أفلام ترسم صوراً داكنة حول هوليوود الآثمة

«بابليون» أحدثها وقبله أعمال أخرى

«بابليون» العشرينات الخادعة (باراماونت بكتشرز)
«بابليون» العشرينات الخادعة (باراماونت بكتشرز)
TT

أفلام ترسم صوراً داكنة حول هوليوود الآثمة

«بابليون» العشرينات الخادعة (باراماونت بكتشرز)
«بابليون» العشرينات الخادعة (باراماونت بكتشرز)

تتعثَّر مسيرة بعض الأفلام الكبيرة فتقع. فيلم «كليوباترا» (جوزيف مانكوفيتز، 1963) ارتفعت تكاليفه لأكثر مما كان في بال الشركة المنتجة «فوكس»، وعندما حطّ على الشاشات لم ينجز تماماً النجاح الذي سعى إليه. «بوابة الجنة» Heavn‪›‬s Gate (مايكل شيمينو، 1980) أراد أن يقدّم للشاشة «أضخم فيلم وسترن» في التاريخ لكن هذا الطموح الكبير لم ينجز إلا الخسارة الكبيرة أيضاً.‬‬‬
الأمر نفسه كاد أن يحدث لفيلم فرانسيس فورد كوبولا «القيامة الآن» (Apocalypse Now): مشروع ضخم عن الحرب الفيتنامية، لكنه ووجِه بشتى أنواع المصاعب من عواصف عاتية دمّرت ديكورات التصوير، إلى فقدان مارلون براندو القدرة على التركيز وترك التصوير ثم العودة إليه وقد زاد وزنه عن 300 باوند مما منعه من الظهور بكامل بدنه. إدمان مارتن شين على الشرب وقيام المخرج بتصوير مئات آلاف الأمتار من الفيلم فوق المعتاد، مما جعل ميزانية العمل تتضاعف من 16 مليون دولار إلى 32 مليون دولار. كيف أنجز الفيلم إيراداً مقبولاً في نهاية المطاف (نحو 112 مليون دولار) يبقى أمراً غامضاً لكنه أنقذ الفيلم الذي هو أحد أفضل ما أنتجته السينما من أعمال من مصير أسود محتم.

جوش برولِن وتيلدا سونتون في «هايل سيزار» (يونيفرسال بكتشرز)

فضائح منشورة
فيلم داميان شازيل «بابليون» هو من هذا النوع الذي تعثر تحت ثقل طموحاته. دراما عن هوليوود العشرينات وما داخلها من فضائح وخطايا وكل ما يمكن أن ينعتها بالفسق والمجون وضمور الأخلاق. سعى داميان شازيل إلى منح مشاهدي اليوم صورة حول ما كانت عليه هوليوود بالأمس. ليس كل الصورة، بل تلك الموصوفة بكل سوء ممكن: الأنانية، الشرب، الإدمان على المخدرات، الحفلات الماجنة، الإخفاقات التي تحطم أصحابها والأحلام التي تدغدغ الساعين إلى الشهرة مقابل أي ثمن ممكن. النقاد انقسموا وأغلبهم وجدوا الفيلم حافلاً بأكثر مما يلزمه من طروحات. حمل وزناً زائداً من الأمثلة وحشد لصبغ هوليوود بلون واحد مستوحى من «سادوم وعمورة» ومثمراً عن فيلم لم يرد أحد مشاهدته.
هذا مؤسف فالمخرج شازيل موهوب كما برهن على ذلك بأفلامه السابقة «سوط» (2014) و«لالا لاند» (2016) و«رجل أول» (2018). مشكلته هي أنه يقصد اصطياد العيوب في المسائل التي يطرحها فـ«سوط» كان عن قسوة أستاذ موسيقى و«لالا لاند» كان عن افتراق شمل العشّاق بفعل أخطاء أصحابها و«أول رجل» لم يكن عن الخطوة الكبيرة لأول أميركي سار على كوكب القمر، بل ما مر به نيل أرمسترونغ من مخاوف وعقبات شخصية وعلمية تم إخفاؤها فيما نُشر من كتب وأنتج من أفلام حول الموضوع.
على ذلك «بابليون» هو فيلم مختلف بكم الدكانة التي تميّزه.
هوليوود العشرينات، كما وصفها كتاب «هوليوود بابليون» لكينيث أنغر كانت كل ما يصفه فيلم شازيل «بابليون» وأكثر. أنغر كان مخرجاً سينمائياً بدوره تخصص في السينما التسجيلية والسوريالية والتجريبية. كتابه ذاك صدر سنة 1965 ثم سُحب من الأسواق (البعض يقول إنه مُنع) لعشر سنوات قبل أن يصبح متوفراً. سرد المؤلف فيه أحداثاً ومفارقات وحكايات ادّعى صحّتها في حين ادَّعى الإعلام أن معظمها كان ملفقاً. الحقائق بذلك ضاعت، لكن من المحتمل أن يكون أنغر، الذي أحاط بهوليوود من العشرينات إلى الستينات استند إلى أحداث وحقائق أساسية.
لم ينج جون واين وتشارلي تشابلن وإيرول فلين ولانا تيرنر وجودي غارلاند وجون غيلبرت ورودولف فالنتينو وعشرات آخرين أمام الكاميرا وخلفها من أحكامه. اصطاد إدمان جون غيلبرت على الشرب وإدمان جودي غارلاند على المخدرات وموت ثلما تود في سيارتها في ظروف غامضة وجريمة قتل المخرج جون دزموند تايلور التي لم يُعرف مرتكبها إلى اليوم، وفضائح كلارا بو الجنسية والعديد المماثل من الفضائح التي رغب أنغر كشفها فيما يشبه الرغبة في استثمار الموقف لجني النجاح على غلافي الكتاب.

مصنع الأحلام
ليس أن العديد مما ذكره أنغر ومما شوهد على شاشة فيلم شازيل ليس صحيحاً، بل ربما زاد عن حدّه في كلا العملين. بالنسبة لفيلم شازيل بدا كما لو أنه كان بحاجة لخطة عمل مختلفة توفر للمشاهد سرداً أكثر تناسقاً وإقناعاً وأقل سعياً لتغييب الإيحاء مقابل رمي نماذج الانحدار الأخلاقي في وجه المُشاهد مباشرة.
في عمومه هو فيلم لا يختلق. الكثير مما يرد في الفيلم كانت له أصول أو أحداث موازية. ما غاب عنه ذلك النقد الخالص الذي ورد في فيلم بيلي وايلدر «صنست بوليفارد» (1950) حيث لخّص الفيلم حالة نجمة من العهد الصامت والناطق الأول (غلوريا سوانسن) بعدما وجدت نفسها معزولة عن هوليوود بفعل سنوات عمرها. تصبو للعودة بفيلم وتتخيل نفسها أمام الكاميرات كما تعوّدت سابقاً.
الصورة الماثلة هنا لا تنال من هوليوود وكر الفضائح، بل تنال منها كمصنع أحلام يُدير ظهره للنجوم الذي قام بصنعهم حالما يتم استهلاكهم.
عالج الأخوان جووَل وإيثان كووَن هوليوود من زاوية مختلفة في أحداث فيلمهما «Hail‪، ‬ Caesar» سنة 2016. السيناريو الذي قاما بكتابته مبني على جملة من الأحداث التي وقعت لكنها محشورة في خانة السخرية والكوميديا السوداء. منتج «جوش برولِن» عليه حل المشاكل التي تنفجر أمامه: ممثلة ترفض إكمال دورها. ممثل مخطوف من قِبل مجموعة من ضحايا المكارثية. صحافية تريد نقل ما يدور إلى عمودها الفضائحي ومخاطر تأجيل التصوير على فيلم بميزانية ضخمة. هذا بجانب مشاكله الشخصية، الصورة هنا سلبية بدورها، لكنها مسلية أكثر مما تنجح في نقل وقائع أو انتقادها.‬‬‬
في هذا المجال نجح روبرت ألتمن حيث فشل الأخوان كووَن. في فيلمه «اللاعب» (The Player) الذي حققه سنة 1992 عن الأحلام التي تدفع بأصحابها إلى التضحية في سبيل القليل من المجد. الفيلم كوميديا ساخرة. لا يقتبس من أحداث واقعة بل يبني حكايته على ما يُقارب تلك الوقائع أو بوحيها.
‫نظرة الفيلم ليست أحلك من نظرة ديفيد لينش في فيلمه الممتاز «مولهولاند درايف» (2001) ولا بخفة فيلم S.O.B ‬لبلاك إدواردز (1981).‬‬‬
العالق في الذهن أكثر من سواه، لحداثته بالطبع، هو Once Upon a Time in Hollywood لكونتن تارنتينو (2019) الذي دمج حكاية صعود وهبوط نجم (ليوناردو ديكابريو) ومقتل الممثلة شارون تايت (مارغو روبي)، التي تقود البطولة النسائية في «بابليون» في نظرة ذات مسافة عاطفية، فهو لا مع ولا ضد ما يعرضه، لذلك فإن رسالته، في أفضل حالاتها، محايدة ولو إنها - في بعضها على الأقل - مسلية.
وقبله ما قام به داميان شازيل في «بابليون» ليس بعيداً عما كان يقع، ربما بحجم أكبر وفي مختلف مراحل هوليوود وليس حكراً على العشرينات فقط. لكن المميّز هنا هو أن العشرينات كانت العقد الذي أدرك فيه الجميع أن السينما وُلدت لتبقى وأن الصناعة لم تكن مجرد ومضة أو برق في سماء شتوية، بل كانت مخلوقاً يُراهن الجميع على نجاحه، واطراد ذلك النجاح عقداً وراء عقد.
يسرد الفيلم حكايات قابلة للتصديق إلى حد مخيف ينال من الخيال الرومانسي لهوليوود التي وقعت تحت براثن صانعي أفلام ممزّقين بين دوري الصيّاد والفريسة.


