مخرجات قمة الاتحاد الأفريقي... تمسك بالاستقرار ودفع لـ«التجارة الحرة»

الدورة الـ٣٦ تعلق مشاركة إسرائيل

قادة ورؤساء وفود الدول الأفريقية المشاركون في قمة اتحاد القارة التي عقدت في أديس أبابا (أ.ف.ب)
قادة ورؤساء وفود الدول الأفريقية المشاركون في قمة اتحاد القارة التي عقدت في أديس أبابا (أ.ف.ب)
TT

مخرجات قمة الاتحاد الأفريقي... تمسك بالاستقرار ودفع لـ«التجارة الحرة»

قادة ورؤساء وفود الدول الأفريقية المشاركون في قمة اتحاد القارة التي عقدت في أديس أبابا (أ.ف.ب)
قادة ورؤساء وفود الدول الأفريقية المشاركون في قمة اتحاد القارة التي عقدت في أديس أبابا (أ.ف.ب)

(تحليل إخباري)
على الرغم من أن الشعار الاقتصادي، ممثلاً في مساعي تحويل مشروع منطقة التجارة الحرة الأفريقية إلى واقع، كان هو العنوان الأبرز لقمة الاتحاد الأفريقي السادسة والثلاثين، فإن القضايا السياسية والأمنية زاحمت – كالمعتاد - الشواغل الاقتصادية للقارة التي تشتهر بثرواتها الطبيعية، لكنها تعاني تفشياً للفقر والصراعات المسلحة.
وقد شدد موسى فقي، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، في ختام مشاورات القمة (الأحد) على أولوية مشروع منطقة التجارة الحرة، مؤكداً أن عدداً من الدول بدأت بالفعل مرحلة التنفيذ، لكنه عاد إلى التحذير من أن البنية التحتية اللازمة لنجاحها «ما زالت مفقودة»، لافتاً إلى أن هناك «600 مليون أفريقي لا يحصلون على الكهرباء».
وتوصف اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية (AfCFTA) بأنها الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، حيث تضم 54 دولة من أصل 55 دولة في قارة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة.
ولا تتجاوز التجارة البينية الأفريقية حتى الآن 15 في المائة فقط من إجمالي تجارة القارة مع العالم، وتستهدف منطقة التجارة الحرة الوصول بالتبادل التجاري القاري إلى 60 في المائة بحلول عام 2034 من خلال إلغاء متدرج لجميع التعريفات الجمركية.
ويرى جورج ديفيز، الباحث الاقتصادي في الشؤون الأفريقية، وزميل مركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية في باريس، أن تركيز قمة الاتحاد الأفريقي على إقامة منطقة تجارة حرة، يعكس إدراكاً لأهمية هذا المشروع، لكنه يعتقد أن الإجراءات التنفيذية «تسير بوتيرة بطيئة بشكل مقلق»، لافتاً إلى أن الوصول إلى نتائج على أرض الواقع «يتطلب أكثر من مجرد حسن النية».
ويضيف ديفيز لـ«الشرق الأوسط» أن اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية دخلت حيز التنفيذ قبل عامين بعد توقيع الاتفاقية، لكن الإجراءات التنفيذية واجهت تحديات نتيجة تأثير الأزمات العالمية، مشيراً إلى «صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تعانيها دول القارة، فأكثر من 22 دولة أفريقية إما مدينون، وإما معرَّضون لخطر كبير بسبب عدم تمكنهم من معالجة الهزات الارتدادية للأزمات الاقتصادية التي يعانيها العالم حالياً.
ويشدد الباحث الاقتصادي، على أن منطقة التجارة الحرة «يمكن أن تساعد القارة على مواجهة تحدياتها الملحة، وتحقيق تطلعات أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي؛ إذ يمكن أن يزيد الدخل الحقيقي بمقدار 571 مليار دولار إضافية، ما يخلق 17.9 مليون فرصة عمل جديدة، وينتشل 50 مليوناً من الفقر المدقع بحلول عام 2035».
لكن ديفيز يستدرك: «الأمر يتطلب إصلاحات جوهرية وعملاً مشتركاً بين دول القارة، في مقدمتها تسهيل التجارة بين الأقاليم، وحرية تنقل الأشخاص، وتعزيز الاستثمار في رأس المال البشري، وتحسين ممارسة الأعمال التجارية، وتبسيط متطلبات التجارة، ورقمنة الإجراءات الإدارية».
لكن على جانب آخر، حازت قضايا السلم والأمن في القارة أولوية في مناقشات القادة الأفارقة وفي نتائج القمة؛ إذ أظهر الاتحاد الأفريقي تشدداً واضحاً في مواجهة «التغييرات غير الدستورية»، وجدد تأكيد «عدم تسامحه المطلق» في هذا الشأن.
وأبقى الاتحاد تعليق عضوية بوركينا فاسو ومالي وغينيا والسودان، في وقت كانت تسعى فيه تلك الدول إلى استعادة عضويتها، علماً أن الاتحاد علق عضوية مالي وغينيا والسودان عام 2021، ثم عضوية بوركينا فاسو بعد عام على خلفية استيلاء الجيش على السلطة.
كما تم استمرار تعليق عضوية مالي وبوركينا فاسو وغينيا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس»، وطلبت الدول الثلاث في العاشر من فبراير (شباط) الحالي إلغاء تعليق عضويتها في المجموعة، وكذلك في الاتحاد الأفريقي، مبدية أسفها إزاء «العقوبات المفروضة».
ومن المتوقع أن تُجرى انتخابات عامة لاستعادة المسار الدستوري عام 2024 في مالي وبوركينا فاسو، وعام 2025 في غينيا، فيما لا يزال المشهد «غائماً» في السودان.
وحظيت القضية الفلسطينية بدعم واضح في ختام قمة الاتحاد الأفريقي، إذ أكد بيان القادة الأفارقة «الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي».
واستهجن الاتحاد الأفريقي، في بيانه الختامي استمرار التعنت الإسرائيلي، والحكومات المتعاقبة برفض المبادرات والدعوات المتكررة من القيادة الفلسطينية، ومن المجتمع الدولي، للانخراط في مفاوضات سلمية.
وزاد الموقف الأفريقي الداعم للحق الفلسطيني بروزاً بعد دعوة محمد أشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني، لمخاطبة الجلسة الافتتاحية للقمة، وهي نفسها الجلسة التي شهدت واقعة طرد مبعوثة إسرائيلية، حاولت الحضور رغم قرار سابق من الاتحاد بتعليق منح إسرائيل صفة «عضو مراقب» لديه.
وأعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، إجراء تحقيق لمعرفة كيفية دخول الوفد الإسرائيلي، الذي تقوده شارون بارلي، نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية المكلفة بأفريقيا، إلى قاعة المؤتمر.
وقال فقي، في ختام أعمال القمة إنه «لم توجه أي دعوة إلى مسؤولين رسميين إسرائيليين لحضور القمة، وطلبنا من المسؤول الإسرائيلي الذي دخل القاعة المغادرة»، مضيفاً: «نحن بصدد إجراء التحريات اللازمة (لمعرفة كيفية دخول) الشخصية الإسرائيلية التي لا تقيم في إثيوبيا، وقدمت من إسرائيل».
وكانت القمة التي عقدت في فبراير 2022 قد كلفت لجنة تضم سبعة رؤساء دول أفريقية بدراسة منح إسرائيل صفة مراقب من عدمه، ولم تصدر اللجنة قرارها بعد، وهو ما يعني استمرار «تعليق» قرار العضوية لأجلٍ غير مسمًى حتى الآن.
ويؤكد السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن نتائج قمة الاتحاد الأفريقي سعت إلى مواكبة أبرز التحديات التي تواجهها القارة، لا سيما في ملفات الأمن الغذائي وأمن الطاقة والأمن المائي، مشيراً إلى أن تداعيات ما وصفه بـ«ثالوث الأزمات» (جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وتغير المناخ) «فاقمت تأثير تلك التحديات».
وأوضح حليمة لـ«الشرق الأوسط» أن عمليات التنمية المستدامة تتطلب تنسيقاً أفريقياً، وكذلك ترتيبات مع الشركاء الدوليين للقارة، سواء من الدول أو الجهات المانحة، فعمليات التنمية في القارة «تحتاج إلى استثمارات هائلة لا تستطيع الدول الأفريقية وحدها الوفاء بها».
وشدد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، على ضرورة أن تتحرك أفريقيا بشكل جماعي للاستفادة من التنافس الدولي على القارة، وإقناع القوى الكبرى بأهمية مد يد العون لمساعدة القارة في مواجهة تحدياتها، لافتاً إلى أن القوى الإقليمية والدولية لديها فرصة لتعزيز حضورها في القارة عبر المساعدة على تجاوز هذه الأزمات، بدلاً من محاولات الاستقطاب.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

