وسط «تصاعد» وتيرة الأزمة الاقتصادية في مصر، باتت عمليات «النصب» على المواطنين بداعي الكسب السريع متكررة على نحو لافت. وبين ظاهرة «المستريح» وشركات الاستثمار الإلكتروني، يفقد مواطنون «مدخرات العمر».
أحدث قضايا «النصب» كانت منصة «هوج بول». بدأت القضية باستغاثة مواطنين «إثر تعرضهم للنصب من قبل منصة إلكترونية ادعت الاستثمار في تعدين العملات الرقمية»، وتمكنت الشركة المرخصة تحت عباءة مجال «تكنولوجيا المعلومات» من «جمع 6 مليارات جنيه مصري (نحو 300 مليون دولار) من آلاف المصريين، خلال فترة لم تتجاوز 6 أشهر». وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصص ضحايا باعوا ممتلكات، ومشغولات ذهبية، بهدف الاستثمار والحصول على «مكسب سريع»، لا سيما بعدما وعدتهم الشركة بـ«تحصيل مكاسب تبدأ من 4 دولارات يومياً لكل 1000 جنيه (الدولار بـ30.7 جنيه)».
من جانبها، أعلنت السلطات الأمنية في مصر (مساء السبت)، «إلقاء القبض على 29 شخصاً من القائمين على إدارة التطبيق (هوج بول)، بينهم 13 شخصاً من حاملي جنسية أجنبية»، كما أفادت الجهات الأمنية بأن «المتهمين اعترفوا باستهدافهم راغبي الكسب السريع».
قضية «هوج بول» لم تكن الأولى، قبلها ذاع صيت «المستريح»، وهو مصطلح يطلق على أشخاص يجمعون المال من الأفراد، بداعي استثمارها لهم، وعادة ما تنتهي القصة بالهرب أو إلقاء القبض عليهم.
ظاهرة «المستريح» لا تختلف كثيراً عن شركات توظيف الأموال، التي عُرفت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، على شاكلة «الريان»، و«السعد». صحيح أنها توارت لعدة سنوات، لكنها عادت في 2014 تحت مسمى «المستريح»، وهو المصطلح الذي أطلق للمرة الأولى على شخص يدعى أحمد مصطفى جمع نحو 53 مليون جنيه من أهالي الصعيد بغرض الاستثمار، وانتهت قضيته بالسجن 15 عاماً، لكن منذ هذا التاريخ وقضايا «المستريح» تتكرر من آن لآخر.
يرى وليد عبد المقصود، استشاري أمن المعلومات، أن تكرار عمليات النصب، لا سيما إلكترونياً، «يعود إلى فجوة معرفية يعيشها المجتمع المصري»، ويقول، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر تتحول إلى الرقمنة، وهي فكرة تروج لها الحكومة ووسائل الإعلام، غير أن المواطن ما زال يعاني قصوراً في المعرفة الرقمية، وهنا تأتي الثغرة التي يتصيدها (النصاب)».
على الجهة المقابلة، ثمة تطور متسارع في إمكانات المبرمجين، عدّه عبد المقصود «سلاحاً ذا حدين». ويوضح أنه «لا يمكن أن نبقى بمعزل عن التطور غير أن ذلك يجب أن تقابله توعية للمستخدمين، وإلا بات سلاحاً ضد المجتمع».
وكشفت الجهات الأمنية عن مضبوطات كانت بحوزة المتهمين في قضية «هوج بول»، وحسب الإفادة الرسمية، شملت هواتف محمولة، وخطوط هاتف، وأجهزة رسائل جماعية، وحاسبات آلية، وشاشات، فضلاً عن كروت ائتمان، ومحافظ إلكترونية، ما يعكس وجود «شبكة نصب متكاملة». ويوضح استشاري أمن المعلومات الطريقة التي يصل بها الجناة إلى الضحايا، ويقول إن «قضايا النصب الإلكتروني يتم تنفيذها بدقة من خلال مجموعة خارج مصر، مسؤولة عن تصميم التطبيق، والموقع، ومُلمة بشروط تسمح بتوفر التطبيق على متجر التطبيقات مثل (غوغل بلاي)، بغرض الإيقاع بالضحية وكسب شكل من المصداقية». ويضيف أن «ثمة مجموعة أخرى تعمل من داخل مصر، على طريقة الوسيط لاستدراج الضحايا بالإغراءات المادية».
وتصل عقوبة «النصب» على المواطنين في مصر إلى السجن مدة 7 سنوات، فضلاً عن رد المبالغ المالية. ويرجع الدكتور محمود كبيش، العميد الأسبق لكلية الحقوق جامعة القاهرة وأستاذ القانون الجنائي، تكرار تعرض المصريين لعمليات «النصب» إلى عدة أسباب، بينها «سهولة التواصل عبر الهاتف ودون جهد، والأزمة الاقتصادية». ويضيف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «ميل المصريين إلى الكسب السريع، هو السبب وراء معظم قضايا (النصب)».
ماذا يعني تكرار وقائع «النصب» في مصر رغم التحذيرات؟
أحدثها «هوج بول» وسبقتها «ظاهرة المستريحين» في المحافظات
ماذا يعني تكرار وقائع «النصب» في مصر رغم التحذيرات؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة