هل انطلق «قطار السلام» في إثيوبيا؟

مفاوضات بين الحكومة ومتمردي الأورومو على غرار {التيغراي}

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
TT

هل انطلق «قطار السلام» في إثيوبيا؟

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)

تسعى الحكومة الإثيوبية لاستثمار سريع في «النجاح النسبي»، الذي حققته، الآن، بعد توقيع «اتفاق سلام» مع متمردي إقليم «التيغراي» في شمال إثيوبيا. وهذا الاتفاق الذي وُقّع في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تأمل الحكومة بتعميمه في كل الأقاليم الإثيوبية، التي تعج بالجبهات الإثنية الرافضة للخضوع للحكومة المركزية في أديس أبابا. وبعد نحو 5 أشهر من توقيع اتفاق «التيغراي»، الذي أنهى سنتين من المعارك الدامية بين «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، والقوات الإثيوبية، انطلقت، في تنزانيا، يوم 25 أبريل (نيسان) 2023، مباحثات سلام غير مسبوقة بين سلطات أديس أبابا، ومتمردي إقليم «أوروميا» (حيث يتركز شعب الأورومو)، الذين يقاتلون السلطات بشكل متقطع منذ عقود. ولكن، راهناً تأمل الحكومة، التي يرأسها رئيس الوزراء آبي أحمد - الحاصل على «جائزة نوبل للسلام» عام 2019 - في إبرام اتفاق سلام دائم مع متمردي «الأورومو»، الذين يشغل إقليمهم معظم مناطق وسط البلاد، ويضم مجموعة من الفصائل المسلَّحة التابعة لشعب «الأورومو»؛ لأنها تخشى انزلاق البلاد إلى حرب داخلية أخرى. غير أن هناك تحديات كبيرة تحيط بمباحثات «الأورومو»، كما يشير مراقبون تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من بينها الإرث الكبير من العداوة وانعدام الثقة بين «الأورومو» والحكومات الإثيوبية المتعاقبة، فضلاً عن التطلعات الكبيرة لجبهة «الأورومو» في السيطرة على السلطة والثروة، باعتبارهم أكبر جماعة عِرقية في إثيوبيا، ومع ذلك يشكون، منذ زمن طويل، من تعرّضهم للتهميش.
كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد أعلن بدء مفاوضات السلام مع «الأورومو»، متعهداً بتفكيك القوات التي أنشأتها بعض الولايات، إبّان حفلٍ أقامه قبل أسبوع، وجمع المشاركين ورعاة عملية السلام بمنطقة «التيغراي». ويومذاك قال إن «مفاوضات السلام ستبدأ في تنزانيا... والحكومة والشعب الإثيوبيان بأمسّ الحاجة إلى هذه المفاوضات، التي أدعو الجميع للقيام بدوره فيها».

