حزب الله في الخليج.. أوراق من دم تتطابق أهدافها مع «داعش»

الكويت على نار الجغرافيا بين أطماع إيران وسوء حال العراق

مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
TT

حزب الله في الخليج.. أوراق من دم تتطابق أهدافها مع «داعش»

مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره
مسجد الإمام الصادق بعد تفجيره

كشفت السلطات الأمنية الكويتية عن مؤامرة تفجيرات واسعة النطاق يخطط لها حزب الله اللبناني، التابع لإيران، عبر تهريب كميات كبيرة من الأسلحة إلى شبكة من الخلايا السرية المتعاملة معه، يوضح بصورة ما عادت تقبل الجدل حول الأطماع الإيرانية في منطقة الخليج ككل. ذلك أن ما حدث في الكويت ليس جديدًا على الساحة المحلية بل سبق للكويت أن شهدت عمليات إرهابية كثيرة من قبل نفذها الحزب ومن هم وخلفه.
كذلك فإن مواقف طهران وقيادة الحزب من المملكة العربية معروفة، والمطالبات الإيرانية بالبحرين قديمة وتجدد للابتزاز وتبرير التدخل والتخريب. ولقد ارتفعت هذه الوتيرة أكثر بعدما فضحت «عاصفة الحزم» تخطط طهران لتطويق شبه الجزيرة العربية وصولا إلى اليمن.
بعد تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، خرج حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، في خطابات تلفزيونية معتادة، موجها التحية أداء وكلمة لأمير الكويت والشعب الكويتي ومجلس الأمة ووسائل إعلام كويتية وسنة وشيعة، لأنهم وفق حديثه قدموا نموذجا رائعا في التعاطي مع حادث تفجير المسجد خلال شهر رمضان الماضي. وقال نصر الله يوم ذاك إن «ما حصل في الكويت مشهد إنساني وأخلاقي لا يملك الإنسان إلا أن يضرب له تحية»، وتمنى أن يعمّم التعامل الكويتي على المنطقة.
تلك التحية الإيرانية التي أداها نصر الله لأمير الكويت، كانت مجرد شيء عابر. وهو – أي نصر الله - وإن صفق له عدد يسير من شيعة الكويت، لم تجد تحيته صداها كما كان يتمنى وهو المتعكر المزاج منذ بدء «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية إلى اليمن، وتزايد خسائر أوراق قوته على الميدان في سوريا التي يتورط فيها حشد من مقاتلي حزبه في إبادة الشعب السوري.
الكويت منذ العام 1983 تدفع ثمنًا داميًا باهظًا بفعل ما يعرف بحزب الله الكويتي. ولقد أعاد كشف وزارة الداخلية خلية كويتية ترفع ولاءها لحزب الله اللبناني، ومصادرة كمية كبرى من الأسلحة والمتفجرات في مناطق عدة داخل الكويت تورط حزب الله فيها، إلى الأذهان كل صفحات تاريخ الدماء والأطماع الإيرانية في الكويت.
«الجمهورية الإسلامية الإيرانية» التي تقود من خلف الكواليس حزب الله اللبناني، الذي يعد الذراع الأولى لها في المنطقة، كانت قد اصطدمت بقوة الأمن الكويتي بعد كشف وزارة الداخلية لخلية تجسس إيرانية تنشط في الكويت بمنتصف العام 2010، وأسقطت معها أسماء وقيادات كبرى، حاولت إيران لاحقًا التبرؤ منها، واعتبرت أن القصد من ذلك الإعلان «إثارة الفرقة بين الدول الإسلامية».
ثم بعد تورّط حزب الله في الأزمة السورية، سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى إغلاق المنافذ المالية التي كانت ترد له من حوالات من بعض دول الخليج، التي كان يعمل عليها عدد من جامعي التبرعات للحزب. وحينذاك اتفق الخليجيون تحديدا في العام 2013 على «اعتبار حزب الله منظمة إرهابية»، وهو ما تعتبره كذلك دول كثيرة على امتداد العالم في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
كشفت الداخلية الكويتية قبل أيام مصادر تهريب تلك الأسلحة والمتفجرات عبر جزيرة إيرانية، يفتح كذلك باب القلق من وجود «الحرس الثوري الإيراني»، خاصة وأن ثمة تقارير صحافية تشير إلى تمركزه في جنوب العراق على بعد كيلومترات من الحدود الكويتية. وهذا أمر يقلق دولة الكويت التي تخشى من تمدد الاضطرابات العراقية وتأثيرها على الداخل الكويتي.
ما كشفته السلطات الكويتية يعيد فتح الملفات عن حزب الله في الخليج، من الكويت إلى المملكة العربية السعودية. ومع محاولاته الحثيثة للتحرك داخل مملكة البحرين وما تكشفه الأجهزة المعنية فيها وفي باقي دول الخليج من القبض على خلايا إيرانية تجسسية أو تنفيذية لأعمال تخريبية يعيد جديًا طرح التساؤلات عن حقيقة ما تريد إيران في المنطقة.

