كيف تعامل الإعلام الرياضي العربي مع مونديال قطر؟

خبراء أكدوا أن الأداء اللافت للسعودية والمغرب زاد الزخم حول البطولة

فرحة جمهور المنتخب المغربي
فرحة جمهور المنتخب المغربي
TT

كيف تعامل الإعلام الرياضي العربي مع مونديال قطر؟

فرحة جمهور المنتخب المغربي
فرحة جمهور المنتخب المغربي

بينما تتواصل فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، يبرز التساؤل حول كيفية تعامل الإعلام الرياضي العربي مع «مونديال 2022»، ومدى تأثير مشاركة المنتخبات العربية على طبيعة التفاعل والتغطية لواحدة من الفعاليات «الأكثر» جماهيرية على مستوى العالم.
وفي حين لفت خبراء تحدثت معهم «الشرق الأوسط» إلى أن الأداء «اللافت» لمنتخبَي المملكة العربية السعودية والمغرب زاد من الزخم الإعلامي حول البطولة، فإنهم أشاروا أيضاً إلى أن حجم التفاعل والتغطية يختلف من دولة لأخرى؛ لا سيما إذا كان منتخب الدولة المعنية مشاركاً في البطولة.
في الحقيقة، الإعلام لاعب أساسي ومؤثر في الأحداث الرياضية. وحسب دراسة حديثة نشرها موقع «Enos Tech» في مايو (أيار) الماضي، فإن «الإعلام ساهم إيجابياً في تنمية وتطوير الرياضة عموماً، وزيادة عائداتها، وجودتها أيضاً». وذكرت -في رجعة تاريخية- أن «أول مقال حول حدث رياضي نُشر عام 1836، بينما جاء أول تقرير تلفزيوني رياضي عام 1939».

الجمهور السعودي في كأس العالم (رويترز)

وفي حين تحتل الرياضة جانباً مهماً من التغطيات الإعلامية عربياً وعالمياً، تحظى بطولات كرة القدم بالنصيب الأكبر من التغطية؛ لا سيما مع جماهيرية اللعبة الشعبية التي تلقَّب بـ«الساحرة المستديرة». وتعد نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم حدثاً عالمياً استثنائياً، ينتظره عشاق الكرة، والإعلام، كل 4 سنوات. ووفق مراقبين، فإن نهائيات قطر 2022 تستقطب اهتماماً إعلامياً خاصاً على المستوى العربي، كونها أول نهائيات تستضيفها دولة عربية؛ لكن ليس هذا هو السبب الوحيد؛ إذ إن المشاركة العربية أيضاً سلطت على هذه النهائيات مزيداً من الأضواء.
كان للمملكة العربية السعودية حضور مبكر لافت في البطولة، عقب انتصار المنتخب السعودي في أولى مبارياته في على منتخب الأرجنتين بقيادة النجم الكبير ليونيل ميسي، المصنف ضمن أفضل اللاعبين على مستوى العالم. وهنا علّق أسامة المدني، أستاذ الإعلام البديل في جامعة أم القرى السعودية، ومستشار الإعلام الرقمي وتطوير الأعمال، لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «المملكة نجحت في توظيف كأس العالم، واستثماره لمصلحة صورتها إقليمياً وعالمياً كقوة ناعمة، لا سيما بعد الفوز التاريخي على المنتخب الأرجنتيني، أبرز المرشحين للفوز بالبطولة».
وعلى الصعيد الإعلامي، تابع المدني: «سخّر الإعلام السعودي كل إمكاناته لتسويق المملكة إقليمياً وعالمياً... وسط تفاعل الجماهير مع وسائل الإعلام، وإعادة مشاركة أخبار المنتخب السعودي؛ إذ أعادت الجماهير السعودية نشر تغريدات وكالة الأنباء السعودية حول نتائج المنتخب، ما أعطى زخماً إضافياً للبطولة... والبيانات الحديثة تشير إلى أن المجتمع السعودي هو الأكثر تفاعلاً، عالمياً، على منصة التغريدات (تويتر)».
من ناحية ثانية، تفاعلت وسائل الإعلام العربية بشكل متفاوت مع البطولة، بين محاولات التركيز على المنتخبات الوطنية -في حال كانت مشاركة- وتقديم الدعم والتشجيع الحذر أحياناً للفرق العربية، مع استمرار المتابعات اليومية للفعاليات، لا سيما المنتخبات ذات الشعبية الجماهيرية.
وهكذا خصصت الصحف الورقية صفحات لتحليل المباريات ونتائجها، ولم تخلُ المحطات التلفزيونية من استوديوهات التحليل الرياضي، في حين انتشرت مقاطع الفيديو التحليلية من منتجي المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي.
وهنا شرح أنس بنضريف، الصحافي والخبير الإعلامي المغربي، لـ«الشرق الأوسط» مراحل تفاعل الإعلام المغربي مع «مونديال 2022»، وقال إن «البداية بالنسبة للمغرب كانت حذرة، لا سيما أن المنتخب المغربي كان يلعب ضمن مجموعة قوية، وكانت أغلب التوقعات تشير إلى احتمال خروجه من الدور الأول... إلا أن التعادل مع منتخب كرواتيا صبغ التغطية الإعلامية بقدر من التفاؤل، ونقلها إلى مرحلة أكثر حماسة... ومن ثم فتح باب الأمل على مصراعيه بعد الفوز على بلجيكا».

