لا يمكن تفسير أحداث العام 2022 في اليمن من دون العودة إلى «يوم ذهبي» تغيرت بعده معادلة الدفاع التي يقودها تحالف دعم الشرعية في اليمن، والقوات المسلحة اليمنية. إنه الحادي والعشرون من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، اليوم الذي تحول بعده التصعيد الحوثي العسكري لاحقا.
اتخذ التحالف استراتيجية دفاع صارمة، ضربت مواقع استراتيجية حوثية مؤلمة، وكشفت عن استخدام مطار صنعاء لشن هجمات على مواقع مدنية وحيوية سعودية، دمرت الضربات عشرات الورش ومخازن تجميع الصواريخ الباليستية وتفخيخ المسيّرات. بعد عدة أشهر، تيقن الحوثيون أنهم لن يصوموا في مأرب، ولن يكون عيدهم في مأرب، فاضطروا إلى الانصياع للهدنة الأممية.
بدأ العام 2022 مستفيدا من زخم تكتيكي لاستراتيجية الدفاع، ومن المبادرة السعودية للحل اليمني التي أعلنت منتصف العام 2021.
فتحت السعودية أبوابا عديدة تصب في صالح حل الأزمة اليمنية. مثل حوار مع إيران، قنوات خلفية مع الحوثيين، دعم كامل لكل تنازلات الحكومة اليمنية وحرصها على السلام والتخفيف على شعبها بمناطق سيطرة الانقلاب، وانخراط إيجابي مع الزخم الدولي لدفع السلام، ودعم كامل ومتجدد للمبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ، وللمسار الأممي.
كما فتحت الرياض جملة أبواب إغاثية وتنموية مليارية القيمة، ومتنوعة الخدمات، دعما للحكومة اليمنية في أداء مهامها، وتخفيفا على المواطن اليمني والهموم التي تثقل كاهله.
في المقابل، لم تتوان إيران عن استخدام أقفال الحلول اليمنية. فالجماعة الحوثية المدعومة من إيران لم تلتزم بما تعهدت به، وانخرطت في الهدنة مجبورة.
وإنسانيا، كان لافتا أن الحوثيين أنفسهم أصبحوا ينتقدون إيران على الدعم بالأسلحة من دون أي دعم اقتصادي أو إغاثي.
الخيال السياسي
لعب الحوثيون منذ اندلاع الأزمة اليمنية، انقلاب سبتمبر (أيلول) 2014 دور الضحية. كانوا يقولون إنهم يتظاهرون تلك الأيام ضد الجرعة وضد رفع أسعار الوقود، وعندما بدأت عمليات التحالف خرجوا يسوقون للعالم مزاعم مظلومية وأنهم يقصفون ولا يريدون غير السلام، لكن ذلك، لم يعد ينطلي على أحد، وهو ما قاله السفير الفرنسي جان ماري صفا خلال حوار مع «الشرق الأوسط» مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2022.
تجدر الإشارة إلى أن التحالف لم يعلن منذ نهاية العام 2018 أي عمليات هجوم. وتركزت جل أعماله العسكرية على محورين: الأول دفاعي ضد التصعيد الحوثي والإصرار والتمسك بالحل العسكري، والثاني: استباقي ضد منصات إطلاق الصواريخ الباليستية والمسيّرات المفخخة، ومخازن وورش التجميع والتفخيخ لتلك الأسلحة النوعية التي جلبتها إيران للحوثيين. صدت الدفاعات السعودية 94 في المائة مما يربو على 1400 هجوم، ولا تعني الـ6 في المائة المتبقية أنها أصابت، لكن جلها كان يسقط في أماكن غير مأهولة.
في النصف الأول من العام 2022 وجد الحوثيون فرصتين، الأولى مشاورات الرياض، والثانية هدنة أممية، وكلاهما لا يتقاطع مع الآخر. كان حضور الحوثيين إلى الرياض سيختصر كثيرا على 30 مليون نسمة والمزيد من المآسي التي خلفها كابوس الانقلاب، لكن إيران تكمن في التفاصيل، ولم تفصل مراقصتها الدول الغربية في الملف النووي عن اليمن. فاكتفى الحوثيون بالهدنة، واختار اليمنيون مجلس قيادة رئاسيا يصلح أخطاء السنوات الماضية.
تولى الدكتور رشاد العليمي سدة رئاسة المجلس، مع سبعة نواب يمثلون مختلف القوى السياسية والتشكيلات العسكرية. انتقد بعض المستقلين المجلس حتى قبل أن يعقد أولى جلساته، ودعمه كثيرون يرون أنه أفضل الحلول القليلة والضيقة في معادلة التعقيد اليمنية.
مع كل تناقضاته، أعطى المجلس نموذجا جيدا كانت تفتقده الشرعية اليمنية، وكان اليمنيون يحلمون أن يكون هناك نموذج آخر في الخدمات داخل المناطق المحررة، وهو ما بدا جل تركيز رئيس الحكومة الدكتور معين عبد الملك، الذي تفرغ للاقتصاد والخدمات والحوكمة ودفع العجلة التنموية بكل ما أوتيت الحكومة من قدرات.
استمرت الهدنة الأممية من أبريل (نيسان) 2022 وجرى تمديدها أكثر من مرة، لكنها انتهت في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول)، ومع ذلك، استمرت الحكومة بفتح مطار صنعاء وتدفق المشتقات النفطية إلى الحديدة والأهم من ذلك، وقف النار. وهي البنود التي يكملها البند الوحيد الذي كان مطلوبا من الحوثيين ولم ينفذوه وهو فتح معابر تعز.
تقول سارة العريقي وهي ناشطة يمنية من تعز: «في تعز الحالمة يأتي العام الجديد حاملاً معه أمنيات الأعوام السابقة التي لم تتحقق، فالمواطن التعزي لم يعد له من أمنيات سوى أن يتوقف القنص والقصف، وأن يفتح له طريقه الرئيسي الذي يصله بالشطر الشرقي للمنطقة التي يسكن بها نصفهم الآخر من عائلاتهم وأحبائهم. لم تعد الأماني كبيرة فقد حجمتها الأعوام التي مرت دون أن تطالها أمنياتهم».
لم يلتزم الحوثيون بفتح المعابر، وخيبوا أمل المبعوث الأممي الذي سعى لتجديد الهدنة ورفضت الميليشيات التي أدمنت إضاعة الفرص التمديد لأنه يحتوي على بنود جديدة تتضمن بدأ السلام، الكلمة التي لم يجدها المهتمون بالشأن اليمني في قاموس الحوثيين، باستثناء البيانات التي يعتبرها يمنيون «معلبة» تصدر بين فينة وأخرى من باب رفع العتب الدولي، أو في حالة مخاطبته.
دبلوماسية مجابهة التصعيد
لم تختر الحكومة اليمنية الرد على التصعيد الحوثي باستهداف موانئ تصدير النفط وهي من المداخيل القليلة التي تتمتع بها الشرعية. اختار مجلس الدفاع اليمني الرد بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وهي خطوة لا تعتبرها الحكومة اليمنية مجرد تحرك ناعم، بل جعلتها برنامج عمل ترجمه مجلس الوزراء اليمني إلى جملة قرارات، مع تطمينات بعدم تأثر الإغاثة والأعمال.
يقول أحمد بن مبارك وزير الخارجية اليمني في حوار مع «الشرق الأوسط» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022: «لقد جرى إقرار عدد من الإجراءات، من أهمها: استكمال تحديث القوائم السوداء بالقيادات السياسية والميدانية لميليشيا الحوثي الإرهابية والأشخاص المتعاملين معها، والمنتحلين صفات رسمية في المستويات القيادية للوزارات ورؤساء مؤسسات وجهات حكومية، والمسجلين في قوائم دول وجهات أخرى، الصادر بإدانتهم أحكام، والمتورطين في ارتكاب جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، إضافة إلى المشتركين والمتواطئين في استهداف المنشآت الاقتصادية للتصدير وتهديد شركات الملاحة وسرعة إحالتها والتعميم بها للمتابعة والملاحقة الجنائية. كما تضمنت إعداد وتجهيز قوائم سوداء بالكيانات والشركات المتورطة بتمويل ميليشيا الحوثي الإرهابية ودعم أنشطتها، واتخاذ الإجراءات القانونية لتتبع الشبكات المتعاملة مع الميليشيا الإرهابية والعاملة خارج اليمن».
وتوعدت الحكومة بالتواصل عبر القنوات الرسمية والقانونية والأمنية «لضمان تعميم هذه الأسماء والقوائم وملاحقة الإرهابيين كافة، ومطالبة الدول بتجميد أموالهم» وفقا للوزير.
تجدر الإشارة إلى استخدام مجلس الأمن والدول الغربية مصطلح «هجمات إرهابية» على التصعيد الحوثي ضد البنى التحتية كميناء الضبة شرق اليمن، وهي سابقة يعتبرها رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي جيدة، ولكنها غير كافية، إذ قال في المقابلة اليتيمة التي أجراها منذ توليه المهمة الجديدة مع «العربية»: «على المجتمع الدولي أن لا يقدم حوافز لميليشيات الحوثي، لأن ذلك يشجعها».