«الساحرة المستديرة»... كرهها هتلر واستغلها موسوليني

الفرنسي ميكائيل كوريا يتناول نشأتها ومساراتها في «تاريخ شعبي لكرة القدم»

«الساحرة المستديرة»... كرهها هتلر واستغلها موسوليني
TT

«الساحرة المستديرة»... كرهها هتلر واستغلها موسوليني

«الساحرة المستديرة»... كرهها هتلر واستغلها موسوليني

عبر الأجزاء الخمسة التي يتكون منها كتابه «تاريخ شعبي لكرة القدم» يركز الكاتب الفرنسي ميكائيل كوريا على الدور السياسي لكرة القدم (الساحرة المستديرة) بوصفها اللعبة الشعبية الأولى في العالم، وكيف تم توظيفها كأداة لخدمة فاشية موسوليني، ونازية هتلر الذي ذاعت خلال فترة حكمه حالات تعذيب وقتل لاعبين كثيرين عقاباً لهم على مواقفهم السياسية. كان هتلر يكره كرة القدم، ويفضل الملاكمة، لكنَّ شعبية كرة القدم الكبيرة لدى الألمان أجبرت الفوهرر على استيعابها ودمجها في العقيدة الاشتراكية القومية، وعلى ملاعب ألمانيا كما في خارجها. كان يجب على لاعبي كرة القدم أن يكونوا السفراء الفخورين بالرايخ الثالث، وبعد نقش قمصانهم بشعارات النبالة النازية، توجب عليهم أن يؤدوا بشكل مثالي تحية هتلر والنشيد الوطني الجديد، وألغى الاتحاد الألماني نظام الاحتراف، لصالح «نقاء الهواية»، فاللاعبون الهواة أكثر نبالة في نظر النازيين، كما أنهم يخضعون بسهولة لسلطة هتلر.
ويحكي المؤلف، في كتابه الذي صدرت نسخته العربية عن دار «المرايا للثقافة والفنون» المصرية بترجمة الكاتب المصري محمد عبد الفتاح السباعي، عن الجذور التاريخية لنشأة كرة القدم منذ القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وما قبل ذلك، كما يتتبع مساراتها إلى أن تطورت للشكل الحالي كصناعة كبرى، بدايةً من استغلالها من خلال أرباب الأعمال في بريطانيا زمن الثورة الصناعية لصرف طاقة الطبقة العمالية عن أي احتجاجات، ثم من طرف رجال الدين الذين كانوا يرونها أداة مثالية يمكنها الحفاظ على الشباب العامل من التدني الأخلاقي، حتى وصولها إلى لعبة تتدخل فيها السياسة أحياناً بوجهها القبيح، وتستغلها لتحقيق أغراض ومصالح معينة.
وعلى خطى النازية سار الجنرال فرانكو، حاكم إسبانيا، بممارساته، هو ورجاله، واتجه لدعم نادي ريال مدريد على حساب برشلونة، وهو الفريق الذي كان يكره الديكتاتور الإسباني بشدة. ويحكي المؤلف عمّا كان يدور في روسيا زمن ستالين، «1922 حتى 1952»، وكيف سعى البلاشفة للتحكم في كرة القدم، وتسييرها لتخدم مصالحهم، وذلك بعد أن رأى رجال السلطة هناك أنها صارت شغفاً سوفياتياً، لكنَّ محاولاتهم لم تفلح، ولم يستطع الحزب السيطرة عليها، فالجنون الشعبي تجاه نادي سبارتاك مثلاً، والتجاوزات العنيفة من مشجعيه كانت تُخفي حساً سياسياً، ففي بلد مثل الاتحاد السوفياتي السابق «كان نادي كرة القدم الذي تشجعه وتنتمي إليه خياراً تذهب إليه بنفسك، وبمحض إرادتك، وذلك في واحد من الأوقات النادرة التي تتمتع فيها بحرية الانضمام أو عدم الانضمام إلى مجتمع ما، والتعبير عن نفسك دون قيود». كان هناك الكثير من الفرق في موسكو، كل منها يمثل مجموعة اجتماعية، وكان معظم أنصار «سبارتاك» من الطبقات الدنيا، أما «نادي سسكا» فقد كان تابعاً للجيش الأحمر، هذا بخلاف «دينامو موسكو» الذي أنشأته وزارة الداخلية، وهكذا بدا المشهد يضم مختلف هيئات المجتمع السوفياتي، لكن في مجتمع ستاليني استبدادي يمنح القليل من الحريات الفردية، كانت كرة القدم تسمح لكل فرد بدعم فريقه المفضل، واختيار أبطاله، بعيداً عن أولئك الذين حددتهم أجهزة الدولة.
وقبل زمن ستالين بـ6 قرون تقريباً أصدر نيكولاس دي فارندوني، عمدة لندن، مرسوماً في أبريل (نيسان) عام 1314، باسم الملك إدوارد الثاني ملك إنجلترا، منع بموجبه، وتحت عقوبة السجن، «ممارسة كرة القدم في المدينة»، بدعوى حفظ السلام في غياب إدوارد الثاني الذي كان يخوض حرباً في اسكوتلندا، ومن أجل محاصرة الضوضاء التي تعمّ المدينة نتيجة لعب المباريات في الملاعب العامة، وتحسباً لما يمكن أن ينجم عن ذلك من شرور.
ويخصص كوريا فصلاً كاملاً للحديث عن كرة القدم النسائية في بريطانيا، وتحولها من الرفض الأخلاقي الصادر من المجتمع البطريركي الذي كان يرى في الشورتات التي كانت اللاعبات يرتدينها رمزاً للانحلال، إلى الرعاية القوية من جانب القادة الصناعيين، ثم الحكومة في بداية العقد الثاني من القرن العشرين، ثم نكوصها مرة أخرى، والاتجاه لمنعها وتسريح اللاعبات لأن السياق الاجتماعي في مطلع القرن الماضي لم يكن يميل لصالح تحرر المرأة التي كان عليها الانتظار خمسين عاماً لإلغاء الحظر المفروض عليها بممارسة كرة القدم.
وفي الجزء الثالث يحكي الكتاب عن البرازيل التي كان المسؤولون عن الرياضة فيها ينظرون إلى اللاعبين أصحاب البشرة السمراء خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي على أنهم «أقل ذكاءً ممن سواهم، ويفتقرون إلى الروح القتالية اللازمة، والشعور بالمسؤولية الضرورية لأي مباراة جماعية».
ويذكر كوريا أن اللجنة الفنية التابعة لاتحاد الكرة البرازيلي استدعت في كأس العالم عام 1958 طبيباً نفسياً لاختيار اللاعبين المناسبين ذهنياً للمنافسة. وحكم عالم النفس جواو كارفالهايس، على بيليه بأنه «طفولي بشكل لا لبس فيه، يفتقر إلى الروح القتالية اللازمة، والشعور بالمسؤولية الضروري لأي مباراة جماعية»، وقال عن غارينشا إن «ذكاءه أقل من المتوسط، ولا ينبغي له المشاركة في مباريات تتسم بالضغط العالي بسبب افتقاره للشراسة المطلوبة»، وكان حكمه هذا مستنداً إلى أنهما من أصحاب البشرة السوداء، وجاء استجابةً لرأي المسؤولين عن الرياضة في البلاد، والذين كانوا يعانون من «صدمة ماراكانا» والتي ضربتهم في عُقر دارهم، ونتجت عن خسارتهم كأس العالم أمام الأوروغواي عام 1950، وأرجعوا سببها لحارس المرمى صاحب البشرة السمراء باربوسا، وحكموا عليه بالعيش منبوذاً في بلده، وبات رمزاً لسوء الطالع لدرجة أنهم منعوه من حضور أي مباراة أو تدريب للمنتخب البرازيلي، وصار النظام الكروي كله هناك غارقاً في جدل حول «بياض» لاعبيه.
هذه المفاهيم العنصرية أجبرت فينسنتي فيولا، المدير الفني للمنتخب، بمجرد وصولهم إلى السويد للمشاركة في كأس العالم عام 1958، على عدم إشراك بيليه وغارينشا في المباريات الأولى ضد النمسا ثم إنجلترا. ولكن بعد التعادل السلبي مع الإنجليز، وضعهما المدرب في التشكيل الأساسي في محاولة لهزيمة منتخب الاتحاد السوفياتي المخيف، وبسبب هذين اللاعبين تحول السيليساو إلى آلة لتسجيل الأهداف، حيث كان المدافع السوفياتي بوريس كوزنيتسوف ضحية لمراوغات غارينشا، بينما سجل بيليه هدف الفوز في ربع النهائي ضد ويلز قبل أن يوقّع على ثلاثية في نصف النهائي ضد فرنسا، وفي المباراة النهائية كانت المواجهة رمزية بين السويديين طوال القامة، شُقر البشرة، وبين البرازيليين الأصغر حجماً والأكثر قتامة وسواداً، وانتهى اللقاء بفوز البرازيل.
ويشرح كوريا كيف كانت الكرة وسيلة لمقاومة العنصرية، وصارت سلاحاً استخدمه الجزائريون للتخلص من المستعمر الفرنسي، ويحكي قصة مشاركة اللاعبين الجزائريين المحترفين في عدد من الأندية الفرنسية في حرب تحرير بلادهم. كما يتحدث عن أندية كرة القدم الفلسطينية، وكيف سعى الاحتلال الإسرائيلي لإغلاقها منذ البداية بعد أن استشعر المستوطنون في تل أبيب أنها يمكن أن تكون وسيلة لإعاقة عمليات المصادرة وإنشاء الوطن القومي، لكنَّ هذا الاضطهاد والحصار وتقييد الحركة الذي كان يتزايد مع دخول الدولة العبرية في مراحل تاريخية متقدمة كانت تقابله انتفاضات وثورات شعبية من الجانب الفلسطيني، يتصدرها دائماً لاعبو كرة القدم وغيرهم من الرياضيين.
ومن فلسطين في غرب آسيا، إلى أفريقيا جنوب الصحراء، كان الاحتلال الفرنسي هناك يرى أن أي انتصار يمكن أن تحققه فرق المستعمرات ضد مستعمريهم، سوف يكتسب أهمية خطيرة، ويتم استغلاله من جماهير السود ليكون دافعاً لهم على التمرد، لكنَّ ذلك الحرص لم يمنع فرق المستعمرات من الانتشار والازدياد، «ووضع قوات الاحتلال الفرنسي في موقف تسلل»، فارتفع عدد الأندية في منطقة غرب أفريقيا الفرنسية من 184 عام 1943 إلى 438 في عام 1957، وانعكست هذه الزيادة في فرق الكرة في صور كثيرة من المشاعر المناهضة للاستعمار، وأخذت مظاهرها وبدت واضحة في مرحلة الستينات مع تحقيق الاستقلال.
ويشير كوريا في الكتاب الذي صدرت نسخته الفرنسية عن دار نشر «لاديكوفيرت» إلى أن كرة القدم وُلدت معولمة، إذ حملها بحارة الإمبريالية الإنجليزية إلى شواطئ العالم. وفي البرازيل، تم تقديم الكرة رسمياً في 14 أبريل 1895، عندما نظم برازيلي من أصل بريطاني المباراة الأولى، والتي كانت مرتبطة بألعاب ترفيهية بين أطقم السفن الإنجليزية. وقد كان الأمر كذلك في الكثير من البلدان الأخرى، ومن بينها فرنسا، حيث أدى وصول كرة القدم عبر ميناء لوهافر في عام 1871 إلى تأسيس أول فريق فرنسي، من خلال نادي لوهافر الرياضي.
يُذكر أن ميكائيل كوريا يعمل في منصة «ميديا بارت» الإلكترونية، وسبق له العمل في جريدة «لوموند ديبلوماتيك»، بالإضافة إلى مساهمته في تأسيس مطبوعة «CQFD» المتخصصة في النقد الاجتماعي، أما المترجم محمد عبد الفتاح السباعي، فهو رئيس قسم الشؤون الخارجية بجريدة «الأخبار»، وترجم من قبل أربعة كتب عن الفرنسية، أبرزها كتاب «عنف وسياسة في الشرق الأوسط... من سايكس بيكو إلى الربيع العربي»، وكتاب «المثقفون والجنس والثورة... عاهرات وعزّاب في القرن التاسع عشر».



«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.