حزب الله وجه لـ«داعش»

المحلل السياسي الكويتي، سالم العجمي قال خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه «بالمقارنة مع أحداث تفجير مسجد الإمام الصادق وخلية حزب الله الكويتي، يظهر تطابق كبير في الأهداف وهو محاولة ضرب التعايش في الكويت بين السنة والشيعة بوصفه المثال الأول في الخليج».
وأوضح العجمي أن الكشف عن خلية حزب الله واعترافات المنتمين لها أنهم تلقوا تدريبات عسكرية في لبنان على يد الحزب، وتلقيهم كل الأطنان الكبيرة عبر البحر من موانئ إيرانية، له تفسيرات عدة تلتقي في إجابة واحدة هي «داعش»... أن لحزب الله أجندته الخاصة حيث كان أفراد الخلية ينتظرون ساعة الصفر لبدء استهداف أمن الكويت وربما نقل تلك الأسلحة إلى دول خليجية أخرى من بينها على وصفه السعودية والبحرين. واعتبر أن الخسائر الكبرى التي مني بها حزب الله والنظام الإيراني في اليمن وسوريا، جعل الأمر يأخذ طابع ردة الفعل على الخليجيين، وخصوصا الكويت التي تعد بوابة الخليج من إيران والعراق، التي يساند عدد منهم إيران و«بذراع مغنية جديد بقيادة حزب الله على الأرض».
وأضاف العجمي أن «إيران عبر قيادتها لحزب الله الذي يشن حربًا بالوكالة في المنطقة، ترى دوما في عناصر وخلايا حزب الله الكويت، دورًا مؤثرًا على بقية الأفراد والخلايا في الخليج»، كاشفا كذلك عن تاريخ الحزب في إمداد عناصر شيعية تتبع لحزب الله في البحرين بالأسلحة والموارد المالية للقيام بهجمات إرهابية واختطاف.
ومن ثم، طالب العجمي دول الخليج، والمجتمع الدولي كذلك، بسرعة التدخل لوقف تدخلات حزب الله وتهديداته للمنطقة وسعيه إلى إشاعة الفوضى، مبينًا أن الوقت الحالي يستدعي مواقف شجاعة وتاريخية بعيدة عن المجاملات من أجل مصلحة استقرار دول المنطقة، والقضاء على العبث الإيراني وأذرعه التي ينفذها حزب الله وجماعة الحوثي.

