وزير الإعلام العماني: الحرية والمسؤولية مفهومان متلازمان

وزير الإعلام العماني: الحرية والمسؤولية مفهومان متلازمان
TT

وزير الإعلام العماني: الحرية والمسؤولية مفهومان متلازمان

وزير الإعلام العماني: الحرية والمسؤولية مفهومان متلازمان

يشهد الإعلام في سلطنة عُمان، انفتاحاً واسعاً على المحيطين الإقليمي والدولي. وهذا الانفتاح يمثل استراتيجية لرؤية عُمان الجديدة التي تسعى لتعزيز حضورها على المسرح الإقليمي خصوصاً، وهي التي اعتادت على لعب أدوار سياسية عادة ما ينظر إليها باعتبارها مساهمة في دعم الأمن والاستقرار الإقليميين.
ومن مكتبه في العاصمة العُمانية مسقط، حدثنا وزير الإعلام الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي عن رؤيته للدور الذي يلعبه الإعلام العُماني، بينما تعمل السلطنة لجذب الاستثمارات وتعزيز الشراكة، مع دول الخليج خصوصاً والعالم بشكل عام.
للعلم، أسست أول وزارة للإعلام في عُمان خلال ديسمبر (كانون الأول) 1970 تحت اسم «وزارة الإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل»، وتولّى هذه الوزارة المرحوم الأديب والشاعر عبد الله بن محمد الطائي. وعام 1972، فُصلت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن الإعلام، وأوكلت شؤون والإعلام إلى مديرية الإعلام، ثم إلى مديرية الإعلام والسياحة.
أما بالنسبة للوزير الحالي الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي، فقد تولى المنصب منذ 18 أغسطس (آب) 2020. وسبق أن كان رئيس «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» بمرتبة وزير بين 2011 و2020، ورئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير في «مشروع الموسوعة العمانية»، وأستاذاً مساعداً في جامعة السلطان قابوس، وعضواً مشاركاً في جامعة أكسفورد بين 2011 و2012. وهو يحمل «بكالوريوس» في اللغة الإنجليزية عام 1992 و«ماجستير» في دراسات اللغة والترجمة عام 1995 من جامعة السلطان قابوس، و«دكتوراه» في الترجمة عام 2000 من جامعة أستون البريطانية.
وفيما يلي نص الحوار:

> ما الاستراتيجية الإعلامية لسلطنة عُمان في ظل «رؤية عُمان 2040»؟
- الحديث عن التجربة الإعلامية لسلطنة عُمان يطول، لكن يمكن استعراضه في عنوانين أساسيين هما «مرآة صادقة» و«رسالة أمينة». إذ نشأ الإعلام العُماني بشكله الحديث مع فجر النهضة الحديثة لعُمان في العقد السبعيني من القرن الماضي. وكانت وزارة الإعلام من أوائل الوزارات التي نشأت إيماناً من القيادة العُمانية ممثلة حينذاك بمؤسس النهضة الحديثة في السلطنة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - بدور الإعلام، ليس فقط في رصد الإنجازات التي تتحقق وتقديمها للمجتمع، وتحفيز العمل والإنتاجية، بل أيضاً في صناعة الوعي المجتمعي والتنوير، والمحافظة على الهوية العُمانية ببعدها الحضاري والإنساني، وتعزيز الروح الوطنية التي أسهمت بتوطيد مسيرة التقدم والتطور والنماء وصنعت التحولات على مختلف الصعد. وظل الإعلام العُماني رسالة إلهام ومورد معرفة وأداة بناء، معبّراً بموضوعية عن طبيعة الشخصية العُمانية وسماتها ودورها الحضاري عبر الزمن ومد جسور الأخوة والصداقة مع سائر الدول والشعوب، وفق سياسة متزنة بعيدة كل البُعد عن مظاهر الغلو والمبالغات.
> «رؤية عُمان 2040» تؤكد مبادئ الحوكمة والشفافية والإفصاح، هل ترون أن الإعلام العُماني مؤهل للقيام بهذا الدور؟
- المسار الإعلامي أساسي في رؤية عمان 2040، فمنذ المؤتمر الوطني للرؤية الذي صاغ مستهدفات رؤية عمان 2040 بإشراف جلالة السلطان هيثم نفسه كان دور الإعلام أساسياً وضرورياً. ونذكر في تلك اللحظات الأولى لانطلاقة مؤتمر الرؤية كنا «إعلامياً» في بث حي ومباشر وشفاف لكل ما يدور من مناقشات حوارية، وكل ما يحدد من رؤى لمستهدفات رؤية عمان 2040. ولقد تناول الإعلام العُماني بشكل مركّز المحاور الأربعة للرؤية، وهي: مجتمع إنسانه مبدع، واقتصاد بنيته تنافسية، ودولة أجهزتها مسؤولة، وبيئة عناصرها مستدامة، بنقاش وتحليلات وتفاعلية عالية لامست الفرص والتحديات والمعالجات والأولويات المرتبطة بمحور الحوكمة والأداء المؤسسي. وكذا أخذ الإعلام دوره الفاعل في حفز البرامج التنفيذية المسرعة التي تستهدف إيجاد حلول عاجلة ومستدامة للمسارات ذات الأولوية كالوضع المالي والاقتصادي، والتنويع الاقتصادي، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وسط ظروف دولية استثنائية.
> ماذا تعني بـ«الظروف الاستثنائية»؟ وماذا أعددتم لها على الصعيد الإعلامي؟
- ظروف مثل «كوفيد - 19»، وانخفاض أسعار النفط بشكل حاد، والأزمات السياسية التي شهدها العالم أخيراً وتأثرت بها دول العالم بأشكال مختلفة. هذه تحديات لا بد أن تصاغ لها حلول وطنية ذكية بدعم المجتمع وبتسريع الأداء. وهنا كان الدور الإعلامي متفاعلاً ومحفزاً وأساسياً في نقل وقائع ما يدور من عمل وخطط وبرامج وحلول لدى الحكومة بكل نقاشاته. لدينا برامج إعلامية حوارية متخصصة تجمع متخذي القرار مع راصدي الأداء من المحللين والخبراء والأكاديميين والمتخصصين في تفاعلية ثرية ومسؤولة لمتابعة أداء القطاعات المستهدفة بالنمو، ولدينا قناة تواصل مستمرة مع وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040 من أجل هذه الغاية.
> ألا يستلزم ذلك، برأيكم، ضخّ مزيد من الحرية وتخفيف القيود؟
- في عُمان إعلامنا ذو رسالة وطنية وإنسانية، ونعتز بتجربته الأصيلة والمنفتحة مع الآخرين بكل إيجابية. إنه ينقل الوقائع بكل شفافية ومهنية ومسؤولية، وهذا كان قرار القيادة منذ بداية فجر نهضة عُمان الحديثة. ولذا نجد أن مجتمعنا يثق بإعلامه ثقة كبيرة وفي الرسالة التي يعمل هذا الإعلام على تحقيقها. وعُمان - بحمد الله - تمتلك تجربة إعلامية ثرية جداً تؤدي دورها الأساسي في بناء الثقافة العامة للمواطن وبناء القيم المساندة للتطوّر والتحديث والفضائل، وتعميق فكرة السلام والمساواة والعدالة الاجتماعية والتسامح وقبول الآخر.
> تربط بين الحرية والمسؤولية... أيهما يأتي أولاً؟
- الحرية والمسؤولية مفهومان متلازمان. هذا هو الأساس، حيث المهنية الإعلامية سترة نجاة للحرية الإعلامية المسؤولة. ونحن في السلطنة يحظى إعلامنا بثقة المجتمع ضمن مساحة تعبير عالية، ونعدها الأجمل بقيمها المهنية المسؤولة. ويعبر المجتمع دائماً عن تقديره لهذا النهج الذي تشكل أصلاً من طبيعة الشخصية العُمانية والمجتمع العُماني والصالح الوطني بشكل عام.
> كيف ينعكس هذا على وسائل الإعلام العُمانية؟
- الناظر إلى وسائل الإعلام العُمانية يجد مساحة تعبير عالية حول مختلف المواضيع التي تهم مجتمعنا، والأهم في نظرنا هو منهج الطرح الإعلامي الذي يسمح بجميع الآراء التي تسهم في البناء وتعالج إشكالات الواقع دون تجريح أو إثارة لا تفيد أحداً. لدينا مثلاً برامج حوارية إذاعية وتلفزيونية تقدم سقفاً عالياً من حرية التعبير البنّاء، وننقل وجهات النظر كما هي، ولدينا في الصحافة ايضاً مقالات نقدية عالية الطرح.
> أنتم شخصياً، كنتَ صحافياً وإعلامياً قبل أن تُصبح وزيراً... ماذا حملتم للمنصب من هموم الصحافة التي تسعون لحلّها؟
- التجربة الصحافية في عُمان تتسم بالثراء، وكانت المؤسسات الصحافية قد انطلقت في سبعينات القرن الماضي، وصحافتنا في غالبيتها مملوكة للقطاع الخاص، باستثناء صحيفة «عُمان» التي تصدر باللغة العربية، وصحيفة «عُمان ديلي أوبزرفر» التي تصدر باللغة الإنجليزية. ثمة زخم تقدمه 7 صحف يومية باللغتين العربية والإنجليزية، بجانب الصحف والمجلات التي تأخذ الإصدار الدوري بين الأسبوعي والشهري. وتوفر هذه الصحف تغطية شاملة في مختلف الشؤون والمجالات، ولها دور كبير في تقديم المعلومة والمعرفة، وتتضمن كذلك مساحات للنقد البنّاء والتحليلات الموضوعية.
> هل تراجع الإعلام التقليدي أمام الإعلام الرقمي، برأيكم؟
- ازدادت أدوار الصحافة نظراً إلى انتشار منصات الإعلام الاجتماعي والإلكتروني المتسارعة، ويتوقع من الصحافة مضاعفة جهودها في نشر الوعي ونشر مختلف رسائلها السامية، والكلمة الصادقة المسؤولة ستصل للجمهور وإن بدا على السطح ما يخالف ذلك. ولكن مسؤولية الصحافة تتجسد برفع الوعي الفردي والمجتمعي لا أن تتحول إلى منافس للإعلام الاجتماعي الذي تغلب عليه الرؤى الفردية وتفاعلاتها.
> وماذا أضفتم للمحتوى الإعلامي والثقافي تحديداً؟
- عزّزنا في جريدة «عُمان»، مثلاً، مقالات الرأي التي يكتبها كتّاب معروفون من عُمان والعالم العربي والعالم، كما أصدرت الجريدة منذ مطلع عام 2022 «ملحق جريدة عمان الثقافي» الذي أخذ محلّه اللائق في الصحافة الثقافية العربية، ونستمر كذلك في إصدار مجلة «نزوى» الثقافية - إضافة إلى القناة الثقافية في تلفزيون سلطنة عُمان -. هذا يأتي في إطار تعزيز الكلمة المسؤولة والإبداع الأدبي والثقافي، ونحن موقنون بأن التمسك بمسؤولية الكلمة ودعم النشر الثقافي والأدبي الجادّ مناهج ستؤتي أكلها ولو بعد حين على شكل وعي فردي ومجتمعي عالٍ.
> مع أن مرسوماً صدر عام 2004 بمنح ترخيص لقناة تلفزيونية خاصة، وكذلك إذاعة خاصة، فإن نسبة النمو في الإعلام الفضائي والإذاعي الخاص ما زالت محدودة قياساً بالمحيط الخليجي مثلاً... ما تفسيركم؟
- الاستثمار في المجال الإذاعي جيد، أما فيما يتعلق بالقنوات التلفزيونية فثمة مساعٍ من قبل القطاع الخاص للدخول في الاستثمار في صناعة الإعلام المرئي ولقيت هذه المحاولات التسهيلات والدعم من الحكومة. نحن من جانبنا ندعم هذا المسار، لكن هذا يعود إلى قرار القطاع الخاص نفسه والمجال متاح في ضوء القوانين المنظمة. أما عن الاستثمار في الإذاعات الخاصة فيبدو جيداً، فهناك ثماني إذاعات fm ناطقة باللغتين العربية والإنجليزية. وهنا نشير إلى أن القطاع الخاص توجه أخيراً للاستثمار في مجال الإعلام الإلكتروني، ومُنح عدد من التراخيص لمنصات إلكترونية ولإذاعات وقنوات مرئية إلكترونية.
> برأيكم، كيف يخاطب الإعلام العُماني العالم... بينما تنشط السلطنة في فتح الأبواب للاستثمارات وجذب الشركات وعقد الشراكات واستقطاب السياح؟
- جلب الاستثمارات الأجنبية وتطوير صناعة السياحة من الملفات الأساسية في رؤية عُمان 2040 وبرامجها الوطنية. وضمن أدوارنا وضع عُمان أمام العالم وتبيان ما تزخر به من مقوّمات استثنائية تشكل نقط استقطاب استثماري وسياحي. وإننا نركز حالياً على الإعلام الاقتصادي الداعم لهذه المسارات ونسند دور الجهات المتصلة بالتطوير الاقتصادي لنشر المعلومة الكافية عن السلطنة والفرص المتاحة فيها. وسواء في العمل الإعلامي الإذاعي أو التلفزيوني أو الصحافي أو الإلكتروني لدينا برامج متخصصة ذات طابع حواري تفاعلي تجسد هذا الدور وتترجمه، وتحظى بمتابعة داخل السلطنة وخارجها. كذلك نركز اليوم على مخرجات الدبلوماسية الاقتصادية ومتابعة المشاريع والاتفاقيات والتفاهمات التي ترتبط بها السلطنة مع الشركاء الخارجيين، ونرصد الفعاليات الاقتصادية لجميع القطاعات التي تشتغل في منظومة التطوير الاقتصادي. وفي الجانب السياحي نخصص برامج إعلامية غايتها التنشيط السياحي في مختلف المواسم، كما نرصد حركة السياحة الآتية على متن السفن السياحية العملاقة من كل دول العالم، وهذه المتابعة تنطوي على العمل الإخباري اليومي في جميع وسائل الإعلام. وتشكّل نشرة الأخبار الاقتصادية اليومية في تلفزيون السلطنة نافذة مهمة للتعريف على الاقتصاد العُماني والفرص المتاحة به ومنظومة التشريعات والقوانين المنظمة للاستثمار الأجنبي والتسهيلات التي تُقدَّم للمستثمرين. أيضاً بدأنا خطوة جيدة على طريق رفع كفاءة وأداء الإعلام الخارجي في الوزارة، لمضاعفة أدوارنا في هذا المجال المهم لرؤية عُمان 2040، إذ نستقبل كثيراً من الصحافيين والإعلاميين من مختلف دول العالم الذين يزورن سلطنة عمان للتعريف بها وبمجتمعها وبطبيعتها وبمشاريع التنمية فيها، إضافة إلى الفرص الاستثمارية الواعدة في مختلف القطاعات.
> إلى أي درجة تعتقدون أن الالتزام بـ«الخصوصية» المحلية أصبح قيداً أمام تطوّر وسائل الإعلام؟ هل ثمة معنى لـ«الخصوصية» تتبناه وزارة الإعلام وتسعى لإلزام الصحافة به؟
- ما نقصده بالخصوصية في تجربتنا شأن مختلف عما يفسره غيرنا. نحن نتناول المفهوم في قالب منظومة القيم والمبادئ والأعراف التي نشأ عليها الإنسان العُماني الذي هو أداة التنمية وهدفها وغايتها، وهو الفاعل الإعلامي أيضاً، فمن يحمل لواء الخطاب الإعلامي في وسائل إعلامنا الحكومية والخاصة هم شباب وشابات عُمانيون. وكلما كان الإعلام مترجماً لمبادئ وقيم مجتمعه كتب له النجاح والديمومة.
نحن مجتمع عربي أصيل ونسيجه متين لصيق جداً بمبادئه وقيمه وثقافته وتراثه، ولا يريد أن تؤثر المدنية الحديثة سلباً على جوهره القيمي والأخلاقي والثقافي. لذا كان قرارنا الوطني المزج بين الأصالة والمدنية في كل مظاهر الحياة العُمانية، ولا يريد المجتمع أن يرى إعلامه مختلفاً عن هذا القالب السامي الذي أثبت مع الزمن سلامته ونجاحه.
> وهل ترون أن الإعلام الخارجي للسلطنة يواكب النشاط السياسي الدؤوب لدبلوماسيتكم؟
- نعم، بجدارة وكفاءة تمكّن الإعلام العُماني من إيصال رسالة السلطنة السياسية إلى المجتمع الدولي، وتحركت الدبلوماسية العُمانية والإعلام العماني في خطين متوازيين من حيث مدّ جسور الأخوة والصداقة مع سائر الدول والشعوب.
> هل تفكّرون في إنشاء قناة إخبارية فضائية أو منصة أخبار إلكترونية تُعنى بهذا المجال؟
- بالنسبة لإنشاء قناة فضائية إخبارية، نعتقد أن لدينا راهناً مساحات إخبارية مناسبة وكافية في قنواتنا التلفزيونية الأربع وخدماتها ومنصاتها، ولكن إذا ظهرت الحاجة لأي قناة متخصصة أخرى، إخبارية أو غيرها، لتحقيق المصلحة الوطنية سيدرس الأمر، مع مراعاة الاستفادة من عالم الإعلام الإلكتروني الذي تغيرت فيه مفاهيم البث والنشر الإعلاميين، بل وحتى فكرة القناة التلفزيونية بمعناها التقليدي.
> قبل نحو 12 سنة أجرى وزير إعلام عُماني سابق دراسة عن الصحافة في السلطنة أثار فيها الحاجة لتطوير قانون المطبوعات والنشر. ألا تحتاج عُمان في ظلّ هذا الانفتاح إلى قانون جديد؟
- ندرك أن التطور المتسارع في صناعة الإعلام العالمي يقضي بأن نطور معه أدواتنا ووسائلنا وبيئة عملنا الإعلامي وتشريعاتها التي تناسب كل مرحلة. وحقاً ثمة تشريعات ولوائح منظمة نعمل في إطارها الآن، لكننا مع تطور وسائل الإعلام وجدنا الحاجة إلى تطوير هذه المظلة القانونية لتغدو أكثر شمولية واستجابة لمتغيرات العصر، فعملنا خلال الفترة الماضية فعلاً على مشروع قانون جديد للإعلام، وسيكون مع صدوره المرجعية القانونية والأرضية التي سيستند عليها إعلامنا في ضوء تطور تقنيات الإعلام الحديثة.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق يتوّج مسار «التميز الإعلامي» المنتجات النوعية التي تُصاغ بروح إبداعية وفق أعلى المعايير المهنية (موقع المنتدى)

