«ميتا» ووسائل الإعلام... بين المنافسة وتبادل المنفعة

السيناتورة آيمي كلوبوشار
السيناتورة آيمي كلوبوشار
TT

«ميتا» ووسائل الإعلام... بين المنافسة وتبادل المنفعة

السيناتورة آيمي كلوبوشار
السيناتورة آيمي كلوبوشار

في حلقة جديدة من حلقات الصراع بين شركة «ميتا»؛ مالكة منصة «فيسبوك»، ووسائل الإعلام التقليدية، هددت «ميتا» بحذف الأخبار عن منصتها الأكثر شهرة، في حال إقرار «الكونغرس» الأميركي قانوناً يسمح لوسائل الإعلام الأميركية بالتفاوض بشكل جماعي مع شركات التكنولوجيا الكبرى، الأمر الذي أثار تساؤلات حول شكل ومستقبل العلاقة بين منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، وهل هي علاقة منافسة وصراع، أم تبادل منفعة. لكن على ما يبدو أمكن تلافي تهديد «ميتا» بحذف الأخبار، ولو مؤقتاً، بعدما سحب «الكونغرس» مشروع القانون.
ما حصل هو أنه، خلال الأسبوع الماضي، تحدثت وسائل إعلام أميركية عن مشروع قانون يعتزم «الكونغرس» الأميركي إقراره، يسمح لوسائل الإعلام التقليدية بالتفاوض بشكل جماعي مع «ميتا» الشركة المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام»، و«ألفابت» الشركة المالكة لـ«غوغل»، بشأن شروط وطريقة نشر المحتوى الإعلامي على منصات التواصل، ما يسمح لها بالحصول على عائدات مالية أكبر من نشر المحتوى الإخباري. لكن ما إن انتشرت أخبار القانون المُقترح، حتى هددت «ميتا»، في منتصف الأسبوع، صراحة بـ«حذف» الأخبار من منصتها حال تمريره. وقال آندي ستون، الناطق باسم «ميتا»، في تصريحات تداولتها وسائل الإعلام الأميركية، إنه «إذا مُرِّر هذا المشروع المعيب، من جانب الكونغرس، فإن الشركة ستكون مجبَرة على حذف الأخبار من منصتها».
وحقاً، يثير نشر الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي تباينات في المواقف بين هذه المنصات ووسائل الإعلام. إذ تقول «ميتا» إن نشر الأخبار على منصتها يسهم في تحقيق مزيد من الزيارات للمواقع الإلكترونية المنتِجة لهذا المحتوى، في حين تقول وسائل الإعلام إن «الشركة صاحبة العلامة الزرقاء تنشر المحتوى الإعلامي مجاناً، من دون عوائد مادية حقيقية لمنتجيه».
رائف الغوري، اختصاصي تقنية المعلومات والمدرب الإعلامي السوري العامل في دولة الإمارات العربية المتحدة، قال، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن مردّ هذا الصراع إلى اللاالتوازن في الفوائد والعوائد بين أطرافه، وهم صُناع الأخبار من مؤسسات وشركات إعلامية، وناشرو الأخبار، أمثال منصات «فيسبوك» و«إنستغرام».
وتابع الغوري إن «مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي هم المفعول به في هذا الصراع، ولا سيما أنهم لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن المعلومات من مصادرها الأصلية، مكتفين بما تنشره منصات التواصل... وهو ما يرجح كفة فيسبوك، ويمنحها قوة أكبر في التحكم فيما يصل للجمهور من معلومات»، ومن ثم توقّع «الوصول إلى حلول وسط في هذا الصراع؛ لأنه لا يمكن لأحد أطرافه أن يأخذ دور الآخر».
من ناحية ثانية، ووفق تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الأميركية عن آيمي كلوبوشار، السيناتورة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا، وهي أحد المشرّعين المسؤولين عن مشروع قانون المنافسة وحماية الصحافة، فإن مشروع القانون المُقترح «ضروري لمساعدة وسائل الإعلام المحلية والصغيرة على البقاء، في مواجهة هيمنة غوغل وفيسبوك».
وأردفت كلوبوشار، في بيانها، أن «السماح لشركات التكنولوجيا الكبرى بالسيطرة على القرارات السياسية في واشنطن لم يعد خياراً قابلاً للتطبيق عندما يتعلق الأمر بتعويضات الأخبار، أو حقوق المستهلك والخصوصية، أو سوق الإنترنت». وهنا يعلّق الغوري قائلاً إن «منصة فيسبوك تتحكم في نوعية الأخبار التي تصل للجمهور، عبر سياسة انتقائية تحكمها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، فضلاً عن تأثيرها على معتقدات وأفكار المستخدمين... وكل الاحتمالات قائمة في المستقبل، ولا سيما مع التطور التكنولوجي المتسارع، وتطور أساليب وأدوات الكتابة، واحتمال تغير الذائقة الثقافية والمعرفية للمستخدم».
من جانبه، قال دانييل كوفي، نائب رئيس تحالف صُناع الأخبار في الولايات المتحدة الأميركية، في بيان صحافي، إن «سحب مشروع القانون يرجع إلى حالة الشد والجذب السياسي في الكونغرس، بعدما عارض جمهوريون في الكونغرس إدراج تشريعات غير دفاعية في مشروع قانون دفاعي».
وأوضح أن سحب المشروع لم يكن اعتراضاً على بنوده؛ إذ لا يوجد خلاف على ضرورة مساعدة غرف الأخبار... بل سيستمر العمل لتمرير القانون في المستقبل، وإلا فإن الآثار ستكون مدمرة.
وحول الموضوع نفسه أرجع إيهاب الزلاقي، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «المصري اليوم» الخاصة في مصر، والمتخصص بالإعلام الرقمي، أسباب الصراع المستمر بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي إلى ما يسميه «الفجوة بين مصادر الدخل والإنفاق في المؤسسات الإعلامية». وأوضح الزلاقي، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في ظل أزمة التمويل التي تعاني منها المؤسسات الإعلامية وتراجع توزيع الصحف، فإن هذه المؤسسات تعتمد بشكل كبير على عائدات الإعلانات التي تتحصل عليها من منصات التواصل الاجتماعي».
ولفت إلى أن «المشكلة أكبر في المنطقة العربية، ولا سيما مع ندرة تطبيق أنظمة الاشتراكات المدفوعة... ورغم ضآلة العائدات التي تحصل عليها وسائل الإعلام من منصات التواصل الاجتماعي، فإنها تظل مهمة في ظل انعدام عائدات أخرى».
ووفق الزلاقي، لا يعني سحب مشروع القانون (مؤقتاً) من الكونغرس انتهاء الموضوع، و«إيقاف المشروع يرجع لأسباب تتعلق بالصراع السياسي الحزبي... في حين أن الجدل بشأن العلاقة بين الناشرين ومنصات التواصل سيستمر، وكانت قد حدثت حالة مماثلة في أستراليا قبل نحو سنة. وبالفعل حقاً، أوقفت ميتا، في العام الماضي، نشر الأخبار على فيسبوك في أستراليا بعد إقرار السلطات هناك قانوناً مشابهاً، لكنها سرعان ما تراجعت بعدما تعرضت لانتقادات كبيرة. ويومذاك صرح ناطق باسم فيسبوك بأن مكاسب الشركة من الأخبار ضئيلة، إذ تشكل الأخبار أقل من 4 % من المحتوى الذي يراه الناس».
في سياق متصل، يرى الزلاقي أن «انتشار الأخبار الزائفة هو مكمن الخطورة حال وقف نشر المحتوى الذي تنتجه المؤسسات الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي». وأضاف أن «هذه القضية تشكل محوراً أساسياً في ذهنية كل من يسعى لسنّ قوانين تحكم العلاقة بين الطرفين، حتى لو كان هناك إجحاف في اقتسام العوائد». وأكد من ثم أنه «على الرغم من أن العلاقة بين منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام يُفترض أن تكون علاقة منفعة ومصالح متبادلة، فإن غياب التوازن في القوى يجعل لمنصات التواصل الاجتماعي اليد الطولى في التحكم بالعلاقة».
ختاماً، يدفع مراقبون بأن مكمن الصراع بين الطرفين هو أنه لا رغبة عند الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي في أن تكون ملزَمة قانوناً بالدفع لوسائل الإعلام، ولا سيما أن هذه المنصات تدخل بين الحين والآخر في شراكات طوعية مع المؤسسات الإعلامية، وتقدم مِنحاً لمنتجي المحتوى. وللعلم، وقّعت شركة «ميتا» عام 2019 عقوداً بعشرات الملايين مع مؤسسات إخبارية أميركية، كما وقّعت عقوداً مماثلة مع وسائل إعلام بريطانية عام 2020، غير أنها أعلنت، في أغسطس (آب) الماضي، عدم تجديد هذه التعاقدات بداعي تحويل الموارد بعيداً عن المنتجات الإخبارية، والاتجاه لدعم المحتوى الإبداعي.


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».