وزير الاقتصاد الألماني أول الواصلين إلى طهران لإحياء {الشراكة التجارية}

مكاسب اقتصادية لموسكو من الاتفاق النووي لكنها محفوفة بالمخاطر

وزير الاقتصاد والطاقة الألماني سيغمار غابريال لدى مغادرته مطار برلين متوجها إلى طهران  أمس (أ.ف.ب)
وزير الاقتصاد والطاقة الألماني سيغمار غابريال لدى مغادرته مطار برلين متوجها إلى طهران أمس (أ.ف.ب)
TT

وزير الاقتصاد الألماني أول الواصلين إلى طهران لإحياء {الشراكة التجارية}

وزير الاقتصاد والطاقة الألماني سيغمار غابريال لدى مغادرته مطار برلين متوجها إلى طهران  أمس (أ.ف.ب)
وزير الاقتصاد والطاقة الألماني سيغمار غابريال لدى مغادرته مطار برلين متوجها إلى طهران أمس (أ.ف.ب)

وصل وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابريال إلى إيران أمس ليكون أول مسؤول غربي بارز يتوجه إلى طهران منذ التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي مع الدول الكبرى. ويبدأ غابريال، الذي يشغل كذلك منصب نائب المستشارة أنجيلا ميركل ووزير الطاقة، زيارته التي تستغرق ثلاثة أيام على رأس «وفد صغير من ممثلي الشركات والمجموعات الصناعية والعلوم»، بحسب بيان من وزارته.
ومن المقرر أن يجري الوزير الألماني محادثات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني وكثير من الوزراء عقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه الثلاثاء الماضي. وقال غابريال في بيان إن الاتفاق الذي طال انتظاره «يرسي الأساس لعلاقات اقتصادية طبيعية مع إيران بشرط تطبيق الشروط التي ينص عليها».
ووصف رئيس الغرفتين التجارية والصناعية الألمانية ايرك شفيتزر الذي يرافق غابريال، الزيارة بأنها «إشارة مشجعة» للشركات التي حظر عليها القيام بأية تعاملات تجارية مع إيران الغنية بالموارد الطبيعية بسبب العقوبات الغربية، داعيا إلى منح الشركات الألمانية حماية قانونية لاستثماراتها المستقبلية في إيران في حال انتهكت طهران شروط الاتفاق النووي وأعيد فرض العقوبات الاقتصادية عليها. وصرح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) بأن «مثل هذا الإطار سيمنح الشركات الأمان القانوني الضروري للعودة إلى إيران».
وتاريخيا فإن إيران وألمانيا شريكتان تجاريتان مقربتان، إلا أن التعاملات التجارية بينهما تراجعت بشكل كبير بسبب العقوبات، حيث سجلت العام الماضي 2,4 مليار يورو مقابل نحو ثمانية مليارات يورو في 2003 - 2004، طبقا للأرقام الألمانية.
وأكد شفتيزر لـ {الشرق الأوسط} أن التجارة الثنائية بين البلدين يمكن أن تتضاعف أربع مرات خلال العامين أو الثلاثة المقبلة بحيث تصل إلى نحو 10 مليارات يورو.
وتحدث قادة قطاع الأعمال الألماني عن فرص مربحة في إيران، من بينها تلبية الطلب في إيران على تحديث بنيتها الصناعية، خصوصا في قطاع النفط. وتتطلع شركات الهندسة والكيميائيات والأدوية وقطع غيار السيارات والسكك الحديدية إلى إبرام عقود مع إيران.
وتمتلك إيران رابع أكبر مخزون للنفط في العالم وثاني أكبر مخزون من الغاز ما يعني أنها تمتلك أكبر احتياطي من الموردين المهمين. وأعلنت وزارة النفط الإيرانية عن نيتها استقطاب ما يصل إلى 100 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية لتحديث قطاع النفط الذي يعاني منذ أكثر من عقد.
من ناحية ثانية، يشكل الاتفاق حول الملف النووي الإيراني الذي ساهمت روسيا في التوصل إليه من خلال مفاوضات ماراثونية دفعا دبلوماسيا لموسكو سيساهم في تنشيط المبادلات التجارية مع طهران، غير أنه قد يشكل ضغطا على عائدات الطاقة التي تحتاج إليها روسيا، برأي محللين.
ولعبت موسكو بصفتها حليفة لإيران دورا محوريا في التوصل إلى الاتفاق ويقول بعض الخبراء إن هذا قد يساهم في تحسين صورة روسيا على الساحة الدولية بعدما تراجع موقعها بسبب الأزمة في أوكرانيا. وأثنى الرئيس الأميركي باراك أوباما صراحة على المساعدة التي قدمها نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إشارة حسن نية نادرة بين الرئيسين اللذين يخوضان خلافا على خلفية اتهام روسيا بالتدخل في أوكرانيا المجاورة.