«الجائزة السعودية للإعلام» تطلق مسار «التميّز» للاحتفاء بالأعمال الوطنية

أطلقت «الجائزة السعودية للإعلام 2026» مسار «التميّز» المخصَّص للاحتفاء بالأعمال التي جسّدت الهوية الوطنية، وارتقت بالرسائل الاتصالية للمناسبات الكبرى في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الرحيل حدث لكنَّ الحضور لم يغب يوماً (الشرق الأوسط)

«عشرون» جبران تويني الذي مضى في طريقه حتى النهاية

كان الاحتفاء بجبران تويني مواجهة متجدّدة مع معنى أن يصرّ أحدهم على قول «لا» في مرحلة انتشرت فيها الـ«نعم» الرخوة...

فاطمة عبد الله (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب) play-circle

«تنطوي على خيانة»... ترمب يصف تقارير إعلامية بشأن صحته بـ«التحريضية»

انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشدة وسائل إعلام طرحت تساؤلات حول وضعه الصحي، واصفاً تقاريرها بأنها «تحريضية، وربما تنطوي على خيانة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي الإعلامي الأميركي المحافظ تاكر كارلسون (أ.ب)

الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون يعلن أنه سيشتري عقاراً في قطر

أعلن الإعلامي الأميركي المحافظ تاكر كارلسون، الأحد، أنه سيشتري عقاراً في قطر، نافياً الاتهامات بأنه تلقى أموالاً من الدولة الخليجية.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE
TT

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE

تعيش هوليوود واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ عقود، بعدما تحوّلت صفقة الاستحواذ على «ورنر بروس ديسكفري» إلى مواجهة مفتوحة بين عملاق البث «نتفليكس» من جهة، والتحالف الذي تقوده «باراماونت – سكاي دانس» برئاسة ديفيد إليسون (نجل مؤسس «أوراكل» الملياردير لاري إليسون)، المدعوم بثروات هائلة وشبكة نفوذ سياسية، من جهة أخرى.

ورغم أن ظاهر المعركة تجاري بحت، فإن جوهرها يتجاوز حدود صناعة الترفيه ليصل إلى توازنات القوة الإعلامية في الولايات المتحدة، وإلى مقاربات البيت الأبيض التنظيمية، وربما حتى إلى علاقة الرئيس دونالد ترمب بعدد من هذه المؤسسات.

