جدد تصديق البرلمان التركي أخيراً على اتفاقية عسكرية مع تشاد، طرح أسئلة عن الدور التركي المتنامي في القارة الأفريقية عموماً وفي منطقتي الساحل والصحراء على وجه الخصوص، في وقت تشهد فيه المنطقة تراجعاً للنفوذ الغربي، ونشاطاً متصاعداً لتنظيمات إرهابية، وجماعات مسلحة.
ورغم محاولات المعارضة التركية الهجوم على الاتفاقية من زاوية تضَمنِها «تعزيز العلاقات البحرية والتنسيق المشتركة في مواجهة القرصنة»، في حين أن تشاد من الدول الحبيسة التي لا سواحل لها، إلا أن خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أكدوا أهمية الاتفاقية في تعزيز الحضور التركي بالمنطقة، وتقديم أنقرة لنفسها «بديلاً لقوى دولية يتراجع نفوذها» في الغرب الأفريقي.
وأثارت اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين تركيا وتشاد جدلاً في لجنة الشؤون الخارجية، إذ انتقد نواب ينتمون لأحزاب معارضة الاتفاق، ووصفوه - بحسب تقارير إعلامية تركية - بـ«غير الجاد»، وتمت كتابته باستخدام تقنية «النسخ واللصق»، لأنه لا يوجد بحر في تشاد يبرر توقيع اتفاق لتعزيز التعاون البحري ومواجهة القرصنة.
وبحسب التقارير ذاتها، دافعت الخارجية التركية عبر ممثلها في المناقشات البرلمانية عن الاتفاقية، مؤكدة أنها «نمطية»، ولفتت إلى أنه «سبق لتركيا أن وقعت اتفاقية تعاون بحري مع زامبيا، وهي دولة أفريقية حبيسة أيضاً».
إلى ذلك، أكد الباحث السياسي التشادي، علي موسى، أهمية الاتفاق العسكري التركي - التشادي، لافتاً إلى أن توقيته «يضاعف من أهميته»، فثمة قلق متنامٍ لدى تشاد وبقية دول الساحل والصحراء، من تداعيات انسحاب العديد من الدول الأوروبية العاملة في إطار عملية «برخان»، بما يعنيه ذلك من تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية للجماعات المرتبطة بتنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة».
وأوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الاتفاق يعزز الوجود التركي، وهو «وجود ملموس في المنطقة منذ سنوات عدة، ويزداد اتساعاً وعمقاً» لا سيما مع تراجع النفوذ الأوروبي، وتزايد المشاعر المناهضة للقوى الاستعمارية القديمة، الأمر الذي يفتح الباب أمام قوى إقليمية ودولية أخرى غير محملة بالإرث الاستعماري القديم كالصين وروسيا وتركيا.
وأضاف أن الاتفاق بين تشاد وتركيا «ربما يعزز تقارير سابقة عن وجود مفاوضات جادة للاعتماد على الصناعات العسكرية التركية، وخصوصاً في مجال المسيّرات التي يمكن التعويل عليها في المعارك التي يخوضها الجيش التشادي ضد التنظيمات الإرهابية».
وكان رئيس المجلس العسكري الانتقالي التشادي، محمد إدريس ديبي، قد قام بزيارة رسمية إلى تركيا في 27 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، تلبية لدعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، حيث أعلن الأخير أن بلاده مستعدة لتطوير التعاون العسكري والأمني مع نجامينا (عاصمة تشاد)، والتي تواجه تهديدات كبيرة من قبل العديد من التنظيمات الإرهابية وجماعات المعارضة المسلحة.
وخلال زيارة ديبي إلى أنقرة، تم التوقيع على اتفاقيات ثنائية عدة، في مجالات الزراعة والدبلوماسية والتعليم، وقال إردوغان إن بلاده «مُصرة على تقوية العلاقات مع تشاد في كل المجالات»، وأضاف أن هدف تركيا الجديد يتمثل في وصول حجم التجارة الثنائية إلى 200 مليون دولار، وفي مرحلة أخرى إلى 500 مليون دولار.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، انتهاء عملية «برخان» لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، ذاكراً أن استراتيجية فرنسية تجاه القارة الأفريقية ستكون جاهزة خلال ستة أشهر، مع استمرار الدعم الفرنسي للدول الأفريقية وفقاً للمبادئ التي سيتم تحديدها مع هذه الدول.
من جهتها، أشارت الدكتورة أماني الطويل، الباحثة المصرية المختصة في الشؤون الأفريقية، إلى أن الاتفاق بين تشاد وتركيا، يأتي في إطار محاولات أنقرة الحثيثة من أجل توسيع نفوذها العسكري أفريقياً شرقاً وغرباً على حد سواء، لافتة إلى أن تركيا تملك قاعدة عسكرية ولديها برامج تدريبية للجيش الصومالي، كما حاولت أنقرة في السودان الحصول على إحدى الجزُر في زمن الرئيس السابق عمر البشير، ولكنها أخفقت.
وأوضحت الطويل لـ«الشرق الأوسط» أن السياسة التركية في غرب أفريقيا تعتمد في الأساس على الآليات الاقتصادية والدينية عبر عامل الدين الإسلامي المشترَك مع دول غرب القارة، إلا أن التحولات الأمنية والسياسية التي تشهدها دول المنطقة «ربما تدفع أنقرة إلى البحث عن دور أكثر فاعلية في المنطقة، يتجاوز مرحلة العلاقات الاقتصادية، ولعب دور عسكري وأمني أكبر، في منطقة تشهد هشاشة واضطرابات متواصلة».
وأضافت أن تركيا عملت على تعزيز وجودها في أفريقيا عبر العديد من الخطوات على مدى العقدين الماضيين، إذ خصصت عام 2005 ليكون عام أفريقيا في تركيا، وحصلت كذلك على صفة مراقب بالاتحاد الأفريقي، واختيرت في عام 2008 شريكاً استراتيجياً للاتحاد الأفريقي، وهو ما وفر للشركات والمؤسسات التركية التواجد بقوة في العديد من الأقاليم الأفريقية، كما وُقعت اتفاقيات أمنية مع بعض دول القارة، وفي مقدمتها ليبيا، التي تحظى فيها تركيا بنفوذ كبير.
يُذكر أن أنقرة استضافت في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي قمة تركية أفريقية هي الثالثة من نوعها، اشترك فيها 16 رئيس دولة وحكومة، بجانب 102 وزير أفريقي بينهم 26 وزيراً للخارجية، فيما أفادت تقديرات غير رسمية أن تركيا لديها 37 مكتباً عسكرياً في أفريقيا.
تركيا لتمديد نفوذها في منطقتي «الساحل والصحراء» الأفريقيتين
أبرمت اتفاقية لتطوير «العلاقات البحرية» مع دولة تشاد «الحبيسة»
تركيا لتمديد نفوذها في منطقتي «الساحل والصحراء» الأفريقيتين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة