ثمة مقولة منطقية وصحيحة في كلا الاتجاهين مفادها أن «فاقد الشيء لا يُعطيه» وبالتالي «مالك الشيء يُمكن أن يُعطيه». وإذا ما رغبنا في عطاء الخير، فإن ما يمكن أن نعطيه كثير، ومنْ يحتاج أو يقبل ما نُعطيه أيضا كثيرون. والصحة بمفهومها العام هي عطاء يُمتلك منها بقدر ما نبقيه مما نُعطى منها.
والسؤال: هل لنا جزء من عطاء الصحة لأبنائنا وبناتنا؟ وللاختصار فإن الإجابة نعم. وجزؤنا واسعٌ جدًا بسبب سعة ما يُمكن لنا أن نعطيه فيها لهم. ومن قبل أن يُولد أبناؤنا وبناتنا نحن نُعطيهم صحة، باهتمام الزوج بزوجته في تغذيتها وراحتها النفسية وحفاظها على صحتها، ونعطيهم صحة بمتابعة الأم الحامل في عيادات الحوامل، ونعطيهم صحة بإرضاعهم رضاعة طبيعية، ونعطيهم صحة بتلقيهم للقاحات، ونعطيهم صحة بالتغذية الصحية لهم.
وهكذا تطول قائمة ما يُمكننا أن نقدم لهم من الصحة. وما نحتاجه كآباء وأمهات إدراك مسؤوليتنا في أن بإمكاننا أن نفعل الكثير والكثير جدًا لامتلاك أبنائنا وبناتنا في مراحل أعمارهم المختلفة رصيدًا عامرًا من الصحة. وفي نفس الوقت قد تسبب سلوكياتنا غير الصحية تدهور المستوى الصحي لأبنائنا وبناتنا.
وثمة سؤال بطريقة أخرى، متى يفقد بسببنا أبنائنا وبناتنا رصيدهم من الصحة؟ والإجابة باختصار: في ظروف متنوعة وأوقات كثيرة وبأشكال عدة يُمكن أن نكون سببًا في ذلك. وعلى سبيل المثال دعونا نستعرض مشكلة سمنة الأطفال وكيفية الوقاية منها. وضمن عدد يوليو (تموز) من مجلة طب الأطفال (Pediatrics) أصدرت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) تحديث إرشاداتها للوقاية من سمنة الأطفال، وكانت تحت عنوان: «ليس من السابق لأوانه البدء مبكرًا في تبني اتباع نمط حياة صحية» في إشارة إلى أن البعض قد يعتقد أن مشكلة السمنة تتسبب بالمضاعفات والتداعيات لدى البالغين ولا داعي للبدء في وقاية الأطفال منها ما دام ليس لديهم سمنة.
وقالت الأكاديمية إنها تقدم تحديثها لإرشادات الوقاية من سمنة الأطفال على هيئة خطوات عملية للعوائل كي تأخذ بها لمساعدة أطفالها للحفاظ على وزن طبيعي. وأضافت أنه مع ارتفاع معدلات إصابة الأطفال بالسمنة فإنه يتعين على الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة حسنة وأن يتبنوا اتباع عادات صحية في غذائهم اليومي وفي سلوكياتهم المرتبطة بذلك كي يُساعدوا أطفالهم على حفظ أوزانهم ضمن المعدلات الطبيعية.
وتعتمد هذه الإرشادات في جانب الوقاية على الآباء والأمهات بدرجة كبيرة في عملهم على إعطاء صحة لأوزان أطفالهم ووقايتهم من الإصابة بالسمنة، ولذا فإن هذه الهيئة الصحية العلمية الأعلى في عنايتها بوضع إرشادات صحة الأطفال، قدمت وصفًا واقعيًا ومن أحداث الحياة اليومية للعوائل كي تقوم بدورها وتُوفي بمسؤوليتها تجاه صحة أطفالها في هذا الشأن عبر ثلاثة مسارات تسير جنبًا إلى جنب لجميع أفراد الأسرة وعلى رأسهم الآباء والأمهات: أولها التغذية الصحية المتوازنة، وثانيها ممارسة الرياضة البدنية بانتظام، وثالثها تقليل مستوى الخمول والكسل في أنشطة الحياة اليومية.