عَلم إقليم التيغراي

وبينما لم يذكر رئيس الوزراء أي تفاصيل أخرى عن المفاوضات مع «جيش تحرير الأورومو»، أو المدى الزمني لها، أشارت مصادر إعلامية إثيوبية إلى وجود وسطاء دوليين، بينهم كينيا المجاورة، ومنظمة «الإيغاد»، فيما بدا خضوعاً لاشتراطات «الأورومو». وذكر الدكتور عبد الرحمن أحمد محمد، الخبير الإثيوبي في العلاقات الدولية، وعضو «المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية»، في لقاء معه، أن «الجبهة اشترطت سابقاً رعاية طرف ثالث (وسيط) للمفاوضات، كما جرى في اتفاق التيغراي للسلام الموقَّع في جنوب أفريقيا؛ كون متمردي الإقليم لا يثِقون بتنفيذ الحكومة تعهداتها».
في حين قاد مفاوضات «التيغراي» فريق وسطاء من مفوضية «الاتحاد الأفريقي»، يضم الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، والرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، ونائبة رئيس جنوب أفريقيا السابقة فومزيلي ملامبو نكوكا، بالإضافة إلى مشاركة ممثلي الأمم المتحدة والولايات المتحدة بصفتهم مراقبين. وقد أوضح عبد الرحمن محمد، لـ«الشرق الأوسط»، شارحاً أن «هناك حماسةً إثيوبية لحسم الصراعات العِرقية، بعد ما حدث في التيغراي... والفترة المقبلة ستوضح خطوات وملامح تلك المفاوضات، ومَن الأطراف الداعمة لها، خصوصاً في ظل وجود ضغوط دولية متعددة لدفع البلاد نحو مزيد من الاستقرار، بما يعود بتأثيرات إيجابية على منطقة القرن الأفريقي». وتهدف مباحثات تنزانيا إلى «وضع أسس لمباحثات أكثر شمولاً في المستقبل القريب جداً»، وفق الناطق باسم «جيش تحرير الأورومو» أودا تاربي.
وكان الصراع المسلَّح قد اندلع بين سلطات أديس أبابا والمتمردين الأوروميين في عام 1973، عندما أسس هؤلاء «جبهة تحرير الأورومو»، وجناحها المسلَّح «جيش تحرير الأورومو». ومعلوم أن «الأورومو» أكبر شعوب إثيوبيا تعداداً. ووفق إحصاء 2007، يشكل «الأورومو» وحدهم بين 34 و40 في المائة من مجموع سكان البلاد. وكانت جماعة «جيش تحرير الأورومو» متحالفة مع قوات «جبهة تحرير شعب التيغراي»، في حربها ضد الحكومة، إلا أنه يبدو أن الصلح الذي توصلت إليه أديس أبابا مع «التيغراي»، في نوفمبر الماضي، أفضى إلى المفاوضات مع «الأورومو».
- «تصفير الأزمات»
من جهة ثانية، يرى الدكتور محمد شفاء، الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن شعار «تصفير الأزمات»، الذي ترفعه حكومة آبي أحمد لإرضاء شعب «الأورومو» ليس كافياً. ويضيف: «لا يزال الأورومو يشعرون بتهميش كبير، مع أن رئيس الوزراء آبي أحمد ينتمي إليهم... وهم يعتبرون أن وجوده على رأس السلطة، منذ نحو 5 سنوات، لم يحلَّ المشكلات، بل إن مناطقهم ما زالت تعاني من ضعف في التنمية، كما أنها بعيدة تماماً عن تقاسم الثروة في البلاد». ويضع شفاء عدداً من التحديات في مواجهة الحوار المزمع؛ أبرزها أن للأورومو «تطلعات أكبر وأبعد من التيغراي، فهم يعتقدون أنهم أصحاب البلد... وعانوا من ظلم العِرقيات الأخرى». ويتابع «أنهم لا يسعون إلى فيدرالية أو كونفدرالية، بل يتكلمون عن امتلاك إثيوبيا، واعتبار لغتهم هي اللغة الرسمية للبلاد، بدلاً من الأمهرية... وهذا مَكمن صعوبة المفاوضات عن سابقتها مع التيغراي... لكن الأمل يبقى في دور الضغوط الدولية لتقريب المسافات».
في هذا السياق يلفت مراقبون إلى محاولة «الأورومو» توظيف حالة الإنهاك التي تعانيها القوات الإثيوبية، من أجل تحقيق مكاسب، عبر التوصل إلى اتفاق مماثل للاتفاق الذي أبرمته الأخيرة مع «التيغراي». ووفق دراسة أعدَّها أحد مراكز الأبحاث المتخصصة، فإن هذا الطرح تدعمه تصريحات أطلقها بعض النشطاء من «الأورومو»، الذين ألمحوا إلى ضرورة أن «تستفيد» حكومة أديس أبابا من تجربتها في محاربة «التيغراي»، إذ ثبتت قلة فاعلية الحل العسكري في حسم الصراعات في إثيوبيا، ثم إنه لا بد من أن تأخذ أديس أبابا في الاعتبار اختلافاً جوهرياً بين الصراعين، مع «التيغراي» الذين يقدَّر تعدادهم بنحو 5 ملايين نسمة، و«الأورومو» الذين يتجاوزون الـ40 مليون نسمة.
- حوار وطني شامل
الكلام عن حلحلة الصراع مع «الأورومو»، ومِن قبله اتفاق «التيغراي»، يأتي في خضم تجهيزات لـ«حوار وطني» إثيوبي شامل، محدد له شهر مايو (أيار) المقبل، وفق رئيس لجنة الحوار الوطني؛ البروفيسور مسفين أرايا. ووفق تاجسي تشافو، رئيس مجلس النواب، فإن الحوار الوطني هو من «أولويات الحكومة، باعتباره السبيل الوحيدة لحل التحديات التي تواجه إثيوبيا، من خلال بناء إجماع وطني حول القضايا الأساسية».
ولعلَّ ما يجعل الأمور أكثر تشجيعاً للتفاؤل، أنه على مدار الأشهر الماضية، أظهرت الحكومة الإثيوبية ومتمردو «التيغراي» جدية في تنفيذ اتفاق السلام، وذلك بتنفيذ عدد من بنود الاتفاق؛ على رأسها إدخال المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية إقليم «التيغراي»، الذي يعاني من انقطاع عن العالم الخارجي لسنتين، في مقابل تسليم المتمردين مزيداً من الأسلحة، ضمن عملية نزع سلاح الإقليم، ودمج مقاتليه في الجيش الوطني.
وحقاً، خلال الأشهر الفائتة، استؤنف تسليم المساعدات للإقليم، الذي عانى، لفترات طويلة، من نقص حادّ في الغذاء والوقود والسيولة والأدوية، كما بدأت عملية نزع سلاح المتمردين، وعودة السلطات الفيدرالية لممارسة مهامّها، كما شطب اسم الجبهة من «قائمة الإرهاب» الحكومية. ووفق العميد ديريبي ميكوريا، نائب مفوض «إعادة التأهيل الوطني»، في منتصف أبريل، «سلّمت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي الدفعة الأولى من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المتنوعة، التي سبق جمعها حول منطقة دينقولات في الإقليم». وينص اتفاق السلام على نزع سلاح الجبهة، وعودة السلطات الفيدرالية إلى الإقليم الشمالي المتمرد، وإعادة ربط الإقليم بالخارج.
هذا، وكانت «جبهة تحرير التيغراي» قد سلَّمت أسلحتها الثقيلة إلى القوات الإثيوبية، في يناير (كانون الثاني) الماضي، في جزء من عملية السلام التي قادها «الاتحاد الأفريقي». وأشرف على عملية نقل الأسلحة، التي جرت في مدينة أغولاي، مجموعة من مراقبي الجانبين ومندوبون من منظمة «إيغاد». ومن المقرر، وفق مفوض «إعادة التأهيل الوطني» تيشومي توغا، أن يبدأ تسجيل المقاتلين السابقين التابعين في الجبهة، خلال يونيو (حزيران) المقبل.
من جهته، يعتقد غيتاشو رضا، رئيس الإدارة المؤقتة لإقليم «التيغراي»، أن الطرفين «حقّقا تقدماً في عملية نزع السلاح، وتسريح ودمج المقاتلين، حتى الآن... والعمل جارٍ حالياً على إكمال مهمة جمع الأسلحة الثقيلة لإعادة الدمج بشكل كامل، والعمل على الأنشطة التنموية بشكل أفضل». وترهن حكومة أديس أبابا عملية دمج المقاتلين السابقين في «التيغراي» ضمن قوات الجيش الوطني، بـ«النزع الكامل» لأسلحة المتمردين.
ووفقاً لغيتاشو رضا، فإن الثقة بين سلطات أديس أبابا، و«الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، «تحسنت بشكل كبير، إذ اختار الجانبان العمل في شراكة وثيقة، من خلال إدراك الحقيقة، وأنه لن يكون هناك بديل آخر للسلام». وأردف: «إن شعب التيغراي لا يسمح بعرقلة عملية السلام التي يتمتع بها الآن»، مشدداً على الحاجة إلى الحفاظ على جهود بناء السلام الجارية؛ بهدف تسريع التنمية؛ «لأنه هو مصيرنا المشترك الوحيد»، داعياً جميع السياسيين للعمل بالتعاون.
- مساندة وترقب دولي
على صعيد أوسع، أسهمت الخطوات المتتالية المحققة لتنفيذ اتفاق السلام في «التيغراي»، وعودة الخدمات الأساسية، في استعادة لافتة لثقة المجتمع الدولي في حكومة أديس أبابا. ووفق مسؤولين إثيوبيين، تجلَّى هذا في زيارات مسؤولين أميركيين وأوروبيين أخيراً، بعد قطيعة دامت سنتين. في المقابل، يشير مراقبون إلى مطالب أساسية، ما زالت «موضع اختبار» من جانب القوى الدولية لحكومة آبي أحمد، أبرزها ملفا «العدالة الانتقالية، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب».
والواقع أن الحكومة الإثيوبية تسعى إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي بجهودها لإرساء حالة استقرار سياسي وأمني؛ على أمل مشاركة دولية واسعة في إعادة الإعمار، من خلال استثمارات في البنية التحتية ومساعدات اقتصادية.
وفي مطلع أبريل، تلقّت سلطات أديس أبابا دعماً مالياً من «الاتحاد الأوروبي»، و«وكالة التنمية الفرنسية»، بقيمة 32 مليون يورو، عبر اتفاقية تمويل تهدف، وفق وكالة الأنباء الإثيوبية (الرسمية)، إلى العمل على «مشروع الأمن الغذائي، وتدابير إعادة التأهيل الزراعي في المناطق المتضررة من النزاع في إثيوبيا، والذي جرى تمويله بمبلغ 18 مليون يورو من (الوكالة الفرنسية للتنمية)، و14 مليون يورو من (الاتحاد الأوروبي) على التوالي».
وبموجب الاتفاقية، سيُصار إلى تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، من خلال إنعاش الإنتاج الزراعي بهذه المناطق، وتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي في إثيوبيا.
وهنا يرى ياسين أحمد، رئيس «المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية» في العاصمة السويدية إستوكهولم، أن الجهود الملموسة التي تبذلها الحكومة الإثيوبية مع شركائها الأفارقة أسهمت في توطيد تدريجي للعلاقات مع القوى الكبرى، وتخفيف الضغوط على حكومة آبي أحمد. وأضاف، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن واشنطن، والاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، يضغطان من أجل تعزيز اتفاق السلام في التيغراي؛ «خوفاً من انتكاسة تؤثر على أمن القرن الأفريقي ككل».
ورأى الخبير الإثيوبي في زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لأديس أبابا، خلال مارس (أذار) الماضي - وهي الأولى لمسؤول أميركي منذ سنتين - ومِن قبله وزيرتا خارجيتي ألمانيا وفرنسا في يناير، «تجسيداً لهذا التوجه».
ثم إنه، قبل أيام، أبدى «الاتحاد الأوروبي» استعداده لإعادة إطلاق برنامجه الإرشادي المتعدد السنوات، لمواكبة المزيد من التقدم في تعزيز حل النزاعات سلمياً، والمصالحة، واستقرار الاقتصاد الكلي في إثيوبيا. ونصّ بيان لمجلس الاتحاد على أن الاتحاد «يشجع بقوة المؤسسات المالية الدولية على مساعدة حكومة إثيوبيا في معالجة الوضع الاقتصادي الحرِج في البلاد، من خلال أجندة الإصلاح الاقتصادي، والدول الدائنة على العمل من أجل الانتهاء السريع لعملية إعادة هيكلة الديون من خلال الإطار المشترك». كذلك رحّب مجلس «الاتحاد الأوروبي» بالتقدم الكبير في تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، ولا سيما فيما يتعلق بإسكات البنادق، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق «اللجنة الوطنية لإعادة التأهيل»، لمعالجة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

