دعوة الصدر إلى «مظاهرة مليونية» تربك جهود ناشطي «ساحة التحرير»

مقرب من المرجعية: لا تهمها هويات المتظاهرين بل مطالباتهم بإصلاح حقيقي

دعوة الصدر إلى «مظاهرة مليونية» تربك جهود ناشطي «ساحة التحرير»
TT

دعوة الصدر إلى «مظاهرة مليونية» تربك جهود ناشطي «ساحة التحرير»

دعوة الصدر إلى «مظاهرة مليونية» تربك جهود ناشطي «ساحة التحرير»

للأسبوع الثالث على التوالي تتزايد الحشود البشرية في «ساحة التحرير» وسط العاصمة العراقية بغداد مطالبة بإصلاح النظام السياسي ومكافحة الفساد وتأمين الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء. وبينما حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي، بصفته المسؤول التنفيذي الأول في الدولة، الاستجابة لمطالب المتظاهرين حين أطلق حزمة إصلاحاته قبل نحو أسبوع، إلا أن القوى والأحزاب السياسية المتنفذة، التي راح المتظاهرون في بغداد والمحافظات يرفعون أسماءها ويطلقون شعارات ضدها، وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع الإصلاحات المفترضة للعبادي ومع المتظاهرين أنفسهم من خلال ركوب موجة التظاهرات من الخارج والعمل على تفكيكها من الداخل.
وشهدت مظاهرات، أول من أمس، في بغداد أولى حالات الاختراق التي بدت شبه مبرمجة طبقًا لما أعلنه لـ«الشرق الأوسط» الناشط المدني وأحد منظمي الحراك الجماهيري كاظم المقدادي، قائلاً إن «جماعات يرتدون ملابس معينة تجمع بين الأسود والأخضر، كانوا قد استبقوا موعد التظاهرات المقرر في الساعة السادسة حيث قدموا إلى ساحة التحرير في تمام الساعة الرابعة عصرًا وأقدموا على احتلال منصة الساحة دون أن يتمكنوا من حمل شعار حزب أو طرف معين»، مشيرًا إلى «أنهم بقوا على المنصة في إشارة ولو رمزية إلى أن الساحة أصبحت بيدهم علمًا بأنهم كانوا قلة بالقياس إلى عشرات آلاف المتظاهرين الذين توافدوا على الساحة وكلهم يرفعون شعارات وأهداف ضد الفاسدين وأحزاب السلطة والمتنفذين؛ مما جعل هؤلاء غير قادرين على تغيير مجريات الأحداث».
ولم يستبعد المقدادي أن «يكون قسم من هؤلاء مدفوعين من قبل أناس أصدرت الساحة قرارًا بعزلهم مطالبة رئيس الوزراء حيدر العبادي بتغييرهم وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ونائب رئيس الوزراء الحالي (المستقيل) بهاء الأعرجي، بالإضافة إلى بعض الفصائل الدينية التي باتت تجد أن التيار المدني الديمقراطي بات يشكل خطرًا على توجهاتها، لا سيما أن بعضها مرتبط بالخارج وبالذات إيران ويؤمن بولاية الفقيه».
وأوضح المقدادي أن «هناك أسلوبًا آخر من أساليب الاختراق أو الهيمنة على الساحة هو محاولة هذه الجهات السيطرة على عارضة حديدية كبرى في ساحة التحرير من خلال نشر صور بعض رجال الدين ولافتات وغيرها، لكن جرى تمزيقها من قبل المتظاهرين»، مشيرًا إلى أن «عملية اعتداء حصلت في الساحة من قبل هذه العناصر ضد جماعة التيار المدني الذين كانوا طوال الأسابيع الماضية يحتلون منصة التحرير ويوجهون التظاهرات باتجاه الضغط على العبادي لاتخاذ قرارات أكثر جرأة».
رئيس الوزراء، من جانبه، حذر من تسييس التظاهرات وجعلها منصة للصراعات الحزبية والفئوية. وقال المكتب الإعلامي للعبادي في بيان إن «رئيس مجلس الوزراء أعرب عن شكره للدور الوطني للقوى الأمنية وانضباطها العالي لحماية المواطنين»، موضحًا أنه «شكر شبابنا وأبناء شعبنا على التزامهم بالنظام العام وتعبيرهم الحضاري عن مطالبهم». وأضاف المكتب أن «رئيس الوزراء حذر من تسييس المظاهرات وجعلها منصة للصراعات الحزبية والفئوية».
ويأتي تحذير العبادي في وقت بدأت بعض القوى والأحزاب العمل على حشد مظاهرات داعمة لهذه المظاهرات؛ مما يفتح الباب أمام تشتيت الجهود الخاصة بالإصلاح.
وفي هذا السياق، فقد دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الحكومة إلى التعامل بحزم مع المعتدين على المتظاهرين مطالبا في الوقت نفسه بمنع سفر المسؤولين بكل درجاتهم وتحت أي ذريعة. وقال الصدر في بيان له إن «هناك بعض النقاط الواجب ذكرها في هذه المرحلة المهمة، منها حدوث اعتداء إثم على بعض المتظاهرين، ولهذا فإن على الحكومة التعامل مع ذلك بحزم»، داعيًا المتظاهرين إلى ألا يفت ذلك بعضدهم، مهما فعل العصاة والمندسون». وطالب الصدر بـ«منع المسؤولين بكل درجاتهم وتحت أي ذريعة بالسفر خارج العراق، خصوصًا من تحوم حولهم شبه الفساد المالي إلى حين إتمام التحقيق العادل من قبل القضاء». وحذر زعيم التيار الصدري من تسويف الإصلاح من قبل البعض» مطالبا بـ«ضرورة التحضير لمظاهرة مليونية لمساندة المطالب الشعبية والخدمية».
إلى ذلك، أكد رجل الدين الشيعي المقرب من المرجعية والأكاديمي عبد الحسين الساعدي لـ«الشرق الأوسط»، إن «موقف المرجعية واضح وثابت وداعم للمظاهرات الجماهيرية الداعية إلى محاربة الفساد وإصلاح النظام السياسي التي استجابت لها الحكومة وصادق عليها البرلمان مما يؤكد أن ما سبق أن دعت إليه المرجعية منذ سنوات بل منذ عام 2006 وإلى اليوم باتجاه الإصلاح ومكافحة الفساد وتأمين الخدمات للناس، تحول إلى مطلب جماهيري ضاغط وهو ما يستدعي الدعم والمؤازرة».
وحول ما إذا كان هناك تغير في موقف المرجعية باتجاه توجيه المظاهرات نحو أهداف معينة، أكد الساعدي أن «المرجعية تشخص الحالات التي تستوجب المعالجة التي تهم عموم المواطنين سواء فيما يتعلق بالمنظومة السياسية أو الإدارية أو القضائية، وبالتالي فإن النصائح والتوجيهات التي تصدر عن المرجعية إنما تمثل هذه العناوين ولا تغيير فيها أو تراجع عنها بأي حال من الأحوال»، مشددًا على أن «المرجعية لا تتدخل في هوية الجهات التي تنظم هذه المظاهرات بل تنظر إلى عناوينها العامة والداعية كلها إلى الإصلاح الحقيقي وهو مطلب كل العراقيين باستثناء المتورطين بالفساد الذين حان وقت محاسبتهم بصرف النظر عن الجهة التي ينتمون إليها».
وفي تطور آخر ذي صلة، أعلن محافظ كربلاء عقيل الطريحي أمس إقالة نائبيه، ووضع استقالته شخصيا تحت تصرف رئيس الوزراء. وقال الطريحي في مؤتمر صحافي إنه «وضع استقالته تحت تصرف رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وذلك لرغبة المتظاهرين باستقالته»، مؤكدا أنه «قرر أيضا إلغاء مناصب نوابه ومستشاريه ومعاونيه والإبقاء على معاون واحد ومستشار».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».