رسائل عن البيئة والأسرة والسكّان الأصليين بمنظور غربي

«أفاتار» طريق الماء

الممثلان كيت وينسليت وكليف كورتيس في «طريق الماء» الجزء الثاني من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)
الممثلان كيت وينسليت وكليف كورتيس في «طريق الماء» الجزء الثاني من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)
TT
20

رسائل عن البيئة والأسرة والسكّان الأصليين بمنظور غربي

الممثلان كيت وينسليت وكليف كورتيس في «طريق الماء» الجزء الثاني من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)
الممثلان كيت وينسليت وكليف كورتيس في «طريق الماء» الجزء الثاني من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)

تمثّل سلسلة أفلام «أفاتار» (Avatar)، التي كان إصدارها الأول في عام 2009، قراءة حديثة لثقافة السكّان الأصليين وعلاقتهم بالأرض وانسجامهم مع الطبيعة، في مقابل ثقافة الغزاة المستعمرين الأقل وعياً بالبيئة. ويدعم إصدارها الثاني، الذي ينتقل من عالم الغابات إلى عالم البحار، مفهوم التضامن بين أفراد المجتمع وأهميته في الحفاظ على الوطن وموارده.
- الذئاب في مواجهة الغُزاة
تدور أحداث أفاتار بعد نحو 200 عام من زمننا الحالي على قمر افتراضي، يُدعى «باندورا»، يُشبه كوكب الأرض ويقع ضمن نظام «ألفا سانتوري» النجمي. وتتوقع السلسلة أن تتلاشى موارد كوكب الأرض نتيجة استنزافها من قِبل البشر، مما يجعلهم يندفعون إلى غزو الكواكب والأقمار البعيدة، مثل «باندورا».
يخوض سكان باندورا (شعب نافي) حرباً ضد الغزاة الأرضيين دفاعاً عن موطنهم وموارده الطبيعية، ولحماية شجرة «إيوا»، التي تُعد بمثابة ذاكرة بيولوجية ضخمة ترتبط بها جميع أشكال الحياة على باندورا، وتحافظ على نظامه البيئي في حالة توازن مثالي.
جايك ساللي، الشخصية المحورية في الفيلم، شاب مصاب بشلل نصفي تسمح له التكنولوجيا المتقدمة بالسكن في جسد واحد من شعب «نافي» تم استنساخه عن بُعد. وكما في حبكة فيلم «رقص مع الذئاب»، يشهد ساللي جشع ووحشية أبناء جلدته من الغزاة، فينضم إلى شعب نافي ويقودهم للدفاع عن أرضهم، ثم يندمج في جسده الجديد، ويكوّن أسرة مع نيتيري أميرة شعب نافي.

الممثل جايك ساللي الذي يلعب دور البطل المنقذ في «طريق الماء» من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)