استوديو نقل تلفزيوني

وتابع الصحافي المغربي: «إن هناك جيلاً كاملاً من المغاربة لم يعش أجواء التأهل لثُمن نهائي بطولة كأس العالم، إذ لم يحدث ذلك منذ عام 1986، الأمر الذي منح مونديال قطر زخماً في الشارع المغربي والعربي أيضاً».
بطبيعة الحال، تختلف درجة اهتمام وسائل الإعلام العربية بـ«مونديال 2022»، وتتأثر بمشاركة منتخب ما أو غيابه، وهو واقع رصده خبراء أكدوا تكثف التغطية حال وجود المنتخبات الوطنية في البطولة، وتراجعها أو فتورها حال خروج هذه المنتخبات أو تغيبها من الأساس. ولكن على مستوى الشارع العربي تبقى «الساحرة المستديرة» اللعبة الأكثر شعبية التي يحرص كثيرون على متابعتها في مختلف الأحوال، سواءً في المنازل أو المقاهي. وهذا ما رصده بنضريف بنفسه، حين سمحت له الظروف بمتابعة بداية «المونديال» في 3 دول عربية، هي: تونس والعراق ومصر، وقال: «هناك إجماع على تشجيع المنتخبات العربية، حتى بين الدول التي لم تتأهل للبطولة مثل العراق ومصر، وإن سمعت عبارات الحسرة على الغياب بين الحين والآخر؛ لكن هذا لم يؤثر على فعالية وقوة تشجيع المنتخبات العربية».
وحقاً، فإن جولة على المقاهي والأماكن العامة في فترة البطولة كفيلة بمنح المرء انطباعاً عن مدى جماهيرية هذه الرياضة في الشارع العربي؛ إذ لا يكاد يخلو مقهى من شاشة تلفزيون مثبّتة على القناة الناقلة للبطولة، في حين تزدحم المقاهي ويتسمّر روادها أمام الشاشات لمتابعة المباريات، سواء كان أطرافها منتخبات عربية أو غربية. ولئن كانت بعض المنتخبات تحظى بشعبية أكثر من غيرها، يلاحَظ أن لا خلاف على تشجيع المنتخبات العربية، أياً كان الطرف المنافس.
من جانب آخر، تعد كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية على مستوى العالم -ربما باستثناء الولايات المتحدة- ما يجعل التفاعل الإعلامي معها أكبر، وإن جاء ذلك على حساب الرياضات الأخرى. ونظراً لجماهيريتها فكرة القدم تُكسِب من يكتب عنها في الإعلام قدراً من الشهرة لا تمنحه الرياضات الأخرى. وهذا ما يفسر -مثلاً- اهتمام الإعلام المصري بـ«المونديال» على الرغم من غياب المنتخب الوطني عن المشاركة في البطولة، حسب الناقد الرياضي المصري أيمن بدرة.
بدرة تابع في حوار مع «الشرق الأوسط» قائلاً إن «الزخم الإعلامي الذي صاحب مونديال قطر هو الأكبر في تاريخ البطولة؛ لا سيما مع حالة الجدل التي أثارتها البطولة لاعتبارات دينية وقيمية، وتنظيمها في دولة عربية، إلى جانب مشاركة منتخبات لها جماهيرية كبيرة وذات تأثير في نسب المشاهدات، مثل السعودية». وأردف: «التفاعل الجماهيري على منصات التواصل الاجتماعي، وظهور محتوى متنوع؛ لا سيما بعد فوز المنتخب السعودي على منتخب الأرجنتين، دفع نحو مزيد من التغطية الإعلامية للمونديال عموماً».
وفعلاً، يتفق هذا ما أعلنه الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، من أن «المباراة الافتتاحية لمونديال قطر جذبت مشاهدات أكثر من نظيرتها عام 2018، بزيادة وصلت إلى 109 في المائة، لتتخطى النسب في نهائيات روسيا عام 2018، ونهائيات البرازيل عام 2014».
ولكن على الجانب الآخر، يقول بدرة إن «متابعة الإعلام المصري للمونديال كانت ستختلف في حال مشاركة المنتخب الوطني المصري». ويتابع: «في مونديال روسيا عام 2018، على سبيل المثال، سافر وفد إعلامي كبير مع المنتخب المصري لمتابعة مبارياته، وهو ما لم يحدث في مونديال قطر؛ حيث اقتصرت التغطية الحية على عدد قليل من المراسلين والصحافيين ممن تلقوا دعوات من الجانب القطري لتغطية البطولة». وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من انطلاق الصحافة الرياضية المصرية في أوائل القرن الماضي، بتغطية ألعاب فردية مثل الفروسية وسباقات الخيل، والملاكمة، فإن نقاداً ومؤرخين يرجعون بداياتها إلى 4 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1922، عندما خصّصت صحيفة «الأهرام» المصرية زاوية يومية بعنوان «الصحافة الرياضية»، هي التي يعتبرها النقاد أول باب متخصص للصحافة الرياضية في المنطقة العربية.
وهنا يقول بدرة إن «الألعاب الرياضية الأخرى، على الرغم من الإنجازات التي تحققت فيها عربياً، لا تحظى بدرجة الاهتمام الإعلامي نفسها التي تحظى بها كرة القدم»، ويشرح بأن «كرة القدم بمثابة الغذاء الرئيس على المائدة العربية، من حيث الإنفاق والمتابعة الجماهيرية، والعائدات الإعلامية على مستوى الوسيلة الإعلامية والصحافي أو الإعلامي»، ضارباً المثل باستوديوهات تحليل المباريات في التلفزيون التي يقوم عليها صحافيون وإعلاميون متخصصون في متابعة أخبار كرة القدم.


