نقد سيطرة العقل التكنولوجي

إعلامي يصور قمراً صناعياً أميركياً - هندياً في 3 فبراير الحالي قبل إطلاقه في مهمة لرصد التغيرات في تضاريس سطح الأرض والتقاط صور عالية الدقة لتتبع تطور قشرة الأرض ومراقبة معدلات تدفق الأنهار الجليدية وديناميات الزلازل والبراكين ودراسة تغير المناخ والتغيرات في أراضي المحاصيل (أ.ف.ب)
إعلامي يصور قمراً صناعياً أميركياً - هندياً في 3 فبراير الحالي قبل إطلاقه في مهمة لرصد التغيرات في تضاريس سطح الأرض والتقاط صور عالية الدقة لتتبع تطور قشرة الأرض ومراقبة معدلات تدفق الأنهار الجليدية وديناميات الزلازل والبراكين ودراسة تغير المناخ والتغيرات في أراضي المحاصيل (أ.ف.ب)
TT

نقد سيطرة العقل التكنولوجي

إعلامي يصور قمراً صناعياً أميركياً - هندياً في 3 فبراير الحالي قبل إطلاقه في مهمة لرصد التغيرات في تضاريس سطح الأرض والتقاط صور عالية الدقة لتتبع تطور قشرة الأرض ومراقبة معدلات تدفق الأنهار الجليدية وديناميات الزلازل والبراكين ودراسة تغير المناخ والتغيرات في أراضي المحاصيل (أ.ف.ب)
إعلامي يصور قمراً صناعياً أميركياً - هندياً في 3 فبراير الحالي قبل إطلاقه في مهمة لرصد التغيرات في تضاريس سطح الأرض والتقاط صور عالية الدقة لتتبع تطور قشرة الأرض ومراقبة معدلات تدفق الأنهار الجليدية وديناميات الزلازل والبراكين ودراسة تغير المناخ والتغيرات في أراضي المحاصيل (أ.ف.ب)

في كتابه: «الإنسان ذو البعد الواحد»، الصادر عام 1964، اعتبر هربرت ماركيوز أن المجتمع الصناعي القائم على التكنولوجيا تحول إلى مجتمع أحادي البعد في النظامين الرأسمالي والاشتراكي، وبالتالي انعكس ذلك الوضع على الإنسان الذي أصبح بدوره أحادي البُعد، نتيجة خضوعه لمنطق سيطرة العقلانية التكنولوجية التي تجاوزت التناقضات الطبقية في التشكيلات الاجتماعية، وأدت إلى تخدير الفلسفة النقدية وإلى غياب المعارضة في المجتمع. يقول ماركيوز في مدخل هذا الكتاب: «يبدو أن المجتمع الصناعي المتقدم يحرم النقد من أساسه الحقيقي؛ فالتقدم التقني يرسخ دعائم نظام كامل من السيطرة والتنسيق، وهذا النظام يوجه بدوره التقدم ويخلق أشكالاً للحياة (وللسلطة) تبدو كأنها منسجمة مع نظام القوى المعارضة، وتبطل بالتالي جدوى كل احتجاج باسم الآفاق التاريخية، باسم تحرر الإنسان. وعلى هذا، فإن المجتمع المعاصر يبدو قادراً على الحيلولة دون أي تبدل اجتماعي، أي دون أي تحول بالمعنى الكيفي يؤدي إلى قيام مؤسسات مختلفة اختلافاً جوهرياً وإلى ظهور اتجاه جديد لعملية الإنتاج وأنماط جديدة للحياة. ولعل أغرب ظواهر المجتمع الصناعي المتقدم تكمن في العراقيل التي يضعها أمام التغير الاجتماعي. واندماج القوى المعارضة نتيجة هذه الظاهرة وعلتها الأولى في آن واحد، كما يشهد على ذلك مفهوم المصلحة القومية المقبول على أنه تعبير عن الإرادة العامة، وسياسة نظام الحزبين وأفول نظام تعدد الأحزاب، وتواطؤ رأس المال والعمل داخل دولة قوية» (ص28).
ولكن كيف تجلى منطق سيطرة العقلانية التقنية؟ بالإجمال، لقد تم ذلك من خلال الانتقال من الفكر السلبي (النقدي) إلى الفكر الإيجابي. وسوف نوجز وجهة نظر ماركيوز حول هذا الموضوع من خلال بعض المقتطفات: «إن سيطرة الإنسان على الإنسان لا تزال تمثل في الواقع الاجتماعي، ورغم كل تغير، استمراراً تاريخياً، ولا تزال هناك رابطة بين العقل ما قبل التكنولوجي والعقل التكنولوجي. بيد أن المجتمع الذي يضع الخطط ويشرع فعلاً في تحويل الطبيعة عن طريق التكنولوجيا يغير المبادئ الأساسية للسيطرة؛ فالتبعية الشخصية (تبعية العبد للسيد) يحل محلها شيئاً فشيئاً نوع آخر من التبعية: التبعية التي تُخضع المرء إلى (نظام الأشياء الموضوعي)، أي القوانين الاقتصادية، السوق... إلخ. ولئن كان (نظام الأشياء الموضوعي) من صنع السيطرة ونتائجها هو الآخر، فإن السيطرة تعتمد الآن على درجة أكبر من العقلانية؛ عقلانية مجتمع يدافع عن بنيته الهرمية، ويستغل في الوقت نفسه، وعلى نحو أنجع، باطّراد، الموارد الطبيعية والفكرية، ويوزع على نطاق متعاظم باستمرار أرباح هذا الاستغلال. وإذا كان الإنسان يجد نفسه مقيداً على نحو متعاظم إلى جهاز الإنتاج، فإن هذه الواقعة تكشف عن حدود العقلانية وعن قوتها المشؤومة: فجهاز الإنتاج ذاك يؤبد النضال في سبيل الوجود، ويتجه إلى أن يجعل منه موضوعاً لمزاحمة عالمية شاملة تهدد حياة أولئك الذين يبنون ذلك الجهاز ويستخدمونه» (ص181).
ولكن، لكي يبسط هذا النظام سيطرته، يجب أن يستند إلى آيديولوجيا معينة تقنع الفئات الاجتماعية المختلفة بالخضوع لهذه السيطرة، من خلال تبنيها على أنها ضرورة وواقع قائم. «إننا نحيا ونموت تحت راية العقلانية والإنتاج، ونحن نعلم أن الإبادة ضريبة التقدم، كما أن الموت ضريبة الحياة، ونعلم أن التدمير والكدح ضروريان كشرط مسبق للتلبية والفرح، ونعلم أن الأعمال يجب أن تزدهر، ونعلم أن التفكير باختيار آخر إنما هو عين الطوباوية. والحقيقة أن هذه الآيديولوجيا إن هي إلا آيديولوجيا النظام الاجتماعي القائم، لأنه لا يستطيع الاستمرار في حسن سيره وعمله من دونها، ولأنها تشكل جزءاً من عقلانيته» (ص183).
إذن، فإن مبادئ العلم الحديث خدمت كأدوات مفهومية في عالم الإنتاج، فاندمجت النزعة العملياتية النظرية مع النزعة العملياتية العملية، وبذلك فتح المنهج العلمي الباب أمام مفاهيم محضة، ولكنه قدم أيضاً الأدوات التي سهّلت سيطرة الإنسان على الإنسان، من خلال السيطرة على الطبيعة. وبذلك أصبح العقل النظري خادماً للعقل العملي، فاستفاد الاثنان من هذا التحالف. واليوم، أخذت هذه السيطرة طابعاً أكثر شمولاً بفضل التكنولوجيا.
ولكن، أمام نظام السيطرة القائم على ثمرة التحالف بين العلم والتقنية، المتجسد بالتكنولوجيا، لا يمكن للمرء إلا أن يطرح مسألة الحرية، خصوصاً أن العالم الحر اقتصادياً يفاخر بأنه موطن الحريات، خصوصاً الحريات الاجتماعية والسياسية. ويبدو أن الحريات التي تمتّع بها أبناء العالم الحر قد استنفدت قواها، وأصبح واضحاً للإنسان المعاصر أن حريته ليست سوى تجريد للوعي وتخيل لحرية افتراضية، ووجد نفسه أمام صيرورة حتمية لتطور الأدوات والوسائل والأنساق والمفاهيم التقنية عبر التكنولوجيا الحديثة التي فرضت عقلانيتها على أنماط حياة البشر في سائر قطاعات الكون. وبالتالي فإن «التكنولوجيا المعاصرة تضفي صبغة عقلانية على ما يعانيه الإنسان من نقص في الحرية، وتقيم البرهان على أنه يستحيل (تقنياً) أن يكون الإنسان سيد نفسه، وأن يختار أسلوب حياته.
إذن، مقابل النقص في الحرية، يقدم العقل التكنولوجي كتعويض زيادة في الرفاه والتسلية والسلطة وطول العمر وغير ذلك من إغراءات التقنية. وبالتالي، ليس معقولاً أن يكون الإنسان حراً وهو محروم من تقديمات الآلة التقنية، أو محروم من الرفاهية والغذاء الكافي ومن المعرفة، بل ما هو معقول هو القبول بسيطرة التقنية، مع كل ما تجلبه لنا. ذلك لأن ما تجلبه لنا ضروري لبقائنا ولحمايتنا تجاه ما تخبئ لنا الطبيعة من مجهول.
ولكن المشكلة تكمن في أن تنازل الإنسان عن بعض حريته مقابل رفاهيته سيؤدي إلى ولادة وضع جديد، فتتحول السيطرة التكنولوجية إلى سيطرة سياسية، ونعود إلى منطق استغلال الإنسان القوي تكنولوجيّاً للإنسان الآخر الضعيف، وإلى منطق السيد والعبد: «إن ديناميكية التقدم التقني قد تلبّست على الدوام محتوى سياسياً، وقد أصبح لوغوس التقنية لوغوس العبودية المستديمة. وقد كان في الإمكان أن تكون قوة التكنولوجيا قوة محرِّرة؛ عن طريق تحويل الأشياء إلى أدوات، ولكنها أصبحت عقبة في وجه التحرر، عن طريق تحويل البشر إلى أدوات. وبالطبع، ليس هدفي هنا أن أشكك في قيمة العلم المعاصر بالنسبة إلى كل العلوم التي سبقته... ولكن ما أحاول أن أبينه أن العلم قد اتُّخذ، بفعل منهجه ومفاهيمه، وسيلة لتعزيز عالم ظلت فيه السيطرة على الطبيعة مرتبطة بالسيطرة على الإنسان؛ فالطبيعة، المعقولة والملجومة من قبل العلم، لا تزال ماثلة في جهاز الإنتاج والتدمير التقني الذي يضمن للأفراد حياتهم ويسهلها، الذي يُخضعهم في الوقت نفسه لأرباب الجهاز... من هنا أقول إنه لو طرأ تغير على اتجاه التقدم فحطم العلاقة الوثيقة القائمة بين عقلانية التقنية وعقلانية الاستغلال، لطرأ أيضاً تغيّر على بنية العلم بالذات» (ص191 - 192).
على ذلك، عندما أصبح العلم خادماً للتكنولوجيا ارتبط بمنطق السيطرة على الطبيعة؛ ذلك المنطق الذي يؤدي إلى استغلال الإنسان الضعيف من قِبَل الإنسان القوي المتسلح بالعقل التكنولوجي. وعندما تغيب علاقة الاستغلال يمكن للعلم أن يقدم مفاهيم جديدة عن الطبيعة تفتح آفاقاً مختلفة كلياً قد تحرر الإنسان كلياً من سيطرة العقل الشمولي؛ سواء أكان هذا العقل تكنولوجيّاً أو سياسياً. ولكن لماذا يستخدم العقل التكنولوجي العلم والسياسة، وما الأهداف البعيدة للتكنولوجيا؟ يقول ماركيوز إن «المفهوم العلمي عن طبيعة قابلة على نحو مطلق للخضوع للرقابة أو للتحكم يمثل الطبيعة كمادة تتحرك بلا غاية؛ مادة للنظرية والممارسة. وتحت هذا الشكل يدخل العالم الموضوعي في بناء العالم التكنولوجي، ذلك العالم المكون من أدوات مادية وعقلية. ونظام هذا العالم بطبيعته نظام (فرضي). ومن هنا كانت حاجته إلى ذات تبرره وتتحقق منه. وقد تكون العمليات الهادفة إلى التحقق منه وتصديقه عمليات نظرية محضة، ولكنها مع ذلك لا تتم في الفراغ، ولا في حدود دماغ فردي خاص؛ فالموضوعية المحضة تظل عبارة عن موضوع بالنسبة إلى ذاتية تنشئ الغايات وتتوقعها» (ص192).
هذا يعني أن العقلانية التكنولوجية حين استخدمت العلم وحوَّلت المجتمع إلى أحادي البعد، ساهمت في تخدير النقد، وجعلت الإنسان أحادي البعد أسيراً للمنطق الذي يقايض حريته بإغراءات العيش الرغيد الذي تؤمنه التكنولوجيا حتى الضجر.
وفي إطار «مدرسة فرنكفورت» والفلسفة النقدية الحديثة، أتى يورغن هابرماز في كتابه «التقنية والعلم كآيديولوجيا» ليطور المناقشات التي أثارها هربرت ماركيوز، والتي تتعلق بموضوع قدرة التكنولوجيا على تحقيق التحرر، وانبثاق ظاهرة انتشار الطابع الأداتي في حياة الفرد في المجتمعات الصناعية المعاصرة (سوف نستعين هنا بمقتطف من كتاب علاء طاهر: «مدرسة فرنكفورت، من هوركهايمر إلى هابرماز، منشورات مركز الإنماء القومي، بيروت، ص109 - 110)؛ فلم يكن التقدم العلمي والتقني عامل انعتاق للإنسان كما كان يأمل أنصار التكنولوجيا والتطور العلمي، بل على العكس كان سبباً في إدخال الإنسان المعاصر داخل قوالب اجتماعية جديدة منبثقة عن المؤسسات ذات الانغلاق المطّرد في المجتمعات الحديثة المصنّعة.
لقد استخدم هابرماز التراث السوسيولوجي الألماني، وفي مقدمته أعمال كارل ماركس وماكس فيبر، رابطاً بشكل عضوي ومتوازٍ بين الاطّراد الحاصل في القوة المنتجة وأسلوب الإنتاج، والتفاقم في القدرة العلمية والتقنية داخل المجتمع. ثم قام بدراسة ظاهرة تكاثر المؤسسات وتناسلها المطّرد ومحاولتها احتواء القدرتين العلمية والتكنولوجية داخل منظومة عامة خاضعة للدولة. ويقر هابرماز بأن المجتمعات الرأسمالية قد اجتازت سلسلة من التحولات العميقة وذات النمط الخاص، حيث تطورت في اتجاهين مزدوجين جعلا من تطبيق المقولات الأساسية للنظرية الماركسية أمراً متعذراً، لا سيما مقولتي الصراع الطبقي والمفهوم الماركسي للآيديولوجيات. وعبر تناوله الموسع للتطور التقني ومعطياته، يناقش هابرماز جملة من الأفكار والنظريات التي طرحها مفكرون آخرون تناولوا موضوع التقنية وتصاعدها الاستلابي في إخضاع المجال الاجتماعي - الإنساني لآليتها، وقيامها بإضفاء الطابع العلمي على الحياة العامة؛ ففي فصل خاص بعنوان «علمنة السياسة والرأي العام»، أي فرض حصار عليهما من خلال إخضاعهما للعلم وإيقاعه التطوري، يُظهر هابرماز الفعالية ذات السرعة التضاعفية في إدخال المنهج والأسلوب العلميين على معظم الأنشطة الحياتية الملبية لحاجات المواطنين. الأمر الذي يؤدي في النهاية للتأثير على رأيهم السياسي، ومن ثم على الاتجاه الكلي للرأي العام داخل المجتمع. ويكتسب هذا التأثير فعاليته من خلال الكيفية المتحكمة في تقديم المعلومات والطريقة العلمية الصارمة المحركة لهذه الكيفية. وهذا يطرح في النهاية حتمية إيجاد إدارة ممركزة للمالية ولعلاقات التبادل التجاري والاقتصادي؛ سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد الإقليمي الداخلي.
وانبثقت كذلك علمنة متزايدة في المجالين العسكري والسياسي، وأُخضعت السياسة الوطنية لشبكة من الأجهزة التقنية المتقدمة التي تخدم الصالح العام بفضل دقة الحسابات المطبَّقة في الاستراتيجية السياسية والعسكرية للدولة. وفي معرض تتبعه الدقيق لجوانب العلمنة في المجتمعات الصناعية المتقدمة، يقدم هابرماز دراسة للنشاط الاقتصادي والارتباط بالتطور التقني لفعالية المؤسسات. ويقوم برصد سيمانتيكي للمفردات التقنية الخاصة بالعلوم الإنسانية الدقيقة، لا سيما السوسيولوجيا، حيث يبحث في مرادفات هذه المفردات وما تعكسه من مضامين تقنية إضافية. وبذلك يطور بشكل دقيق الأفكار النقدية التي قام هربرت ماركوز بطرحها أثناء دراسته للتقدم الآلي في المجتمعات الصناعية، غير أنه يذهب إلى مدَيات أبعد من تلك التي بلغها ماركوز، فيقوم بدراسة مفصلة لتطور مفاهيم العلوم التقنية، وتكوّن المؤسسات الخاصة بها، ثم نشوء هيمنتها التدريجية على الفرد والمجتمع وتحكمها بالأبعاد الإنسانية المستقلة داخل الوعي الجماعي. إن التراكم العقلاني لتحليلات هابرماز النقدية يفرز لدينا حالة من الخوف والشعور بالمراقبة وعدم الانعتاق.
وفي النهاية، هل يرى هابرماز إمكانية للخلاص من هذا الجو الكلياني الذي لا يكشف عن نفسه بشكل مباشر أمام الوعي الجماعي؟ ونستطيع تلخيص الفكرة التي بدأ هابرماز بتعميقها في السعي لتأسيس وتطوير نمط جديد من الروح الاتصالية داخل المجتمع. ويلح على ضرورة إقامة اتصالية اجتماعية عامة، عبر تأسيس جدل جماعي مشترك يسوده خطاب عقلاني، من شأنه أن يرفد الطاقة النقدية عند المرء بدينامية متجددة، ويحرر الوعي تدريجياً من الهيمنة الذهنية القائمة.

* باحث وأستاذ جامعي لبناني



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.