محاور وتحالفات جديدة حول بحر قزوين

تصعيد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان تحدٍ للنفوذ الروسي

مقاتل أرمني يستخدم منظاراً قرب خطوط القتال في ناغورني قره باغ في 11 يناير 2021 (رويترز)
مقاتل أرمني يستخدم منظاراً قرب خطوط القتال في ناغورني قره باغ في 11 يناير 2021 (رويترز)
TT

محاور وتحالفات جديدة حول بحر قزوين

مقاتل أرمني يستخدم منظاراً قرب خطوط القتال في ناغورني قره باغ في 11 يناير 2021 (رويترز)
مقاتل أرمني يستخدم منظاراً قرب خطوط القتال في ناغورني قره باغ في 11 يناير 2021 (رويترز)

بعد انقضاء عام على الحرب الدائرة في أوكرانيا وما نجم عنها من إعادة خلط الأوراق الجيوسياسية والتحالفات الاستراتيجية الإقليمية والدولية، يزداد القلق في الجمهوريات السوفياتية السابقة والدول المتاخمة للاتحاد الروسي من إفرازاتها ونهايتها المفتوحة على احتمالات لم تكن متوقعة قد تعيد رسم الصيغة التي كانت قد استقرت عليها التوازنات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن الفائت.
ولعلّ أبرز التحولات التي تعتمل في هذه المنطقة هو الصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورني قره باغ، والذي دخل مؤخراً في مرحلة تصعيدية تشكّل تحدياً سافراً للنفوذ الروسي الذي كان دائماً من المسلّمات بين أطراف النزاع الذين ارتضوا رعاية موسكو وضماناتها الأمنية.
في العام 1991، نشبت حرب بين أرمينيا وأذربيجان حول الإقليم الذي يشكّل الأرمن الغالبية الساحقة من سكانه البالغين 12 ألف نسمة ويقع داخل الأراضي الآذرية، انتهت بسيطرة القوات الأرمينية على المنطقة المتنازع عليها بعد ثلاث سنوات من المعارك الضارية التي أوقعت 30 ألف قتيل وتسبب في نزوح ما يزيد على مليون شخص. كما تمكنت أرمينيا من بسط سيطرتها على بعض الأراضي المجاورة وطردت منها السكان الآذريين.
لكن في خريف العام 2020، شنّت أذربيجان هجوماً عسكرياً واسعاً على تلك المنطقة، مدعومة من تركيا، وألحقت هزيمة بالقوات الأرمينية التي فقدت 6 آلاف جندي، واضطرت إلى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار أجبرت بموجبه على الانسحاب من مناطق كانت تحت سيطرتها منذ ثلاثين عاماً.
وكانت المفاجأة الكبرى في تلك المواجهة، أن روسيا لم تبادر لنجدة القوات الأرمينية، كما هو مفترض بموجب الحلف الاستراتيجي بين البلدين، في حين كانت تركيا تغدق على جيش أذربيجان المساعدات التي مكّنته من إحكام سيطرته بسرعة على المناطق التي دخلها.
وقد أثار ذلك الموقف الروسي ردود فعل ساخطة في أرمينيا، وانتقادات من المسؤولين على أعلى المستويات، وفي طليعتهم رئيس الوزراء نيكول باشينيان الذي وصف القوات الروسية في بلاده، والتي يصل عددها إلى ثلاثة آلاف جندي، بأنها «شاهد صامت»، وتساءل عن جدوى التحالف الاستراتيجي بين البلدين وانتماء أرمينيا إلى أسرة الدول المستقلة والتحالف الاقتصادي اليوروآسيوي ومعاهدة الأمن الجماعي، التي تقع جميعها تحت مظلة موسكو، التي اكتفت يومها برعاية اتفاق ثلاثي يضمن إبقاء معبر «لاشين» مفتوحاً لتزويد السكان الأرمن داخل الإقليم بالإمدادات اللازمة تحت إشراف قوت روسية لحفظ السلام.