مقالات ذات صلة

السجن 8 سنوات في روسيا لصحافي نشر «معلومات كاذبة» عن الجيش في أوكرانيا

أوروبا جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا في شبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)

السجن 8 سنوات في روسيا لصحافي نشر «معلومات كاذبة» عن الجيش في أوكرانيا

حكمت محكمة في مدينة غورنو ألتايسك الروسية في ألتاي، اليوم (الجمعة)، على الصحافي المحلي سيرغي ميخائيلوف بالسجن ثماني سنوات لانتقاده الجيش الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة تُظهر بكر القاسم الصحافي والمصوّر المتعاون مع وسائل إعلام عدة بينها «وكالة الصحافة الفرنسية» (متداولة)

فصائل موالية لأنقرة تُوقِف صحافياً بشمال سوريا

أوقفت الشرطة المحلية التابعة لفصائل موالية لأنقرة بشمال سوريا، الصحافي والمصوّر المتعاون مع وسائل إعلام عدة، بكر القاسم، في مدينة الباب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق أكاديمية «SRMG» تطلق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا بدعم من «تيك توك»

أكاديمية «SRMG» تطلق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا بدعم من «تيك توك»

أعلنت أكاديمية «SRMG» عن نيّتها إطلاق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا، بدعم من منصّة «تيك توك»، وذلك في الرياض بين 15 و19 سبتمبر 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أمّهاتٌ قاتلات وأزواجٌ مجرمون... «راوية الجريمة» تعرض أفظع الجرائم الواقعيّة

أمّهاتٌ قاتلات وأزواجٌ مجرمون... «راوية الجريمة» تعرض أفظع الجرائم الواقعيّة

يشهد عالم التلفزيون والإعلام مؤخراً اهتماماً مطّرداً من قبل الجمهور بالجريمة الواقعية. يأتي بودكاست «راوية الجريمة» عبر «الشرق» ليروي هذا العطش المستجدّ.

