الحكاية الخلفية لفيلم إيناريتو الجديد بطولة ديكابريو

ثلوج وتصوير صعب وارتفاع ميزانية.. لكن كل شيء على ما يرام

المخرج إيناريتو (يسار الصورة) مع مدير تصويره والممثل ليوناردو ديكابريو خلال التصوير، ليوناردو ديكابريو في لقطة من الفيلم
المخرج إيناريتو (يسار الصورة) مع مدير تصويره والممثل ليوناردو ديكابريو خلال التصوير، ليوناردو ديكابريو في لقطة من الفيلم
TT

الحكاية الخلفية لفيلم إيناريتو الجديد بطولة ديكابريو

المخرج إيناريتو (يسار الصورة) مع مدير تصويره والممثل ليوناردو ديكابريو خلال التصوير، ليوناردو ديكابريو في لقطة من الفيلم
المخرج إيناريتو (يسار الصورة) مع مدير تصويره والممثل ليوناردو ديكابريو خلال التصوير، ليوناردو ديكابريو في لقطة من الفيلم

القارئ مدعو لتحضير نفسه لملاقاة فيلم جديد للمخرج أليخاندرو غوزانليز إيناريتو في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل. فيلم كان من المفترض أن يعرض قبل ذلك التاريخ. أن ينتهي تصويره في شهر مارس (آذار) الماضي. أن يتم تجهيزه بميزانية 95 مليون دولار، لكنها ارتفعت حتى الآن إلى 135 مليونًا. فيلم عنوانه «المنبعث» The Revenant من بطولة ليوناردو ديكابريو وتوم هاردي، ومن تلك الأعمال التي تدخل من باب التنفيذ العريض والمكلف لتجد نفسها في محيط من المشكلات التي تعيق العمل وتفرض عليه شروطًا جديدة غير متوقعة.

* الحق على كندا هذه المرّة.. أو على الطبيعة.
لم تثلج فوق الربوع الكندية الشمالية أو الشرقية كما جرت العادة ما يكفي لتصوير هذا الفيلم هناك، فتم تغيير موقع التصوير إلى أقصى وأقسى موقع أرجنتيني ممكن العثور عليه. هناك حيث لا يعيش أحد قرر المخرج الذي فاز فيلمه السابق «بيردمان: أو الفضيلة غير المتوقعة للجهل» بـ210 جوائز من مختلف الأحجام والتقديرات، بينها أربعة أوسكارات، لجانب 181 ترشيحًا لم ينجم عن جوائز، تصوير فيلمه الجديد «المنبعث». كان يعلم، كما يقول، إن التصوير سوف لن يكون رحلة استجمام، لكنه اكتشف أيضًا أنه أصعب مما كان يتخيّله.

* بيئة قاسية
طبعًا الأحداث لا علاقة لها لا بكندا ولا بالأرجنتين. الرواية التي وضعها الكاتب الشاب مايكل بونك سنة 2002 بالعنوان نفسه تدور أحداثها سنة 1823 في براري أربع ولايات أميركية هي وايومينغ ومونتانا ونبراسكا وداكوتا. بطلها تاجر فراء اسمه هيو غلاس. رجل يكابد خداع الإنسان ووحشة البراري وقسوة الطقس وهجوم الدببة. في الواقع، تبدأ الرواية (وربما الفيلم) بهيو وهو يقع تحت براثن دب هائج يتركه بالكاد على قيد الحياة. رجلان يكتشفان وجوده بين الحياة والموت. لكن عندما يهاجم المواطنون الأصليون (الهنود الحمر) الثلاثة، يسرقان منه السلاح والمؤونة ويتركانه لمصير مجهول. ليس على هيو أن يبقى حيّا مدافعًا عن حياته وسط تلك الظروف الصعبة فقط، بل عليه أيضًا أن ينتقم من الذين تركاه ليواجه مصيرًا مظلمًا.
قام إيناريتو بمشاركة مارك ل. سميث (أشهر أعماله القليلة فيلمي رعب هما «خلو» و«الثقب») بوضع السيناريو الأول سنة 2010 وتم تجهيز الفيلم للتصوير في الخامس عشر من شهر أبريل (نيسان) العام الماضي، وبوشر تصويره في الشهر اللاحق مايو (أيار)، ثم توقف واستؤنف في اليوم الأخير من شهر يونيو (حزيران). ثم توقف مرّة أخرى واستؤنف في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.
لم يكن الطقس وحده السبب الوحيد وراء تأخر التصوير. من بعد أن جاب فريق التصوير (بقيادة مديره إيمانويل لوبيزكي الذي صوّر لإيناريتو فيلمه السابق) مناطق مثل ألبرتا وكانمور وبريتيش كولومبيا بحثًا عن الثلج والطقس القاسي، تم القرار بالتوجه إلى أقصى الجنوب الأطلسي (منطقة أوشيوايا وجوارها) حيث الحياة ما زالت مستقرّة غالبًا كما كانت عليه قبل مئات السنين. لحاف من الثلج السميك والقرى المتباعدة والجبال الشاهقة المكللة باللون الأبيض من القمّة إلى وديانها. هناك هز إيناريتو رأسه وقرر أن يكمل التصوير.

