«الأوبئة والأزمات الاجتماعية في مصر»... أمراء وباشاوات في مواجهة الطاعون

ناصر أحمد إبراهيم يتقصى أسبابها وآثارها المدمرة على المجتمع

«الأوبئة والأزمات الاجتماعية في مصر»...  أمراء وباشاوات في مواجهة الطاعون
TT

«الأوبئة والأزمات الاجتماعية في مصر»... أمراء وباشاوات في مواجهة الطاعون

«الأوبئة والأزمات الاجتماعية في مصر»...  أمراء وباشاوات في مواجهة الطاعون

سعى الباحث المصري الدكتور ناصر أحمد إبراهيم في كتابه «الأوبئة والأزمات الاجتماعية في مصر»، الذي صدر حديثاً عن هيئة الكتاب المصرية إلى دراسة جانب مهم من علاقة المصريين بالدولة، وحقيقة الدور الذي كانت تؤديه في العصر العثماني، كما حاول من خلال دراسته التي تشكلت من خمسة فصول تتبع تأثيرات ما مر به المصريون من كوراث خلال سنوات القرن السابع عشر، على منحنيات التطور الديموغرافي للمجتمع، وما سببه، تعرض البلاد لثمانية عشرة جائحة بالطاعون حينها، من خلخلة سكانية أو فراغات ديموغرافية داخل المدن والقرى، حيث ضربت في إحدى سنواتها 230 قرية. كما يرصد الكتاب بعض الظواهر الاقتصادية والاجتماعية التي ارتبطت بوقوع الأوبئة والمجاعات، سعياً للوقوف على الكيفية التي حدثت بها، ومعرفة الأسباب التي جعلت المجتمع المصري يدخل بعد ذلك في نوع من التدهور خلال الأربعين سنة الأولى من القرن الثامن عشر.
اعتمد المؤلف على الكثير من الوثائق التاريخية التي تعود لتلك الفترة، ومنها «سجلات المحكمة الشرعية المصرية» و«المخطوطات الطبية»؛ حيث تعرف منهما على تفاصيل الحياة اليومية في مصر، وعادات الناس، وتقاليدهم، ومعتقداتهم، وطرقهم في التداوي، واتقاء الأمراض، ثم كانت شهادات العديد من «الرحالة العرب والأجانب» أمثال «جوزيف بتس»، و«فولني س. ف»، و«كتابات المؤرخين» أمثال ابن عبد الغني، ومحمد بن أبي السرور البكري، ويوسف بن الوكيل، الذين عاشوا أزمات القرن السابع عشر بعد احتلال العثمانيين مصر ووثقوا لها.
في الفصل الأول من الكتاب «محددات المجاعات والأوبئة»، حاول المؤلف التعريف بالمفاهيم المرتبطة بالأزمات، ودراسة خصائصها، ودورتها الزمنية، وأشكال العلاقة التي تربط بين كل منها، وذلك بهدف تحديد أسباب تباين تأثيرها على المجتمع من عصر إلى آخر، كما قام بإلقاء الضوء على أنواع الأوبئة ومصادرها، والبؤر الجغرافية لانتشارها، والعوامل التي كانت تؤدي لانتشارها وتوقفها، إضافة لسماتها ومظاهرها المختلفة.
ولتوضيح العلاقة بين تدني مستويات المعيشة في زمن الحكم العثماني إبان القرن السابع عشر وارتفاع مستويات الغلاء وانتشار الطاعون، ذكر الباحث أن دراسات التغذية تؤكد على وجود علاقة وثيقة بين سوء التغذية والعدوى الوبائية، وفي ضوئها يمكن تفسير التأثير المدمر للعدوى على المجتمع، بخاصة الفئات محدودة الدخل، حيث تتخذ الأوبئة مساراً بالغ الشدة بين السكان الذين يعانون من حالة من سوء التغذية، ويعللون ذلك بأن النقص الغذائي يسفر عن نقص شامل في المقاومة ضد العدوى الطاعونية، التي تزداد نتائجها سوءاً كلما طالت فترتها، وهو ما حدث في «طاعون مقصود باشا»، الذي ضرب مصر بين عامي 1642- 1643. وكان يصيب الصبية والشباب، ولم يسمع بمثله في زمن «طاعون جعفر باشا»، الذي سبقه بثلاثة وعشرين عاماً، و«طاعون علي باشا»، الذي كان في أوائل القرن.
