تركيا تستنهض «روح الحياة» بعد 13 يوماً على الزلزال

حركة بالأسواق وخيام المشردين... وفرق الإنقاذ لم تفقد الأمل

جانب من عمليات البحث عن الضحايا بين أنقاض الأبنية المدمرة في كهرمان ماراش أمس (إ.ب.أ)
جانب من عمليات البحث عن الضحايا بين أنقاض الأبنية المدمرة في كهرمان ماراش أمس (إ.ب.أ)
TT

تركيا تستنهض «روح الحياة» بعد 13 يوماً على الزلزال

جانب من عمليات البحث عن الضحايا بين أنقاض الأبنية المدمرة في كهرمان ماراش أمس (إ.ب.أ)
جانب من عمليات البحث عن الضحايا بين أنقاض الأبنية المدمرة في كهرمان ماراش أمس (إ.ب.أ)

استنهضت تركيا روح الحياة في اليوم الثالث عشر لزلزالي 6 فبراير (شباط) المدمِّرين. وفي حين بدأت فرق من مختلف البلديات التي وفدت على الولايات العشر المنكوبة أعمال التنظيف والتعقيم في الشوارع المحيطة بالمناطق المتضررة والمباني المنهارة وداخل مدن الخيام، واصلت فرق البحث والإنقاذ عملها متمسكةً بأي بصيص أمل في تحقيق معجزات جديدة قد تكون مختبئة تحت الركام.
ولوحظ، أمس (السبت)، أن الروح بدأت تدب في المناطق المنكوبة؛ إذ انتشرت ظاهرة «الأسواق الاجتماعية»، وهي عبارة عن خيام مليئة بالبضائع المختلفة والملابس التي جُمِعَت في حملات المساعدات يجري توزيعها على المواطنين. وذلك من خلال استقبال عناصر من الشرطة قوائم احتياجات المتضررين، وتنظيم عملية حصولهم عليها. وداخل تلك الأسواق يعمل متطوعون من مختلف الفئات. كما انتشرت المطابخ المتنقلة التي تقدم الوجبات الساخنة في العديد من النقاط، فضلاً عن مطابخ أنشأها متطوعون تعمل على مدار الساعة.
ورويداً رويداً بدأت درجات الحرارة في الارتفاع في العديد من الولايات التي عانت موجة صقيع وثلوج عمَّقت من آثار كارثة الزلزال.
وبدأ مَن انتقلوا إلى مدن الخيام، التي قد تمتد حياتهم فيها لعام مقبل حتى يعودوا إلى منازلهم، بعد الانتهاء من تشييدها أو ترميمها، التعامل مع الواقع، وتوطين أنفسهم على الحياة الجديدة. وبينما يلعب الأطفال الكرة حول الخيام، يتحلَّق الكبار في جلسات يتبادلون أطراف الحديث عن معاناتهم، وتنساب دموعهم أحياناً على مَن فقدوا من أحباء تحت الأنقاض. ويشكو آخرون من نقص الطعام ومواد النظافة والتدفئة، ولا يعرفون كيف سيواصلون حياتهم في الخيام لعام كامل على الأقل.

رجال الإنقاذ ينقلون جثة تم انتشالها من بين الأنقاض في أنطاكيا أمس (رويترز)

على الجانب الآخر، تسارعت حركة مَن تضررت منازلهم جزئياً لنقل أثاثهم وأمتعتهم منها، لكن مع شكوى من عمليات الاستغلال من جانب شركات النقل التي وجدت في الكارثة فرصة لرفع تعريفة النقل.
كما يستمر نزوح المواطنين من الولايات المنكوبة إلى ولايات أخرى، حيث قرروا العيش مع أقاربهم أو استئجار منازل في ولايات بعيدة عن موطنهم الأصلي إلى حين الانتهاء من بناء بيوتهم. وأعلنت شركة الخطوط التركية أنها قامت حتى الآن بنقل نحو 750 ألف شخص من تلك الولايات إلى ولايات أخرى، منهم 1500 فقط إلى إسطنبول، وربما يعود السبب في ذلك إلى الارتفاع الشديد في إيجارات المنازل بالمدينة المكتظة، وكذلك الخوف من احتمالات تعرضها لزلزال قوي.
وأعلنت إدارة الكوارث التركية عن ارتفاع عدد قتلى الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 فبراير إلى 40 ألفاً و642 قتيلاً، فضلاً عن أكثر من 140 ألف مصاب تم علاج نحو 15 ألف منهم وخرجوا من المستشفيات، وتم نقل أكثر من 51 ألفاً للعلاج في ولايات أخرى.
وأعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أنه تجري حالياً عمليات التثبت من الجثث المجهولة عبر فحص الحمض النووي (دي إن إيه)، داعياً المواطنين إلى التوجه إلى مراكز مخصصة في كل ولاية للحصول على عينة دم لإجراء الفحص لتسهيل التعرف على أصحاب الجثث مجهولة الهوية.
وقال صويلو، في مقابلة تلفزيونية في ساعة مبكرة، أمس (السبت)، إن هناك نحو 82 ألف مبنى إما انهارت تماماً أو تضررت بشدة نتيجة الزلزالين في الولايات العشر، مشيراً إلى أن عملية حصر المباني المتضررة ستكتمل غداً (الاثنين).
ووجه صويلو نداء إلى المنظمات المدنية والمواطنين في البلاد بعدم التوقف عن إرسال المساعدات والمواد الغذائية إلى الولايات المنكوبة على مدى عام، لأن الوضع سيستمر حتى الانتهاء من عمليات إعادة الإعمار، وهناك مَن فقدوا وظائفهم، فضلاً عن أن هناك احتياجاً شديداً وعاجلاً لتوفير المغاسل ودورات المياه المتنقلة ومواد التنظيف والتعقيم.
وأعلن مرصد «قنديللي»، بجامعة بوغازيتشي في إسطنبول، وقوع نحو 40 هزة ارتدادية جديدة، أمس (السبت)، منها هزة في بلدة دوغان شهير في مالاطيا، إحدى الولايات التي ضربها الزلزال في 6 فبراير، بقوة 3.4 درجة، وأخرى في كهرمان ماراش بقوة 4.1 درجة، وثالثة في هاتاي بقوة 3.3 درجة.
في غضون ذلك واصلت فرق البحث والإنقاذ عملها بإصرار، آملة في وقوع مفاجآت جديدة.
وقال فؤاد أوكطاي نائب الرئيس التركي، إن الفرق بحثت عن ناجين في نحو 200 مبنى منهار بـ11 ولاية تركية، وإن الجهود ستستمر «حتى النهاية»، وإن البحث يتركز في المقام الأول على ولاية هاتاي الأكثر تضرراً.
ووقعت معجزة حقيقية في تركيا، في اليوم الـ13 لزلزالي كهرمان ماراش؛ إذ نجحت فرق البحث والإنقاذ في إخراج 3 أشخاص، بينهم طفل، من تحت أنقاض بناية «كناتللي» في أنطاكيا بولاية هاتي، بعدما أمضوا 296 ساعة تحت الركام.
ولا تزال فرق البحث والإنقاذ تتمسك بأي أمل في حدوث مفاجآت سارة، وتقوم بمراجعة المواقع التي تتم فيها إزالة الأنقاض، أملاً في العثور على ناجين جدد.
في الوقت ذاته، لا يزال خطر انهيار المباني التي تضررت جراء زلزال تركيا قائماً، وسط استمرار الهزات الارتدادية في المناطق التي ضربها الزلزالان في 6 فبراير، وتستمر عمليات إجلاء السكان وتقييم حالة المباني ومدى جاهزيتها للسكن.
وقال وزير البيئة والتطوير العمراني، مراد كوروم، في إفادة صحافية إلى جانب وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، أمس: «نقوم بتنفيذ أعمال تقييم الأضرار في 11 ولاية، من خلال 7328 خبيراً ميدانياً. فحصنا 3 ملايين مبنى مستقل حتى الآن، وجدنا 90 ألفاً و69 مبنى تحتاج لإزالة على الفور بسبب إصابتها بأضرار كبيرة، وقررنا أن هناك مليونين و700 ألف من أصل 3 ملايين مسكن تضررت بشكل طفيف أو غير متضررة في تلك الولايات، وهي كهرمان ماراش، وهاتاي، وأضنة، وعثمانية، وأديتمان، وكيليس، ومالاطيا، وغازي عنتاب، وشانلي أورفا، وديار بكر، إضافة إلى إلازيغ التي تقرر إدراجها ضمن الولايات المنكوبة».
وأضاف أنه «يمكن لمواطنينا الوصول إلى جميع المعلومات التفصيلية حول المباني المتضررة وغير المتضررة عبر موقع الحكومة الإلكتروني، ومن الممكن أن يعود المواطنون إلى المساكن غير المتضررة أو المتضررة بنسبة بسيطة، بشرط أن يقوموا بإصلاحها، بينما ستتولى الحكومة ترميم وتقوية المباني ذات الأضرار المتوسطة».
وتابع: «لا نريد أن نعيش أي آلام أخرى... حذرنا المواطنين أيضاً بشأن نقل الأثاث ومحتويات المنازل، وطلبنا منهم التنسيق مع إدارة الكوارث والطوارئ... نقدم بالفعل كل الدعم اللازم لمن يريدون نقل أغراضهم من اليوم الأول عبر إدارة الكوارث والجيش والشرطة وقوات الدرك وجميع فِرَقنا، وسندير عملية النقل معاً. سوف نشارك ألمنا، لا نريد أن نشهد المزيد من الألم هنا».
وبالنسبة لعمليات إزالة الأنقاض، قال كوروم: «أرسلنا تعليمات إلى الولايات العشر لإدارة العملية بطريقة لا تضر بالمدن، وسيتم صب هذه الأنقاض في مناطق محددة، مع فصل المواد التي يمكن فصلها، وإخضاعها لإعادة التدوير».
وأشار كوروم إلى أنه تم الانتهاء من أعمال تصميم مشروع أول 30 ألف مسكن، وستبدأ عمليات التعاقد على هذه المشاريع اعتباراً من نهاية شهر فبراير الحالي.
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن 102 دولة عرضت المساعدة على تركيا و88 دولة قدمت المساعدات بالفعل ودعمت في العديد من المجالات، مثل البحث والإنقاذ وإقامة المستشفيات الميدانية، و«هناك فرق من 23 دولة أنهت مهامها وغادرت البلاد، وحالياً تواصل فرق من 65 دولة العمل في الميدان... ووصل إجمالي العاملين الأجانب في الولايات المتضررة إلى 11302 شخص، لا يزال 5377 منهم في الميدان».
وأشار جاويش أوغلو إلى أن الحاجة الأكثر إلحاحاً الآن الخيام، ثم تأتي الحاويات بدرجة أقل، مضيفاً أن «هناك إنتاجاً للخيام في تركيا، ونجلب خياماً على متن طائرات الشحن من جميع أنحاء العالم. هناك دول أعلنت مساعدتها لنا بالخيام، ومنظمات الأمم المتحدة أيضاً تشارك، وبفضل أصدقائنا ومبادراتنا في الدول المنتجة للخيام جمعنا أكثر من 222 ألف خيمة حتى الآن».
وعبّر جاويش أوغلو عن الشكر للدول التي قدمت الدعم الإنساني اللازم لبلاده عقب الزلزال المدمر.
وفي إسطنبول، استقبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، الذي وصل في زيارة يرافقه خلالها محافظ «مصرف ليبيا المركزي»، الصديق الكبير، حيث قدما التعازي في ضحايا الزلزال لتركيا حكومة وشعباً، وأكدا تضامن حكومة الوحدة مع تركيا في مواجهة الكارثة.
وقال الدبيبة في تغريدة على حسابه في «تويتر»: «التقيت اليوم (أمس) أخي الرئيس إردوغان، وأكدتُ تضامننا ودعمنا لهم في كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، واطلعتُ خلال زيارتي على آخر تداعيات الزلزال، والجهود المستمرة للتخفيف من آثاره».


مقالات ذات صلة

زلزال بقوة 6.9 درجة يضرب اليابان... وتحذيرات من حدوث تسونامي

آسيا زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب منطقة كيوشو في اليابان (أ. ف. ب)

زلزال بقوة 6.9 درجة يضرب اليابان... وتحذيرات من حدوث تسونامي

ضرب زلزال قوي بلغت قوته الأولية 6.9 درجة جنوب غرب اليابان، حسبما ذكرت هيئة الأرصاد الجوية اليابانية اليوم الاثنين.

أفريقيا العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (أرشيفية - د.ب.أ)

زلزال بقوة 5.5 درجة يهز إثيوبيا

قال مركز أبحاث العلوم الجيولوجية الألماني (جي إف زد)، إن  زلزالاً بقوة 5.5 درجات هزَّ إثيوبيا، شرق العاصمة أديس أبابا في وقت مبكر من صباح اليوم السبت.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا )
آسيا تجمع النيباليون خارج منازلهم بعد زلزال بقوة 7.1 درجة ضرب كاتماندو (د.ب.أ) play-circle 00:42

زلزال عنيف يضرب منطقة الهيمالايا... ويُخلِّف 126 قتيلاً (صور)

ارتفعت حصيلة الزلزال القوي الذي ضرب إقليم التبت في جبال الهيمالايا جنوب غربي الصين، الثلاثاء، إلى 126 قتيلاً.

«الشرق الأوسط» (بكين)
شؤون إقليمية الزلزال الذي ضرب إيران بلغ 5.5 درجة (رويترز)

زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب جنوب إيران

ذكر مركز أبحاث العلوم الجيولوجية الألمانية (جي إف زد) أن زلزالاً بقوة 5.5 درجة ضرب جنوب إيران اليوم (الاثنين).

«الشرق الأوسط» (برلين)
أفريقيا العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (أرشيفية - د.ب.أ)

زلزال بقوة 5.8 درجة يهز إثيوبيا

أفادت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية والمركز الألماني لأبحاث علوم الأرض، بأن زلزالاً بلغت شدته 5.8 درجة ضرب إثيوبيا اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.