لكن التطور الأخير الذي برز عندما ضربت أذربيجان حصاراً على المناطق التي تعيش فيها الأغلبية الأرمنية، ومنعت عنها الإمدادات، من غير أن تحرّك موسكو ساكناً، عاد ليطرح تساؤلات حول معادلة النفوذ الجديدة في المنطقة، والأسباب الحقيقية وراء الموقف الروسي، وأيضاً حول أبعاد الخطوة الأرمنية طلب نشر مراقبين أوروبيين على طول الحدود بين أرمينيا وأذربيجان منعاً لمواجهات جديدة. وقد أثار انتشار المراقبين الأوروبيين مؤخراً انتقادات من الجانب الروسي، حيث قال وزير الخارجية سيرغي لافروف: إن مثل هذه الخطوة ستكون لها انعكاسات سلبية تزيد من حدة التنافس الجيواستراتيجي وتؤدي إلى المزيد من النزاعات.
ومما لا شك فيه أن الأداء العسكري الروسي في الحرب الدائرة في أوكرانيا قد أدّى إلى اهتزاز صورة موسكو في المجال السوفياتي السابق، وليس مستبعداً أن تكون العمليات العسكرية التي تقوم بها أذربيجان منذ فترة في المنطقة تهدف إلى اختبار سلطة موسكو ونفوذها في المنطقة.
ويرى بعض المراقبين الدبلوماسيين الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في باكو، أن الحصار الذي فرضته قوات أذربيجان على إقليم ناغورني قره باغ أمام بعثة حفظ السلام الروسية الموجودة هناك، إنما يرمي إلى ضرب صدقية هذه القوات، وقد يكون بالتنسيق سرّاً مع موسكو. ولا يستبعد هؤلاء أن يكون هدف الكرملين من عدم التحرك، هو دفع حكومة أرمينيا لتنازلات سبق أن رفضتها، مثل فتح معبر في أراضيها يربط أذربيجان بمنطقة ناجيشفان وصولاً إلى تركيا، بما يسمح لروسيا بأن تكون لها طريق برية لدخول البضائع والإمدادات وخروجها.
وكان رئيس الوزراء الأرميني قد وصف الموقف الروسي بأنه «غير مقبول»، وقال: إنه إذا كانت روسيا عاجزة عن ضمان الاستقرار والأمن في الإقليم، لا بد من طرح القضية على مجلس الأمن الدولي. كما طالبت الحكومة الأرمينية بجسر جوي لإنقاذ المحاصرين، على غرار برلين في الحرب العالمية الثانية وساراييفو خلال حرب البلقان في تسعينات القرن الماضي، خصوصاً أن معبر «لاشين» هو الشريان الوحيد المتبقي لوصول الإمدادات إلى الإقليم، حيث إن المناطق الأخرى مزروعة بالألغام. وقد أفاد استطلاع مؤخراً، بأنه في العام 2014 كان 63 في المائة من سكان أرمينيا يؤيدون إقامة علاقات خاصة مع موسكو، بينما لم تعد هذه النسبة اليوم تتجاوز 17 في المائة، وأن ما يزيد على نصف السكان يفضّلون علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لكن ليس من السهل على أرمينيا فك ارتباطها بموسكو، فضلاً عن أن البنية الأمنية الأرمنية تقوم منذ قرون على التحالف الاستراتيجي مع روسيا. يقابل ذلك أن أرمينيا دولة صغيرة ولا يزيد عدد سكانها على 3 ملايين نسمة، وهي تقع على مفترق المحور التركي - الآذري والمحور الروسي - الإيراني، في مرحلة يزداد اعتماد موسكو على تركيا وأذربيجان وإيران بعد العقوبات الغربية، بحيث إن باكو وأنقرة هما اللتان تمليان إرادتهما على موسكو وليس العكس، سيما وأن تركيا أصبحت الشريك التجاري الثاني لروسيا بعد الصين، بينما بدأت ترجح كفّة أذربيجان في الميزان الأوروبي كمصدر رئيسي للطاقة بعد قطع الإمدادات الروسية.


مقالات ذات صلة

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.