما يتناقض مع مبادئ السيادة الوطنية».


مقتل 5 جراء انفجار بمسجد في حمص بسوريا

كشافة سوريون يسيرون في شارع بمدينة دمشق القديمة (أ.ف.ب)
كشافة سوريون يسيرون في شارع بمدينة دمشق القديمة (أ.ف.ب)
TT

مقتل 5 جراء انفجار بمسجد في حمص بسوريا

كشافة سوريون يسيرون في شارع بمدينة دمشق القديمة (أ.ف.ب)
كشافة سوريون يسيرون في شارع بمدينة دمشق القديمة (أ.ف.ب)

كشف مسؤول محلي أن 5 أشخاص قتلوا وأصيب 20 آخرون عندما ‌وقع ‌انفجار ‌بمسجد ⁠في ​حي علوي ‌بمحافظة حمص السورية اليوم الجمعة، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن ⁠قوات الأمن فرضت ‌طوقاً أمنياً حول المنطقة وتحقق في الأمر.

وقال مسؤولون محليون لـ«رويترز» إن الانفجار ​قد يكون ناجماً عن تفجير انتحاري ⁠أو متفجرات وضعت هناك.


الجيش الإسرائيلي يعلن قصف مجمع تدريب ومستودعات أسلحة لـ«حزب الله» في لبنان

الدخان يتصاعد من موقع غارة إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان - 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من موقع غارة إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان - 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يعلن قصف مجمع تدريب ومستودعات أسلحة لـ«حزب الله» في لبنان

الدخان يتصاعد من موقع غارة إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان - 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من موقع غارة إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان - 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

قال الجيش الإسرائيلي اليوم (الجمعة)، إنه قصف ما وصفها بأنها بنى تحتية تابعة لجماعة «حزب الله» في عدة مناطق بلبنان، بما في ذلك مجمع تدريب لوحدة «قوة الرضوان» ومستودعات أسلحة.

وذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في بيان، أن الغارات الإسرائيلية استهدفت أيضاً «عدة مبانٍ عسكرية استخدمها (حزب الله) في شمال لبنان».

وأشار أدرعي في البيان، إلى أن «حزب الله» يجري تدريبات عسكرية استعداداً لشن عمليات ضد إسرائيل، معتبراً أن ذلك يمثل «انتهاكاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».

الدخان يتصاعد بعد غارات إسرائيلية استهدفت ضواحي قرية الكتراني جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأن الجيش الإسرائيلي شن غارات استهدفت جرود الهرمل في شمال شرقي البلاد، لافتة إلى تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي في أجواء البقاع تزامناً مع تلك الغارات.

وأضافت وسائل الإعلام اللبنانية أن الغارات الإسرائيلية طالت أيضاً إقليم التفاح وبلدة بصليا في جنوب البلاد، كما استهدفت طائرة مسيرة إسرائيلية منطقة شميس في منطقة شبعا.

وجرى التوصل إلى هدنة بين إسرائيل و«حزب الله» في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بوساطة أميركية بعد قصف متبادل لأكثر من عام، لكن إسرائيل ما زالت تسيطر على مواقع في جنوب لبنان رغم اتفاق الهدنة، وتواصل شن هجمات على شرق البلاد وجنوبها.