رغم تسارع وتيرة تطور الحياة وتنامي وسائل التواصل، يحن الإنسان بطبيعته إلى الماضي الذي يساعد في استحضاره الموروث الشعبي الثقافي في المرويات والقصص والحكايات والفنون الشعبية المختلفة وفي الملابس والأكل وفي التراث العمراني، وهو ما حافظت عليه منطقة البلَد جدة التاريخية وجعلته المكان الأول بامتياز لاستحضار الماضي.
منطقة البلد «جدة التاريخية» لا تحمل ذكريات كبار السن فقط بل طبعت في ذاكرة الشباب والأطفال ذكرى مميزة ومدت جسور تواصل بين الأجيال، تعرفهم على حياة من سبقهم، وما تحمله هذه المنطقة من إرث تاريخي وموروث شعبي.
وللحفاظ على الإرث والموروث اعتمدت وزارة الثقافة في السعودية عددا من الفعاليات في جدة التاريخية منها فعالية موسم رمضان التي تستهدف الزوار والسكان للاستمتاع بالأجواء الرمضانية من خلال عدة فعاليات تقام في 14 منطقة في جدة التاريخية، وتتيح للزوار تذوق الأكلات الشعبية والتراثية من خلال 12 مطعما ومقهى.
في موسم رمضان بالبلد جسدت عدة شخصيات أدواراً مهمة ومهنا كانت رئيسية في تلك الفترة ولكن مع مرور الزمن اختفت أدوارها من الساحة ومن هذه الأدوار شخصية شيخ الحارة التي جسدها عارف الشريف ولفت أنظار الزوار وأثار فضولهم لمعرفة ما هو دوره وكيف كانت طريقته وهل حياة شيخ الحارة الواقعية تشبه ما تأتي به الأفلام والمسلسلات؟
يقول عارف الشريف لـ«الشرق الأوسط»: شخصية العمدة أو كما تسمى أيضاً شيخ الحارة كانت من أهم الشخصيات التي يحظى صاحبها بالاحترام والتقدير من سكان الحارة التابعين له بالأحياء الشعبية، وله عدة أدوار بارزة في مجتمعه باعتباره مسؤول الأمن الأول المكلف بحمايتهم وإصلاح ذات البين بينهم وحل المشاكل قبل أن تحول للجهات الرسمية، بالإضافة لإعانة فقراء المنطقة.
ونالت منطقة باب البلد التي تقام فيها أركان للقهوة السعودية، ودكاكين للحرفيين إعجاب الزوار، وتعالت كاميرات الجوال لتصور الحرف اليدوية التقليدية والتراثية التي تمت مزاولتها قديماً في جدة التاريخية والتي قدمها أشخاص حرفيون بشكل مباشر أمامهم ومنها حرفة صناعة العقال والحذاء والمفاتيح وشباك الصيد والفخار والمنجّد وأيضاً صناعة الشاي والقهوة.
يقول لـ«الشرق الأوسط» ساري حريري مالك علامة تجارية سعودية مختصة في الملابس التراثية وأحد المشاركين في إظهار الحرف القديمة «ركزنا في موسم رمضان على إظهار جمال تراث الحجاز وهويته من خلال تقديم الحرف اليدوية القديمة التي كانت موجودة ومنها حرفة صناعة العقال الذي اشتهر بلبســــــــــــه المشايخ والأعيان، كما قدمنـــــــــــــا أيضاً حرفة صانع الأحذية الذي كان يســــــــــــــــمى الخراز، ويستخدم الجلد الطبيعي لصناعة الأحذية وصناعـــــــــــــــة أحزمة الحج والعمرة والكمرات التي كان يستخدمها الرجـــــــــــــــال لتخزيـــــــــــــــــــن الأغراض الشخصية وأيضاً المحازم والجنبيـــــــــــــــات».
ويقدم موسم رمضان في جدة التاريخية عربات الأكل الشعبي ودكاكين الحلويات وأربعة معارض للطوابع والعملات القديمة والمصحف الشريف ولترميم المساجد التاريخية وأيضاً هناك معرض عن تاريخ جدة وورشة للخط الديواني.
ولأن المســــــــــلسلات الرمضانية القديمة تعيد الحنين إلى الماضي تقدم سينما أهل أول، عرضا لمسلسلات رمضانية قديمة مع تجارب إفطار وسحور من شرفات وأسطح البيوت والمباني الأثرية، وتقدم كذلك عروضا مسرحية حية للكبار والصغار في مسرح العرائس التي تحكي فيها الدمى قصصا بواسطة عدد من الرواة.
وتتنوع أيضاً الفعاليات في البلد حيث يجد الزائر قسما يقدم فوازيــــــــــــــــــــــر رمضان ومسابقة لحفظ القرآن الكريم وجداريات رسم تفاعلية وعروضا ضوئية ثلاثية الأبعاد مستوحاة من ثقافة شهر رمضان مســـــــــــــــلطة على مبانٍ تاريخية مختارة.
وفي البلد يعيش الزائر تجربة فريدة من المرح وذلك من خلال المشاركة بلعب مجموعة من الألعاب التقليدية الرمضانية للكبار والصغار مثل لعبة الكيــــــــــــرم وكرة قدم الطاولة «الفرفيرة» ولعبة الضومنــــــــــــــة، وأيضاً يمكن للزائر أن يشارك في إعادة إحياء الألعاب الشعبيــــــــــــــة القديمة ومنها «الكمكم والبرجس والأصداف الملونة، التيلة واللقفـــــــــــــــة ولعبة الدوامة».