رغم مشواره القصير الذي لم يتجاوز سبعة أعوام مع منتخب فرنسا، حفر المهاجم جوست فونتين الذي توفي أمس (الأربعاء) عن 89 عاماً، اسمه بذهب في تاريخ كرة القدم وبات مقترناً بالأهداف الـ13 التي سجلها في مونديال السويد 1958، وهو رقم قياسي في نسخة واحدة من كأس العالم لا يزال صامداً حتى الآن.
فونتين المولود في مدينة مراكش المغربية في أغسطس (آب) عام 1933 من أب فرنسي وأم إسبانية، حيث كان والده الآتي من مدينة تولوز يعمل مفتشاً في إحدى شركات التبغ، أظهر موهبته منذ أن بدأ مداعبة الكرة في فريق الاتحاد الرياضي المغربي، قبل أن يتم اكتشافه من جانب نادي نيس في عام 1953 ليتوجه إلى سواحل الجنوب الفرنسي، حيث أمضى ثلاثة مواسم محققاً لقب الدوري عام 1956، قبل أن يقرر الانضمام إلى فريق رينس في صيف العام ذاته، خلفاً للهداف المعروف ريمون كوبا الذي انتقل إلى ريال مدريد الإسباني.
وفي هذا النادي انفجرت مواهب الهداف القادم إلى الأضواء العالمية، حيث تمكن من تسجيل 116 هدفاً في الدوري الفرنسي بين 1956 و1960، ونال لقب هداف الدوري مرتين عام 1958 بتسجيله 34 هدفاً، وعام 1960 بتسجيله 28، واحتل في المرتين الأخريين المركز الثاني في لائحة ترتيب الهدافين. وحقق مع رينس لقب الدوري 3 مرات (1958، 1960، 1962) وخاض معه نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة (دوري الأبطال حالياً) عام 1959 الذي خسره أمام ريال مدريد. انضم إلى المنتخب الفرنسي في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1953، ولعب أول مباراة دولية له ضد منتخب المجر، إلا أنه غاب بعد ذلك عاماً كاملاً عن التشكيلة، قبل أن يعود إليها كلاعب احتياطي.
جوست فونتين مع جائزة الحذاء الذهبي لهداف مونديال 1958 (أ.ف.ب)
وفي نهائيات كأس العالم 1958 التي أقيمت في السويد، سافر فونتين مع منتخب بلاده كلاعب احتياطي، إلا أن إصابة مهاجم الفريق الأساسي رينيه بليار، أتاحت له الفرصة ليكون ضمن التشكيلة الأساسية، وعندها بدأت قصة هداف من طراز نادر لا يزال اسمه خالداً بفضل أهدافه الـ13 في نسخة واحدة وست مباريات، وهو إنجاز عجز أي لاعب عن تحقيقه.
حتى يومنا هذا، سجل ثلاثة لاعبين فقط أهدافاً في نهائيات كأس العالم أكثر من فونتين، هم الهداف التاريخي الألماني ميروسلاف كلوزه (16 في أربع نسخ)، البرازيلي رونالدو (15 في أربع نسخ علماً بأنه لم يلعب في الأولى، والألماني غيرد مولر (14 في نسختين).
في مونديال قطر 2022، عادل الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي قاد بلاده إلى المجد رقم فونتين، لكن الأمر استغرق خمس نسخ.
كانت أول مباراة لفرنسا في مونديال 1958 أمام الباراغواي في 8 يونيو (حزيران) حققت خلالها فوزاً ساحقاً 7 - 3، وكان لفونتين حصة الأسد بتسجيله ثلاثة أهداف جعلت بدايته صاروخية في النهائيات رغم مشاركته الخامسة فقط في صفوف منتخب بلاده.
بعد خمسة أيام، التقت فرنسا منتخب يوغوسلافيا القوي، ورغم تفوق فونتين في تسجيل هدفين، لم يمنع ذلك اليوغوسلاف من تحقيق الفوز 3 - 2 الذي لم يؤثر على مصير المنتخب الفرنسي في البطولة.
في 15 يونيو، تجاوز الفرنسيون الهزيمة وحققوا الفوز على اسكوتلندا 2 - 0 بهدف كل من فونتين وكوبا. في ربع النهائي، سحقوا آيرلندا الشمالية برباعية نظيفة سجل منها فونتين هدفين، ليتأهلوا إلى نصف النهائي للمرة الأولى في تاريخهم. وكان الخصم هذه المرة منتخب البرازيل الذي تقدم بهدف في الدقيقة الثانية قبل أن يعادل فونتين بعد سبع دقائق فقط. واضطرت فرنسا إلى إكمال المباراة بعشرة لاعبين بعد خروج روبير جونكيه بداعي الإصابة بعد مرور نصف ساعة (في تلك الحقبة لم يكن تبديل اللاعبين مسموحاً). واستفادت البرازيل وتقدمت 5 - 1 بفضل ثلاثية «هاتريك» لبيليه قبل أن يضيف روجيه بيانتوني هدفاً ثانياً شرفياً للديوك لتنتهي المباراة بفوز البرازيل 5 - 2 قبل أن تتوج بالنتيجة ذاتها على حساب السويد في النهائي بلقبها الأول في تاريخها. وقاد فونتين المنتخب الفرنسي للفوز بالبرونزية بتسجيله أربعة أهداف ضد ألمانيا (6 - 3) ويتوج بلقب هداف الدورة محققاً الإنجاز التاريخي.
بعد المونديال صار فونتين نجم فرنسا الأبرز، غير أن القدر خبأ له مفاجآت غير سارة، بدأت في 20 مارس (آذار) 1960 في مباراة ناديه رينس أمام سوشو في الدوري، حيث تعرض إلى كسر مزدوج في الساق عندما اصطدم بالمدافع العاجي سيكو توريه. وبإرادة فولاذية حاول فونتين العودة إلى الملاعب وتمكن من المشاركة في مباراة فرنسا أمام بلغاريا في 11 ديسمبر (كانون الأول) 1960 ضمن تصفيات مونديال 1962، كانت الأخيرة له دولياً. وبعد موسمين عانى خلالهما من الإصابات، استسلم فونتين في 1962 واعتزل اللعب بشكل مفاجئ بعمر الثامنة والعشرين، وقال في هذا الصدد «يتحدث العالم كثيراً عن رقمي القياسي، لكني كنت سأتخلى عنه لكي أستمر في الملاعب لخمس أو ست سنوات إضافية؛ لأن كرة القدم هي شغفي». وأضاف «كنت في قمة مستواي (عند اعتزاله)، وكنت أكسب الكثير من المال في تلك الفترة. لم تكن المبالغ التي نشهدها حالياً، كانت فقط خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور».
دخل فونتين معترك التدريب وتسلم منتخب فرنسا عام 1967، لكنه لم يمكث طويلاً على رأس الجهاز الفني بعد خسارته أول مباراتين وديتين. انتقل ليشرف على تدريب باريس سان جيرمان في الفترة من 1973 إلى 1976 وصعد بالفريق إلى مصاف الدرجة الأولى عام 1974.
أنهى مسيرته التدريبية مع منتخب المغرب، حيث قاده إلى المركز الثالث في كأس الأمم الأفريقية عام 1980.