لم يكن مألوفاً بالنسبة للشارع الرياضي السعودي، رحيل مدرب على رأس المنتخب الوطني بهذا السيناريو المفاجئ، الذي شهده الكثيرون مساء الثلاثاء الماضي عندما أعلنت إدارة الأخضر رسمياً نهاية العلاقة بالفرنسي رينارد، الذي ما زال عقده سارياً حتى عام 2027.
رينارد رحل بشكل مفاجئ عن الأخضر (تصوير: عدنان مهدلي)
وكان رينارد ساق مبررات في حديثه لحشد من الصحافيين الذين تجمهروا حوله بعد نهاية ودية بوليفيا التي خسرها بنتيجة 2 - 1. قائلاً: «أعتقد أنني بذلت أقصى ما في وسعي مع الفريق، لا يمكنني الوصول إلى مستوى آخر لذا أفضل أن أكون صادقًا مع الجميع، شكراً لكم مرة أخرى، لقد كان وقتاً رائعاً».
ووفق مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» فإن عدة أسباب ساهمت في ترك رينارد تدريب الأخضر السعودي من بينها رغبة الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، خاصة صديقه فيليب ديالو الذي تربطه علاقة وثيقة بالمدرب الفرنسي رينارد، علماً بأن مدرب الأخضر السابق كان على خلاف كبير مع لوغريت في سنوات مضت.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن رينارد انطفأ حماسه الكبير مع الأخضر بعد العودة من كأس العالم لكرة القدم، وبات يتحدث عن تراجع الشغف في ذهنه، وبات يشعر أنه استهلك نفسه كثيراً، وأنه يريد أن يذهب إلى تحدٍ آخر حتى لو كلف ذلك أكثر من 70 في المائة من راتبه الشهري.
كان رينارد على بُعد 119 يوماً ليتجاوز المصري عبد الرحمن فوزي ويصبح المدرب صاحب الفترة الأطول في الاستمرارية بمنصبه مدرباً للمنتخب السعودي.
في عامه الأخير وباستثناء الفوز على الأرجنتين لم يتذوق رينارد طعم الانتصار منذ التأهل إلى مونديال قطر 2022 إلا في ثلاث مباريات من أصل خمسة عشر مباراة خاضها الأخضر، حيث كسب أستراليا في الجولة الأخيرة من التصفيات وحقق الفوز على آيسلاندا ونجح في كتابة التاريخ بفوزه على الأرجنتين بمونديال قطر.
غالاردو (الشرق الأوسط)
الفرنسي الذي قاد الأخضر لتحقيق فوز تاريخي وغير مسبوق على الأرجنتين الذي توج لاحقاً ببطولة العالم سجل أكبر مفاجأة في تاريخ بطولات كأس العالم متجاوزاً انتصار الجزائر على ألمانيا الغربية في 1982 وفقاً لإحصاءات شركة جريسنوت، ظل عاجزاً على قيادة فريقه لتحقيق الفوز منذ تلك المواجهة رغم خوضه لأربع مباريات منها اثنتان على صعيد المونديال ومباراتين وديتين.
وتراجع الجانب الهجومي للأخضر السعودي، الذي سجل ثمانية أهداف فقط في خمس عشرة مباراة خاضها، في الوقت الذي استقبلت شباكه 13 هدفاً لكنه خرج في خمس مباريات بشباك نظيفة.
عقد طويل الأمد وتذليل لكافة الصعوبات، واستقلالية تامة في صناعة القرار واتخاذه ومميزات غير مسبوقة مع دعم تاريخي للأخضر، لكن رغم ذلك رحل رينارد قبل أهم استحقاق يترقبه المنتخب نهائيات كأس آسيا 2023 التي ستقام في قطر مطلع العام المقبل بعد أن استضافتها عوضاً عن الصين.
خيارات بديلة مطروحة على طاولة صُناع القرار في اتحاد كرة القدم، أبرزها مدرب ريفر بليت الأرجنتيني مارسيلو غالاردو، المدير الفني الحماسي، الذي تولى تدريب فريق نجوم الهلال والنصر في مباراة موسم الرياض وكذلك البرتغالي خيسوس، الذي يعرف جيداً كرة القدم السعودية بعدما أشرف على فريق الهلال في فترة سابقة كما درب فلامنغو الفائز بكأس ليبرتادوريس عام 2019.
ويبدو أن اتحاد القدم، الذي يترأسه ياسر المسحل طوى صفحة الفترات المؤقتة والقرارات الارتجالية بعدما أعلن أن سعد الشهري، الاسم الذي اعتقد الكثير من الرياضيين السعوديين أنه سيخلف رينارد في منصبه، خاصة مع تبقي أشهر قليلة على بطولة كأس آسيا، سيستمر في منصبه بتدريب المنتخب الأولمبي كما أوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط».
بين المدرسة الأوروبية واللاتينية أين سيتجه اتحاد كرة القدم، ومن المدرب الذي سيعمل على مشروعه ويستثمر الدعم الكبير للرياضة السعودية، خاصة أن المنتخب السعودي سجل نجاحات بارزة مع المدارس الأوروبية في آخر سنواته حيث يبرز الهولندي مارفيك والفرنسي رينارد، فيما كانت آخر حقبة للمدربين اللاتينيين مع البرازيلي أنجوس، الذي قاد الأخضر لنهائي كأس آسيا 2007 أعقبه حضور خجول ومؤقت لعدد من الأسماء طيلة السنوات الماضية.
خيسوس (الشرق الأوسط)
وحاول ياسر المسحل رئيس اتحاد الكرة السعودي، إبعاد الأنظار عن خطوتهم القادمة للجهاز الفني البديل، بعدما أشار في حديثه بعد مواجهة بوليفيا أنهم لن يفتحوا ملف المدرب الجديد قبل شهر يونيو (حزيران) المقبل، وأنهم لن يوقعوا إلا مع اسم تدريبي مميز وقادر على قيادة الأخضر في المحافل الدولية.
وكشف المسحل في الوقت ذاته أن المنتخب السعودي يضم نجوماً واعدين وهو منتخب طموح وجاهز لأي مدرب مميز سيتولى المهمة بعد رينارد.
بدأت مسيرة رينارد مع الأخضر السعودي بتحقيق تعادل مع منتخب مالي في سبتمبر (أيلول) 2019 بنتيجة 1 - 1 قبل أن يبدأ مشوار التصفيات الأولية بتعادل محبط أمام اليمن 2 - 2 ثم يتجاوز سنغافورة بثلاثية ثم يتعادل مجدداً أمام فلسطين سلباً بلا أهداف ثم ينتصر على أوزبكستان بنتيجة 3 - 2 قبل أن يواجه باراغواي ودياً وتنتهي بالتعادل السلبي بلا أهداف.
ست مباريات خاضها رينارد في أول ثلاثة أشهر له نجح بتسجيل الفوز في مواجهتين وتعادل في الأربع المتبقية دون أن يخسر.
بدأت بطولة كأس الخليج 2019 في قطر وخسر الأخضر السعودي أمام الكويت بنتيجة 3 - 1 في مباراته الافتتاحية لكنه سرعان ما عاد ومسح الصورة الهزيلة بتحقيق الفوز أمام البحرين 2 - 0 ثم أمام عمان 3 - 1 ليتأهل عن دور المجموعات ويتجاوز قطر في نصف النهائي بهدف عبد الله الحمدان قبل أن يخسر نهائي البطولة أمام البحرين 1 - 0.
وغيبّت جائحة فيروس كورونا نشاط كرة القدم، وغاب معها الأخضر السعودي عن الظهور منذ نهائي كأس الخليج 2019 حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 والتي شهدت عودة المنتخب بمباريات ودية تأهباً لاستئناف التصفيات التي توقفت بسبب الجائحة.
خاض الأخضر ثلاث وديات بعد عودته من التوقف، منها وديتا جامايكا في نوفمبر 2020 إذ حقق الفوز في واحدة بنتيجة 3 - 0 وخسر في الأخرى بنتيجة 2 - 1 بعد أن كررا المواجهة بينهما لصعوبة إيجاد منتخبات حينها بسبب القيود التي فرضتها الجائحة على العالم، فيما سجل الفوز على الكويت بهدف دون رد في شهر مارس 2021.
وعادت التصفيات مجدداً في مرحلتها الأولى بعد توقف طويل لكن الأخضر السعودي عاد بصورة مغايرة تماماً وحقق الفوز أمام فلسطين 5 - 0 قبل أن يتجاوز سنغافورة 3 - 0 ثم أوزبكستان بذات النتيجة ليتأهل للمرحلة التالية من التصفيات.
وحقق رينارد أطول مرحلة انتصارات متتالية في التصفيات بتاريخ الأخضر السعودي وسجل بداية هي الأفضل له عبر تاريخ مشاركاته في التصفيات النهائية.
وكسب المنتخب السعودي تحت قيادة رينارد أربع مباريات متتالية من التصفيات النهائية أمام فيتنام وعمان واليابان والصين ثم تعادل أمام أستراليا ليعود وينتصر على فيتنام ثم عمان ليكمل خوض سبع مباريات دون أن يتعرض لخسارة وحيدة.
وتوقفت انطلاقة الأخضر بخسارة أمام اليابان وتعادل مع الصين الذي شهد حسم التأهل للمونديال قبل جولتين من النهاية رغم استمراره بتحقيق الفوز وتجاوز أستراليا في الجولة الأخيرة.
وبعد العبور للمونديال لم يكن المنتخب السعودي مُقنعاً على صعيد نتائجه في المباريات الودية إلا أن الانتصار على الأرجنتين التاريخي كان كفيلاً برفع أسهم المدرب ومعنويات اللاعبين والجماهير.
وبصورة عامة، فقد تولى رينارد قيادة الأخضر السعودي في 41 مباراة حقق الفوز في عشرين منها وتعادل في عشر مواجهات مقابل خسارته في 11 مباراة، وسجل لاعبو الأخضر تحت قيادته 54 هدفاً واستقبلت الشباك 32. وكان تصنيف المنتخب السعودي بعد توليه قيادة تدريب الأخضر عند المركز 69 مقارنة بالمركز 49 وفقاً لتصنيف الـ«فيفا» لشهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي لكنه تراجع أمس إلى المركز 54 بمعنى أنه قفز بالأخضر من 69 إلى 49 قبل أن يتركه في المركز 54 عالمياً.