وقال سيرغي سيريغيشيف خبير الشرق الأوسط في جامعة روسيا الرسمية للعلوم الإنسانية إن «الانتصار الأكبر لروسيا في هذا الاتفاق هو على صعيد مكانتها». ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله: «من الذي جعل إيران تتوصل إلى توافق مع الولايات المتحدة؟ إنها روسيا. لولا روسيا لما كان هناك اتفاق».
وحين ترفع العقوبات عن إيران فإن روسيا التي تواجه هي نفسها صعوبات اقتصادية ناتجة في جزء منها عن عقوبات غربية مفروضة عليها بسبب أوكرانيا، ستكون على الأرجح في طليعة الذين سيوقعون مع طهران عقودا تنطوي على أرباح طائلة في قطاعات أساسية مثل الطاقة والمواصلات. وقال أندري باكليتسكي مدير برنامج منع انتشار الأسلحة النووية في مركز روسيا للدراسات السياسية إنه «سيتحتم على إيران تطوير القطاعات التي عانت من العقوبات». وأضاف أن طهران «ستحتاج إلى أن تأتي شركات أجنبية وتستثمر في البلاد. والشركات الروسية مثل شركة الخطوط الجوية الروسية ولوكويل (النفطية) تتطلع إلى المشاركة في ذلك». وكان رئيس شركة لوكويل العملاقة للنفط فاجيت اليكبيروف أعلن في أبريل (نيسان) أن شركته تريد العودة إلى إيران ما إن ترفع العقوبات عنها، كما أعرب كثير من الشركات النفطية الغربية عن اهتمام مماثل. ويتوقع الخبراء أن تتولى روسيا دورا رئيسيا في تطوير قطاع الطاقة النووية المدنية في إيران وأعلن الكرملين بهذا الصدد أن الاتفاق سيساعد على تنفيذ «مشاريع واسعة النطاق على صعيد التعاون النووي السلمي» بين البلدين. وساهمت شركة روساتوم العامة للطاقة الذرية في بناء مفاعل بوشهر النووي الإيراني وتخطط لبناء مفاعلات أخرى في هذا البلد.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دعا خلال المفاوضات إلى رفع فوري لحظر الأسلحة المفروض على إيران. وعلى الرغم من أن الاتفاق ينص على بقاء هذا الحظر مفروضا لخمس سنوات إضافية، فإن لافروف قال إنه من الممكن رغم ذلك استئناف صادرات الأسلحة إلى هذا البلد بموافقة مجلس الأمن الدولي. وفي أبريل رفعت روسيا حظرا كانت فرضته بنفسها على بيع إيران أنظمة صواريخ من طراز «إس 300». وقال أحد المستشارين في الكرملين الشهر الماضي إن روسيا وإيران تعدان عقدا لتسليم أنظمة الدفاع الجوي من غير أن يرد أي تعليق رسمي على كيفية تأثير الاتفاق مع إيران على هذه الخطط.
وقال سيريغيشيف: «ستكون هناك منافسة ضارية على قطاع صناعة الطاقة في إيران، ولاحقا على قطاع صناعة الأسلحة»، مضيفا: «أعتقد أن روسيا ستركز أكثر على قطاع الطاقة بسبب خبرتها الدولية الواسعة في هذا المجال»، غير أن عودة إيران إلى سوق الطاقة الدولية قد تحد من الفوائد المرتقبة لروسيا، حيث يقول محللون إن ذلك قد يؤدي إلى تراجع أسعار النفط وقد يحد من إمدادات روسيا لأوروبا. وقال سميون باغداساروف خبير الشرق الأوسط في مركز الأبحاث التحليلية الذي يتخذ موسكو مقرا إن «إيران متعطشة لمعاودة تصدير النفط إلى أوروبا»، موضحا أن «لاعبا هاما سيعود إلى السوق وستزداد المنافسة».
وكان التراجع الحاد في أسعار النفط بين يونيو (حزيران) 2014 ويناير (كانون الثاني) من العوامل الرئيسية التي أدت إلى الانكماش في روسيا وشددت الضغوط على مالية الدولة. ويرى مصرف غولدمان ساكس الأميركي أن عودة إيران إلى السوق النفطية بعد المصادقة على الاتفاق في مجلس الأمن الدولي والكونغرس الأميركي ومجلس الشورى الإيراني، قد تؤدي إلى انخفاض الأسعار، غير أن محللين آخرين يقولون إن التراجع المتوقع في أسعار النفط لن يكون كارثيا نظرا إلى اهتمام إيران العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك في الحفاظ على أسعار النفط في السوق العالمية.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».