ملعب كرة قدم بأرضية ترابية، رُسمت حدوده البيضاء بـ«خام الجبس»، ومن حوله غابت الكراسي والمدرجات و«المقصورة»، واتخذ المشجعون الكبار والصغار من الأرض مجلساً لهم، أو اصطفوا في «مقطورة» تتيح لهم رؤية أفضل وتشجيعاً بحماس، رافعين شعار: «الكرة للجماهير».
في أجواء ريفية بسيطة، ووفق ما هو متاح من إمكانيات، تشتعل في العديد من القرى المصرية منافسات كروية شعبية، تتصاعد أهميتها وتكتسب جماهيريتها، لا سيما مع تنظيمها خلال شهر رمضان، حيث تعد دورات كرة القدم أحد المظاهر المتوارثة التي تميز شهر الصيام في مصر.
إلا أن هذه الدورات تطورت منافساتها وأجواؤها لتضاهي البطولات الكبرى، حيث لجأ منظموها إلى الاستعانة بطواقم تحكيم رسمية، إلى جانب إدخال التقنيات الحديثة من بث مباشر للمباريات، ولوحة تبديلات إلكترونية، بالإضافة إلى الاستعانة بتقنية الفيديو «فار»، وصولاً إلى الابتكار في تصميم الدروع والجوائز للفريق الفائز، التي تقدم من خلال الرعاة، الذين يكونون من السياسيين أو البرلمانيين أو أبناء القرية من المقتدرين.
وفيما تنظم هذه الدورات داخل مراكز الشباب التابعة لوزارة الشباب والرياضة، أو في ملاعب ترابية في القرى، التي لا تضم هذه المراكز، جذبت هذه التطورات أنظار مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، لتحتل الدورات الريفية «الترند»، وتثار حولها حالة من النقاش بالجدل تارة، الذي يدور حول المبالغة في التنظيم، والاحتفاء بما يُقدم تارة أخرى، حيث الإشادات بمستوى وأفكار التنظيم.
وخلال الأسابيع الماضية ذاع صيت عدة «دورات ريفية»، تداول المغردون ووسائل الإعلام أخبارها، منها دورة قرية قشطوخ بمحافظة المنوفية، التي أطلق عليها الأهالي «برازيل الدورات»، نظراً لمشاركة 32 فريقاً من أبناء المحافظة والمحافظات المجاورة، وللحضور الجماهيري الكبير، ولأجواء التنظيم الاحترافي الذي شهدته البطولة، لا سيما الافتتاح الذي شهد حفلاً مبهراً وثقّ بالتصوير الجوي. كما نالت دورة ميت طريف بمحافظة الدقهلية، شعبية كبيرة، خاصة مع حرص وزير الشباب والرياضة المصري الدكتور أشرف صبحي على حضور مباراتها النهائية.
في أول أيام عيد الفطر، تداول رواد التواصل الاجتماعي على نطاق واسع صوراً لمراسم توزيع جوائز دورة قرية قافلة بمحافظة البحيرة، التي كان فيها نوع من الطرافة، من خلال تصوير «سيشن» لجوائز البطولة، حيث قام فلاحو القرية بتوزيع الجوائز على الفريق الفائز في البطولة في أول أيام العيد، فيما صممت الجوائز على غرار جوائز بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022.
كما شهد شهر رمضان المنقضي إطلاق دورات لكرة القدم النسائية، لأول مرة في مصر، بعد أن اقتصرت لسنوات طويلة على الرجال.
بالاتجاه نحو محافظة الدقهلية (دلتا مصر)، وتحديداً إلى قرية حمادة، إحدى القرى التابعة لمركز دكرنس، التي لا يتجاوز سكانها 4 آلاف نسمة، احتضنت القرية الهادئة منافسات حامية لإحدى أقدم الدورات الريفية، فعلى مدار شهر رمضان، اشتعلت المنافسة بين الأندية والفرق المشاركة، التي تمثل القرى والعزب المجاورة، فيما اختتمت فعاليات الدورة مساء أمس (السبت)، حيث أقيم نهائي الدورة، الذي جمع بين فريقي قرية «حمادة» وقرية «البويب»، التي حسمها الأول لصالحه، وسط أجواء حماسية.
حظي هذا النهائي على وجه التحديد بمتابعة كبيرة في مصر، ونال نصيباً كبيراً من الدعاية، خصوصاً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تبعه متابعة إعلامية مع استقدام طاقم تحكيم نسائي لأول مرة، تقوده حكم الساحة الدولي شاهندة المغربي، في سابقة أولى تشهدها الدورات الرمضانية في مصر.
ويقول فارس عامر، المسؤول الإعلامي في نادي حمادة، وأحد منظمي الدورة، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه هي الدورة الرمضانية التي تحمل رقم 32 التي يتم تنظيمها في القرية، والأولى بعد توقف دام 4 سنوات متتالية، بفعل فيروس كورونا وغيرها من الصعوبات التي حالت دون تنظيمها، ولأننا نسعى إلى تقديم دورة مختلفة بعد غياب تشكلّت لجنة خاصة قبل شهرين من حلول شهر رمضان مكونة من 10 أفراد، للتخطيط بشكل سليم».
ويلفت إلى أن اللجنة المنظمة، برئاسة عضو النادي محمد عيد عوض، استقرت على الاستعانة بـ«الفار» لضمان العدالة التحكيمية، مع نقل مباريات الدورة عبر تقنية البث المباشر على صفحة النادي، ثم كان التفكير في وجود حكم سيدة، كتقليد جديد يحدث في الدورات الريفية، حيث تم التواصل معها ورحبت على الفور، وكذلك تم تنظيم مباراة كرة قدم نسائية، كنوع من لفت الأنظار وجذب الجمهور.
ويوضح عامر أن «التفكير تم بشكل مدروس واحترافي، وذلك لرغبتنا في عودة قوية للدورة، وأيضاً تقديمها بشكل متطور والتعريف بها لكل محبي كرة القدم، وبما يُظهرها كأحد أقدم الدورات الكروية التي تقام في شهر رمضان».
دورات كرة قدم في ريف مصر تحاكي البطولات الكبرى
أثارت اهتماماً وانتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي
دورات كرة قدم في ريف مصر تحاكي البطولات الكبرى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة