تؤرق ظاهرة السمنة لدى الأطفال، الأُسر والهيئات الصحية المحلية والعالمية على حد سواء، وفي حين تذهب أحدث إفادات متاحة على موقع «منظمة الصحة العالمية» إلى أنه «كان هناك أكثر من 40 مليون طفل دون سن الخامسة، يعانون من السمنة أو فَرط الوزن في عام 2018»، تحذر «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية (CDC)» الأميركية من أن السمنة غير المعالَجة تسبب أمراضاً متنوعة؛ منها: «القلب، والضغط، والسكري»، فضلاً عن «الاكتئاب، والقلق، والاضطرابات النفسية».
حساسية محادثة الأطفال عن السمنة
وبسبب حساسية محادثة الأطفال في سن مبكرة عن سلبيات تتعلق بأجسادهم، يسعى مختصون وخبراء إلى تقديم المساعدة للأُسر التي تضم أطفالاً يعانون الوزن الزائد، عبر دراسات وأنشطة عدة. وجاءت المساهمة الأحدث والأوسع في هذا المضمار من باحثي «جامعة باث البريطانية»، الذين نشروا، في 5 مايو (أيار) الحالي، دليلاً إرشادياً جديداً يتضمن توصيات ونصائح تفصيلية بشأن محادثات الآباء إلى أطفالهم حول أوزانهم الزائدة.
والدليل الجديد، الذي أنتجه باحثو «باث»، جاء بالتعاون مع مجموعات من اختصاصيي السمنة وطب الأطفال، التابعين لـ«جمعية الحمية البريطانية (BDA)»؛ للتغلب على «الأسئلة الصعبة التي يواجهها كثير من الآباء ومقدِّمي الرعاية في هذا الشأن».
وينتاب بعض الآباء القلق بشأن كيفية حماية أطفالهم من الشعور بالسوء تجاه أنفسهم عند الحديث عن الوزن، لذا يوصي الدليل بضرورة «تجنب لومهم» لهذا السبب، و«التحدث إليهم عن الطعام والأنشطة البدنية بإيجابية».
تقول الباحثة الرئيسية للدليل، البروفيسورة فيونا غيليسون، من قسم الصحة في «جامعة باث البريطانية»، لـ«الشرق الأوسط»: «سألنا الأطفال: أين يسمعون عن الوزن؟ وعما يعتقدون أنه يؤثر على أوزانهم»، موضحة أن الأطفال «يسمعون بالطبع من أولياء الأمور، ومن الإنترنت (الذي يثق به بعضهم، في حين يعرف آخرون أنه قد لا يكون دقيقاً)، وهم يتحدثون أيضاً عن حجم الجسم، خصوصاً في المدرسة، ويشعرون بالحرج عندما يُشار إليهم على أنهم بُدَناء».
وبناءً على ما خلص إليه البحث، تشير غيليسون إلى أن «الإثارة والتشجيع على إنقاص الوزن يمكن أن يقوِّضا من رفاهية الأطفال، بينما طُوِّر الدليل للجمع بين البحث المكثف، ومُدخلات الخبراء، وكذلك آراء الأطفال والآباء».
على مستوى الإرشادات المباشرة للأُسر، يَنصح التقرير الآباء بـ«تفادي انتقاد أوزانهم أو مظهرهم (أي الآباء أنفسهم)، أو انتقاد أوزان الآخرين؛ لأن أطفالهم يعتقدون أنه سيُحكَم عليهم هم أيضاً عبر طريقة الانتقاد نفسها».
بُعدٌ آخر يشير إليه الدليل، يتعلق بمنطلق الحديث مع الأطفال، بحيث ينصح أن يكون مرتكزاً على «حاجة الطفل إلى تغييرات تساعده على النمو والتمتع بصحة جيدة؛ وذلك لتجنب تعزيز قلق الأطفال بشأن أوزانهم».
ويشير الدليل إلى أنه في عام 2021 رُصد «أكثر من 25 في المائة من الأطفال، في عامهم الأخير من المدارس الابتدائية (الصف السادس بالتعليم البريطاني)، يعانون من وباء السمنة، وتبلغ هذه المعدلات ذروتها في المناطق الأكثر فقراً»، بينما كانت النسبة تمثل 5 في المائة فقط من الشريحة نفسها عام 1990.
وعما إذا كانت التوصيات صالحة للتطبيق على الجميع، تقول غيليسون: «أُجري البحث في المملكة المتحدة، لذلك بينما نتوقع أن تكون التحديات متشابهة في بلدان أخرى، قد لا تكون بالضرورة في جميع الجوانب».
كيفية مناقشة موضوع الوزن
بدورها قالت الدكتورة لورا ستيوارت، عضو مجموعة اختصاصيي السمنة، التابعة لـ«جمعية الحمية البريطانية»، في حديث لها على موقع الجامعة: «يدرك اختصاصيو التغذية المسجلون في الجمعية، أهمية دعم الآباء عند مناقشة موضوع الوزن مع أطفالهم، وكان من دواعي سرورنا التعاون مع جامعة باث بشأن توفير هذا المورد، ويسعدنا أنه سيكون متاحاً على نطاق واسع للمساعدة في المحادثات العائلية المفتوحة والبنّاءة».
وبشأن قياس أثر الإرشادات تقول الباحثة الرئيسية للدليل: «لقد وجد الآباء، الذين تحدثنا إليهم، أن الإرشادات مفيدة في توفير عبارات وأمثلة في كيفية التحدث عن الوزن، وكيفية الاستجابة للمواقف التي كانوا لا يعرفون ماذا يقولون بشأنها. وقال بعض الآباء إن الأمر سيكون مطمئناً إذا تأكدوا أنهم يفعلون الشيء الصحيح».
وعما إذا كانت هناك خطوات أخرى في المستقبل القريب، قالت غيليسون: «أسعى للحصول على تمويل لتطوير العمل بشكل أكبر، لكن لا توجد خطة نهائية حتى الآن. ستوضع الإرشادات على مواقع الصحة العامة الرسمية في إنجلترا وأسكوتلندا قريباً، ونأمل أن تجري مشاركتها بوصفها جزءاً من ملاحظات البرنامج الوطني لقياسات الطفل للأُسر في إنجلترا، في العام الأكاديمي المقبل، قبل أن تعود لتقرر أن هذا لم ينته منه بعدُ».