وعلقت الدكتورة ساندرا هاسانك، الرئيسية الحالية للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال والمشاركة في إعداد التقرير، بقولها: «إنه ليس مطلقًا من السابق لأوانه أن على العوائل إجراء التغييرات التي تساعد الأطفال لتحقيق وزن صحي وطبيعي، فالعوائل بإمكانها تحسين عادات تغذيتها وتناولها للأطعمة عبر طرق عدة، ولكن المهم للتغذية الصحية والنشاط البدني أن يُلائم مرحلة نمو الطفل وسمات العائلة». كما علق الدكتور ستيفن دانيلس، رئيس لجنة التغذية بالأكاديمية، خلال المؤتمر الصحافي لها بالقول: «حتى حينما تعلم العوائل السلوكيات الصحية، عليها تلقي المساعدة من أطباء الأطفال لتشجيعهم على تطبيق عناصر السلوكيات الصحية وإحداث التغيرات المطلوبة، والآباء والأمهات وبقية أفراد الأسرة مدعوون بقوة إلى تبنيهم تطبيق التغيرات المطلوبة من الأطفال في جوانب التغذية وممارسة الرياضة البدنية».
والواقع أن من الضروري وضوح الرؤية في جوانب سلوكيات نمط الحياة الصحية. وما هو ضروري فهمه أمران: الأول أن تلك السلوكيات الحياتية بصفتها الصحية ليست موجهة للمرضى أو الأشخاص الأكثر احتمالاً لعُرضة الإصابة بها. والثاني أنه لا يُوجد غذاء صحي خاص بالمرضى إلاّ في نطاق ضيق، أما لعموم الناس الأصحاء الساعين للحفاظ على الصحة ولعموم المرضى بكثير من الأمراض المزمنة فإن التغذية الصحية هي واحدة بصفاتها. بمعنى أن مريض شرايين القلب ومريض ارتفاع ضغط الدم ومريض السكري والشخص الطبيعي كلهم عليهم تناول أطعمة صحية غنية بالخضار والفواكه الطازجة، وكلهم عليهم تقليل تناول الملح، وكلهم عليهم تقليل تناول السكر المكرر، وكلهم عليهم الحرص على حفظ الوزن ضمن المعدلات الطبيعية، وكلهم عليهم ممارسة الرياضة البدنية اليومية. وفي نطاق ضيق، كمرضى الفشل الكلوي أو فشل الكبد أو الحساسية أو غيرها، ثمة نصائح متعلقة بتناول البروتينات أو غيرها خاصة بهم دون بقية الناس.
ولذا، فإن التغذية الصحية لا تختص بالمرض أو الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة بها، بل هي لجميع أفراد الأسرة. وثمة نقطة قلما يتنبه لها الكثيرون، وهي أن كون أحد أفراد الأسرة تم اكتشاف إصابته بالسمنة أو بارتفاع ضغط الدم أو مرض شرايين القلب فإنه تنبيه غير مباشر لضرورة تبني أفراد الأسرة جميعهم لسلوكيات نمط الحياة الصحية لسببين: الأول أن جميعها أمراض مزمنة لها علاقة بالوراثة، وهذه العلاقة الوراثية قد تكون جينية أو بيئية ذات صلة بسلوكيات الحياة لدى ليس أحد أفراد الأسرة بل جميعهم، والثاني مُلخصه المثل القائل «السعيد منْ وُعظ بغيره».
قدوة لأبنائنا في غذائنا وأوزاننا
قدوة لأبنائنا في غذائنا وأوزاننا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة