أسعار الغذاء ترتفع في ظل الحرب وتغير المناخ

أزمة الإمدادات من بين أكبر تهديدات تواجه العالم

في سوق للخضراوات بالقاهرة... مصر بين الدول التي تشهد زيادة في أسعار المواد الغذائية (إ.ب.أ)
في سوق للخضراوات بالقاهرة... مصر بين الدول التي تشهد زيادة في أسعار المواد الغذائية (إ.ب.أ)
TT

أسعار الغذاء ترتفع في ظل الحرب وتغير المناخ

في سوق للخضراوات بالقاهرة... مصر بين الدول التي تشهد زيادة في أسعار المواد الغذائية (إ.ب.أ)
في سوق للخضراوات بالقاهرة... مصر بين الدول التي تشهد زيادة في أسعار المواد الغذائية (إ.ب.أ)

يواجه العالم حالياً أزمة غذاء واسعة وصفها البعض بأنها الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. ويحذر «المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية»، من أن أسعار المواد الغذائية ستواصل ارتفاعها هذه السنة، ما لم يكن هناك إعفاء كبير من الديون، ودعم من المجتمع الدولي.
وفي حين تدخل الحرب الروسية في أوكرانيا عامها الثاني، تتجدد المخاوف حول مصير سلة الحبوب في منطقة البحر الأسود، التي أصبحت رهينة التجاذبات السياسية والأمنية. وفي الوقت ذاته، تساهم أحوال الطقس القاسية في الهند وباكستان والأرجنتين وشرق أفريقيا وأوروبا في تراجع الإمدادات الغذائية العالمية وزيادة الأسعار.
- الحرب تهدد أمن الغذاء العالمي
يُشير أحدث موجز لـ«البنك الدولي» عن الأمن الغذائي إلى حالة عدم اليقين التي تحيط بالأسواق الزراعية مع استمرار الحرب في أوكرانيا. ويؤكد التقرير، الذي صدر في منتصف مارس (آذار) 2023، على استمرار التضخم في أسعار المواد الغذائية المحلية، حيث بلغت الزيادة في الأسعار أكثر من 5 في المائة خلال الفترة بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 وفبراير (شباط) 2023 في مجمل الدول، لا سيما في أفريقيا وأميركا الشمالية واللاتينية وجنوب آسيا وأوروبا وآسيا الوسطى.
واستناداً إلى الموجز، تتصدر زيمبابوي مؤشر تضخم أسعار الغذاء خلال الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) 2022 ويناير (كانون الثاني) 2023، بزيادة بلغت 264 في المائة، بينما جاء لبنان في المرتبة الثانية عالمياً، حيث بلغت زيادة أسعار الغذاء 139 في المائة. وتأتي الأرجنتين في المرتبة الثالثة (99 في المائة) ثم إيران (73 في المائة) فتركيا (67 في المائة). وفي حال استبعاد التضخم العام، تبقى الزيادة الحقيقية في أسعار الغذاء في زيمبابوي هي الأعلى عالمياً، وتليها زيادات الأسعار في رواندا ثم مصر، وتستمر إيران ولبنان وتركيا ضمن قائمة الدول العشر الأسوأ عالمياً من حيث زيادة أسعار الغذاء الحقيقية.
وكان شهر فبراير (شباط) الماضي شهد تراجعاً في أسعار الذرة بمقدار 10 في المائة، وفي أسعار القمح بمقدار 20 في المائة، بفضل صادرات القمح الروسي التي فاقت التوقعات، وكذلك بفضل اتفاق ممر تصدير الحبوب الذي سمح بنقل 3 ملايين طن من الحبوب شهرياً عبر موانئ أوكرانيا على البحر الأسود.
كما ساعد الحصاد الوفير في أستراليا وكندا على تعويض الانخفاض الحاد في شحنات القمح الأوكراني، وأدى الارتفاع الكبير في إنتاج الذرة في البرازيل إلى الحد من تأثير انخفاض الإمدادات الأوكرانية، وعزز حصاد الولايات المتحدة استقرار سوق الأعلاف، باعتبارها المصدر الأول عالمياً للحبوب العلفية، مثل الذرة والدخن والشعير والشوفان.
ونتيجة ذلك، انخفض مؤشر الأسعار العالمية لـ«منظمة الأغذية والزراعة» (فاو)، في فبراير (شباط)، بنسبة 19 في المائة، بالمقارنة مع مستوى الأسعار القياسي الذي حققه المؤشر في مارس (آذار) 2022، ولكن من المرجح أن تظل الأسعار متقلبة هذا العام، لا سيما خلال مراحل الزراعة ونمو المحاصيل الرئيسية، حيث تبقى مخزونات الحبوب العالمية أقل من المعتاد.
ويحذر «البنك الدولي» من أن أسعار الغذاء العالمية، رغم انخفاضها عن الأرقام القياسية التي وصلت إليها قبل عام، لا تزال مرتفعة، وأن قيود التصدير الجديدة قد تدفع الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى. وكانت 19 دولة فرضت حظراً على تصدير المواد الغذائية منذ ديسمبر (كانون الأول) 2022، كما وضعت 8 دول قيوداً على الصادرات.
وتفرض الحرب في أوكرانيا سطوتها على أكثر من ثلث تجارة القمح العالمية، و17 في المائة من تجارة الذرة العالمية، وما يقرب من 75 في المائة من تجارة عباد الشمس العالمية. ويمتد تأثيرها إلى مستلزمات الإنتاج الزراعي، حيث إن روسيا، إلى جانب بيلاروسيا، أحد أكبر مصادر الأسمدة المعدنية في العالم. ورغم وجود استثناءات محددة في نظام العقوبات تسمح للبلدين بمواصلة تصدير الأسمدة، فإن هذه الصادرات لا تزال تواجه تدابير أخرى تعرقل تدفقها.
ويصنف تقرير المخاطر العالمية لعام 2023، الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي»، أزمة الإمدادات الغذائية التي تلوح في الأفق واحدة بين أكبر 4 تهديدات تواجه العالم. ويتوقع التقرير أن تضر الآثار الآجلة لارتفاع أسعار الأسمدة بإنتاج الغذاء في هذه السنة، علماً بأن نصف سكان العالم يعتمدون على الغذاء المنتَج باستخدام الأسمدة المعدنية، وفقاً لتقديرات «منظمة الأغذية والزراعة» (فاو).
ويتفاقم نقص الأسمدة في السوق العالمية بسبب قيود التصدير التي تفرضها الصين، علماً بأنها توفر وحدها 30 في المائة من إمدادات الأسمدة الفوسفاتية العالمية، وتشير تقديرات «البنك الدولي» إلى انخفاض صادرات الصين من الأسمدة بنسبة 50 في المائة في عام 2022 نتيجة تدابير حماية السوق المحلية. وفي الوقت ذاته، أدى ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الحرب في أوكرانيا إلى انخفاض في إنتاج الأسمدة أوروبياً بنسبة 70 في المائة، مما عزز نقص الإمدادات العالمية.
- تراجع إمدادات الغذاء بسبب تغير المناخ
تلعب أحوال الطقس وآثارها الممتدة، لا سيما الفيضانات والجفاف، دوراً أساسياً في نقص الإمدادات الغذائية وزيادة الأسعار. ويتمثل الأثر الاقتصادي المباشر للجفاف في القطاع الزراعي في قلة المحاصيل وخسارة المراعي، ويتم غالباً نقل عبء الجفاف إلى المستهلكين من خلال زيادة الأسعار، ما لم يتم تعويض الخسائر عبر برامج المساعدة الحكومية في حالات الكوارث.
ويمكن أن تشمل الآثار غير المباشرة للجفاف في هذا القطاع انخفاض الإمدادات إلى الصناعات التحويلية، مثل الصناعات الغذائية، وانخفاض الطلب على المدخلات، بما فيها الأسمدة والعمالة الزراعية. وتتضمن الآثار غير السوقية للجفاف الضغوط النفسية على المزارعين التي قد تدفعهم لتغيير مصدر عيشهم.
وتُظهر بيانات وزارة الزراعة الأميركية أنه رغم المؤشرات الإيجابية لتحقيق البرازيل محصولاً كبيراً من الذرة هذه السنة يصل إلى 125 مليون طن، فإن إنتاج الأرجنتين (ثالث أكبر مصدر للذرة عالمياً) سينخفض إلى أدنى مستوى في 5 سنوات، بسبب أسوأ موجة جفاف تواجهها البلاد منذ 60 عاماً.
وكانت الهند حظرت، في سبتمبر (أيلول) 2022، صادرات الأرز المكسور، الذي يُستخدم بشكل أساسي علفاً للحيوانات، وفرضت رسوماً بنسبة 20 في المائة على صادرات أصناف أخرى من الأرز لدعم الإمدادات والأسعار المحلية، بعد تدني الهطول المطري في مناطق الإنتاج الرئيسية.
وتواجه الهند ودول جنوب آسيا زيادة في تواتر أحوال الطقس القاسية؛ من موجات حر متطرفة أو فيضانات عارمة. وتُعتبر المنطقة إحدى أكثر المناطق في العالم عرضة لتأثيرات تغير المناخ، وهي في الوقت ذاته إحدى أهم مصادر الأرز والقطن عالمياً. وكانت الفيضانات في الهند وباكستان، إلى جانب الجفاف في أوروبا، خفضت إنتاج البصل ورفعت أسعاره مؤخراً إلى أضعاف المستويات المعتادة.
وأمام قلة الإنتاج الزراعي بفعل الجفاف، حظرت دول أوروبية تصدير البصل والخضراوات والفواكه الأخرى، مثل الجزر والطماطم والبطاطس والتفاح. وانعكست هذه الإجراءات سلباً على المملكة المتحدة، التي واجهت نقصاً حاداً في الخضراوات، مما دفع الأسواق إلى تقنين بيع الطماطم والخيار ومكونات السلَطة الأخرى.
ويمكن تخفيف وطأة أزمة إمدادات الغذاء العالمية، من خلال عدة إجراءات، تشمل دعوة المصدّرين إلى الامتناع عن تخزين البضائع، وإلغاء سياسات حظر الصادرات، أو فرض الضرائب عليها، أو تقييدها بأي طريقة أخرى. ويجب على المستوردين خفض التعريفات الجمركية والضرائب الأخرى على الواردات أو إلغاؤها، لضمان توفير إمدادات كافية على نحو دائم. كما أنه من الضروري تعاون المنظمات الدولية بشكل أفضل لتقديم معلومات فورية عن تغيرات السياسة الخارجية وآثارها على الإنتاج والتجارة العالميين.
ويتطلب تعزيز أمن الغذاء في كل بلد القيام بمبادرات مؤثرة لدعم المزارعين وإنتاجهم. وتشمل الإجراءات المقترحة إزالة حواجز تجارة مدخلات الإنتاج الزراعي، كالبذار والأسمدة والمبيدات والأعلاف، وزيادة كفاءة استخدام الأسمدة، وإعادة صياغة السياسات، وحشد الموارد الحكومية لزيادة الإنتاج.
إن ضمان الأمن الغذائي يتطلب جعل النظم الغذائية الهشة أكثر مرونة في مواجهة المضاربات التجارية والصدمات الاقتصادية والاضطرابات الناشئة عن الصراعات وتغير المناخ والأمراض والآفات. ويستلزم ذلك تحقيق التوازن بين الاحتياجات قصيرة الأجل والاستثمارات طويلة الأجل، لضمان مستقبل غذائي آمن للجميع.


