تجري في مدينة جدة السعودية، وبسرية تامة و«تكتم» ملحوظ، مباحثات معقدة ودقيقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بوساطة سعودية - أميركية تهدف إلى تهدئة الأوضاع ووقف الاقتتال المستمر بين الطرفين منذ قرابة الشهر، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب، ولا تُعرف على وجه الدقة «أوراق التفاوض» التي قدمها ويقدمها كلا الطرفين لتحسين موقفه التفاوضي.
ولم تكشف الوساطة المشتركة عن أي معلومات عما يدور داخل «الغرف»؛ ما اضطر وسائل الإعلام إلى الاعتماد على «مصادر مجهولة»، وتحليلات تستند إلى متابعتها لما يجري على الأرض في الخرطوم ومدن البلاد الأخرى، مثلما لم تكشف عن تقديمها مقترحات محددة للطرفين للاتفاق عليها، فما هي مصادر قوة المتفاوضين من الطرفين للحصول على أكبر حصة ومكاسب، بعد أن عجزا عن حسم المعركة ميدانياً طوال الأسابيع الماضية.
ويقول مستشار الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء معتصم عبد القادر الحسن، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن أقوى أوراق الجيش السوداني تتمثل في تمسكه بـ«استسلام» قوات الدعم السريع، وعودة أفرادها إلى ثكناتهم خارج العاصمة الخرطوم، قبل توقيع أي اتفاق. ويرى أن الجيش «لن يقبل بأقل من ذلك»، وتابع «الجيش السوداني، لن يقبل بأقل من استسلام قيادة الدعم السريع، وتقديمهم لمحاكمات لتمردهم على القيادة العسكرية»، وأضاف «الخياران أمام الجيش السوداني: أن يتم الحسم عبر التفاوض وهذا هو الأفضل، أو هزيمة القوات المتمردة وإجبارها على قبول الاستسلام».
في حين قال المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر لـ«الشرق الأوسط» إن الطرفين «غير مؤهلين» للوصول لتسوية توقف الحرب وتعود بالبلاد إلى الانتقال المدني الديموقراطي، موضحاً أن الوصول لحل «يتطلب أن تتجه القوى المدنية المعنية بالانتقال المدني الديموقراطي، لإجراء حوارات مفتوحة مع الطرفين تتم بموجبها استعادة المسار الوطني الديموقراطي، وتوحيد الجيوش عبر الحوار والتفاوض، وهو ما فشلت فيه الحرب حتى الآن».
ويرى خاطر «أن أي حل يتم الوصول إليه عبر القوة العسكرية، لن يحل مشاكل البلاد، بل يزيد تأزيمها ويحمل في طياته نزر حروب قادمة». وأوضح، أن الحرب نشبت بين الطرفين «على قضايا فنية، كان يمكن حلها بالحوار والتفاوض، وكادت القوى المدنية أن تقود العملية إلى بر الأمان». وتابع «دمج القوات في الجيش عملية مهمة وأساسية، لكنها لن تتم بالقوة، ولا يستطيع أي من الطرفين فرضها على الآخر».
ودعا خاطر قوى الثورة المدنية «إلى رص صفوفها لتقديم رؤى سياسية ديموقراطية تخرج البلاد من أزمتها الراهنة، وتعود بها إلى الحلول المدنية للقضايا الوطنية»، مستبعداً وجود «عناصر قوة تفيد أياً من الطرفين في تحقيق مكاسب عجز عن تحقيقها في الأرض، وتسرع في الحصول عليها بالدخول في الحرب».
من جهته، يقول ماهر أبو الجوخ، وهو صحافي من المتحدثين باسم القوى الموقّعة على الاتفاقية الإطارية، في إفادة مكتوبة أرسلها لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «أقوى أوراق الجيش هي رهانه على رفض الأطراف الإقليمية والدولية فكرة إحلال ميليشيا في الجيش، وتفوقه النوعي في أسلحة الردع: قوات جوية، مدفعية بعيدة المدى، مدرعات، إلى جانب أن ساحة المواجهة مقتصرة على العاصمة، مع وجود غضب شعبي ضد الدعم السريع؛ بسبب تكوينه القبلي، وارتباطه بجرائم حرب في دارفور، ومشاركته في فض اعتصام القيادة، وما يواجهه من اتهامات بضلوع قواته في جرائم سلب ونهب، والاستيلاء على منازل وممتلكات المواطنين التي زادت من الحنق عليه».
ويرى أبو الجوخ «أن أبرز أوراق الضغط التي يملكها الدعم السريع، تتمثل في معرفته المسبقة بضعف الجيش في سلاح المشاة، وتبنيه تكتيكات حجّمت من عوامل تفوقه النوعي، المتمثلة في الطيران الحربي والمدفعية والمدرعات، وذلك بالتواجد داخل الأحياء والتحرك في أرتال صغيرة ومسافات متباعدة، وتركيزه للمعركة في الخرطوم، باعتبارها الأكثر تأثيراً في حسم المواجهة وإنهاء المعركة سياسياً وعسكرياً». ويضيف «لا يعتمد الدعم السريع على السيطرة على المواقع، لكونها تُمكّن من حصار قواته؛ لذلك يتبنى استراتيجية الكرّ والالتفاف السريع لتطويق أي قوات مهاجمة، مستغلاً عربات الدفع الرباعي، وتكتيك حرب السيارات في المواجهات الميدانية، في مقابل التكتيك التقليدي للجيوش بالتقدم سيراً على الأقدام».
ووفقاً لأبو الجوخ «فإن الدعم السريع يراهن أيضاً على الحفاظ على المناطق التي سيطر عليها، وحصاره لنصف القيادة العامة».
ويتابع «تعتبر أقوى أوراق الدعم السريع، إعلانه خوض الحرب ضد حزب البشير المحلول وعناصره العسكرية، باعتبارها فئة غير مرحب بعودتها شعبياً وإقليمياً ودولياً، والتي عززها الظهور الإعلامي اللافت لعناصر نظام البشير».
ويرى أبو الجوخ أن الدعم السريع يتفوق في الإعلام الحربي على إعلام الجيش، ويقول «دائماً يلجأ لفيديوهات تعزز أي تصريحات يقدمها في مسار المعركة؛ ما يجعل التصريحات المنسوبة إليه ذات مصداقية أعلى، في حين يلجأ الجيش لاستخدام أساليب الحرب النفسية والدعاية؛ ما جعل رواياته تظهر بأنها لا تتوافر لها المصداقية والدقة».