تاريخ إرهاب حزب الله في الخليج

من ناحية أخرى، فإن فضح السلطات الأمنية في الكويت أدوار حزب الله في الخليج، منذ تأسيسه وحتى اليوم، وإن كانت البحرين هي في الأساس الدولة التي لا تغيب عن خطابات حسن نصر الله، يشير إلى أن هذا الحزب يستهدف أيضًا الكويت والسعودية على وجه التحديد. وفي هذا السياق اعتبر الباحث السياسي الكويتي عبد اللطيف الفرج في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الكويت والسعودية، نظرا للضربات الأمنية المتلاحقة، وعدم وجود بيئة حاضنة تتقبل أعمال حزب الله، تتصديان له، لكنه يتجه كذلك إلى دول خليجية يراها أرضا جيدة، خاصة إذا كثرت بها الاضطرابات، معربا عن أمله أن تتجه منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى مجلس الأمن لوضع حد لانتهاكات حزب الله والسلطات الإيرانية لأمن الإقليم، وسعيهما إلى تجنيد خلايا إرهابية في دول المنطقة. وتابع الفرج أن «الكشف الإعلامي عن تلقي الخلية المقبوض عليها للأسلحة والعتاد العسكري الكبير منذ ثلاثة أعوام يفسر حالة التكتيك الحربي الذي يقوم به حزب الله»، معلقا أن الحزب «دون شك يضع تصورات استخدامها بعد أي تغير جيوسياسي في سوريا أو بعد صدور أي قرارات بشأن قضية اغتيال رفيق الحريري».
وأردف الفرج أن «الكويت كانت ولا تزال من أكثر الدول عرضة لأكبر محاولات الإيرانيين ووكيلها حزب الله التخريبية كردة فعل على فشل مشروعهم، بدءا من حرب إيران والعراق، ومحاولة الانتقام من الفشل الذي تكبدته القوات الإيرانية أمام القوات العراقية». واعتبر أن الحزب - ومن خلفه إيران - يشكل اليوم الخطر الأكبر على الخليج لتمرسه في أعمال الحروب الاستراتيجية والتكتيكات الإرهابية، لافتًا إلى الأزمات التي تسبب بها الحزب على لبنان والمنطقة.
ورقات حزب الله في الخليج، كما سبقت الإشارة، بدأت من الكويت منذ العام 1983. وإن اختلفت مسميات الأذرع الإرهابية فإنها تدين جميعها بالولاء لحزب الله الذي يعرف نفسه بأنه «حزب ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة».
في ذلك العام شهدت الكويت حادثتين، الأولى في شهر مايو (أيار) عبر اختطاف طائرة كويتية على متنها أكثر من 500 راكب توجه بها الخاطفون نحو مدينة مشهد الإيرانية. ثم في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) استهدف أفراد خلية تابعة لحزب الله الكويتي، في هجمات متزامنة، كلا من: مطار الكويت ومجمعًا نفطيًا وسفارتي الولايات المتحدة وفرنسا، ومحطة الكهرباء الرئيسية للعاصمة الكويتية، أسفرت عن سقوط سبعة قتلى وأكثر من 60 جريحا.
ثم في أواخر شهر (مايو) من العام 1985 حاول حزب الله اغتيال أمير الكويت – آنذاك - الشيخ جابر الأحمد الصباح، أثناء توجهه من قصر السيف، وهو قصر الحكم، إلى قصر دسمان مقر سكنه، بواسطة سيارة مفخخة. ويوم ذلك لم يصب الأمير سوى ببعض الكدمات التي نتجت عن تصادم سيارة حراسته الخاصة نتيجة قوة الانفجار بسيارة الإرهابيين، وقتل في الحادثة اثنان من الحرس الخاص. وبعدها بشهر ونصف الشهر استهدف حزب الله مقهيين شعبيين بمدينة الكويت خلفا الانفجاران عشرات القتلى والمصابين.
وفي العام التالي 1986 أحبطت الكويت مسلسل اختطاف الطائرات الكويتية مؤقتا بعد محاولة 16 شخصا اختطاف طائرة كويتية كانت متوجهة إلى إحدى الدول الآسيوية، ولكن شهد شهر أبريل (نيسان) من العام 1988 الحادثة الأبرز لحزب الله عندما قاد عماد مغنية (القيادي الأمني الراحل في الحزب) مجموعة خطفت طائرة «الجابرية» التابعة لشركة الخطوط الجوية الكويتية بعد إقلاعها من مطار بانكوك في تايلاند. ولمدة أسبوعين جابت الطائرة المخطوفة الأجواء العُمانية وهبطت في مدينة مشهد الإيرانية، قبل أن يرفض لبنان هبوطها في بيروت، ومن ثم تتوجه إلى قبرص، ومنها إلى الجزائر حيث أطلق سراح الخاطفين حينها.
حزب الله برّر عملية الاختطاف، التي كانت خلفها إيران، بالمزاعم الإيرانية عن وقوف الكويت مع العراق في حرب الثماني سنوات ضد إيران، مع مطالبات متكررة لحزب الله بإطلاق سراح المتورطين بحوادث تفجير عدد من المنشآت الكويتية التي وقعت في الكويت العام 1983.

استهداف السعودية

أما بما يخص المملكة العربية السعودية، فبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، وولادة حزب الله اللبناني، كانت المراجع الدينية الإيرانية في قُم على ارتباط وثيق بتجنيد عدد من الشيعة السعوديين للقيام بعمليات تخريبية على أهداف استراتيجية داخل المملكة. وكانت أولى نتائجه محاولة إثارة القلاقل في موسم الحج في العام 1987 وكلف بها ما يعرف بـ«حزب الله الحجاز» الذي تورط مستفيدًا من الحشد الإيراني الداعم للثورة الإيرانية، وتمكنت حينذاك الأجهزة الأمنية السعودية من تقليل حجم الأضرار رغم أعداد القتلى والمصابين.
وبعد تلك الحادثة بعام واحد استهدفت عناصر «حزب الله الحجاز» مقر شركة «صدف للبتروكيماويات» في المنطقة الشرقية، وهي حادثة اشتد معها الحزم السعودي مما أدى إلى تجفيف منابعه والقضاء على جذوره. ولقد غيرت تلك الحادثة الأمور العمليات التكتيكية كثيرا بترحيل حزب الله لعناصره من الكويت إلى السعودية في العام 1989، والقيام بعمليات تخريبية بالقرب من الحرم المكي، مما دفع السعودية للمواجهة بحزم أكبر، عبر سرعة محاكمة المتورطين وتنفيذ أحكام القضاء الشرعي فيهم حدًا خلال ذات العام.
وفي المقابل، غير حزب الله قواعد لعبته فاستعاض عن الوجود المكاني داخل السعودية بمحاولة استهداف سفارات المملكة في الخارج، من تايلاند إلى تركيا، وكذلك باكستان، والسعي لاغتيال دبلوماسيين سعوديين يعملون في تلك الدول. ثم شهد العام 1996 ما كشفته تقارير أمنية عن تورط أسماء لها صلة بـ«حزب الله الحجاز» ورأسه في لبنان جريمة «تفجير الخبر» الذي أوقع 19 قتيلا، ومئات من الجرحى. وفي مارس (آذار) من العام الماضي، أدرجت السعودية عددا من التيارات المتطرفة إلى لائحة قوائم الإرهاب، ومنها «حزب الله داخل المملكة».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.