مقالات ذات صلة

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

سينما كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

أربعة أفلام لأربعة مخرجين عرب آلت إلى القائمة القصيرة في سباق الأوسكار التي أعلنت عنها أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبل يومين.

محمد رُضا (لندن)
سينما شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة

شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة

تؤلف المخرجة اللبنانية ديما الحر فيلمها الجديد من أشباح مدينة بيروت القابعة على شاطئ البحر. حين تنتقل إلى داخل تلك المدينة تكشف عن حزنها حتى من دون أن تصوّره

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)

«كويبُوكا»… يذكّر بحروب الإبادة في رواندا

في فيلمه «كويبُوكا، تذكَّر»، الذي شارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، يعود المخرج البلجيكي–الرواندي جوناس داديِسكي إلى موطنه رواندا.

أحمد عدلي (جدة )
يوميات الشرق «جوراسيك بارك» يعود بصيغة علمية (جامعة فلوريدا)

بعوض فلوريدا يستعيد مشهداً من «جوراسيك بارك» لكن بلا ديناصورات

اليوم، يقول باحثون في ولاية فلوريدا إنهم أنجزوا أمراً مُشابهاً لما حدث في فيلم «حديقة الديناصورات» (جوراسيك بارك) الشهير الذي عُرض عام 1993...

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)
يوميات الشرق منى زكي وكريم عبد العزيز وعدد من صناع الفيلم في كواليس التصوير - حساب مراد على «فيسبوك»

«الست» يفجر زخماً واسعاً بمصر حول حياة أم كلثوم

فجر فيلم «الست» زخما واسعاً في مصر حول كواليس حياة أم كلثوم، بمراحلها المختلفة وعلاقاتها الشخصية بمن حولها من عائلتها وزملائها، بالإضافة إلى قصص حبها.

أحمد عدلي (القاهرة)

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
TT

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).

أربعة أفلام لأربعة مخرجين عرب آلت إلى القائمة القصيرة في سباق الأوسكار التي أعلنت عنها أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبل يومين. إنها الجوائز الأكثر استقطاباً للاهتمام بين كل المناسبات السنوية في مثل هذا الموسم. المناسبة التي باتت، منذ سنوات، محط آمال الكثير من السينمائيين، في مختلف المجالات، ومن خارج الولايات المتحدة، كما من داخلها.

القائمة القصيرة تشمل فروعاً مختلفة ليس من بينها بعد سباق الأفلام الرئيسية أو سباق الممثلين والمخرجين. هي تمهيد مثير للاهتمام يسبق الحفل الثامن والتسعين لتوزيع الجوائز يوم 15 من مارس (آذار) المقبل.

توقعات

لا بد من التذكير أنه في العام ما قبل الماضي ظهر فيلمان عربيان فقط في هذه القائمة، هما «أم كل الأكاذيب» لأسماء المدير (المغرب) و«أربعة بنات» لكوثر بن هنية (تونس). في العام التالي، 2024، مثّل «من المسافة صفر» الذي أشرف على إنتاجه الفلسطيني رشيد مشهراوي، السينما العربية وحيداً. أما هذا العام، فإن الأفلام المدرجة في قائمة الأوسكار القصيرة تحمل دلالة مهمّة كونها المرّة الأولى التي تدخل أربعة أفلام من إخراج سينمائيين عرب هذه القائمة معاً.

هذه الأفلام هي «كعكة الرئيس» لحسن هادي (العراق) و«كل ما بقي منك» لشيرين دعيبس (الأردن) و«فلسطين 36» لآن ماري جاسر (فلسطين) و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية (تونس).

من «كعكة الرئيس» (مايدن فوياج فيلمز)

باستثناء «كعكة الرئيس»، فإن الأفلام الثلاثة الأخرى مرتبطة بالقضية الفلسطينية كتاريخ («فلسطين 36» و«كل ما بقي منك») أو كحاضر («صوت هند رجب»)؛ ما يدل على أن المقترعين يريدون لهذه الأفلام أن تعبّر علناً عما يقع في فلسطين لدرجة أن فيلماً إسرائيلياً ناقداً للوضع المفروض على الفلسطينيين في الداخل، وهو «البحر» لشاي كارميلي - بولاك، لم يُتح له الوصول إلى هذا الخط قبل النهائي.

بما أن الترشيحات الرسمية التي ستُعلن في الثاني والعشرين من الشهر المقبل تضم، في سباق «الأفلام العالمية» خمسة أفلام فقط؛ فإنه ليس من المتوقع وجود أكثر من فيلم عربي واحد. وما هو مؤكد أنه سيكون واحداً من هذه الأفلام الثلاثة ذات الموضوع الفلسطيني.

المخرجة شيرين دعيبس (أي أم بي فايرووركس)

هذا ما يعني أن المنافسة بين أفلام كوثر بن هنية، وآن ماري جاسر وشيرين دعيبس ستكون حادّة خلال التصويت على القائمة الرسمية في الشهر المقبل.

يزيد من هذا الاحتمال وجود أفلام أجنبية مهمّة في القائمة القصيرة ستتنافس فيما بينها كما ستنافس الأفلام المذكورة في سعيها لتحقيق الوثبة صوب الأوسكار.

الأفلام الأجنبية

هناك أحد عشر فيلماً آخر تتنافس في هذا المحور، وهي:

> «صراط» (Sirat) لأوليڤر لاكس (أسبانيا)

> «العميل السري» (The Secret Agent) لكلايبر مندوزا فيلو (البرازيل)

> «لا خيار آخر» (No Other Choice) لبارك - تشان ووك (كوريا الجنوبية)

> «مناوبة متأخرة» (Late Shift) لبترا بيوندينا ڤولبي (سويسرا)

> «الفتاة ذات اليد اليسرى» (The Left‪-‬Handed Girl) لشيه تسينغ تساو (تايوان)

> «بَلِن» (Belén) لدولوريس فونزي (الأرجنتين)

> «كانت مجرد حادثة» (It Was Just an Accident) لجعفر بناهي (فرنسا)

> «باتجاه البلد» (Homebound) لنيراج غاوان (الهند)

> «كوكيهو» (Kokuho) لسانغ إلي لي (اليابان)

> «قيمة عاطفية» (Sentimental Value) لواكيم ترايير (النرويج)

الصوت النسائي

لا بد من العودة إلى الأفلام العربية ضمن هذا الجمع من الأعمال لملاحظة أن الأفلام التي تداولت الموضوع الفلسطيني، وهي، مرّة أخرى، «صوت هند رجب» و«فلسطين 63» و«كل ما بقي منك» هي من إخراج نساء (ليس من بينها فيلم رجالي)، وهذا مقابل فيلم «كعكة الرئيس» الذي حققه العراقي حسن هادي. ربما يكون ذلك تعبيراً عن اهتمام أعلى أو ربما لأن المخرجات المذكورات (بن هنية، جاسر ودعيبس) سبقن الرجال العرب في السنوات الأخيرة صوب التقاط ما هو مهم وناجح.

المخرجات العربيات جزء من حضور أكبر في هذا السباق المهم؛ إذ إن هناك سبع مخرجات في هذه القائمة التي تحتوي على 15 فيلماً. كذلك، وفي نطاق قائمة الأفلام التسجيلية الطويلة المؤلفة أيضاً من 15 فيلماً، نجد عشرة أفلام من إخراج نسائي.

ملاحظة أخيرة، وهي أن الأفلام العربية الأربعة ليست من إنتاج بلد واحد وإن انتمت، في قائمة الأوسكار كما لو كانت كذلك. «صوت هند رجب» المتقدّم باسم تونس هو أيضاً إنتاج مشترك بين فرنسا، وبريطانيا، والسعودية والولايات المتحدة. فيلم آن ماري جاسر الذي يرفع الراية الفلسطينية يُداخله تمويل سعودي، وقطري، وفرنسي، وبريطاني، وسويدي، وأسترالي ونرويجي. كذلك الحال مع «كل ما بقي منك»؛ إذ بجانب نسبة تمويل أردنية هناك مشاركة سعودية، ومصرية، وقطرية، وألمانية، ويونانية وأميركية.

أما «كعكة الرئيس»، فتمويله الأساسي ورد من قطر والولايات المتحدة.


شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة


«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
TT

شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة


«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)

والأسماك تطير فوق رؤوسنا ★★★★And the Fish Fly Above Our Heads

• إخراج: ‪ ديما الحر‬

• لبنان | تسجيلي

• عروض 2025: مهرجان مراكش

تؤلف المخرجة اللبنانية ديما الحر فيلمها الجديد من أشباح مدينة بيروت القابعة على شاطئ البحر. حين تنتقل إلى داخل تلك المدينة تكشف عن حزنها حتى من دون أن تصوّره في نماذج وقصص. يفتقد الفيلم ما كانت عليه يوماً ويلمح لما هي عليه الآن.

ما ينصبّ اهتمام المخرجة عليه هم رجال وحيدون جعلوا البحر صديقهم الوحيد. بغياب أمل ما، حلم فقد طريقه أو حب جرفته الأيام بعيداً لمدينة أو لإنسان، يُمضي رضا وعادل وعلي أيامهم على ذلك الشاطئ. لا شيء آخر يشدّهم كما البحر في صفائه أو في هيجانه. لا شيء يحرّكهم بعيداً سوى العودة إلى داخل المدينة التي تؤويهم ليلاً. لا تعرض المخرجة مشاهد لهم وهم يغادرون البحر ولا منازلهم وكيف يعيشون ومع مَن، بل تنتقل من نهار بارد إلى آخر مع رجال يرتدون لباس البحر ويستلقون فوق صخوره أو يقفزون إليه.

تتناول المخرجة بنجاح لافت هذه الشخصيات التي باتت تعيش على الهامش. يبتسمون أحياناً لكن كلماتهم لا تخفق في فتح دواخلهم الحزينة. يتذكرون وربما يضحكون أحياناً لكنه الضحك الذي يُخفي الحزن. وبينما تُمضي الكاميرا وقتاً طويلاً بصحبة هؤلاء (منفردين غالباً) تتيح كذلك النظر إلى المدينة في وصفٍ لا يحتاج إلى كلمات. كل هذا لأن «والأسماك تطير فوق رؤوسنا» ليس فيلماً عنها بل عن نماذج بشرية هجرتها الروح وأقبلت على البحر كأملٍ وحيد باقٍ.

