حكومة لبنان الجديدة تباشر مهامها على وقع هجومين انتحاريين

«كتائب عبد الله عزام» تتبنى «الغزوة»

رجال إطفاء يخمدون الحريق الذي نشب قبالة المركز الثقافي الإيراني إثر انفجار مزدوج بسيارتين ملغومتين في ضاحية بيروت الجنوبية أمس (رويترز)
رجال إطفاء يخمدون الحريق الذي نشب قبالة المركز الثقافي الإيراني إثر انفجار مزدوج بسيارتين ملغومتين في ضاحية بيروت الجنوبية أمس (رويترز)
TT

حكومة لبنان الجديدة تباشر مهامها على وقع هجومين انتحاريين

رجال إطفاء يخمدون الحريق الذي نشب قبالة المركز الثقافي الإيراني إثر انفجار مزدوج بسيارتين ملغومتين في ضاحية بيروت الجنوبية أمس (رويترز)
رجال إطفاء يخمدون الحريق الذي نشب قبالة المركز الثقافي الإيراني إثر انفجار مزدوج بسيارتين ملغومتين في ضاحية بيروت الجنوبية أمس (رويترز)

ضرب تفجير انتحاري مزدوج، أمس، الضاحية الجنوبية لبيروت، مستهدفا، للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، مؤسسات إيرانية في العاصمة اللبنانية. وتبنت «كتائب عبد عزام» المرتبطة بتنظيم القاعدة، التفجير، الذي أسفر عن ستة قتلى وأكثر من 129 جريحا، مطلقة عليه اسم «غزوة المستشارية الإيرانية في بيروت». ووقع التفجير الأول على بعد 20 مترا من مدخل المستشارية الثقافية الإيرانية في منطقة بئر حسن، الواقعة على تخوم الضاحية الجنوبية من الجهة الغربية، وتبعد أقل من 200 متر عن مبنى السفارة الكويتية في بيروت أيضا.
وحاول انتحاري يقود سيارة رباعية الدفع من نوع «بي إم دبليو» الدخول إلى مدخل المستشارية، غير أن عنصر قوى الأمن الداخلي المكلف حماية المكان، منعه قبل أن يفجر الانتحاري نفسه. وقال شاهد العيان يوسف الطويل لـ«الشرق الأوسط»، إنه شاهد الانتحاري يتجادل مع عنصر قوى الأمن أثناء مروره من المكان، قبل وقوع الانفجار.
وفجر الانتحاري الثاني نفسه، على بعد نحو 30 مترا من موقع التفجير الأول. وذكرت قيادة الجيش اللبناني، في بيان، أن الانتحاري الثاني كان يستقل سيارة من نوع «مرسيدس».
وحالت التدابير الأمنية الكثيفة التي اتخذتها السلطات اللبنانية الرسمية وأمن السفارة الإيرانية في لبنان، دون دخول الانتحاري إلى مدخل المستشارية، حيث أقام أمن السفارة جدارا ضخما من الحواجز الإسمنتية، ووضعت قوى الأمن الداخلي حاجزا، يمنع الوصول إلى المدخل بالسيارات، وهو ما أجبر الانتحاري على تفجير نفسه عند المدخل.
وقال الجيش اللبناني، إن الهجوم الذي وقع في ساعة الذروة نفذه انتحاريان بشكل متزامن في منطقة بئر حسن. واستخدم مفجرون انتحاريون نفس الأسلوب في مهاجمة السفارة الإيرانية في بيروت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التي تبعد نحو 300 متر غربا، عن موقع التفجير أمس.
وأعلن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، خلال تفقده موقع الانفجارين في بئر حسن، أن «المعطيات تشير إلى سيارتين في داخلهما انتحاريان، الأولى نوع (مرسيدس) وفي داخلها 70 كيلوغراما، والثانية نوع (بي إم دبليو إكس 5)، وفي داخلها 90 كيلوغراما من المواد المتفجرة».
وتناثرت أشلاء الجثث في المكان، وقتل في التفجير العريف في قوى الأمن الداخلي محمد دندش الذي يعتقد أنه كان يحاول منع الانتحاري إلى مدخل المستشارية، كما قتل خمسة أشخاص آخرين. ومن بين المصابين عدد من الأطفال، بينهم 11 طفلا ومشرفة تربوية كانوا ينفذون نشاطا ترفيهيا في ملعب دار الأيتام الإسلامية الكائن قرب موقع التفجيرين.
وقال السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن آبادي، إن كل العاملين في المستشارية الإيرانية والسفارة الإيرانية وكل المؤسسات الإيرانية في لبنان لم يصبهم أي أذى. وأدانت إيران على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها مرضية أفخم، التفجير «بحزم»، عادة أنه «يستهدف استقرار لبنان وأمنه ووحدته». واتهمت إسرائيل بالوقوف وراءه، لأنها «غير راضية على تشكيل حكومة جديدة تشارك فيها جميع الأطياف» السياسية في لبنان.
لكن «كتائب عبد الله عزام» المرتبطة بتنظيم القاعدة، أعلنت في بيان على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، مسؤوليتها عن الهجوم، قائلة إن انتحاريين نفذاه، مؤكدة الاستمرار باستهداف «إيران وحزبها في لبنان بمراكزهم الأمنية والسياسية والعسكرية ليتحقق خروج حزب الله من سوريا والإفراج عن المعتقلين من السجون اللبنانية»، في إشارة إلى الموقوفين الإسلاميين المتورطين بعدد من التفجيرات والأحداث الأمنية في لبنان.
وتناقلت وسائل إعلام محلية صورة بطاقة هوية تحمل اسم مختار حسام حلاق، لكن تبين أنها مزورة، ووضعت عليها صورة أحد الانتحاريين، كما اشتبه بشاب لبناني من بلدة عرسال (شرق لبنان) المؤيدة للمعارضة السورية، بتنفيذه التفجير الانتحاري الثاني وخضعت والدته لفحص الحمض النووي.
وكانت كتائب عبد الله عزام، تبنت التفجيرين الانتحاريين المتزامنين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية قبل ثلاثة أشهر، ونشرت مقطع فيديو، الأسبوع الماضي، يظهر أحدهما يتبنى الهجوم.
لكن نائب حزب الله في البرلمان اللبناني علي عمار، قال من موقع الانفجار، إن «حزب الله لن ينسحب من معركة (سوريا) قرر وجوبها على المستوى الاستراتيجي لإسقاط مشروع تقسيم وتجزئة المنطقة والتوطين وزرع الفتن».
سياسيا، أكد الرئيس اللبناني ميشال سليمان، أنه «لا خلاص من هذا الإجرام الإرهابي إلا بالتضامن الكامل في مواجهته مهما كانت المواقع والانتماءات السياسية، لأن الإرهاب لا يميز بين المناطق والأديان، بل هو يتبع عقيدة وحيدة هي القتل والتدمير».
ورأى رئيس البرلمان نبيه بري، أن «ما جرى يشكل تحديا أساسيا لنا جميعا وأولوية للحكومة»، داعيا إلى «أقصى درجات التنبه والحذر تجاه هذا المسلسل الجهنمي وإلى التعاون بين الجميع لمواجهته ومكافحته».
بدوره، عد رئيس الحكومة تمام سلام أن التفجير «رسالة تعكس إصرار قوى الشر على إلحاق الأذية بلبنان وأبنائه وذر بذور الفتنة بين أبنائه»، في حين أكد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري «وحدة الموقف اللبناني في مواجهة الإرهاب وكل المحاولات المشبوهة والمدانة لإثارة الفتن وضرب الجهود القائمة لحماية الاستقرار»، داعيا إلى «تحييد لبنان عن أتون النيران السورية، وإلى انسحاب حزب الله من القتال الدائر في سوريا».
وفي سياق متصل، أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق، أن الحكومة ستتخذ الإجراءات الأمنية والسياسية اللازمة لإنهاء «الظاهرة الانتحارية المجرمة وإقفال معابر الموت»، في إشارة إلى المعابر غير الشرعية مع سوريا التي تدخل عبرها السيارات المسروقة، وتعود منها مفخخة. وقال المشنوق، خلال تفقده موقع التفجيرين، يرافقه مسؤول أمن حزب الله وفيق صفا: «هناك من يسهل لكتائب (عبد الله عزام)، التي تبنت التفجير في منطقة بئر حسن، وهذا التسهيل لا يقل إجراما ومسؤولية، وهؤلاء المسهلون هم لبنانيون».
وفي سياق متصل، استنكر سفير المملكة العربية السعودية في لبنان علي عواض عسيري انفجاري بئر حسن، مؤكدا أن «أفضل وسيلة لمواجهة مثل هذه الأعمال هي بتعزيز اللبنانيين وحدتهم الوطنية وتحصين الساحة الداخلية وتعزيز الأمن والاستقرار ودرء الأخطار عن لبنان». وأدان المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي «بشدة» التفجير، داعيا إلى وحدة الصف لمواجهة «هذه الأعمال الإرهابية»، وإلى «البناء على الخطوة الإيجابية التي جرى اتخاذها منذ أيام قليلة بتشكيل الحكومة الجديدة»، مؤكدا «التزام المجتمع الدولي بدعم لبنان في هذه الجهود».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.