إضاءة على التركيبة الديمغرافية لإثيوبيا

> تتشكل إثيوبيا من 11 إقليماً، مع تمايز عِرقي ولغوي متنوع تعبر عنه 9 مكوّنات رئيسة.
من الناحية اللغوية، توجد في إثيوبيا نحو 100 لغة يمكن تقسيمها إلى 4 «مجموعات لغوية» رئيسة هي: المجموعة الأفروآسيوية، وتضم اللغات السامية (الأمهرة والتيغراي/ التغرينيا والغوراغ والهررية)، والكوشية (الأورومو والسيدامو والصومالية والعفر والهاديا والكامباتا)، والأومية، ثم هناك المجموعة النيلية – الصحراوية، التي تضم في إثيوبيا لغة الكوناما، ولكنها خارج حدودها تشمل عدة لغات؛ منها الدينكا والفور في السودان، واللوو في كينيا، والصنغاي في غرب أفريقيا.

مقاتلون من «جيش تحرير الأورومو» (غيتي)

شعب الأورومو هو أكبر مكون عِرقي - لغوي في إثيوبيا، ويتركز في إقليم أوروميا بوسط البلاد، ويشكل بمفرده أكثر من ثلث عدد السكان، الذي تَجاوز 100 مليون نسمة، وأبناؤه يتكلمون اللغة الأورومية الكوشية، ويعملون بالزراعة والرعي. وكانت احتجاجات «الأورومو» المناهضة للحكومة قد اندلعت عام 2015 بسبب نزاع بين مواطنين غالبيتهم من الأورومو والحكومة حول ملكية بعض الأراضي، إلا أن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية، وحقوق الإنسان، وأدّت لمقتل المئات واعتقال الآلاف. وأجبرت المظاهرات الائتلاف الحاكم، في نهاية المطاف، على إبدال رئيس الوزراء في حينه هايلي مريام ديسالين، بآبي أحمد، الذي ينتمي إلى عِرقية «الأورومو»، لكن، مع هذا، تجددت الاحتجاجات قبل 3 سنوات، وسقط عشرات المتظاهرين في الإقليم، عقب مقتل المغني هاشالو هونديسا، في يوليو (تموز) 2020، وحالياً، الوضع ليس بأفضل حال، رغم وجود آبي أحمد في الحكم.
أما ثاني أكبر مكونات في إثيوبيا، شعب الأمهرة، الذين يتكلم أبناؤه اللغة الأمهرية السامية، وهي اللغة الرسمية للجمهورية الإثيوبية، ويشكل الأمهرة نحو 27 في المئة من عدد السكان. ووفق المعتقد التقليدي، فإن أصول الأمهرة ترجع إلى سام الابن الأكبر لنوح، الذي وردت قصته في العهد القديم.
ثالث الشعوب البارزة، التيغراي، الذين يشكلون نحو 6.1 في المئة من الشعب الإثيوبي، ويتركزون في شمال البلاد وعبر الحدود في إريتريا. وكانت «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي» أقوى أطراف الائتلاف الحاكم في إثيوبيا لسنوات عدة، لكن رئيس الحكومة الحالي آبي أحمد كبح نفوذها بعد تولّيه السلطة عام 2018. وساءت العلاقات بين الجانبين، قبل سنوات، بعدما حلّ آبي أحمد الائتلاف الحاكم، الذي كان يتألف من عدة أحزاب إقليمية عِرقية. ثم أعلن أحمد دمج الأحزاب في حزب وطني واحد أطلق عليه «حزب الرخاء»، لكن الجبهة رفضت الانضمام إليه، وقررت محاربته سياسياً وعسكرياً. وبعد حروب دامية راح ضحيتها الآلاف، وقّع اتفاق سلام في نوفمبر 2022.
المكون الرابع المهم هم الصوماليون، الذين يشكلون نحو 6.1 في المئة من تعداد الشعب الإثيوبي، وهم يتركزون في منطقة أوغادين، كما ينتشرون في أنحاء مختلفة من البلاد، وأخيراً هناك مكونات أصغر حجماً، أبرزها الغوراغ، والولياتا، والعفر، والهاديي، والغامو، وغيرها.



إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)
جنود فرنسيون في مالي (سلاح الجو الأميركي)
TT

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)
جنود فرنسيون في مالي (سلاح الجو الأميركي)

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ، بل وإخفاقات وانتكاسات، في خضم صراعات جيوسياسية متحركة وأجواء شديدة التأزم في أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. ماذا، إذن، حلّ بالسياسة الخارجية الفرنسية التي كانت مشاركتها الفاعلة داخل المجتمع الدولي تعبيراً عن صوت «حر» غير منحاز حتى تتراجع بهذا الشكل؟

جرى الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية عن «تقليد للدبلوماسية الفرنسية» هو النهج الذي اختاره قادة فرنسا لإدارة علاقاتهم الخارجية مع دول العالم، ولقد اتسمّ هذا النهج بـ«الاتزان» و«التميز»، وكان بالفعل حاضراً بقوة في المحافل الدولية، وبالأخص، في قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي.

نهجا ديغول وميتران

ذلك ما عُرف فيما بعد بـ«سياسة فرنسا العربية» التي رسم الرئيس التاريخي الأسبق الجنرال شارل ديغول ملامحها في خطاب نوفمبر (تشرين الثاني) 1967 في أعقاب نكسة يونيو (حزيران) 1967، ومعها اعتمد ديغول أساساً الانفتاح على العالم العربي وتوطيد العلاقات بينه وبين فرنسا على مختلف الصعد.

في المقابل، منذ تلك الفترة طغى على العلاقات الفرنسية - الإسرائيلية جو من البرود إلى غاية وصول اليسار إلى الحكم في حقبة الثمانينات، فيومذاك أعاد الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران «تفعيل العلاقات» عام 1982، منتهجاً سياسة أكثر انحيازاً لإسرائيل حتى لُقّب بـ«صديق إسرائيل الكبير».

ولاحقاً، كانت حادثة رشق الطلاب الفلسطينيين لرئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان بالحجارة عام 2000، بعد مشاهد الاستقبال الحار الذي لقيه الرئيس الراحل جاك شيراك في شوارع رام الله عام 1996، تجسيداً قوياً للاعتقاد السائد بأن اليمين الفرنسي أكثر مساندة وتأييد للمواقف العربية من اليسار.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

ضعف الإرادة السياسية

هنا يوضح باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) ومؤلف كتاب «هل يسُمح بانتقاد إسرائيل؟» الأمر، فيقول: «على الرغم مما قيل عن اليسار وزعيمه ميتران، الحقيقة هي أن الإرادة السياسية للتأثير في الأوضاع كانت قوية في تلك الفترة من تاريخ فرنسا». ويضيف: «علينا ألا ننسى أن زعيم الاشتراكيين كان أول من ذكّر في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي عام 1982 بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، بالإضافة إلى استقباله الزعيم الراحل ياسر عرفات في باريس عام 1989».