ولفت الباحث إلى أن أغلب طواعين القرن السابع عشر من الحالات الثمانية عشرة التي ضربت مصر، جاءت مسبوقة بأزمات غلاء ومجاعات، لكنها لم تكن المسؤولة وحدها عن الوباء، بل كان لمناسيب النيل دور في ذلك، فبتتبع الباحث الأزمات الاقتصادية والمجاعات التي ضربت مصر خلال القرن السابع عشر، يؤكد أن المتغيرات الطارئة على مناسيب الفيضان صعوداً وانخفاضاً كانت لها مردودات سلبية على الاقتصاد المصري، فضلاً عن انتشار البرك والمستنقعات التي كانت تؤدي بالتالي بسبب عدم اهتمام المحتسبين بتطهيرها إلى انتشار الأمراض.
تحدث الباحث عن موقف المصريين من المجاعات، مشيراً إلى أن احتجاجاتهم وهباتهم كانت بسبب محدودية الآثار المترتبة على أي دور تقوم به الإدارة الحاكمة لمواجهتها، أو ربما غيابها عن التدخل أصلاً، وتركها الأمور تتفاقم، أو قيام بعض رجالاتها بممارسات تسهم في حدوث المجاعات وتفاقمها، وذكر أن الأمر لم يتوقف عند حدود الاحتجاجات ورفع الصوت، لكن جاور ذلك استخدم سلاح السخرية والتهكم كنوع من التقليل من شأن الباشاوات الذين لا يستجيبون لمطالبهم، ويضعون حلولاً دائمة تقضي على ما يعانونه من مشكلات معروفة ومستمرة، ومن الشخصيات التي نالتها سهام السخرية «أيوب باشا»، وأطلق عليه المصريون «خَيُّوب باشا» لأنه هدم جميع إصلاحات «مقصود باشا»، الذي أثبت فاعلية كبيرة في مواجهة الطاعون الذي ضرب مصر أثناء حكمه، ولم يسلم الأمراء والأغوات من الألقاب التي تحط من أقدارهم، فمنهم من صار اسمه «ابن المكسح»، و«بارم ديله»، و«ظالم علي»، وقد كان الهدف من هذه التسميات الهزلية نقد الفشل والتقاعس عن حل المشكلات، وتفشي الفساد الذي يسهم في تفاقمها وحدوث المجاعات والأمراض.
وتركز الفصل الخامس على أثر المجاعات والأوبئة على الاقتصاد الزراعي، ويشير الباحث إلى أن أشد أثارها خطورة عام 1643 زمن «طاعون مقصود باشا»، الذي استغرق سبعة أشهر، وخرب 230 قرية، وقتل فلاحيها وملتزميها. وكان يضاعف من أثر الأوبئة والمجاعات حدوثها على فترات متقاربة، حيث لم يكن يفيق المصريون من جائحة حتى تضربهم أخرى، وقد واجهوا ذلك كثيراً بين عامي 1618 و1626. وبين 1653، و1656، وكان معظم ما واجهه المصريون من جوائح بالغ الشدة والتدمير.
ولم يتوقف المؤلف عند دراسة الآثار التي تخص الزراعة فقط، بل تجاوزها لبحث تأثيرات تفاقم الأوبئة على الحرف والصنائع وأربابها، والتجارة وحركة الأسواق، ومالية الولاية، والأمن وشيوع الجريمة، فضلاً عن تأثيراتها على جماعات النخب السياسية والعسكرية، وعلى حركة التعليم والبعثات التبشيرية.



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.