مصادر دبلوماسية فرنسية: اجتماع الدوحة الثلاثي لم يحقق أي اختراق في ملف الأزمة السورية

استبعدت تغير سياسة طهران وربطت تطورها بحصول «مقايضات»

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيراه الأميركي جون كيري والروسي سورغي لافروف قبل اجتماعهم في الدوحة يوم الخميس الماضي (أ.ب)
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيراه الأميركي جون كيري والروسي سورغي لافروف قبل اجتماعهم في الدوحة يوم الخميس الماضي (أ.ب)
TT

مصادر دبلوماسية فرنسية: اجتماع الدوحة الثلاثي لم يحقق أي اختراق في ملف الأزمة السورية

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيراه الأميركي جون كيري والروسي سورغي لافروف قبل اجتماعهم في الدوحة يوم الخميس الماضي (أ.ب)
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيراه الأميركي جون كيري والروسي سورغي لافروف قبل اجتماعهم في الدوحة يوم الخميس الماضي (أ.ب)

رغم الحراك الدبلوماسي متعدد الأطراف الذي برز في الأيام الماضية، لا تلحظ باريس وجود «تغير ملموس» في المواقف من شأنه توفير فرصة لتحقيق اختراق في الأزمة السورية. كذلك، فإن فرنسا لا تتوقع «تحولات» في السياسة الإيرانية بعد الاتفاق النووي الموقع في 14 يوليو (تموز)، أقله على المدى المنظور رغم تصريحات المسؤولين الإيرانيين وآخرها صادر عن الرئيس روحاني الذي أشار إلى «مناخ جديد» من شأنه تسهيل الحلول لأزمات الشرق الأوسط.
تقول المصادر الدبلوماسية الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن اجتماع الدوحة الثلاثي، يوم الأحد الماضي، الذي ضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية، «لم يحقق، رغم أهميته، أي اختراق جدي» في الملف السوري، خصوصًا أن الطرف الروسي الذي سعى إلى تركيز النقاش حول الإرهاب ومواجهته، عاد لطرح ما يسمى «مبادرة الرئيس بوتين» القائمة على السعي لإقامة تحالف يضم الأطراف الإقليمية بما فيها النظام السوري. وعلقت المصادر الفرنسية على ذلك بتأكيد أن اتفاقًا كهذا «لن يكون ممكنًا طالما أنه لا يعالج موضوع مستقبل النظام في دمشق». وبحسب باريس، فإن ملف الإرهاب ومحاربته يشكل «الأولوية المطلقة» لموسكو التي ترى أن الإبقاء على الرئيس بشار الأسد «ركن أساسي من أركان محاربة الإرهاب».
بيد أن المصادر الفرنسية تعترف بأن موسكو «تسعى لملء الفراغ الدبلوماسي»، إن من خلال تحركات الوزير لافروف أو نائبه ميخائيل بوغدانوف، أو تكثيف الحوار مع الأطراف السورية «من النظام والمعارضة»، أو الانفتاح على دول الخليج والتقارب مع واشنطن، وذلك تحت باب محاربة إرهاب «داعش» الذي «يشكل خطرًا على الجميع». لكن باريس ترى أن طرح موسكو «ما زال ناقصًا» طالما أنها «تترك مصير النظام السوري معلقًا» ولا «تعطي مؤشرات حول استعدادها للاستماع لمطالب الآخرين وأخذها بعين الاعتبار». وتشير المصادر الفرنسية إلى أن موسكو تسعى لإبراز التقارب مع واشنطن بصدد ملف الإرهاب وتركيز الرئيس الأميركي على محاربة «داعش». لكنها بالمقابل، تتناسى موقف واشنطن من نظام الأسد. وجاء أكمل تعبير عنه على لسان المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سمنتا باور، خلال مناقشة الملف السوري مؤخرًا في مجلس الأمن حيث شددت على ضرورة رحيل الأسد الذي لم تر فيه وسيلة لمحاربة «داعش». وبالمقابل، ما زالت واشنطن «تنأى بنفسها» عن أي عمل عسكري مباشر ضد قوات النظام السوري، «لأنها لا تريد فتح باب المواجهة العسكرية مباشرة لا مع النظام ولا مع إيران، كما أنها لا تريد أن تتعرض قواتها الموجودة في العراق لأعمال انتقامية».
لا تجد باريس أن طهران طورت موقفها من الأزمة السورية ولا تتوقع أن يظهر ذلك في المدى المنظور، وفي أي حال ليس قبل أن يصوت الكونغرس الأميركي على الاتفاق النووي وبعد أن يصبح نافذًا. لكن المصادر الفرنسية ترى أن طهران «لن تغير موقفها من سوريا لأسباب استراتيجية وللموقع المتعاظم الذي تحتله هناك». أما إذا فعلت طهران ذلك، فإن التحول «لن يكون مجانيًا وسيخضع لعملية مقايضة»، خصوصًا أنها تعتبر أن الاتفاق حرر يديها ووفر لها إمكانات كثيرة للتحرك. ومن الطروحات المتداولة بحسب المصادر الفرنسية، أن «تطالب طهران بترك حرية التحرك لها في سوريا على أن تسحب يدها من الملف اليمني».
ترى باريس أن أحد الإشكاليات البارزة التي تجعل الوضع جامدًا اليوم يكمن في أن «كل طرف يعتبر أن على الطرف الآخر أن «يتحرك» من مواقعه وأن يقدم على الخطوة الأولى. من هذه الزاوية، تعتبر المصادر الفرنسية أن الفكرة التي طرحها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لجهة إنشاء «مجموعة اتصال» يمكن أن تضم الدول الخمس دائمة العضوية و«عددًا من القوى الإقليمية» بمن فيها إيران «يمكن أن تكون فكرة مفيدة»، لأنها ستكون «المحفل الدولي الوحيد» الذي سيبقي باب الحوار مفتوحًا بين الدول الفاعلة بشأن الملف السوري. كذلك ترحب باريس بفكرة المبعوث الدولي لجهة إنشاء أربع مجموعات عمل سورية من المعارضة والنظام برعاية دولية سيكون دورها مختلفًا عن «المشاورات» التي أجراها في جنيف.
أما بالنسبة للدور التركي «الجديد» في سوريا، فإن باريس تنظر إلى تصريحات المسؤولين في أنقره بكثير من «التحفظ»، وتعتبر أن أنقرة «تتكلم كثيرًا وتعمل قليلاً»، بينما هوسها الأكبر هو الأكراد وليس «داعش». وكشفت هذه المصادر أن الضربة العسكرية الوحيدة التي قامت بها القوات التركية ضد «داعش» انطلقت من داخل الأراضي التركية لكي تتحاشى أنقرة تهمة «انتهاك السيادة السورية».
وفي سياق الغموض التركي، تلاحظ باريس وجود اختلاف كبير بين واشنطن وأنقرة بشأن «المنطقة الآمنة» التي اتفق عليها الطرفان؛ حيث يقلل الجانب الأميركي من أهميتها ويحصرها في تقديم الدعم الجوي لـ«القوى السورية الجديدة»؛ أي للمعارضة المسلحة التي تدربها القوات الأميركية في تركيا. وبالمقابل، فإن تركيا تريد إقامة منطقة واسعة محمية داخل الأراضي السورية ينتقل إليها اللاجئون السوريون وتكون خالية من «داعش». ولذا، تعتبر فرنسا أن «الإنجاز الوحيد» للتفاهم التركي الأميركي هو السماح لواشنطن باستخدام قاعدة أنجيرليك الجوية لضرب مواقع «داعش» مقابل ترك الجيش التركي حر اليدين لضرب مناطق حزب العمال الكردي في العراق، والامتناع عن ضرب رديفه «قوات الحماية الكردية» في سوريا الذي يحظى بدعم وحماية واشنطن.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.