وزيرة الخارجية الأسبق كاترين كولونا

لا فوارق ظاهرة اليوم

بونيفاس يتابع من ثم «اليوم لا نكاد نرى فارقاً بين اليمين التقليدي (الجمهوري أو الديغولي) واليسار الاشتراكي، علاوة على أن ديناميكية السياسة الداخلية تغيّرت بظهور حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يضم عناصر من اليمين واليسار والمجتمع المدني، ومعظمهم يفتقر إلى الخبرة السياسية، ناهيك عن ضعف الروح النقدية، بما في ذلك عند الجهات الفاعلة في الدبلوماسية... التي لم تعد تعبّر كما كان الوضع في الماضي عن مواقف فرنسا باعتبارها امتداداً لقيم التنوير وحقوق الإنسان والحريات».

جدير بالذكر، أن الإعلام الفرنسي كان قد عّلق مطوّلاً على «تواضع الخبرة السياسة» لوزراء خارجية ماكرون، مثل ستيفان سيجورنيه، الذي فضح الإعلام أخطاءه اللغوية الكثيرة وقلة إتقانه اللغة الإنجليزية. وما يتّضح اليوم من خلال تداعيات العدوان على غزة ولبنان هو أن الأصوات التي تناهض العدوان على غزة ولبنان لا تنتمي إلى اليمين الجمهوري، بل إلى أقصى اليسار الذي نظّم حركات احتجاج واسعة في البرلمان والشارع للضغط على الرئيس ماكرون من أجل التدخل.

وزير الخارجية السابق ستيفان سيجورنيه

هذا الأمر أكدّه رونو جيرار، الإعلامي المختص في السياسة الخارجية، الذي ذكّر أن السياسة الخارجية الفرنسية «فقدت استقلاليتها وفرادتها مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي - وهو آخر من مثّل اليمين الجمهوري في السلطة –». ويشرح: «حصل هذا حين قرّر ساركوزي إعادة فرنسا إلى المنظمة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2009، ثم المشاركة في التدخل العسكري في ليبيا. وكانت هاتان الخطوتان خطيئتين كبريين لأنهما وضعتا حداً للتقليد الديغولي الجمهوري الذي يقضي بأن تحترم فرنسا جميع التحالفات، لكن من دون التماهي مع الولايات المتحدة، ذلك ملخصه في العبارة الشهيرة (حليفة... ولكن غير منحازة)...».

وهنا يضيف الباحث توماس غومارت، مدير معهد العلاقات الدولية (إيفري): «لنكن واقعيين، صوتنا ما عاد مسموعاً كما كان الحال في السابق، والشعور بأن المجتمع الدولي عاجز أمام الهيمنة الأميركية ملأ النخب السياسة بالتشاؤم، وبالتالي غدت سبل الضغط المتاحة لدينا اليوم محدودة».

ماكرون: سياسة خارجية متناقضة...بالنسبة للرئيس ماكرون، فإنه فور وصوله إلى الحكم بدأ في تقديم الخطوط العريضة لسياسته الخارجية والتوجهات الجديدة للدبلوماسية الفرنسية، حين أجرى لقاءً صحافياً مع ثمانٍ من كبريات الجرائد والمجلات الأوروبية («لوفيغارو» الفرنسية، و«لوسوار» البلجيكية، و«لو تون» السويسرية، و«الغارديان» البريطانية، و«سودويتشه تسايتونغ» الألمانية، و«كورييري ديلا سيرا» الإيطالية، و«إل باييس» الإسبانية و«غازيتا فيبورتا» البولندية). وفي هذا اللقاء أكد ماكرون أن أولوية سياسته الخارجية محاربة «الإرهاب الإسلامي»، والتنسيق مع جميع القوى الكبرى من أجل ذلك.

وزير الخارجية الحالي جان نويل بارو

ثم، في جولته الأولى لأفريقيا أعلن في «خطاب واغادوغو» ببوركينا فاسو (مايو/أيار 2017) أن فرنسا ستسعى جاهدة للتعاون مع الدول الأفريقية في إطار شراكة متكافئة، كما ستكون حاضرة للمساهمة في السلام كـ«رمانة» لميزان القوى العالمية؛ ما رفع بعض الآمال في أن تكون الحقبة الرئاسية لماكرون أفضل من غيرها، لا سيما، وأن طبيعة الحكم (الرئاسي) في فرنسا تجعل من الرئيس المسؤول الأول والأخير عن السياسة الخارجية.