اعتباراً من اللقطة الأولى في الفيلم، يروّج صانعوه لرسالته البيئية المباشرة، التي لم تحُل دون طلب الشركة المنتجة من المخرج جايمس كامرون التخفيف من مشاهد عناق شجرة إيوا. ولدعم رسالة الفيلم على أرض الواقع، قامت الشركة المنتجة لاحقاً بإطلاق مبادرة «الشجرة الوطن»، التي تشمل زراعة مليون شجرة حول العالم بالتعاون مع شبكة «يوم الأرض».
وتنطوي سلسلة «أفاتار» على رسائل أعمق بكثير من مجرد زراعة الأشجار، إذ تتبنى فلسفة الإيكولوجيا العميقة التي ترى أن الجنس البشري هو جزء لا يتجزأ من محيطه، وتجادل في حاجته للسيطرة على الطبيعة. ويقوم المبدأ الأساسي للإيكولوجيا العميقة على الاعتقاد بضرورة احترام البيئة الحيّة كلها، واعتبارها تتمتع بحقوق قانونية في البقاء والازدهار غير قابلة للتصرف، بغضّ النظر عن فوائدها وحاجة البشر لها.
وتتجاوز السلسلة مسألة الوعي بالقضايا البيئية إلى مفهوم «الإيكوتوبيا»، أو الطوباوية البيئية، التي تؤكد على إيجاد طريق جديدة جذرياً للعيش مع العالم الطبيعي، وليس على حسابه. وتجعل الطوباوية البيئية من الطبيعة المحور بدلاً من الإنسان، وتستبدل بمنطق «المزيد» منطق «الكفاية»، وتقترح أن رفاهية الإنسان ليست في التقدم المادي، وإنما في التطوّر الروحي والثقافي والفكري، من خلال التواصل مع الآخرين في المجتمع وعبر العلاقة الحيوية مع الطبيعة.
وتعرض السلسلة كوكب باندورا على أنه بيئة محورية بطبيعتها، لأن شعب نافي لا يعتبر نفسه مركزاً للمعرفة أو القوة، وإنما جزءاً من شبكة الطاقة المتدفقة التي تتساوى فيها جميع الكائنات، بما في ذلك الحيوانات والأشجار. ومن الواضح أنه لا يوجد لدى البشر الغزاة ما يمكنهم تقديمه لشعب نافي، لأنهم يعيشون في انسجام تام مع الطبيعة التي توفّر لهم جميع احتياجاتهم، ولا يعدون الخبرات البشرية ذات قيمة حقيقية بالنسبة لهم، لأن حياتهم تقوم على طقوس وممارسات روحانية تناقض مفاهيم الاستهلاك والتوسع لدى الغزاة.
هذه الفلسفة التي تناولتها سلسلة «أفاتار» تشوبها إشكالية التنميط، كما في مجمل أفلام الغرب الأميركي التي تستدعي تكريس تفوّق الرجل الأبيض. وفيما يكون دور السكان الأصليين (نموذج الهنود الحمر وشعب الماوري في سلسلة أفاتار) سلبياً، أو هامشياً في أفضل الأحوال، نجد البطل المنقذ (جايك ساللي) شخصاً أبيض قادماً من وسط المستعمرين أنفسهم.
ولا يُخفي جايمس كامرون نظرته الاستعلائية في هذا الشأن، إذ يشير إلى أن فيلم «أفاتار» الأول كان مستلهماً من الأحداث التي مرّت بها قبيلة لاكوتا (إحدى قبائل السكّان الأصليين لأميركا المعروفين بهنود السهول) لا سيما حرب «سيوكس» في عام 1877. التي فرضت هيمنة الجيش الأميركي. ويقول كامرون في لقاء مع صحيفة الغارديان: «لا يسعني إلا الاعتقاد أنه في حال امتلك زعماء لاكوتا نافذة زمنية، تُريهم مستقبل أبنائهم الذين ينتحرون حالياً بأعلى المعدلات في البلاد بسبب اليأس وانسداد الأفق، فإنهم كانوا سيقاتلون أكثر بكثير».
حيتان وتماسيح طائرة في طريق الماء
وبعيداً عن حالة الإبهار البصري للجزء الثاني من «أفاتار»، الذي يُعرض في دور السينما حالياً تحت عنوان «طريق الماء»، تقوم حبكة الفيلم الجديد على استدعاء العديد من المشاهد الدرامية التي رسخت في ذاكرة المشاهدين، ابتداءً بهجمات الهنود الحمر على القطارات التي تزخر بها أفلام الغرب الأميركي، مروراً بفتى الأدغال (طرزان) الذي يكبر بين الوحوش ومغامرات القبطان إهاب مع الحوت موبي ديك، وانتهاءً بمأساة غرق السفينة تايتانيك.
ولا يبدو الوقوف على أكتاف الروايات السابقة موفقاً في الجزء الحالي من «أفاتار»، إذ تبدو أفكارها مقحمة على نحو غير منطقي، وإن كان هذا النوع من الأفلام لا يخضع من حيث المبدأ للمحاكمة المنطقية. وفي المقابل، يمثّل التحوّل من الغابات في الجزء الأول إلى البحار في الجزء الثاني، مقاربة متميّزة تسلّط الضوء على عالم نجهل عنه الكثير رغم أنه يشغل 80 في المائة من مساحة كوكب الأرض.
وإلى جانب الحفاظ على الطبيعة وضمان حقوق السكّان الأصليين، يناقش الفيلم الجديد العديد من القضايا الاجتماعية المعاصرة، لعل أبرزها مسألة النزوح والاندماج في المجتمعات الجديدة التي تظهر في التجاء أسرة جايك ساللي إلى قبيلة البحر ميتكايينا المستوحاة من شعب الماوري (السكّان الأصليين لنيوزيلندا). ويواجه أفراد أسرة ساللي رفضاً من المجتمع الجديد الذي نزحوا إليه، ثم يتحوّل هذا الرفض إلى تقبُّل ظاهري، وفي النهاية يقود ساللي (البطل المنقِذ) قبيلة ميتكايينا في التصدي لهجوم الغزاة. وتسيطر الرؤية الغربية النمطية للسكّان الأصليين على الغرائبية في أحدث أفلام جايمس كامرون، بما فيها الضفائر الطويلة والشعر المجدول المتصل بأجسام غريبة، والأجساد التي تحمل وشوماً من نوع «تا موكو»، التي يُعرف بها رجال الماوري. وتمتد هذه الرؤية لتطبع جميع كائنات «أفاتار» بطابعها، فالحيتان مثلاً تحمل وشوم الماوري أيضاً!
وفي وسط العديد من الحبكات الفرعية وأسماء الشخصيات الغريبة وإصدارات باندورا من الحيتان الموشومة والتماسيح الطائرة، حرفياً ومجازياً، تظهر «الأسرة» باعتبارها الأطروحة الأهم للفيلم. ويمكن اعتبار «أفاتار» أحد الأفلام الغربية القليلة التي ترسّخ مفهوم التماسك الأسري، وإن كان الأبناء في الفيلم يمارسون حياتهم اليومية كأنهم جنود في جيش أبيهم. هذه المقاربة، وإن كانت غير خاطئة بالمطلق، تقدّم نظرة سلبية إضافية لما يُفترض بها أن تكون أسرة تمثّل ثقافة السكّان الأصليين.
وفي مقابل الخيال الجامح لسلسلة «أفاتار»، تعرض «ناشيونال جيوغرافيك» حالياً سلسلة وثائقية عن الطبيعة تحت عنوان «خارق وطبيعي» (Super-Natural). وتمثّل هذه السلسلة التلفزيونية مشروعاً كبيراً لجايمس كامرون بصفته منتجاً منفذاً، وهي تتفق مع سلسلة «أفاتار» في إلهام الناس وتشجيعهم على الاهتمام بالطبيعة من جديد.
وحول نقاط الالتقاء بين السلسلتين، يشير كامرون إلى أن أفلام «أفاتار» تصنع عالماً خيالياً تستطيع فيه الحيوانات الرؤية في الأشعة فوق البنفسجية، والطيران حول العالم، والكثير من الأشياء التي لا يمكن تجاهلها. ويضيف: «أما في السلسلة الوثائقية، فالسنجاب مثلاً لا يمكنه الطيران فحسب، بل يستطيع التعرّف على أقرانه في ضوء القمر من خلال الأشعة فوق البنفسجية التي تنعكس عن الأسطح السفلية لأجسامهم. فجأة، نكتشف كم هو مذهل عالمنا، ونتذكر مدى أهمية الطبيعة بالنسبة لنا».
فيلم «أفاتار» الجديد يحقق عوائد قياسية على شباك التذاكر، قد تتجاوز ما حققه الجزء الأول، الذي يُعدّ أكثر الأفلام ريعية في تاريخ السينما. ومن المدهش أن الفيلمين المبهرين يدوران حول الطبيعة وحماية البيئة كمسرح لأحداثهما.
ويثير إصدار الفيلم الجديد مخاوف من عودة ظهور «متلازمة اكتئاب ما بعد أفاتار»، حيث يعاني الناس من مزاج سوداوي ساخط بعد مشاهدة الفيلم، نتيجة التوق إلى عالم باندورا الجميل، الذي يتناقض بشكل صارخ مع الواقع على كوكب الأرض.


مقالات ذات صلة

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

بيئة جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

أعلنت «اليونيسكو» عن انضمام موقعي «شمال الرياض جيوبارك»، و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة «الجيوبارك العالمية لليونيسكو»؛ في خطوة تعزز من دور السعودية

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة أدى تراجع الأمطار قبل 6 آلاف عام إلى تحوّل المنطقة مجدداً لبيئة قاحلة (واس)

«كاوست»: «الربع الخالي» كان موطناً لأنهار ومروج خضراء

كشفت دراسة بحثية علمية حديثة أن «الربع الخالي»، أكبر صحراء رملية متصلة في العالم لم تكن في الماضي كما نعرفها اليوم أرضاً جافة وقاحلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الظبي الرملي من الأنواع الأصيلة في السعودية المعرضة للانقراض (واس)

ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية

احتفت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية بولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025، ليصل بذلك إجمالي عدد الظباء الرملية التي وُلدت في المحمية إلى 94 مولوداً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)
بيئة تضاعف معدل ارتفاع مستوى سطح البحر على مدى 30 عاماً حيث ارتفع مستواه عالمياً بمقدار 10 سنتيمترات منذ بدء تسجيل بيانات ارتفاع المحيطات عبر الأقمار الاصطناعية في عام 1993 (رويترز)

«ناسا»: مستويات سطح البحار ارتفعت أكثر من المتوقع عام 2024

ارتفعت مستويات سطح البحار على مستوى العالم في عام 2024 أكثر من المتوقع بسبب التمدد الحراري لمياه البحار وذوبان الصفائح والأنهار الجليدية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لي زيلدين مدير وكالة حماية البيئة الأميركية حالياً يظهر أمام لجنة البيئة والأشغال العامة في مجلس الشيوخ الأميركي في مبنى الكابيتول واشنطن 16 يناير 2025 (إ.ب.أ)

وكالة الحماية البيئة الأميركية تلغي منحاً بقيمة 20 مليار دولار

ألغت وكالة حماية البيئة الأميركية اتفاقيات مِنح تعود إلى فترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قيمتها 20 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
TT
20

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت «اليونيسكو» عن انضمام موقعي «شمال الرياض جيوبارك»، و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة «الجيوبارك العالمية لليونيسكو»؛ في خطوة تعزز من دور السعودية في الحفاظ على التراث الجيولوجي، وتعزيز التنمية المستدامة، حيث جاء الإعلان استناداً إلى «معايير دقيقة تتبعها المنظمة الدولية، وتشمل إدارة المناطق الجيولوجية ذات الأهمية العالمية بأسلوب شامل يجمع بين الحماية والتعليم والتنمية المستدامة، مع التركيز على إشراك المجتمعات المحلية.

مميزات خاصة بـ«شمال الرياض» و«سلمى»

وكشف المهندس حسام التركي، مدير مبادرة «جيوبارك السعودية»، خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، عن أبرز المميزات الجيولوجية في «شمال الرياض» و«سلمى»، حيث يمتد موقع «شمال الرياض جيوبارك» على مساحة 3321 كم مربع، ويتميّز بتكوينات صخرية رسوبية تعود إلى أكثر من 150 مليون سنة، وتحتوي على مميزات جيولوجية على غرار منطقة نهاية العالم في «جبل طويق» التي تمثِّل كتلة صخرية من الحجر الجيري بارتفاع يمتد نحو 800 متر، وبها طبقات رسوبية تحمل تراثاً جيولوجياً لصخور مصدر البترول، كما يحتوي موقع «شمال الرياض جيوبارك» على أحافير من العصر الجوراسي إلى الطباشيري إلى جانب «الدحول» وهي عبارة عن تجويف كهفي تتجمع فيه مياه الأمطار والسيول وتتشكل في صخور الحجر الجيري.