Paramount, Netflix and Warner Bros logos are seen in this illustration taken December 8, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration

أهمية «ورنر بروس»

تعد «ورنر بروس» إحدى أثقل القلاع الثقافية والإعلامية في العالم. فإلى جانب تاريخها السينمائي العريق، تمتلك الشركة واحدة من أضخم مكتبات المحتوى التي تضم أعمالاً من «هاري بوتر» و«دي سي كوميكس» و«غيم أوف ثرونز»، إضافة إلى شبكة «إتش بي أو» ومحفظة تلفزيونية واسعة. والسيطرة عليها تمنح مالكها ثلاث ركائز جوهرية:

• محتوى ضخم عالي القيمة قادر على تغذية منصات البث لعقود مقبلة.

• حقوق بث وتوزيع دولية تتيح توسعاً كبيراً في الأسواق العالمية.

• تكامل رأسي كامل يجمع بين الإنتاج والتوزيع والبث، ويخلق قوة سوقية استثنائية.

من هنا، فإن فوز «نتفليكس» أو «باراماونت» بالاستوديو يعني تغيّراً جوهرياً في المشهد العالمي، وظهور كيان يتجاوز في وزنه معظم الشركات الإعلامية الحالية.

"باراماونت" تخوض سباقاً مع "نتفليكس" لشراء "ورنر بروس" (أ.ف.ب)

صفقة نتفليكس و«قلق» البيت الأبيض

أعلنت «نتفليكس» قبل أيام التوصل إلى اتفاق مبدئي لشراء معظم أصول «ورنر بروس ديسكفري» مقابل 83 مليار دولار (عرضت فيها 27.75 دولار للسهم)، مع إبقاء «سي إن إن» والقنوات الإخبارية والرياضية ضمن شركة مستقلة تدعى «ديسكفري غلوبال».

عدّ كثيرون الخطوة منطقية: توحيد أكبر منصة بث في العالم مع واحد من أضخم الاستوديوهات، ما يخلق عملاقاً يصعب منافسته. لكن العامل السياسي دخل ساحة المعركة بقوة. فقد صرّح الرئيس ترمب بأنه سيكون «منخرطاً» في تقييم الصفقة، ملمّحاً إلى أن الحصة السوقية لـ«نتفليكس» قد تشكل «مشكلة».

ورغم ثنائه على تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك للمنصة، فإن تلويحه بالتدخل التنظيمي ألقى ظلالاً من الشك على الصفقة، خصوصاً أن عرض «نتفليكس» يجمع بين النقد والأسهم، ما يعرّضه لتدقيق احتكاري واسع.

باراماونت.. عرض «عدائي» ونقد أكثر

لم تتأخر «باراماونت – سكاي دانس» في الرد. فبعد ساعات من إعلان «نتفليكس»، أطلقت عرضاً عدائياً مباشراً للمساهمين بقيمة 108.4 مليار دولار، وبسعر 30 دولاراً للسهم، أي أعلى بكثير من عرض منافستها.

ويمتاز عرض «باراماونت» بأنه أكثر نقداً وتمويلاً مباشراً، مدعوماً من ثروة عائلة إليسون وصناديق «ريدبيرد» و«أفينيتي بارتنرز»، إضافة إلى ثلاثة صناديق سيادية عربية (السعودية، الإمارات، قطر) تشارك بتمويل بلا حقوق حوكمة. ووفقاً لمصادر في الشركة، فإن عرضها «أكثر يقيناً وسرعة في التنفيذ»، مقارنة بعرض «نتفليكس» الذي يتوقع أن يواجه تدقيقاً احتكارياً وتنظيمياً معقداً.

البعد السياسي للصراع

على الرغم من محاولة الطرفين الظهور وكأن معركتهما تجارية بحتة، فإن السياسة حاضرة بكل ثقلها. ويلعب جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، دوراً محورياً بصفته شريكاً مالياً في عرض «باراماونت» عبر «أفينيتي بارتنرز». وتحدثت تقارير بريطانية عن وعود من «باراماونت» بإجراء تغييرات جذرية في «سي إن إن» في حال فوزها، وهو ما يمنح الصفقة بعداً سياسياً حساساً.

في المقابل، ينتقد ترمب «باراماونت» و«سي بي إس» التابعة لها بسبب خلافات مع برنامج «60 دقيقة». ومع ذلك، صعّد ترمب هجومه المباشر على «سي إن إن»، مطالباً بتغيير مالكيها كجزء من أي صفقة لبيع «ورنر». وقال في اجتماع بالبيت الأبيض: «لا أعتقد أنه يجب السماح للأشخاص الذين يديرون (سي إن إن) حالياً بالاستمرار. يجب بيعها مع باقي الأصول». كما أكد أنه سيشارك بنفسه في قرار الموافقة على الصفقة، في خروج غير مألوف عن الأعراف التنظيمية.

هذا التناقض يكشف عن صراع مفتوح على النفوذ الإعلامي، قد يؤثر على القرار النهائي أكثر من معايير الاحتكار ذاتها، رغم أن اكتمال أي من الصفقتين، سيؤدي إلى ولادة عملاق إعلامي فائق.

منصتان فائقتان

اندماج «نتفليكس ورنر بروس» سيخلق أكبر منصة بث ومكتبة محتوى في العالم، تفوق «أمازون برايم» و«ديزني» مجتمعتين في حجم الاشتراكات والمحتوى الأصلي والحقوق. أما اندماج «باراماونت ورنر بروس» فسيكوّن أكبر استوديو سينمائي - تلفزيوني متكامل، يضم «سي بي إس» و«باراماونت» و«إيتش بي أو» و«سي إن إن» (في حال لم تُفصل)، ما يجعله النسخة الحديثة من «استوديو هوليوودي شامل». وسيعد الكيان الناتج عن أي من الصفقتين الأكبر عالمياً في مجال الإعلام والترفيه، لكن بدرجات مختلفة: «نتفليكس» ستتربع على قمة البث، و«باراماونت» على قمة الإنتاج التقليدي والخبري.

لكن المخاطر كبيرة أيضاً. فوفق محللين، قد يبتلع الاستوديو إدارة «نتفليكس» ويستهلك طاقاتها، بينما يخشى البعض من تراجع نوعية المحتوى إذا خضعت المكتبة الضخمة لمنهج المنصة القائم على الكميات الكبيرة.

ويتفق خبراء على أن كلا العرضين يواجه عوائق تنظيمية ضخمة، لكن الخطر الأكبر ليس تنظيمياً، بل سياسي، كما قال وليام باير، المدير السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «المشكلة الحقيقية هي إن كانت القرارات ستُبنى على اعتبارات قانونية أم على مصلحة الرئيس».

بالنسبة لمحطة «سي إن إن» التي يناهضها ترمب علناً، فستكون مع عرض «نتفليكس»، جزءاً من شركة منفصلة لديها استقلال أكبر، بعيداً عن الصراع السياسي. وهو ما يعدّه كثير من العاملين فيها مخرجاً آمناً، بعد تخوفهم من احتمال أن تقود «باراماونت»، المتجهة نحو توجّهات محافظة، عمليات تغيير واسعة فيها. ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، سيكون مستقبل «سي إن إن» في شركة صغيرة تحدياً قد يقود إلى تقشف أكبر.

وفي النهاية، قد تكون القرارات السياسية هي العامل الحاسم في تحديد من سيضع يده على إرث «ورنر بروس» العريق.


قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)
TT

قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)

أثارت قرارات «يوتيوب» بشأن «مراقبة المحتوى» بالاعتماد على «نظام الإشراف القائم على الذكاء الاصطناعي في المنصة»، جدلاً متصاعداً بين صُنّاع المحتوى، بعد تكرار حالات الإغلاق المفاجئ لقنوات بـ«تهم الممارسات الخادعة وعمليات الاحتيال»، دون ردود واضحة من المنصة حول الأسباب. إذ يأتي الرد على الطعون بشكل «نمطي جاهز»، مما يعرّض قنوات بارزة للاختفاء بعد سنوات من الجهد.

واللافت أن بعض حالات حجب القنوات انتهت باستعادتها بعد لجوء صُنّاع المحتوى إلى إثارة «ضجة» على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، حسبما رصد «سيرش إنجين جورنال». من جانبها، نفت «يوتيوب»، عبر مدونتها، اتهامات «عدم الدقة»، وقالت إنها «لم ترصد أي مشكلات واسعة النطاق في قرارات إغلاق القنوات، وإن نسبة صغيرة فقط من إجراءات الإنفاذ يتم التراجع عنها».

ويرى المتخصص في الإعلام الرقمي بالإمارات، تاج الدين الراضي، أن «يوتيوب» منصة لها استراتيجية خاصة مقارنةً بالمنصات الأخرى. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «(يوتيوب) ارتبطت بالمحتوى الغني والعميق والفيديو الطويل، ومن ثم فإن أي تطوير في المنصة يجب ألا يخترق هويتها». وأضاف أن «(يوتيوب) ليست منصة تصفّح سريع بلا مضمون، فما يميزها هم صُنّاع محتوى استثمروا وقتاً وجهداً وإنتاجاً».

وعن توسّع «يوتيوب» في استخدام الذكاء الاصطناعي في «مراقبة المحتوى»، قال الراضي: «هذا الاتجاه من (يوتيوب) هو أمر مفهوم في إطار تطوير إدارة المنصة، لكن بشرط أساسي، ألا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى نسخة جديدة من (السباق وراء السرعة) على حساب جوهر (يوتيوب)». وأشار إلى أن «أي نموذج رقابي آلي يحمل هامش خطأ عالي المستوى، وعملياً قد لا يكون عادلاً، وهنا تكلفة الخطأ كبيرة، لأنها منصة مهنية أكثر منها منصة عبور سريع».

وأثار الراضي خلال حديثه شعوراً بـ«عدم الأمان لدى صُنّاع المحتوى على (يوتيوب)» وتأثير هذه القرارات على الاستثمار في المنصة. وقال إن «مناخ عدم الأمان يدفع (اليوتيوبرز) نحو محتوى أكثر تحفظاً وأقل عمقاً، ويضعف استعدادهم للاستثمار طويل الأمد في (يوتيوب)، لأن مستقبلهم يصبح مرهوناً بقرار آلي غير متوقع».

وتحدث موقع Dexerto الإنجليزي عن حالة صانع محتوى يملك آلاف المشتركين، تم حظره بسبب تعليق لصانع المحتوى كتبه من حساب آخر عندما كان عمره 13 عاماً. ولاحقاً اعتذرت «يوتيوب» وأبلغته أن الحظر كان خطأ من جانبها.

وأعلنت «يوتيوب» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن برنامج تجريبي باسم «الفرص الثانية» يسمح لبعض المبدعين بإنشاء قنوات جديدة إذا استوفوا شروطاً محددة، وكانت قنواتهم قد أُغلقت منذ أكثر من عام، إلا أن البرنامج لا يعيد الفيديوهات أو المشتركين المفقودين.

من ناحية أخرى، أشار الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، نيل مواهان، في مقابلة مع مجلة «تايم»، في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إلى «نية الشركة توسيع أدوات الإشراف بالذكاء الاصطناعي». وقال إن «(يوتيوب) ستمضي قدماً في توسيع الإنفاذ بالذكاء الاصطناعي رغم مخاوف المبدعين».

ويعتقد الصحافي المصري، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، معتز نادي، أن النموذج الأنسب ليس اختياراً بين مراجعة بشرية أو شفافية خوارزميات تعلن عنها منصة «يوتيوب»، بل معادلة هجينة تجمع أيضاً الذكاء الاصطناعي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ذلك يتحقق من خلال الفرز أولاً وفق معايير واضحة، لكن مع مراجعة بشرية إلزامية تشرح سبب المخالفات والبنود التي تعرضت للانتهاك في السياسة الخاصة بالموقع وكيفية تقديم استئناف (ضد قرارات الحظر)».

وتعليقاً على تصريح رئيس «يوتيوب» بأن الشركة ستواصل توسيع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، قال معتز نادي إن «العلاقة المقبلة مع صُناع المحتوى ستكون على المحك، فالمنصة تريد الـAI (الذكاء الاصطناعي) لأنه سلاحها لتنقيح كل المحتوى في ظل العدد الهائل من الحسابات».

وأضاف أن «صُنّاع المحتوى أمام سيناريو مواصلة العمل على منصة (يوتيوب) للحصول على مزيد من الأرباح والانصياع لسياساتها وبنودها، أو التفكير في الهجرة لمنصة تواصل اجتماعي أخرى، لكن يبقى هاجس المكاسب حاضراً، فالكل يبحث عن زيادة موارده، والكنز هنا هو الجمهور بعدد مشاهداته، ومن ثم سيكون الربح هو لغة التعامل بينهما».


بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».