وحقاً، كثّف الرئيس الفرنسي من حراكه الدبلوماسي على مسارات عدة، كما ضاعف بكثير من الحماسة المبادرات والتصريحات الطموحة، لكنها بمعظمها كانت متناقضة، وتفتقد المنهجية والرؤية الواضحة... وفق بعض التقارير. جيرار جيرار (الإعلامي في «لوفيغارو») يعيد إلى الأذهان أن ماكرون كان متناقض المواقف في غير مناسبة، منها «حين حاول أولاً التفاوض مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بخصوص الحرب في أوكرانيا، ثم تحوّل متبنياً لهجة عدائية صريحة إلى حد التهديد بإرسال قوات مسلّحة للدفاع عن أوكرانيا... ما أثار حفيظة الفرنسيين والشركاء الأوروبيين». وأردف جيرار: «وكأن هذا لم يكن كافياً، طلب الرئيس ماكرون المشاركة في قمة (بريكس) مع أن الكّل يعلم بأنها فكرة بوتين. فهل كان يعتقد فعلاً أن الدول التي تجمّعت في هذه المنظمة للتحّرر من الهيمنة الغربية تريد أن تلتقي به أو تصغي لما يقوله؟».

سياسة باريس الأفريقية

عودة إلى الشأن الأفريقي، بعد الآمال الكبيرة التي أثارها «خطاب واغادوغو» عام 2017 بتصحيح صورة «فرنسا الاستعمارية» والتعاون مع الأفارقة كشركاء، جاءت خيبات الأمل. ففي المغرب العربي، أولاً، فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر في سياق جيوسياسي كثير التقلبات. ثم مع باقي الدول فشلت أيضاً في التخلص من «صورة القوة الاستعمارية السابقة» بسبب أخطاء عدّة ارتكبها ماكرون، أولها احتكاره جميع ملفات السياسة الخارجية، وهو ما لخصّته مجلة الـ«موند أفريك» في مقال بعنوان «كاترين كولونا خيبة أمل أفريقية» بالعبارة التالية «للأسف السيدة كولونا ودبلوماسيوها لم يتمكنوا من التأثير بسبب قرارات الإليزيه العديمة المعنى...».

وهنا، كما ذكر أنطوان غلاسير، الباحث المختص في الشؤون الأفريقية، على موقعه على منّصة «يوتيوب»: «حين تولى ماكرون زمام السلطة، وعد الدول الأفريقية بقطيعة نهائية مع الماضي وبتوازن في العلاقات، لكن ما حدث وما قيل أكد استمرار الممارسات القديمة، بدايةً مع المماطلة في سحب الجيوش الفرنسية من مالي، ثم عبر التصريحات الاستفزازية بخصوص الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وأكثر منها... التلويح باستعمال قوات «الإيكواس/ السيدياو» (المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا) للتدخل في النيجر، ثم التراجع عن تلك التصريحات».

وحسب غلاسير، كان على ماكرون أن يلتزم الصمت: «فبأي صفة يقرّ ما هو شرعي وما هو غير شرعي؟». وكل هذه الأخطاء السياسية كرَّست الانحدار السياسي لماكرون وانكماش الدور الفرنسي في أفريقيا.

الشرق الأوسط: حصيلة هزيلة...

أما في الشرق الأوسط، وخلال ولايتين رئاسيتين وسبع سنوات من تولي ماكرون السلطة، ثمة شبه إجماع على أن الإخفاق كان سيد الموقف في مساعي السلام التي حاولت فرنسا إطلاقها والإشراف عليها.

في لبنان، الذي تجمعه بفرنسا روابط تاريخية وثقافية قوية، لم تكن الإرادة ولا حسن النية هما المشكلة عند ماكرون. إذ كان أول المسؤولين العالميين تحركاً، حين زار لبنان بعد تفجير ميناء بيروت عام 2022، ووعد بإصلاحات سياسية داخلية لإخراج البلاد من الأزمة، لكن وعوده لم تتجسد على أرض الواقع. وفي موضوع بعنوان «ماكرون مسؤول عن تدهور الاوضاع في لبنان» نقلت صحيفة «كورييه أنترناتيول» عن نظيرتها الأميركية «الفورين بوليسي» تحليلاً يقول التالي إن «إحجام فرنسا عن محاسبة النخب السياسية (اللبنانية) بحزم، والاكتفاء بمطالبتهم باتخاذ إجراءات كان تصرفاً ساذجاً بشكل مربك. فبعد أشهر طويلة من التهديد بفرض عقوبات على الشخصيات المسؤولة عن الجمود السياسي، أعلنت باريس أنها ستفرض قيوداً على دخول الأراضي الفرنسية، لكنها كانت خفيفة جداً لدرجة انها لم تؤثر على أحد».