شمال الرياض جيوبارك (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
شمال الرياض جيوبارك (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ولفت التركي إلى أن «شمال الرياض» يستعرض العمليات الجيولوجية، بما في ذلك ارتفاع الصفيحة العربية وتراكم الرواسب القديمة، مؤكّداً القيمة السياحية والتعلمية للموقع.

أما موقع «سلمى جيوبارك»، الواقع جنوب شرقي حائل بمساحة تقارب 3145 كيلومتراً مربعاً، فيتميز، وفقاً للتركي، بصخور القاعدة التي يعود عمرها إلى 735 مليون سنة تقريباً، ووجود «الفوّهات والحرّات البركانية المختلفة والتي تشكلت نتيجة لانفجارات بركانية في عصور مختلفة، إلى جانب براكين حرة الهتيمة».

واحة برودان في منطقة القصب (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
واحة برودان في منطقة القصب (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ويتضمّن موقع «سلمى جيوبارك» تراثاً ثقافياً على غرار (قصة أجا وسلمى، ودرب زبيدة التي يعود عمرها لأكثر من 1000 سنة، وقصة حاتم الطائي قبل 1500 سنة، وعنتر قبل 1500 سنة، والمصائد الصحراوية قبل 7000 سنة، والنقوش الثامودية عمرها أكثر من 10000 سنة) بينما تأتي أهميّتها التعلّمية، في تمتعها بإمكانات كبيرة في مجال السياحة الجيولوجية، والأنشطة التعليمية، والحفاظ على البيئة.

علامة جودة دولية

وحول الإنجاز الذي تحقّق بإعلان (اليونيسكو) رسمياً انضمام «شمال الرياض جيوبارك» و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة الجيوبارك العالمية، شدّد التركي على أن هذا الإنجاز يمثّل «علامة جودة دولية، تسهم في جذب السياح من داخل السعودية وخارجها»، وقال إن «الجيوبارك» ستكون محرّكاً للسياحة البيئية، بما توفّره من تجارب أصيلة وآمنة وتعليمية، تُعزز بقاء الزائر فترة أطول في المنطقة، مما يُنعش الاقتصاد المحلي، وأردف أن تسجيل هذين الموقعين من شأنه أن يُسهم في «ترويج البلاد دولياً كمركز رئيسي في المنطقة للجيولوجيا والسياحة المستدامة».

وكشف التركي عن أن الإنجاز «تطلّب جهداً تكاملياً بين المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر ومبادرة الجيوبارك، استمر لأكثر من عامين، وشمل تنفيذ دراسات علمية وميدانية دقيقة، وإعداد ملفات الترشيح وفق معايير اليونيسكو التفصيلية، إلى جانب تطوير البنية التحتية والمكونات التفسيرية والتعليمية للمواقع، مع إشراك المجتمع المحلي ورفع الوعي بدور الجيوبارك».

جانب من جبال «سلمى» في منطقة حائل شمال السعودية (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من جبال «سلمى» في منطقة حائل شمال السعودية (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ولفت إلى أن التحديات التي واجهتهم تتعلّق بـ«تكثيف العمل خلال فترة زمنية وجيزة نسبياً، وبتوحيد جهود الجهات المختلفة» معيداً الفضل في تجاوز ذلك لـ«دعم القيادة وتفاني الفريق»، ممّا مكنهم من إنجاز هذا الملف بكفاءة عالية وبشهادة خبراء «اليونيسكو» أنفسهم. وفقاً لحديثه.

معايير «اليونيسكو»

وإجابةً عن سؤال «الشرق الأوسط» حول المعايير التي اعتمدتها (اليونيسكو) في قبول هذين الموقعين ضمن شبكتها العالمية للجيوبارك، قال التركي إنها تتضمن «وجود قيمة جيولوجية ذات أهمية دولية، وتوفّر نظاماً متكاملاً للإدارة والحماية، مع وجود برامج تعليمية وتوعوية موجّهة للزوار، وإشراك المجتمع المحلي في تطوير وتشغيل الموقع، علاوةً على وجود خطة واضحة للربط بين التراث الطبيعي والثقافي، وتعزيز السياحة المستدامة»، وتابع: «تم استيفاء هذه المعايير في شمال الرياض وسلمى، وأكثر أيضاً، وفقاً لتقارير المراجعين والخبراء المعتمدين من (اليونيسكو)».

وبالنظر لأهمية القطاع البيئي في «رؤية السعودية 2030»، وهو ما عكسه العديد من المشاريع الكبيرة والمبادرات على الصعيدين المحلي والإقليمي للبلاد، قال التركي في هذا الصدد، إن «الجيوبارك تُترجم مستهدفات رؤية السعودية 2030 على أرض الواقع من خلال نحو 31 هدفاً من أهداف المستوى الثالث للرؤية». ومن إسهاماتها طبقاً للتركي، «تعزيز الاستدامة البيئية عبر الحماية الفاعلة للموارد الجيولوجية، ودعم السياحة البيئية والداخلية ضمن مسار تنويع الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل محلية وتحفيز ريادة الأعمال في مجالات الإرشاد البيئي، والخدمات السياحية، بالإضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية وربط الإنسان بجغرافيا المكان، مع دعم التعليم والتدريب من خلال التجارب الميدانية والأنشطة العلمية».

فوّهة الحمراء في حائل (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
فوّهة الحمراء في حائل (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

بعد انضمام هذين الموقعين إلى «شبكة الجيوبارك العالمية لليونيسكو»، سيكون هنالك خطط مستقبلية لتطويرها بما يضمن استدامتها ورفع مستوى الوعي البيئي، وبحسب التركي، يعمل المركز على خطة تشغيل وتطوير مستدامة تشمل «توسيع البرامج التعليمية بالتعاون مع وزارة التعليم والجامعات، وتطوير المراكز التفاعلية ومحتوى الزائر بلغات متعددة، وتعزيز البرامج المجتمعية لإشراك السكان المحليين في التشغيل والتوعية، مع إعداد خطة تسويقية وطنية ودولية لتعزيز الجذب السياحي»، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيشمل «إطلاق مبادرات تطوعية وبحثية لتعميق فهم المجتمع بالبيئة الجيولوجية»، ونوّه التركي بأن ذلك كله يتم «وفق إطار واضح للمتابعة والتقييم لضمان حماية الموقع على المدى البعيد».

توجّه لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً أخرى

«الشرق الأوسط» سألت التركي بوصفه مدير مبادرة «جيوبارك السعودية» حول التوجّه لترشيح مواقع جيولوجية أخرى في البلاد للانضمام إلى «شبكة الجيوبارك العالمية لليونيسكو»، في المستقبل القريب، ليجيب: «نعم، ولدينا خطة طموحة في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً إضافية في السعودية في شبكة الجيوبارك العالمية ضمن مراحل متعددة». وطبقاً للتركي، تشمل هذه المواقع «حرّة رهط، وجبل القارة في الأحساء، وجبل طميّة، ومواقع أخرى تمتاز بتكوينات جيولوجية وتاريخية فريدة»، وأردف أن كل موقع سيخضع للدراسة والتأهيل وفق المعايير الدولية، مع إشراك الجهات المحلية والمجتمع في مسار تطويره.