«الشرق الأوسط: تفاؤل وتحولات»... تقرير يرصد الانتقال من الاستهلاك إلى التأثير

«بيزنس أوف فاشن» تكشف أن آمال 55% من صناع الموضة معقودة على المنطقة

تحولات المنطقة تنعكس في نظرة المستهلك إلى الموضة (خاص)
تحولات المنطقة تنعكس في نظرة المستهلك إلى الموضة (خاص)
TT

«الشرق الأوسط: تفاؤل وتحولات»... تقرير يرصد الانتقال من الاستهلاك إلى التأثير

تحولات المنطقة تنعكس في نظرة المستهلك إلى الموضة (خاص)
تحولات المنطقة تنعكس في نظرة المستهلك إلى الموضة (خاص)

لندن: جميلة حلفيشي

منذ فترة وأنظار صناع الموضة تتوجه نحو منطقة الشرق الأوسط. آمال كبيرة معقودة عليها. بانتعاشها الاقتصادي وتغيراتها الاجتماعية والثقافية أصبحت بمثابة طوق النجاة الذي سيُمكِنها من تجاوز تحديات سنوات عجاف مقبلة. تقرير صدر أخيراً عن موقع «بيزنيس أوف فاشن» بعنوان «منطقة الشرق الأوسط: تفاؤل وتحولات»، يؤكد أن المنطقة تعيش حالة من الانتعاش، إن لم نقل «النهضة»، تنعكس على الموضة بشكل مباشر، وتُثلج صدور صناع المجوهرات والأزياء، على حد سواء. فقطاع الموضة في المنطقة يُقدر بـ89 مليار دولار، وتُعد المملكة السعودية والإمارات العربية أكبر لاعبين فيها. السبب أنه في الوقت الذي يتخبَط العالم ما بين الحرب الأوكرانية، والتضخم المالي والكوارث الطبيعية وشح الموارد، فإن المنطقة تبدو وكأنها بعيدة عن كل هذا بتحولاتها الاجتماعية والثقافية وطموحاتها الكبيرة. تقرير «بيزنس أوف فاشن إينسايت»، الصادر عن «Business Of Fashion» جاء مُفصَلاً من 108 صفحات، يُفيد بأن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي سينمو بنسبة 3.7 في المائة مقارنة بنسبة 1.5 في المائة للاقتصاد العالمي الإجمالي. من خلال دراسات وأبحاث كثيرة طالت عدة شخصيات معنية وعاملة في هذا القطاع، سلَط التقرير الضوء على التغيرات التي طالت صناعة الموضة في السنوات الأخيرة نتيجة للتغيرات الاجتماعية والسياسية في المنطقة. تغيُرات جعلت السلطات الحكومية تتدخل وتستثمر فيها في ظل اهتمامها المتزايد بالسياحة والرياضة وشتى أنواع الفنون. كان من البديهي أن ينعكس هذا الانتعاش الاقتصادي وباقي التحولات على سلوكيات المستهلك ونظرته إلى الموضة، وفق ما أفاده التقرير. فإلى جانب أن قدراته الشرائية تحسَنت، فإن التخفيف من القيود الاجتماعية فيما يتعلق بالأزياء فتح الأبواب على مصراعيها أمامه لكي يلعب بالموضة حسب هواه وإمكاناته.

قطاع الموضة في المنطقة يُقدر بـ89 مليار دولار، والسعودية والإمارات أكبر لاعبين فيه

تقول روان مكي، وهي واحدة ممن أشرفوا على إصدار هذا التقرير، إن «منطقة الشرق الأوسط كانت دائماً سوقاً عالية الإنفاق ومصدر اهتمام علامات عالمية، إلا أنها أصبحت الآن وأكثر من أي وقت مضى أكثر جاذبية وإغراءً بسبب وضعها المنتعش، مقارنة بالأحوال المضطربة للأسواق العالمية، إضافة إلى الانفتاح المحلي على الموضة».
وتتابع: «ولكن، لكي تستفيد الشركات العالمية من هذه السوق، فمن الضروري أن تقرأها جيداً وتفهم تطوراتها السريعة، وكيف تؤثر على تطلعات الزبائن فيها وتوقعاتهم». ويلفت التقرير إلى أن 50 في المائة من هؤلاء الزبائن هم من أصحاب الدخل المرتفع وينفقون أكثر من 1000 دولار في المتوسط شهرياً على الأزياء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية. ورغم محاولات التركيز على السوق المحلية بافتتاح محلات مبتكرة، لا تزال حوالي 40 في المائة من هذه النسبة تُصرف خارج بلدانهم.
اعتمد التقرير على شركات أبحاث متخصصة في أحوال السوق مثل «يورو مونيتور»، و«أكسفورد إيكونوميكس»، وعلى نتائج استطلاع شمل 2000 شخص من السعودية والإمارات العربية، من أعمار مختلفة، بالإضافة إلى آراء 22 من مؤسسي شركات ورؤساء تنفيذيين ومديرين ومستشارين ومبدعين يعملون في المجال أو من بيوت أزياء وشركات التجزئة، نذكر منها على سبيل المثال «ديور»، و«دولتشي آند غابانا»، و«فندي»، و«بوتيغا فينيتا»، و«أديداس»، و«بالنسياغا»، «لورو بيانا»، «لويس فيتون»، و«زارا»، و«نيت أبورتيه»، و«نايك»، و«أوناس» وغيرها. وكانت النتيجة أن المنطقة لم تعد مجرد مسُتهلك ومتلقٍ، بل على العكس أصبح لزبائنها دور حيوي وصوت مسموع تعكسه استراتيجيات الشركات وبيوت الأزياء العالمية التي تأمل أن تقتطع لنفسها جزءاً من الكعكة الدسمة. النجاحات التي تُحققها المرأة في مجالات العمل المختلفة وعدم ضرورة تقيدها بالعباءة، كان لها أيضاً تأثير كبير على مبيعات الأزياء العالمية والمحلية على حد سواء. مثلاً زاد الإقبال على الأزياء بعد أن كانت الإكسسوارات والمجوهرات ومستحضرات التجميل الدجاجة التي تبيض ذهباً لصناع الموضة. الآن، من المتوقع أن تسجل سوق الأزياء في المنطقة معدل نمو سنوي يقدر بنحو 7 في المائة بين العام الحالي و2027، حسب التقرير، على أن ينمو جانبا الأحذية والأزياء بشكل أسرع من باقي الإكسسوارات على مدى السنوات الخمس المقبلة. ما أجمع عليه كل المشاركين في الاستطلاع مطالبتهم بالجودة والأناقة، بحيث لا تكون الواحدة على حساب الثانية. كما عبروا عن تفضيلهم لعلامات معينة، مثل «نايك» و«أديداس» و«زارا» إلى جانب «غوتشي» و«لويس فيتون» و«شانيل» و«ديور».
بيد أن الملاحظ أيضاً أن هذا المستهلك بدأ يتبنى أسلوباً خاصاً به يدمج فيه ما هو تقليدي ومحلي يعكس ثقافته وانتماءه، بخطوط الموضة العصرية. ورغم تعطشه لكل ما هو عصري ويحمل توقيعات عالمية، لا يزال يُقدر الأزياء التقليدية ولا يستغني عنها، بدليل أن 27 في المائة من ميزانيات الأزياء تُصرف في الإمارات على الأزياء التقليدية، فيما ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 43 في المائة في السعودية.
جيلا الألفية و«زي» تحديداً هما القوة التي تُحرك هذا الأسلوب اليوم، وترفع صوتها عالياً مطالبة بيوت الأزياء بأن تتوجه للمنطقة بشكل خاص ومباشر، إما بأخذ ثقافتهما بعين الاعتبار أو بطرح تصاميم خاصة وحصرية.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

رقم قياسي جديد لجرائم اليمين المتطرف في ألمانيا

استنفار للشرطة الألمانية عقب هجوم إرهابي (متداولة)
استنفار للشرطة الألمانية عقب هجوم إرهابي (متداولة)
TT

رقم قياسي جديد لجرائم اليمين المتطرف في ألمانيا

استنفار للشرطة الألمانية عقب هجوم إرهابي (متداولة)
استنفار للشرطة الألمانية عقب هجوم إرهابي (متداولة)

سجلت ألمانيا، العام الماضي، ارتكاب أكثر من 33 ألف جريمة يمينية متطرفة، وهو عدد قياسي غير مسبوق منذ بدء الرصد عام 2001.

الشرطة الألمانية في حالة استنفار عقب هجوم إرهابي ببرلين (متداولة)

ووفق رد وزارة الداخلية الألمانية على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب «اليسار»، كان معظم تلك الجرائم في إطار الدعاية والتحريض على الكراهية.

ووفقاً للرد، الذي اطلعت عليه «وكالة الأنباء الألمانية»، سجلت الشرطة إجمالاً 33 ألفاً و963 جريمة ذات دوافع يمينية حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكان من بينها 1136 جريمة عنف يتمثل معظمها في التسبب بإصابات جسدية. وكان نحو ثلثي الجرائم اليمينية (21 ألفاً و311 جريمة) يقع في نطاق الجرائم الدعائية، بينما جرى تصنيف 5 آلاف و97 جريمة أخرى على أنها إثارة فتن. ولا توجد أرقام لشهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي حتى الآن، ولا يزال من الممكن إجراء تعديلات، وإضافة بيانات لاحقاً. لذا فإنه من المتوقع أن يكون العدد الإجمالي أعلى من ذلك. وكانت إحصائيات الجرائم ذات الدوافع السياسية قد أظهرت مستوى قياسياً من الجرائم اليمينية المتطرفة في عام 2023، بإجمالي 28 ألفاً و945 جريمة. وبالمقارنة، ارتفع العدد، العام الماضي، بنسبة 17.34 في المائة على الأقل.

ووصفت النائبة البرلمانية عن حزب «اليسار»، مارتينا رينر، الأرقام الجديدة بأنها مثيرة للقلق، وقالت: «غالبية مرتكبي أعمال العنف من البالغين، لكن هناك ازدياداً أيضاً في نسبة مرتكبي أعمال العنف من الشباب»، مضيفة أنه لا تلوح في الأفق حتى الآن اتخاذ تدابير سياسية جذرية للتصدي لذلك. وقالت: «في كثير من الأحيان، تجري مكافحة اليمين فقط في المؤتمرات الصحافية. ويقع على عاتق المجتمع المدني إظهار الاستمرارية، والتصميم الذي تفتقر إليه السياسة».