وبالفعل، لم تتمكّن فرنسا - السلطة الانتدابية السابقة في لبنان - من تحقيق أي اختراق على خط أزمات البلد الذي يعاني انقسامات سياسية وطائفية عميقة حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من شغور المنصب منذ سنتين.

وللعلم، كانت تقارير إعلامية كثيرة قد نشرت شهادات لمقرّبين من محيط جان إيف لودريان، المبعوث الخاص للبنان، دافعوا فيها عن نشاطه وتنقلاته الستّة إلى بيروت، بحجة «أن الدبلوماسية تتطلب وقتاً»، وأن النتائج كانت ستظهر لولا ظروف الحرب في غزة التي خلطت كل الأوراق. والمصادر ذاتها لم تتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى الأطراف اللبنانية، معتبرة أن «الجمود السياسي مسؤولية اللبنانيين».

أيضاً، انتقدت أنياس لوفالوا، الباحثة في معهد الأبحاث والدراسات حول دول المتوسط والشرق الأوسط، «عجز الدبلوماسية الفرنسية عن إسماع صوتها مقابل تنامي النفوذ الأميركي في بلاد الأرز». ورأت أن السبب يعود إلى المنهجية التي يتبعها ماكرون الذي احتكر منذ البداية كل الملفات، ثم ضاع في تفاصيلها بسبب نزعته إلى السيطرة على كل شيء ورفضه الاستعانة بخبرة الدبلوماسيين المحنّكين.

الموقف الفرنسي من العدوان على غزة أيضاً اتسم بالعديد من التناقضات. وبعدما ظّل في حالة جمود لأشهر طويلة رغم مشاهد القتل والدمار، تحرّك في الأسابيع الأخيرة بعد سلسلة من التصريحات أطلقها الرئيس ماكرون نتجت منها مشاحنات كلامية شديدة اللّهجة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتهت بتحميل ماكرون مسؤولية التصريحات لبعض الوزراء «الذين نقلوا تصريحات مزيفة...» و«لصحافيين كرّروها دون أن يتأكدوا من صحتّها...». هذا الموقف الذي اعتبره البعض تهرّباً من المواجهة يعكس العجز التي يميز حالياً الموقف الفرنسي. وهنا، تمنى السفير السابق جيرار آرو لو أن ماكرون «التزم الصمت... أو التكلم بالتنسيق مع الشركاء الأوربيين كي يكون لمبادرته تأثير أكبر».

«صورة فرنسا»... مشكلة!

في أي حال، يرى رونو جيرار أن صوت فرنسا ما عاد مسموعاً في المحافل الدولية «لأنها لم تعد تثير الإعجاب، ولم تعد ذلك النموذج الذي يعكس الإشعاع الثقافي والتطور الاقتصادي وحقوق الإنسان». ويشرح على صفحات مجلة «كونفلي جيو بوليتك» قائلاً: «عندما تكون فرنسا وراء فكرة معايير ماستريخت بينما تعُد أكثر من 3000 مليار يورو من الديون و5 ملايين عاطل عن العمل، فلن يكون لصوتها تأثير كبير... نحن البلد الأوروبي الذي فيه أعلى نسبة ضرائب حكوماته لم تعد قادرة على توفير الحّد الأدنى لمواطنيها». ثم يذكّر بأن شارل ديغول اهتم أولاً بأوضاع فرنسا الداخلية، وبالأخص الوضع الاقتصادي، قبل أن يبدأ جولته الأولى خارج البلد عام 1964.

أما السفيرة السابقة سيلفي بيرمان، فرأت خلال حوار مع «لو فيغارو»، تحت عنوان «هل ما زالت فرنسا تملك الأدوات لتحقيق طموحها؟»، أن التوتر السياسي الداخلي أثَّر سلباً على صورة فرنسا في العالم. وأعطت الاحتجاجات الشعبية والإضرابات المتواصلة العالم الانطباع بأننا فقدنا السيطرة على الأوضاع، فكيف نقنع غيرنا إن لم نعد نمثل القدوة الحسنة؟ في المغرب العربي فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر