فرنسا باتت رهينة علاقة مثلثة فرنسية - جزائرية - مغربية متأرجحة

«التطبيع» الفرنسي ــ الجزائري في مهب الريح... وزيارة تبون إلى باريس موضع تساؤل

فرنسا باتت رهينة علاقة مثلثة فرنسية - جزائرية - مغربية متأرجحة
TT

فرنسا باتت رهينة علاقة مثلثة فرنسية - جزائرية - مغربية متأرجحة

فرنسا باتت رهينة علاقة مثلثة فرنسية - جزائرية - مغربية متأرجحة

السؤال المطروح بقوة اليوم في أروقة الدبلوماسية الفرنسية هو: هل قيام القنصلية الفرنسية في تونس بإجلاء الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي، الممنوعة من السفر في بلادها، إلى فرنسا بإذن مباشر من الرئيس قيس سعيد سيطيح بالجهود التي بذلها الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته في الأشهر الثمانية الماضية من أجل «تطبيع» العلاقات بين البلدين، ونقلها إلى مرحلة من التعاون والدفء؟ وهل يعني ذلك أن زيارة الدولة المرتقبة، التي من المفترض أن يقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس في مايو (أيار) المقبل قد أصبحت في خبر كان؟
يقول سفير فرنسي سابق في منطقة المغرب العربي إن العلاقات بين باريس والجزائر «عرفت مطبات هوائية كثيرة»، موضحاً أن كل مبادرة، أو تصريح من جانب باريس، يتم تحليله والنظر في دوافعه ومستهدفاته، خصوصاً أن القضايا الخلافية بين الطرفين منها ما هو مزمن ومنها المستجد؛ ولذا فإن أي خلاف بينهما يعيد طرح إشكالية العلاقة.
ووفق السفير نفسه، فإن المثير للدهشة في التوتر المستجد بين الطرفين هو أنه يحل في زمن يسعى فيه الطرفان لـ«فتح صفحة جديدة، والتعاون إلى أقصى الحدود». وقد برزت هذه الرغبة بوضوح خلال زيارة الأيام الثلاثة التي أمضاها الرئيس ماكرون في أغسطس (آب) الماضي، والتي أعقبتها بعد شهر واحد زيارة رئيسة الحكومة إليزابيث بورن وبمعيتها 15 وزيراً، أي ما يزيد على نصف حكومتها إلى الجزائر، والتي أفضت إلى توقيع عشرات الاتفاقيات متعددة الأشكال. وهناك أيضاً مؤشران إضافيان على الرغبة الصادقة من الجانبين للتقارب الجدي: فمن جهة، توصل الطرفان مؤخراً إلى اتفاق بشأن تشكيل لجنة المؤرخين المشتركة التي أنيط بها بحث القضايا المرتبطة بمرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر، التي دامت 132 عاماً، وحرب الاستقلال الجزائرية من أجل تبيان الحقيقة التاريخية، والتوصل إلى ما يسميه ماكرون «مصالحة الذاكرات». أما المؤشر الثاني فهو الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الأركان الجزائري، السعيد شنقريحة، إلى باريس حيث استقبله الرئيس ماكرون في قصر الإليزيه، كما اجتمع بنظيره رئيس الأركان الفرنسي، وبوزير الدفاع ونواب وأعضاء في مجلس الشيوخ. وتكمن أهمية هذه الزيارة في أنها تعيد إطلاق العلاقات الدفاعية والأمنية بين الجانبين، بما في ذلك التعاون في منطقة الساحل الأفريقي حيت أصيب الحضور الفرنسي بنكسة واضحة.
اليوم، أصبحت تفاصيل وصول الطبيبة والناشطة أميرة بوراوي معروفة، بدءاً من خروجها من الجزائر خلسة، بحكم أنها ممنوعة من المغادرة بقرار قضائي ووصولها إلى تونس وتوقيفها، ثم إطلاق سراحها وتدخل القنصلية الفرنسية، على أساس أن بوراوي تحمل الجنسية الفرنسية، وتتمتع بالحماية القنصلية، ووضعها بعد ذلك في طائرة متوجهة إلى مدينة ليون، حيث لم تتأخر وسائل الإعلام الفرنسية في فتح صفحاتها وشاشاتها لـ«الهاربة» حديثاً.
وجاءت ردود الفعل من الجانبين متباينة؛ فمن جهة اكتفت باريس بتصريح صدر الخميس عن فرنسوا ديلماس، الناطق المساعد باسم الخارجية الفرنسية، قلل فيه من أهمية ما حصل، مكتفياً بقول إنه «حالة فردية»، و«إجراء لا يخرج عن المألوف»، مشيراً إلى أن بوراوي «مواطنة فرنسية، وبناءً على ذلك مارست السلطات الفرنسية الحماية القنصلية»، وامتنع عن «تبرير» ما قامت به السلطات القنصلية في تونس، لكنه أكد اعتزام فرنسا «مواصلة العمل لتعميق علاقاتنا الثنائية بشراكة متجددة». أما بخصوص سحب السفير الجزائري، فإنه «قرار جزائري»، حسبه. ويعكس هذا الكلام رغبة فرنسية مزدوجة: وجهها الأول التقليل من أهمية ما حصل، وعدّه إلى حد ما أمراً روتينياً لا يستحق التوقف عنده أكثر من ذلك، والتأكيد في وجهه الثاني على السعي لقلب صفحة الخلاف بأسرع وقت ممكن. وخلفية هذه المقاربة أن العلاقات الثنائية عرفت في الماضي أزمات أكبر، لكن الطرفين نجحا في التغلب عليها، ولا شيء يعوق تناسي الحادثة الأخيرة. وعلى أي حال، رفضت الخارجية التكهن بمصير زيارة الدولة للرئيس تبون.
وفي مقابل «البرودة» الفرنسية، جاءت ردة الفعل الجزائرية متنوعة وعنيفة؛ فالبيان الرئاسي ندد بانتهاك السيادة الجزائرية، فيما تقرر الاستدعاء الفوري للسفير في باريس للتشاور. وترافق ذلك مع حملة إعلامية شعواء على فرنسا، أعنفها ما جاءت به وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية. ووفق المصدر الفرنسي المشار إليه، فإن اللافت في البيان المذكور أمران: الأول اتهام «المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي»، أي المخابرات الخارجية، وبعض الدبلوماسيين والمستشارين بـ«السعي لإحداث قطيعة في العلاقات الفرنسية ــ الجزائرية»، تبعاً لـ«خطة» موضوعة، وهي مدفوعة لذلك بسبب «ولعهم وتبجيلهم» للمغرب.
أما الأمر الثاني فهو الإشارة الغريبة في تحذير الوكالة لهؤلاء بأن يدركوا أنه «إذا فكرت فرنسا في تكرار سيناريو خليج الخنازير فإنهم أخطأوا العنوان». والمقصود بذلك الخطة التي أعدتها المخابرات الأميركية لإسقاط نظام كاسترو في كوبا، من خلال إنزال معارضين مسلحين في خليج الخنازير في كوبا في 17 من أبريل (نيسان) 1961. وفي هذا السياق، تساءل الدبلوماسي السابق عن «المؤشرات» التي تسمح للوكالة الناطقة باسم الحكومة بالحديث عن سيناريو مشابه. وبنظره، فإن «المغالاة إلى هذا الحد المضحك تنزع الصدقية والجدية»، عما يصدر عن الجانب الجزائري. ثم إن العلاقات الفرنسية ــ المغربية تمر راهناً بأزمة صامتة، لعل أبرز مؤشراتها أن الزيارة التي ينوي الرئيس ماكرون القيام بها إلى الرباط لم تعد قيد التداول، رغم المهمة التي قامت بها وزيرة الخارجية كاترين كولونا إلى المغرب في 16 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي كان غرضها تحديداً التحضير لها.
ويعي جُل المراقبين أنه ليست لباريس علاقات ثنائية من جهة مع الجزائر، ومن جهة أخرى مع المغرب، بل هناك علاقة ثلاثية الأضلع، ذلك أن ما يقع في جانب ينعكس آلياً على الجانب الآخر، مؤكدين أن رغبة باريس في المحافظة على التوازن ليست مهمة سهلة. وليس سراً أن الرباط لا تنظر بعين الارتياح إلى التقارب الفرنسي ــ الجزائري، خصوصاً أن لديها «مآخذ» على الدبلوماسية الفرنسية، حيث إن باريس لا تبدو راغبة بالسير على الخطى الأميركية لجهة الاعتراف بـ«مغربية» الصحراء، كما فعلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، مقابل تطبيع العلاقات المغربية ــ الإسرائيلية، أو الاقتداء بما فعلته مدريد وبرلين لجهة الاقتراب من هذا الاعتراف.
والواقع اليوم كما تقول مصادر عربية في باريس أن المغرب الذي يعد الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لفرنسا في المنطقة، يريد تنويع علاقاته، ما يعني عملياً إفساح المجال لآخرين لتعزيز مواقعهم. وثمة من يرى في التزامن بين إنهاء مهام السفير المغربي في باريس، محمد بن شعبون، في 19 من يناير (كانون الثاني) الماضي، وبين التوصية التي صوت عليها البرلمان الأوروبي في اليوم نفسه، والمنددة بأوضاع حرية الصحافة «علاقة سببية». وقد اتهمت أوساط إعلامية مغربية فرنسا بالوقوف وراء قرار البرلمان الأوروبي. وذهب رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لحسن حداد، في الاتجاه نفسه، إذ أكد أن «جزءاً من الدولة العميقة الفرنسية» يقف وراء تبني تلك التوصية. لكن جاء الرد من سفير فرنسا في الرباط، كريستوف لوكوتورييه، الذي أكد في حوار مع مجلة «تيل كيل» نهاية الأسبوع الماضي، أن توصية البرلمان الأوروبي «لا تلزم أبداً فرنسا»، وأن الحكومة الفرنسية «لا يمكن أن تعد مسؤولة عن البرلمانيين الأوروبيين».
هذه هي حال العلاقات الفرنسية ــ الجزائرية ــ المغربية، التي امتدت تداعياتها إلى تونس وعلى الرئيس التونسي قيس سعيد شخصياً، حيث تؤكد مصادر إعلامية فرنسية أنه هو من أعطى الإذن بترحيل أميرة بوراوي إلى فرنسا. أما قضية زيارة تبون إلى باريس وزيارة ماكرون إلى الرباط، فتبقى رهن اتجاه الريح، وتطورات علاقات معقدة تتسم بـ«حساسية» بالغة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.