العنوان ممتزج بمشهد مؤلَّف على نحو تجريبي جيد يعكس وصف من يغطس في الماء بعيداً إلى أن تصبح الأسماك بمنزلة طيور تحلِّق فوق رأسه. نرى البحر في لقطة تميل مقلوبة على نفسها حتى يصبح البحر فوق والمدينة تحتها. تعبير جميل لفيلم معنيّ بتعابيره متحدّثاً عن شخوص تعيش بمنأى عن كل شيء آخر.

ضع روحك على يدك وامشِ★★★★ PUT YOUR SOUL ON YOUR HAND AND WALK

• إخراج: زبيدة فارسي

‫• فرنسا | تسجيلي | ألوان (110 د) ‬

• جائزة «غولدن أثينا» في مهرجان أثينا.

مثل فيلم كوثر بن هنية «صوت هند رجب» يعمد هذا الفيلم إلى إيجاز حياة أنثى في أثناء النكبة الكبرى المتمثّلة في العدوان الإسرائيلي على غزّة. مثله أيضاً تنتهي حياة تلك الأنثى بالموت قتلاً. أكثر من ذلك، يتشابه الفيلمان في أنهما يعمدان إلى توظيف الحقائق وسردها عبر تواصل بين جهتين تتابعان ما يحدث من لحظة التقاط كل فيلم شخصيّته حتى موتها. كل ما في الأمر أن فيلم بن هنية روائيٌّ، وفيلم فارسي تسجيليٌّ.

«ضع روحك على يدك وامش» (Rêves d‪’‬Eau Produtions).

فارسي مخرجة إيرانية خرجت من السجن السياسي في إيران لانتقادها النظام عندما كانت تعمل داخل بلادها. انتقلت للعيش والعمل في باريس. بعد عدّة أفلام تناولت فيها جوانب الحياة في بلدها اختارت أن تقدّم هذا الفيلم التسجيلي القائم على ما تبادلته عبر الكمبيوتر والهاتف مع المصوّرة الصحافية فاطمة حسّونة.

لم تكن أي منهما تعلم أن حياة حسّونة ستنتهي بعد يومين من إعلان قبول الفيلم للعرض في مهرجان «كان» (حيث شهد عرضه العالمي الأول) بسبب قصف جوي نالها وأفراداً من عائلتها. لكن فاطمة، ابنة الخامسة والعشرين ومن خلال المكالمات المصوّرة مع المخرجة، تتنبأ بقرب نهايتها؛ فالموت والحياة يتجاوران كل يوم.

عنوان الفيلم مأخوذ عن عبارة تذكرها فاطمة في أحد المشاهد واصفةً حالها، وهي تسجّل بكاميرتها مدينة تم تدميرها بإمعان وقسوة. تصف حالها وحال من تراه يوماً ثم يغيب عنها في يوم آخر. فاطمة ذات ابتسامة عريضة دائمة لكن ما يتفاعل في داخلها يخرج في لحظات مؤثرة. هذا فيلم يقصد أن يبلغ رسالته على نحو مباشر لأنه لا مجال لنحو آخر.

فتاة عسراء ★★★LEFT‪-‬HANDED GIRL

• إخراج: شي-تشينغ تساو

• تايوان، فرنسا، الولايات المتحدة | دراما

• عروض 2025: ترشيحات الأوسكار.

هناك هجرة من بلد لآخر (أو من قارة لأخرى أيضاً) وهجرة داخلية من الريف إلى المدينة أو العكس. ما تختار المخرجة تساو سرده هو حال ومشكلات عائلة مؤلّفة من أم وابنتيها من قرية ريفية إلى مدينة تايباي بهدف الانتماء والعمل.

«فتاة عسراء» (Cinema Inutile)

تفتتح الأم شو (جانل تساي) مطعم «نودلز» في سوق مكتظة لكن العيش في مدينة كبيرة له تأثيران مختلفان. بالنسبة إلى الفتاة الكبرى آي آن (شي- يوان ما) تمثّل المدينة مرحلة مهمّة في حياة المراهقة التي تريد أن تعيش سنوات حياتها كما تراها: فرصة لممارسة حرّيتها. أما بالنسبة إلى آي جينغ (نينا يَ) ذات السنوات الخمس فإن الوقت مبكر جداً لكي تتأثر بعوارض الاغتراب. هي الفتاة المعنية بالعنوان التي يخبرها جدّها بأن استخدام اليد اليسرى كعادتها يُعد فعلاً شيطانياً. كونها محوراً فعلياً بين شخصيات الفيلم لا يعني أن هناك الكثير مما يقع لها. اهتمام المخرجة بها هو جزء من اهتمامها بما يقع لهذه العائلة الصغيرة والتوتر الذي يسود العلاقة بين الأم وابنتها الكبيرة.

