أكد باحثون من مؤسسة «آيس ميموري» أنهم تمكنوا من استخراج ثلاثة أنابيب جليدية من أرخبيل سفالبارد النرويجي في القطب الشمالي رغم ما واجهوه من صعوبات خلال مهمتهم الهادفة إلى إنقاذ الذاكرة المناخية المهددة بفعل الذوبان.
وتسعى مؤسسة «آيس ميموري» التي أُطلقت عام 2015 إلى جمع أسطوانات الجليد من 20 موقعاً في أنحاء عدة من العالم خلال نحو 20 عاماً لحفظها في قاعدة كونكورديا الفرنسية الإيطالية في القطب الشمالي بحيث تبقى في متناول باحثي المستقبل، قبل أن يقضي التغير المناخي على الطبقات المتجمدة.
وكانت المفاجأة الأولى للعلماء الثمانية الفرنسيين والإيطاليين والنرويجيين الذين توجهوا إلى الأرخبيل النرويجي في نهاية مارس (آذار) الفائت، أن أحوال الطقس كانت أقسى من المتوقع في حقل هولتيدالفونا الجليدي، أحد الأماكن الواقعة في أقصى شمال القطب الشمالي، حيث أقاموا معسكرهم، إذ كان من المفترض أن تبلغ الحرارة 25 درجة مئوية تحت الصفر، لكنها كانت فعلياً 40 درجة تحت الصفر بسبب الرياح العاتية، مما اضطر الباحثين إلى تأجيل الحفر بضعة أيام.
ولم تتوقف الصعوبات عند هذا الحدّ، إذ عندما وصل الحفر إلى عمق 24.5 متر، غمرت الحفرة كمية كبيرة من الماء ناجمة عن ذوبان الجليد.
وقال منسّق البعثة عالم الجليد جان شارل غاليه، في بيان، إن «العثور على مثل هذه الكمية من الماء لم يكن متوقعاً»، مع أن الدراسات كانت تشير منذ عام 2005 إلى «وجود طبقة من المياه الجوفية» تحت الجليد.
وتضم الخزانات الجوفية هذه مياهاً عذبة أو مالحة تتسرب بين الجليد في المناطق الجليدية، مما يساهم في زعزعته.
ورأى دانييلي زانوني من جامعة البندقية في «العثور على كل هذا المقدار من المياه تحت الجليد دليلاً إضافياً على الآثار المأسوية للاحترار المناخي في القطب الشمالي».
ويشهد أرخبيل سفالبارد ارتفاعاً في حرارته أسرع بما بين مرتين وأربع مرات وحتى سبع مرات مما يسجل في مناطق أخرى من العالم، حسب دراسة نشرتها مجلة «نيتشر».
بالإضافة إلى القلق المناخي من هذه الظاهرة، ألحقت المياه أيضاً أضراراً بمحركين للحفر، ما دفع البعثة للانتقال وسط العاصفة أيضاً إلى موقع آخر على بعد نحو 150 متراً وأعلى بـ13 متراً، على قمة جبل دوفريبرين الجليدي.
وعاودت البعثة حفرياتها في 12 أبريل (نيسان) ما أتاح لها في غضون أيام قليلة استخراج ثلاثة أنابيب جليدية طول كل منها 50 إلى 75 متراً. وهذه الأسطوانات الشفافة الثمينة التي يبلغ قطر كل منها نحو عشرة سنتيمترات، تختزن في طبقاتها وفقاعات الهواء التي تحويها تاريخاً مناخياً يصل عمقه إلى 300 عام!
وقالت ماترني لاروز من المركز الوطني للبحوث العلمية، إن البعثة «واصلت رغم كل الصعوبات التركيز على هدفها» لإدراكها التام «الأهمية العلمية الكبيرة لهذه العينات حاضراً ومستقبلاً».
وتبدو المهمة التي اضطلعت بها «آيس ميموري» أشبه بسباق مع الزمن للحفاظ على سجلات الجليد التي تضطلع بدور حاسم في تحليل الظروف البيئية في الماضي.
وقال رئيسها جيروم شابيلاز لوكالة الصحافة الفرنسية، في 3 أبريل، إن علماء الجليد «يرون مادتهم الأولية تختفي إلى الأبد من سطح الكوكب». وأضاف: «من مسؤوليتنا كعلماء جليديات لهذا الجيل التأكد من الحفاظ على جزء منه».
لكنّ مسلسل الصعوبات لم ينته مع استخراج العيّنات، إذ واجهت الباحثين مشكلة أخيرة تمثلت في الارتفاع الحاد للحرارة لتصل إلى ثلاث درجات مئوية تحت السفر، مصحوباً بهطول أمطار شكلت تيارات سائلة واسعة على الطريق بين المخيم وقاعدة ني - أولسوند، مما جعل العودة محفوفة بالمخاطر.
ولم يصل إلى القاعدة في نهاية المطاف سوى أنبوبين، فيما لا يزال الثالث والأخير عالقاً مع جزء من الفريق في موقع الحفر، في انتظار ظروف أكثر اعتدالاً.
ودعت «آيس ميموري» إلى استنفار دولي، مشددة على «الحاجة اليوم إلى مزيد من الباحثين للمساهمة سريعاً في جمع العينات من المناطق الجليدية المهددة»، حسب عالم المناخ القديم ونائب رئيس «آيس ميموري» كارلو باربانتي.
أما مديرة المؤسسة آن كاترين أولمان، فقالت: «إذا خسرنا مثل هذه المحفوظات، فسنفقد الذاكرة المتعلقة بأثر البشر على المناخ» ومعلومات مهمة للأبحاث في المستقبل.