بيار داغر: سوريا أعطتني حضوراً لم يعطني إياه لبنان

قال لـ «الشرق الأوسط» إنّ صوته «إكسسوار» يُكمل موهبته

بيار داغر ويزن أبو حمدة مخرج مسلسل «عين الشمس»
بيار داغر ويزن أبو حمدة مخرج مسلسل «عين الشمس»
TT

بيار داغر: سوريا أعطتني حضوراً لم يعطني إياه لبنان

بيار داغر ويزن أبو حمدة مخرج مسلسل «عين الشمس»
بيار داغر ويزن أبو حمدة مخرج مسلسل «عين الشمس»

بعد دور الشيف ساري في مسلسل «التحدّي»، صوَّر بيار داغر مسلسلين، موعد عرضهما رمضان 2023. تمنّى لو حمل دور الطاهي المتضاربة مشاعره مساحة إضافية، لأعطى أكثر. هو اللبناني الوحيد المشارك بمسلسل تاريخي ليبي يعود إلى حقبة يوسف باشا القرمانلي والتوسّع الأميركي في المنطقة. ففي الجزء الثاني من «سرايا»، يؤدّي شخصية توماس جفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة. «عين الشمس» هو المسلسل السوري الذي أنهى تصويره في دمشق. ويصف دوره بـ«القاسي».
احتضنت تونس مواقع تصوير المسلسل الليبي المرتقب عرضه عبر «قناة السلام» المُنتجة. الكاميرا لا تزال على وضعية «on»، لكنه أنهى تصوير مَشاهده، وعاد إلى بيروت، قبل التوجّه إلى سوريا تلبية لنداء «عين الشمس». يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه من المثير للممثل أداء شخصية رئيس أميركي. «تجربة جديدة» يخوضها أمام المخرج أسامة رزق. كتجربته الدمشقية حيث يمتهن القسوة المفرطة. هذه المرة يكون أباً يسيء إلى الأبوة.

الممثل اللبناني بيار داغر

يحبّ الممثل الشرّ لقدرته على استفزاز المكامن. لا تغرّه دائماً أدوار الطِيبة المتكررة. يفضّل الإبداع في ملعب آخر. «عين الشمس» (ورشة كتّاب، إخراج يزن أبو حمدة، وبطولة رشيد عساف، وروعة ياسين، ونادين خوري وغيرهم...)، يعطيه ما يطلبه؛ الشخصية خارج الصندوق. لديه قناعة تحول دون الاستفاضة: «أخبّئ الحديث عن الأدوار إلى ما بعد عرضها. مهما تكلّمنا، لن يدرك الناس تماماً ما نقول. المشاهدة تمنح الكلام معنى».
بدأت علاقته بـ«دمشق الفن» في تسعينات القرن الماضي، وعلى أرضها تألق. احتضن منتجون سوريون موهبته ومنحوه البطولة وأدواراً أولى. ذلك ما لم يُتح تماماً في لبنان. آنذاك، في مرحلة سطوعه على أرض سوريا، تحكّم بزمام الإنتاج اللبناني منتجان قبل أن يتولّى صادق الصبّاح وجمال سنّان وغيرهما القيادة. لم يكن الانتشار على ما هو حالياً عليه. اتّسم بالضآلة والمحدودية. برأيه، «المنصات قلبت الواقع الإنتاجي كما لم يحدث من قبل.
نجوم اليوم محظوظون، لمسألتَي الصيت العربي والأجر. ما حصلنا عليه لا يُقارن بالأجور الراهنة. حتى المحطات لم تبلغ عدد اليد الواحدة، محرومة من التأثير الكبير للمنصات في الجماهير العريضة».
له مفهوم للرضا لا يرتبط بالظروف والأحوال. حين يُسأل عنه، يحوّل الإجابة إلى ما يرى أنه الاتجاه الصحيح: «الفنان لا يرضى. هناك دائماً ما يُشعره بالحاجة إلى المزيد. ذلك ليس رهناً بما حصل عليه وما لم يُحصّله. الأمر أشبه بهمسات داخلية تخبره أنّ الاكتفاء مستحيل».
يُعرف عن بيار داغر فرادة صوته. ومن بين بحر من الأصوات، تعلو موجة لها إيقاعاتها، تزهو بالوَقع والأصداء. هذه حنجرته. المفارقة أنه يعتبر الصوت «إكسسواراً يُكمل الموهبة». فحين تبرد فرص التمثيل، تشتعل البدائل، فيوظّف الصوت في الدوبلاج والإعلانات لضرورات البقاء.
كان قد ابتعد بعض الشيء عن الدوبلاج، يوم عُرض عليه أداء صوت «النبي يعقوب» في المسلسل الإيراني الشهير «يوسف الصدّيق». يخرج صوت بيار داغر بالعربية الفصحى متماسكاً، رنّاناً، قوياً. يلخّص التجربة: «متعة كبرى، بعدها ما عدتُ أقبل بأي شخصية أمنحها صوتي. هذا الدور جعلني انتقائياً».
الحقيقة المُرة، على لسانه: «في لبنان، إن لم تكن (ستار)، فلن تحصل على اكتفاء مادي. مَن يتقاضون الأجور العالية هم نجوم الصف الأول. حتى هؤلاء، يبحثون عن استثمارات. تبخّرت الودائع في المصارف، وتبخّر معها الأمان حيال المستقبل. لا أحد يمكنه توقّع مباغتات الحياة، فكيف بالممثل (العادي)؟!».
يقصد بـ«العادي» نجوماً لا يقوَّمون بالضرورة وفق حجم الموهبة. فقد يتحلّون بما ينقص ملتهمو المشهد، ومع ذلك مقاعدهم في الخلف. إنها عوامل معقّدة لا ترتبط دائماً بحُسن الأداء. يطلق عليها «لا منطق المعايير»، ويحزنه أن تسيطر.
بين التاريخي والدرامي المعاصر، يميل بيار داغر إلى الدور الملائم. يصبح أقل أهمية نوع المسلسل مقارنة بوزن الدور: «أطمح لشخصية تغريني، سواء أكانت في قالب تاريخي أم من صميم الحاضر. أصبّ اكتراثي على ما يبرز موهبتي لأُخرج الأفضل».
سنوات في الوسط الفني تؤكد المؤكد: «هو وسط صعب وظالم. كُثُر يستحقون فرصاً في الكتابة والتمثيل والإخراج، فلا ينالونها. تجري الرياح ضدّهم. آخرون ينالون ما لا يستحقون». حين تحدّث عن سوريا، أنصفها بفضلٍ عليه لم يحققه له «لبنان الدرامي» آنذاك بظروفه والمتحكمين في دورته الإنتاجية: «أعطتني حضوراً لم يعطني إياه بلدي». يرمي تنهيدة عتب وهو يجيب على سؤال يتعلق بالدراما اللبنانية القائمة بذاتها، بلا اتكاء على نجوم عرب: «تشبه حال البلد»، يختصر الكلام، لئلا يتحوّل إلى «ورقة نعوة».
أسفه لا يحول دون إنصاف الجهود: «صادق الصبّاح يفتح الأبواب، وجمال سنّان أيضاً يحاول. يترك الوضع اللبناني انطباعاً بأنّ الكذب يطغى. يشاء الممثل فصل ظروفه عن الشخصية، فيؤديها ضاحكاً أو باكياً وفق شروطها. لكن داخله طوال الوقت نازف. نستمر بصعوبة. الأمل حين يغادر المرء، تخمد شعلته».



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».