* لكن المشكلات لم تنته هناك بل بدأت فيه
المكان ليس سهل الوصول والعمل اليومي فيه شاق للغاية. والمخرج نفسه ليس السينمائي الذي يصوّر ما لا يرضى عنه مائة في المائة. هذا يعني إعادة التصوير مرارًا. يعني صرف ساعات على إعادة تشكيل وتصميم المشهد كما يعني تأخر التصوير وارتفاع الميزانية. إيناريتو يعترف بأن الميزانية ارتفعت لكنه يؤكد، في حديث لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر» أنه كثير التدقيق بالمسائل المادية وأنه «مهووس» بالالتزام بتنفيذ الميزانيات. لكن في هذه المرّة المسائل أعقد مما توقعه.
عدد من الفنيين المشاركين في العمل اكتفى بالشكوى: إيناريتو صعب المراس خلال العمل. عنيد في طلب الأشياء كما يريد هو. آخرون اشتكوا واستقالوا أو طردوا. لم يكترثوا لمواصلة العمل في تلك الظروف المناخية والنفسية الصعبة.
الممثلان الرئيسيان في الفيلم، ديكابريو وهاردي، لم يشتكيا. يدركان قيمة الفيلم ويعلمان أن الممثل هو جندي بتصرّف الأمر، الذي هو المخرج. لكن توم هاردي كان عليه التخلّي عن بطولة فيلم كان ينوي الاشتراك ببطولته هو «فريق الانتحار» الذي يتم تصويره الآن مع سكوت إيستوود وبن أفلك وول سميث وجارد ليتو (مكان هاردي).

* المنتج ممنوع من مكان التصوير
فنيًا، يعمد إيناريتو تصوير الفيلم حسب تسلسل كتابته وأحداثه (قليلون جدًّا يفعلون ذلك). هذا يعني أنه سيعود للموقع ذاته لاحقًا وهذا بدوره يعني أيام تصوير أكثر. مدير التصوير لوبيزكي يحب التصوير بالإضاءة الطبيعية، وهذا يعني أن هناك فسحة محدودة كل يوم تسمح له بالتصوير. لا قبلها ولا بعدها، مما يعني - أيضًا - أن التصوير سيأخذ وقتا مضاعفًا. عمليًا، إذا تم تصوير جزء من المشهد في الساعة الثالثة بعد الظهر، فإن لدى فريق التصوير (ممثلين وفنيين) ساعتين على الأكثر لإنجاز ما يمكن من التصوير. بعد ذلك الوقت ستتغيّر الإضاءة، مما يعني أن على كل هؤلاء العودة للمكان ذاته في اليوم التالي للبدء باستكمال المشهد في الساعة الثالثة بعد الظهر أيضًا.
إيناريتو بدوره لا يحب الإضاءة غير الطبيعية (ولو أنه عمد إليها اضطرارًا في «بيردمان»). لكن هنا يدرك أن القبض على روح التجربة التي خاضها بطل الفيلم (والقصّة يقال إنها وقعت حقيقة) يعني عدم استخدام إضاءة صناعية.
كذلك يعني ألا يتم إنجاز مشاهد باستخدام تقنيات الكومبيو - غرافيكس. يقول: «لو صوّرنا المشاهد على الشاشة الخضراء (نظام استديو يتيح التصوير على الخلفية المطلوبة من دون الانتقال إليها) مع فناجين القهوة وأسباب الراحة والجميع سعداء، فإن النتيجة ستكون غالبًا سيئة»، ويذكّر: «الفيلم هو عن البقاء حيّا ومشاركة العاملين في تحقيق الفيلم في ظروفه الواقعية تمنح العمل الكثير من الحسنات التي لا يمكن تحقيقها في أي موقع آخر».
ليس أن إيناريتو لم يكن جاهزًا لمثل هذه التحديات. فريق الأمن الشخصي والإسعافات كان حاضرًا في مكان التصوير كل يوم ومساعد المخرج كان من بين المشتركين في اجتماعات يومية تعقد للبحث فقط في السلامة الفردية للمشتركين قبل التصوير. كذلك يلاحظ أن الكثير من المشكلات نتجت عن عدم معرفة المنتج جيم شكوتشادوبل بتفاصيل مثل هذا العمل في الأماكن الصعبة، مما جعله غير قادر على معالجتها. هذا بدوره أدّى، حسب بعض الروايات، إلى قرار المخرج بمنعه من حضور التصوير.
شركات التمويل لم تتذمّر. معظمها أدرك أن الفيلم ليس عملاً سهل التنفيذ، ومدراؤها يعلمون أيضًا أن المخرج إيناريتو لديه رؤية فنيّة تستدعي الانضباط وراءها والإيمان بها. وفي حين أن فوكس هي الشركة الملتزمة بالتوزيع والإنفاق المباشر، إلا أن الميزانية موزّعة بينها وبين شركات أخرى، من بينها شركة إماراتية اسمها «إمباير» تدير أعمالها في أبوظبي.
من ناحية أخرى، عرفت هوليوود الكثير من مثل هذه المشكلات الناتجة عن كبر المهام وصعوبة المواقع والطقوس الطبيعية. يقفز فيلم فرنسيس فورد كوبولا «سفر الرؤيا الآن» إلى البال كنموذج تأخر العمل عليه لأكثر من سنة. يليه «بوابة الجنة» لمايكل شيمينو الذي كان يأمر بهدم ديكور بلدة على جانبي الشارع لتوسيعه عوض هدم ديكور جانب واحد. لكن الغالب أن «المنبعث» سوف لن يتحوّل إلى كارثة. هناك ستّة أشهر كافية لضبط النتيجة بعدما انتهى التصوير وعاد الجميع إلى هوليوود لمواصلة العمل أو للراحة. «التريلر» الترويجي بات متوفرًا ونظرة عليه تشي بأن الفيلم سيكون واحدًا من تلك الأعمال الرائعة التي ستنجح جماهيريًا وتدخل سباق الأوسكار معًا.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.