الفيلم من كتابة وتوليف المخرج الأميركي شون باركر (أربع أوسكارات العام الماضي عن فيلمه Andora) وسبق له التعاون مع المخرجة تساو التي قامت بإنتاج بعض أعماله. يُحسن باركر توليف فيلم جيد وسريع الانتقال بين مشاهده، لكنَّ السيناريو يميل إلى ميلودرامية مفرطة ويشبه في تكوينه أفلاماً آسيوية معنية بأشكال استعراضية وبأحداث تفيض عن الحاجة من بينها نهاية غير متوقعة تبدو دخيلة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


«صوت هند رجب»... من المهرجانات العالمية إلى السينما السعودية

الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
TT

«صوت هند رجب»... من المهرجانات العالمية إلى السينما السعودية

الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)

منذ عرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي، وصولاً إلى عرضه الخاص في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة الأسبوع الماضي، أثار فيلم «صوت هند رجب» نقاشاً واسعاً؛ لاعتماده على الصوت بوصفه مركز التجربة السينمائية، وهو عمل توقفت عنده منصات سينمائية عالمية لكونه فيلماً يختبر قدرة مكالمة هاتفية على حمل مأساة كاملة، عبر السرد السمعي وحده.

وفي هذا الأسبوع، يصل الفيلم إلى صالات السينما السعودية ومجموعة من الدول العربية، حاملاً معه ذلك الصدى العالمي، ومطروحاً أمام جمهور جديد يترقّب عرضه يوم الخميس 18 ديسمبر (كانون الأول). الفيلم من كتابة وإخراج كوثر بن هنية، المرشحة مرتين لجوائز الأوسكار، وقد فاز بـ«جائزة الأسد الفضي» وهي الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي. كما نال تكريمات في مهرجان سان سيباستيان، محققاً أعلى تقييم في تاريخ المهرجان، إلى جانب مشاركته في مهرجان شيكاغو السينمائي، مما أسهم في ترسيخ حضور الفيلم بوصفه أحد أكثر الأفلام غير الإنجليزية تداولاً خلال العام.

المكالمة الهاتفية... نقطة البداية

ينطلق «صوت هند رجب» من واقعة حقيقية شهدها قطاع غزة في يناير (كانون الثاني) 2024، حين حوصرت الطفلة الفلسطينية هند رجب، ذات الأعوام الستة، داخل سيارة تعرّضت لإطلاق نار في أثناء محاولتها الخروج من المدينة برفقة أفراد من عائلتها. ومع تعقّد المشهد الميداني، تتواصل الطفلة عبر الهاتف مع متطوعي الهلال الأحمر، فيما تتتابع محاولات التنسيق للوصول إليها. من هذه اللحظة، يتشكّل البناء السردي للفيلم، حيث يصبح الصوت مساحة الحكاية الوحيدة، ويتحوّل الانتظار إلى عنصر درامي قائم بذاته.

تختار المخرجة التونسية، كوثر بن هنية، أن تضع الهاتف في قلب التجربة السينمائية، وأن تمنح الصوت وظيفة تتجاوز كونه وسيطاً تقنياً إلى كونه حاملاً للزمن والقلق والمعنى. الكاميرا تتابع محيط الحدث، وحركة المسعفين، ومسارات التنسيق المتشابكة، فيما يبقى مركز الثقل معلقاً عند الطرف الآخر من الخط. هذا البناء يفرض على المشاهد حالة إصغاء مستمرة، ويضعه في موقع المشاركة الشعورية، حيث تتقدّم الدقائق بثقلها وتتراكم الأسئلة مع كل محاولة وصول مؤجلة.