عدد النازحين داخلياً في أفريقيا ازداد 3 مرات خلال 15 عاماً

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
TT

عدد النازحين داخلياً في أفريقيا ازداد 3 مرات خلال 15 عاماً

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)

أدت النزاعات وأعمال العنف والكوارث الطبيعية في أفريقيا إلى زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة منازلهم، ووصل عدد النازحين داخلياً إلى 35 مليوناً بنهاية العام الماضي، وفق «مركز رصد النزوح الداخلي».

وقالت مديرة المركز، ألكسندرا بيلاك، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن النازحين داخلياً الأفارقة يمثلون وحدهم نحو نصف عدد الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من منازلهم في كل أنحاء العالم للعثور على ملاذ في مكان آخر ببلادهم.

وأضافت: «لقد شهدنا ارتفاع عدد النازحين داخلياً في القارة الأفريقية 3 مرات خلال الـ15 عاماً الماضية»، مضيفة أن «معظم حالات النزوح الداخلي هذه ناجمة عن النزاعات وأعمال العنف والكوارث الطبيعية».

ويظهر تقرير صادر عن «مركز رصد النزوح الداخلي» أن «المستويات المتصاعدة من الصراعات والعنف مسؤولة عن النزوح الداخلي لنحو 32.5 مليون شخص في أفريقيا. وقد نزح 80 في المائة منهم في 5 بلدان هي: جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ونيجيريا والصومال والسودان».

وأشار المركز إلى أن «اتفاقية الاتحاد الأفريقي لحماية ومساعدة النازحين داخلياً في أفريقيا (اتفاق كمبالا)» أداة مهمة لمعالجة المشكلة.

ووضع هذا الاتفاق، الذي اعتُمد في عام 2009 ودخل حيز التنفيذ خلال ديسمبر (كانون الأول) 2012، معياراً دولياً بوصفه الاتفاق الإقليمي الأول والوحيد الملزم قانوناً بشأن النزوح الداخلي.

ومذاك، صادقت 24 دولة أفريقية على الاتفاق، ووضع كثير منها أطراً قانونية وقدمت استثمارات كبيرة لمعالجة المشكلة. لكن الحكومات تجد صعوبة في التعامل معها.

وعدّت بيلاك أن «مفتاح المشكلة» يكمن في «فعل المزيد بشأن بناء السلام والدبلوماسية وتحويل الصراعات».