مقالات ذات صلة

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
يوميات الشرق النظام الغذائي النباتي يعتمد بشكل أساسي على الأطعمة النباتية (جامعة كولومبيا)

التحول للنظام النباتي يوفر 650 دولاراً للفرد سنوياً

أظهرت دراسة أميركية أن اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون يمكن أن يخفض تكاليف الطعام للفرد بنسبة 19%، أي ما يعادل 1.80 دولار يومياً أو نحو 650 دولاراً سنويا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي نزوح سكان شمال غزة في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

المنسق الأممي للسلام: الوضع في غزة «كارثي» مع بداية الشتاء ونزوح سكان الشمال

قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم الاثنين إن الوضع في قطاع غزة «كارثي» مع بداية فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أفريقيا لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
أفريقيا أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرُحّل في نيجيريا (أ.ف.ب)

أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل

أفاد تقرير بأن أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل، وهو رقم يزداد مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفاقم آثار الحرب والتغير المناخي.

«الشرق الأوسط» (أبوجا )

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
TT

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

تسببت درجات حرارة المحيطات المرتفعة بشكل قياسي في زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية التي سُجّلت سنة 2024، بحسب دراسة نُشرت الأربعاء، ما يؤكد أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف.

وأظهرت هذه الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل من 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال معدّ الدراسة، دانييل غيلفورد، في حوار مع وسائل الإعلام: «لقد أثرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى على درجات حرارة سطح البحار في مختلف أنحاء العالم».

وفي خليج المكسيك، تسببت هذه الانبعاثات في ارتفاع درجات حرارة سطح البحر بنحو 1.4 درجة مئوية مما كانت عليه، لتكون في عالم لا يواجه تغيراً مناخياً.

وهذا الارتفاع في درجات الحرارة يفاقم رياح الأعاصير التي تزداد قوتها. وتحوّلت ظواهر مثل «ديبي» و«أوسكار» بشكل سريع من عواصف استوائية إلى أعاصير فعلية.

صورة تظهر الأضرار التي لحقت بمدينة أشفيل في ولاية كارولينا الشمالية الأميركية بعد مرور إعصار هيلين 29 سبتمبر 2024 (رويترز)

وارتفع مستوى أعاصير مثل «ميلتون» و«بيريل» على مقياس سافير-سيمبسون من الرابع إلى الخامس، بسبب التغير المناخي، بينما ارتفع مستوى إعصار «هيلين» من الثالث إلى الرابع.

ويُترجَم هذا الارتفاع في المستوى بزيادة القدرة التدميرية أربع مرات تقريباً.

وكان الإعصار «هيلين» مدمراً بشكل خاص، إذ أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وعُدّ ثاني أعنف إعصار يضرب القارة الأميركية منذ أكثر من نصف قرن، بعد إعصار «كاترينا» عام 2005.

وبحسب دراسة أخرى أجراها «كلايمت سنترال» بين عامي 2019 و2023، باتت حدّة 84 في المائة من الأعاصير أكبر بكثير بسبب احترار المحيطات الناجم عن الأنشطة البشرية.

وعلى الرغم من أن دراستيهم ركزتا على حوض المحيط الأطلسي، فإن الباحثين أكدوا أن النهج الذي اعتمدوه يمكن تطبيقه على الأعاصير المدارية على نطاق عالمي.

وحذّر علماء المناخ من احتمال تفاقم التأثيرات مع تخطي الاحترار 1.5 درجة مئوية.