كيف يؤثر البلاستيك في هطول الأمطار وتغيُّر الحرارة؟

مخلفات بلاستيكية قُذفت إلى مجرى نهر «ليم» في جمهورية صربيا (أ.ب)
مخلفات بلاستيكية قُذفت إلى مجرى نهر «ليم» في جمهورية صربيا (أ.ب)
TT

كيف يؤثر البلاستيك في هطول الأمطار وتغيُّر الحرارة؟

مخلفات بلاستيكية قُذفت إلى مجرى نهر «ليم» في جمهورية صربيا (أ.ب)
مخلفات بلاستيكية قُذفت إلى مجرى نهر «ليم» في جمهورية صربيا (أ.ب)

خلال العقود القليلة الماضية، أصبح البلاستيك عنصراً ملوِّثاً على نحو ملحوظ، إذ يخنق السلاحف والطيور المائية، ويملأ مكبّات النفايات، ويسدّ الممرات المائية. ومنذ سنوات قليلة، ازداد اهتمام الباحثين بالتأثير المناخي لِقِطَع البلاستيك الصغيرة التي ترتفع في الهواء متحررة من ماء البحر، أو المتفتتة من إطارات السيارات على الطرق السريعة.
- مليارات أطنان البلاستيك في الطبيعة
لا يُعرف كثيرٌ عن الآثار البيئية لوجود اللدائن البلاستيكية الدقيقة والنانوية (microplastics and nanoplastics) في الغلاف الجوي. إلا أن مقالاً، نشرته دورية «نيتشر جيوساينس» أخيراً، حاول تسليط الضوء على ما يعرفه الباحثون حتى الآن عن تأثير البلاستيك الجوّي في الغيوم، ودوره في تغيير درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار.
وتتكوّن الغيوم عندما يتكثّف الماء أو الجليد على «البذور» أو «الأنوية» في الجو، وهي الجزيئات الصغيرة من الغبار أو الملح أو الرمل أو السخام أو أية مادة معلّقة في الهواء تنتج عن طريق حرق الوقود الأحفوري أو حرائق الغابات أو الطبخ أو البراكين. ويوجد في الجو كثير من هذه الجسيمات الدقيقة، أو الهباء الجوّي، وهي تؤثر في كل شيء في محيطنا، من جودة الهواء الذي نتنفسه إلى لون غروب الشمس وتشكيلات السحب في السماء.
وإلى وقت قريب، كان العلماء يستبعدون تأثير البلاستيك في هطول الأمطار، وذلك بسبب تركيزه المنخفض في الجو وتركيبه الطارِد للماء، مما يرجّح عدم فاعليته في بذر قطرات السحب.
ويشير المقال إلى أن هذه التقديرات تغيّرت أخيراً، حيث أكّدت الدراسات أن القطع البلاستيكية المجهرية فاعلة في بذر الغيوم، كما توجد كميات من البلاستيك الجوّي أكثر مما كان يُظن سابقاً.
وكانت المنتجات البلاستيكية هيمنت على الأسواق الاستهلاكية منذ بدء استخدامها تجارياً في ثلاثينات القرن الماضي. وبلغ الإنتاج العالمي السنوي من البوليميرات البلاستيكية 460 مليون طن في 2019، وهي قفزة كبيرة عما تم إنتاجه في 1950 (نحو مليوني طن) أو حتى في 2020 (213 مليون طن).
ومع نهاية 2022، تجاوزت كمية المنتجات البلاستيكية، التي صنعها البشر على مر التاريخ، 12.2 مليار طن، من بينها نحو 9.8 مليار طن لم تعد مستخدمة، وأصبحت توصف على أنها «نفايات بلاستيكية»، انتهى معظمها في المكبّات، وتسرّب جزء منها إلى الأوساط الطبيعية.
ويقارِب معدل تدوير المخلّفات البلاستيكية نحو 9 في المائة فقط مما يتم إنتاجه عالمياً، في حين يُحرق 12 في المائة من المنتجات البلاستيكية، وتُرمى غالبية الكمية المتبقية في مكبّات النفايات أو بشكل عشوائي في الأماكن المفتوحة والأنهار والمحيطات. وقد تم العثور على فتات البلاستيك في أماكن بعيدة، في التربة والمياه والمحاصيل، وصولاً إلى قاع المحيطات.
وسجّل عديد من الدراسات قدرة المواد البلاستيكية الدقيقة والنانوية على الوصول إلى أماكن نائية، حيث عُثر عليها في المناطق القطبية وفي أعالي الجبال. وتتسلل جزيئات البلاستيك إلى الجو بطرق مختلفة، فمنها ما هو ناتج عن اهتلاك الإطارات على الطرقات، وبعضها يرتبط بالإنتاج الزراعي مثل السماد المصنوع من النفايات المنزلية الملوّثة بالبلاستيك أو رقائق البيوت البلاستيكية، وكثير منها ناتج عن الانتقال من الأوساط الأخرى مثل البحار ومكبّات النفايات ومياه الصرف الصحي.
- التأثير يزداد مع ارتفاع تركيز البلاستيك في الجو
يمكن لجزيئات البلاستيك أن تبقى معلّقة في الهواء لأسابيع عدة، مما يسمح لها بالانتقال آلاف الكيلومترات بعيداً عن مصدرها. ومن الثابت أن البلاستيك يجد طريقه إلى جسم الإنسان عن طريق التنفس أو عن طريق تناول الطعام، إلا أن الأبحاث حول تفاصيل تأثيره الصحي لا تزال قليلة نسبياً.
ويؤكد مقال «نيتشر جيوساينس» صعوبة تحديد مقدار البلاستيك الموجود في الجو، حيث تتباين الأرقام بحسب نوعية المرشِّحات المستخدمة في القياس والقدرة على تمييز الأجزاء الدقيقة للغاية.
وتشير مجموعة من الدراسات إلى أن تركيز الجسيمات البلاستيكية الدقيقة المحمولة جواً يتراوح بين 0.01 جسيم لكل متر مكعب من الهواء فوق غرب المحيط الهادئ، وآلاف عدة من الجسيمات فوق لندن وبكين.
ويشكّل البلاستيك حالياً أقل من 1 في المائة من الهباء الجوي البشري المنشأ، الذي يسقط على الأرض، مما يجعل تأثيره في المناخ محدوداً. ولكن يمكن، على نحو مثير للقلق، أن يشكّل أكثر من 50 في المائة من الهباء الجوي الذي يسقط على أجزاء المحيط في اتجاه الرياح التي تهب من مواقع تُعتبر مصادر كبرى للبلاستيك.
ويمثّل الهباء الجوي مكوّناً شائكاً في النماذج المناخية، إذ يمكنه تغيير المناخ عن طريق عكس أو امتصاص أشعة الشمس بالاعتماد جزئياً على لونه. وفي المجمل، كان للانبعاثات الهائلة من الهباء الجوي منذ بداية الثورة الصناعية تأثير في التبريد بدلاً من التسخين، من خلال عكس ضوء الشمس.
وتشير دراسات إلى أن الاحترار العالمي كان سيتجاوز المعدلات التي نراها اليوم بنسبة 30 إلى 50 في المائة لولا هذه الانعكاسات. وفيما يخص البلاستيك الجوّي، فدوره في التأثير الإشعاعي يصبح جديراً بالملاحظة عندما يتجاوز تركيزه 100 جسيم في المتر المكعب، وتتعلق قدرته على التبريد أو التسخين بطبيعته اللونية.
غالباً ما يكون للهباء الجوي انعكاس أكبر على المناخ من خلال تأثيره في السُّحب، حيث يلعب دوراً مهماً في تكوين السُّحب على ارتفاعات مختلفة وفي إطلاق الهطولات المطرية والثلجية. وتؤدي السماء الملوّثة بشدّة بالبلاستيك إلى مزيد من السُّحب الجليدية على ارتفاعات عالية تميل إلى تدفئة سطح الأرض، وإلى مزيد من السُّحب المائية على ارتفاعات منخفضة تميل إلى تبريد الأرض. ويمكن أن يؤثر البلاستيك أيضاً في أنماط هطول الأمطار، إذ تميل السُّحب الأكثر تلوّثاً للبقاء فترة أطول قبل أن تمطر، مقارنة بالسُّحب الأقل تلوّثاً، ثم تمطر بغزارة.
ويخلص مقال «نيتشر جيوساينس» إلى الدعوة لإجراء حسابات تفصيلية أعمق للحصول على تقديرات أكثر واقعية لتركيز البلاستيك وألوانه وأحجامه. وفي حين لا يزال تأثيرها في المناخ غير محسوم، فإنه من المؤكد عدم انتهاء مشكلة البلاستيك قريباً، وهي ستكبر وتستمر عواقبها لسنين طويلة.


