استنفار وتوتر في مخيم «عين الحلوة» جنوب لبنان مع تنامي أعداد العناصر المتطرفة

مسؤول من «فتح» لـ«الشرق الأوسط»: الحل أمني.. ولن نسمح لأي قاتل مأجور بالتجول في الشوارع

استنفار وتوتر في مخيم «عين الحلوة» جنوب لبنان مع تنامي أعداد العناصر المتطرفة
TT

استنفار وتوتر في مخيم «عين الحلوة» جنوب لبنان مع تنامي أعداد العناصر المتطرفة

استنفار وتوتر في مخيم «عين الحلوة» جنوب لبنان مع تنامي أعداد العناصر المتطرفة

عاد مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين الواقع في منطقة صيدا جنوب لبنان إلى واجهة الاهتمامات الأمنية، بعد سلسلة من عمليات الاغتيال والمواجهات المسلحة التي شهدتها الساعات الماضية بين حركة فتح وتنظيم «جند الشام» المتطرف. ويتخوف أهالي المخيم، الذين يتخطى عددهم الـ100 ألف نسمة، من تحويله مجددا إلى بؤرة متفجرة بعد نحو 4 أعوام من فرض الفصائل الفلسطينية مجتمعة استقرارا نسبيا فيه من خلال تحييده عن تطورات الأزمة في سوريا.
ويشهد «عين الحلوة» منذ يوم السبت الماضي توترا واستنفارا على خلفية اغتيال المسؤول في حركة فتح العقيد طلال البلاونة المعروف بـ«طلال الأردني» ومرافقه، من خلال إطلاق النار عليهما من قبل مسلحين كانوا يستقلون دراجات نارية.
وتوجه أصابع الاتهام في عملية اغتيال الأردني إلى عناصر في تنظيم «جند الشام» الذي عاد ليبرز أخيرا كما غيره من التنظيمات المتطرفة، مع معلومات عن تخطي أعداد العناصر غير المنضبطة والتي تنتمي إلى جماعات مُتعارف على تسميتها بـ«الإرهابية» الـ200 عنصر. وتفاقم الوضع الأمني مساء يوم الثلاثاء الماضي مع تسجيل مقتل شخصين أحدهما عنصر من «فتح» وجرح 8 أشخاص آخرين.
وقالت مصادر من «فتح» لـ«الشرق الأوسط» إن عنصرين من «جند الشام» تقصدا استفزاز عناصر أحد حواجز «فتح» داخل المخيم والتي تشهد حالة من الاستنفار منذ يوم السبت، فتطورت الأمور إلى إطلاق نار فسقط عنصرا «جند الشام» جريحين، لافتة إلى أنه «مع شيوع الخبر عمد عناصر التنظيم المتطرف إلى إطلاق النار عشوائيا داخل المخيم مما أدّى لمقتل أحد المدنيين وإصابة آخرين».
وبعد ساعات أقدم مسلحون، رجّحت المصادر أن يكونوا من «جند الشام»، على اغتيال عنصر من «فتح» وهو أحد أقرباء قائد القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في مخيمات لبنان اللواء منير المقدح، من خلال إطلاق النار عليه في منطقة الرأس الأحمر داخل «عين الحلوة».
ونجحت «قوات الأمن الوطني الفلسطيني» يوم أمس الأربعاء في توقيف عنصرين من «جند الشام» بعد مداهمة مكان وجودهما في حي طيطبا داخل «عين الحلوة»، وسلمتهما إلى مخابرات الجيش عند حاجز مستشفى صيدا الحكومي.
وتسود حاليا حالة من التوتر والاستنفار في المخيم الذي يُعتبر أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين من حيث عدد السكان، فيما تعقد اجتماعات مكثفة داخله كما في السفارة الفلسطينية في بيروت، بين القيادة السياسية واللجنة الأمنية بمسعى لاحتواء التطورات الأخيرة ومنع تفاقمها. وتشترط حركة «فتح» تسليم قتلة الأردني الذي اغتيل يوم السبت كمدخل لحل الأزمة التي نشأت أخيرا.
وأكّد العميد محمود عيسى (اللينو)، رئيس «التيار الإصلاحي» والمسؤول السابق لقوات الكفاح المسلح التابعة لـ«فتح»، أن هناك «إجراءات جديدة» اتخذت بعد مقتل العقيد الأردني، مشددا على أن «ما قبل عملية الاغتيال ليس كما بعدها». وقال اللينو لـ«الشرق الأوسط»:«اتخذنا قرارا لا رجوع عنه ومفاده أنه بعد اليوم لن نسمح لأي قاتل مأجور بالتجول في شوارع عين الحلوة، وقد أبلغنا اللجان والفعاليات الشعبية بالموضوع، وبأن الحل سيكون أمنيا لا عسكريا حرصا منا على أمن المدنيين»، مؤكدا أنه لا راحة قبل الاقتصاص من القتلة، محذرا كل من سيحاول تأمين الغطاء لهم.
وأضاف اللينو: «حركة فتح اليوم موحدة أكثر من أي وقت مضى لمواجهة العصابات المتصهينة التي تمادت، نظرا للسياسات الخاطئة التي اعتمدتها القوة الأمنية في الأشهر الماضية والتي كانت تقوم على إجراءات التراضي وتبويس اللحى».
وتشارك «القوى الإسلامية» بالاتصالات والمشاورات الجارية لمعالجة التطورات الأمنية الأخيرة، وهي اعتبرت في بيان أن «ما يشهده المخيم من أحداث وما يتم التداول فيه من إشاعات واستنفارات وظهور للمسلحين والمقنعين هنا وهناك، يجعلنا جميعا نعيش حالة انعدام للأمن والاستقرار في المخيم، ويؤثر على سمعتنا داخليا وخارجيا».
وأوضحت القوى أنّه وحرصا منها على «إعادة الأمور إلى نصابها، وسحب فتائل التفجير، وإيجاد أجواء أمنية ملائمة، قامت بإجراء اتصالات مع كل القوى والمسؤولين محليا ومركزيا وفي مقدمتهم سفير دولة فلسطين وكبار مساعديه وممثل حركة حماس في لبنان، وتم الاتفاق على سحب المسلحين ومنع الظهور المسلح ومنع إطلاق النار».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.