يركز الفيلم على عجز المسعفين على إنقاذ الطفلة التي تستنجد بهم (أ.م.د.ب)

اختبار العجز الإنساني

في مقاربته الحدث، يختار «صوت هند رجب» مساراً إنسانياً يركّز على الفعل ذاته: الاستغاثة، والمحاولة، والسعي للوصول. هذا التركيز يمنح الفيلم بعداً إنسانياً، ويجعله مفتوحاً على تلقي جمهور واسع يرى في القصة اختباراً أخلاقياً لمعنى الإنقاذ حين تتشابك الظروف وتتأخر الاستجابة. هنا، تتحول السينما إلى مساحة تأمل في حدود الفعل الإنساني، وفي المسافة بين النداء والاستجابة.

كوثر بن هنية، التي راكمت حضوراً بارزاً في المشهد السينمائي الدولي خلال السنوات الماضية، تواصل في هذا العمل مشروعها الفني القائم على مساءلة العلاقة بين الواقع والتمثيل، وذلك بعد أفلام لاقت اهتماماً عالمياً مثل «الرجل الذي باع ظهره» و«بنات ألفة»، حيث تأتي هذه التجربة لتؤكد انشغالها بتحويل الوقائع المعاصرة إلى بناء سينمائي متزن، يعتمد على الشكل بوصفه مدخلاً للفكرة. ففي هذا العمل يظهر هذا الوعي في الاختزال السردي، وفي الثقة بقدرة الصوت على حمل الثقل الدرامي.

يشارك في بطولة الفيلم مجموعة من الممثلين، من بينهم سجا كيلاني، ومعتز ملحيس، وكلارا خوري، وعامر حليحل، في أدوار تتوزع بين محيط الحدث ومسارات التواصل ومحاولات التنسيق، وكل ذلك يحدث في مكان واحد، على مدى ساعة ونصف هي مدة الفيلم، حيث تتحرك الشخصيات ضمن سياق جماعي، تتكشف ملامحه عبر الأصوات وردود الفعل أكثر من الأداء القائم على الصورة.

الصوت في الصدارة

يبرز الصوت في الفيلم بوصفه الشخصية الأهم: صوت الطفلة، وأصوات المسعفين، وأصوات المتطوعين، جميعها تتحول إلى مكوّنات درامية تحمل الخوف والارتباك والأمل المؤجل... ومع امتداد التجربة من دون ذروة تقليدية، يبقى المشاهد داخل حالة توتر مستمرة تعكس طبيعة الحدث، وتمنح العمل ثقله الأخلاقي.

وخلال عرضه الخاص ضمن الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، حظي الفيلم بتفاعل لافت داخل القاعة الرئيسية. فالعرض، الذي اقتصر على مناسبة واحدة فقط، نفدت تذاكره سريعاً، واختُتم بوصلة تصفيق امتدت لنحو 4 دقائق، في مشهد عبّر عن حجم الأثر الذي تركته التجربة لدى الجمهور، وسط تفاعل عاطفي عكس ثقل الموضوع وطبيعة المعالجة التي يفرضها الفيلم على مشاهديه.

في سباق الأوسكار

يمثّل الفيلم الترشيح الرسمي لتونس في فئة أفضل فيلم دولي ضمن سباق جوائز الأوسكار لعام 2026، في منافسة تضم أعمالاً من 86 دولة، وهذا السياق يضع العمل ضمن مسار شديد التنافس، تتقاطع فيه القيمة الفنية مع طبيعة الموضوع ونمط التلقي، مدعوماً بخبرة مخرجته والأصداء التي رافقت عروضه الأولى.

في المحصلة، يقدّم «صوت هند رجب» تجربة سينمائية تنتمي إلى سينما الذاكرة والتوثيق الإنساني، حيث يتحول الصوت إلى أداة لحفظ الأثر، وتصبح المكالمة الهاتفية سجلاً زمنياً للحظة كاملة. ومع وصوله إلى صالات السينما السعودية، يفتح الفيلم مساحة جديدة للنقاش حول دور السينما في مقاربة المآسي المعاصرة، عبر الإصغاء، والتأمل، وتثبيت الذاكرة بوصفها فعلاً ثقافياً وإنسانياً.