مقالات ذات صلة

ما دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الاستدامة بالشرق الأوسط؟

تكنولوجيا باحثون: يمكن من خلال الذكاء الاصطناعي تحقيق توازن بين النمو والمسؤولية البيئية وضمان مستقبل أكثر استدامة (أدوبي)

ما دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الاستدامة بالشرق الأوسط؟

يقول خبراء إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم حلولاً مبتكرة لتعزيز كفاءة الطاقة وتقليل الهدر وتعزيز النمو المستدام.

نسيم رمضان (دبي)
العالم الدكتور زهير الحارثي خلال القمة العالمية لقادة ورموز الأديان في باكو (كايسيد)

«كايسيد» يؤكد أهمية الحوار البنّاء في دفع التقدم العالمي

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز «كايسيد» للحوار، على أهمية الحوار البنّاء في دفع عجلة التقدم العالمي، ودور المجتمعات الدينية للتصدي لتحديات تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
أميركا اللاتينية الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 16» في كالي الكولومبية (أ.ف.ب)

مؤتمر «كوب 16» للتنوّع البيولوجي يقرر تشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية

اتفقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتنوع البيولوجي (كوب 16) في كولومبيا على إجراء يقضي بتشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية.

«الشرق الأوسط» (كالي (كولومبيا))
تكنولوجيا «إبسون»: تقنياتنا لا تقلل من استهلاك الطاقة فحسب، بل تساهم أيضاً في خفض تكاليف التشغيل (شاترستوك)

«إبسون»: السعودية سوق رئيسية لحلولنا الصديقة للبيئة

في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، تقول «إبسون» إن المملكة العربية السعودية تُعد مركزاً لاستراتيجية النمو الإقليمية الخاصة بها.

نسيم رمضان (دبي)
صحتك يمكن العثور على الجراثيم في المياه النظيفة والمالحة بأنحاء العالم التي قد تدخل جسم الإنسان من خلال الجروح (د.ب.أ)

مع انتشار بكتيريا الضمة في بحار العالم... هل يجب على السباحين القلق؟

يتزايد انتشار بكتيريا الضمة في مياه البحار حول العالم، وذلك في ظل ارتفاع درجات حرارة المياه بسبب التغير المناخي، حسبما قالت وكالة معايير الغذاء الأوروبية.

«الشرق الأوسط» (برلين)

نيودلهي تعتزم استخدام مسيّرات لمكافحة الضباب الدخاني

تتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء (إ.ب.أ)
تتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء (إ.ب.أ)
TT

نيودلهي تعتزم استخدام مسيّرات لمكافحة الضباب الدخاني

تتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء (إ.ب.أ)
تتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء (إ.ب.أ)

كشفت العاصمة الهندية، الجمعة، عن خطط لإطلاق مسيّرات خاصة لإزالة الضباب الدخاني الذي يلوث أجواءها، ما أثار سخرية خبراء عدّوها حلاً مؤقتاً جديداً لأزمة صحة عامة.

وتتصدر نيودلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها، والتي يقطنها أكثر من 30 مليون شخص، باستمرار التصنيف العالمي لتلوث الهواء في الشتاء.

ويُنسب إلى الضباب الدخاني المسؤولية عن آلاف الوفيات المبكرة كل عام، مع فشل كثير من المبادرات الحكومية الجزئية في معالجة المشكلة بشكل ملموس.

وشهد يوم الجمعة، بداية تجربة مسيّرات مكلفة التحليق حول نقاط التلوث الساخنة في المدينة لرش ضباب الماء، في محاولة لإزالة الغبار والجسيمات الضارة من الهواء.

وقال وزير البيئة في دلهي غوبال راي، بعد إطلاق المبادرة: «درسنا الحلول التكنولوجية المختلفة وأفضل الممارسات من جميع أنحاء العالم»، مضيفاً: «هذه المسيّرات جزء من مشروع تجريبي لإحدى الشركات. سندرس ذلك، وإذا نجحت (التجربة)، فسنمضي قدماً في هذا الأمر».

وقال راي إنه بمجرد انتهاء التجربة، ستصدر حكومة دلهي مناقصة لشراء مسيّرتين إضافيتين.

وفي حال إنجاز المشروع، من شأن المسيّرات الثلاث التخفيف من تلوث الهواء في جميع أنحاء المدينة التي تمتد عبر 1500 كيلومتر مربع، ما يوازي تقريباً حجم لندن الكبرى.

وقال فني في الموقع، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، شرط عدم الكشف عن هويته، إن المسيّرات تحمل 16 لتراً من الماء كحد أقصى، ولا يمكنها العمل إلا لبضع دقائق في كل مرة قبل الحاجة إلى إعادة تعبئتها.

لكن سونيل داهيا من مجموعة «إنفايروكاتاليستس» (Envirocatalysts) البيئية قال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «هذه الحلول مؤقتة».

وفشلت الجهود الحكومية السابقة للتخفيف من الضباب الدخاني، مثل حملة عامة تشجع السائقين على إيقاف تشغيل محركاتهم عند إشارات المرور، في إحداث تأثير في المدينة.

وسجلت مستويات الجسيمات «بي إم 2.5»، وهي أصغر حجماً وأكثر ضرراً، ويمكن أن تدخل مجرى الدم، أكثر من 300 ميكروغرام لكل متر مكعب في دلهي هذا الأسبوع، وفق هيئة المراقبة «أي كيو إير» (IQAir).

وهذا المستوى أعلى بـ20 مرة من الحد الأقصى اليومي الموصى به من منظمة الصحة العالمية.