كريستين حبيب (بيروت)
الولايات المتحدة​ أوبرا وينفري تتحدث في اليوم الثالث من المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ف.ب)

بعد دعمها هاريس... ماذا نعرف عن تاريخ أوبرا وينفري السياسي وتأييداتها؟

تحدّثت الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، أمس (الأربعاء)، في المؤتمر الوطني الديمقراطي، حيث أعلنت تأييدها لكامالا هاريس، واستمرّت في دعمها للمرشحين الديمقراطيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة
TT

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

أجيال عربية متلاحقة تحتفظ بذكريات من الانغماس في عوالم بديلة تكوّنت بين الصفحات الملوّنة لمجلات الأطفال المليئة بالقصص المشوّقة والصور المبهجة، غير أن رفيق الطفل العربي هذا يشهد اليوم تحوّلات جذرية تتجاوز حدود الورق الملون لتصل إلى عالم التكنولوجيا الرقمية.

وفي حين يعتمد خبراء ومتابعون على تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، أشار إلى أن معدل قراءة الطفل العربي للكتاب غير المدرسي 6 دقائق فقط، وهذا معدل منخفض للغاية مقارنة بدول العالم، فإن ثمة بيانات أخرى تبدو أكثر إيجابية، إذ تضمنت قائمة «مؤشر إن أو بي الثقافي العالمي» (NOP World Culture Score Index) الصادر مطلع العام الحالي دولتين عربيتين بين الأكثر قراءة عالمياً.

مصر احتلت المرتبة الخامسة في «المؤشر»، وجاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة العاشرة، وهو ما عدّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بمنزلة «فرصة جيدة لمجلات الأطفال لمنافسة الآيباد والهواتف الذكية».

جدير بالذكر، أن المنطقة العربية تصدر عدداً من مجلات الأطفال، تأتي في مقدمتها «ماجد»، وهي مجلة إماراتية صدرت للمرة الأولى عام 1979، وترأس تحريرها منذ البداية الكاتب الصحافي أحمد عمر، الذي توفي في أغسطس (آب) الحالي عن عمر ناهز 85 سنة، أمضى معظمه في إثراء صحافة الطفل، ومع وفاته تصاعدت تساؤلات حول مستقبل مجلات الأطفال في الوطن العربي.

تجارب راسخة

أيضاً، بين التجارب الراسخة في مجال صحافة الطفل مجلة «ميكي»، التي صدرت في مصر لأول مرة عام 1959. وهي مستوحاة من شخصية «ميكي ماوس» الشهيرة لشركة «والت ديزني»، وعلى مدار عقود حققت المجلة نجاحاً كبيراً، واستمرت في الصدور حتى اليوم. وثمة تجارب أخرى في مصر والوطن العربي مثل مجلات «علاء الدين» و«العربي الصغير» و«قطر الندى» و«سمسم» -المستوحاة من البرنامج الشهير «عالم سمسم»- و«كوكو»... وأيضاً «سمير» و«سندباد» وغيرها من التجارب البارزة في صحافة الطفل.

الفنانة التشكيلية الإماراتية، آمنة الحمادي، رسامة كاريكاتير وخبيرة كرتون أطفال وتحكيم دولي، ترى أن تجارب صحافة الطفل «راسخة حتى الآن، لأنها تسعى جاهدة للاستمرار في تقديم المفيد للطفل في جميع المجالات الفنية والثقافية والترفيهية». وتخص آمنة الحمادي مجلة «ماجد» بالحديث قائلة: «لا أزال أؤمن بأن مجلة (ماجد) هي أفضل التجارب في صحافة الطفل، بدليل أنها الأعلى توزيعاً».

ومن ثم، تعزو آمنة الحمادي أسباب هذه الاستمرارية إلى أن «مجلة (ماجد) تسعى صادقة لترسيخ ثقافة عربية تنبع هويتها من تراث أصيل يحمل المبادئ الراقية والأخلاق النبيلة، وينادي بحب الإنسانية. ومن هنا كانت لغة الخطاب الموجهة إيجابية، وجاء ذلك بمشاركة خبراء في عالم الطفل من كُتاب ورسّامين مُبدعين في الوطن العربي، قادرين على إلهام أجيال المستقبل وإثراء تجاربهم وتطوير ذائقتهم»، على حد تعبيرها.

وتضيف أن «المجلة نجحت في خلق مساحات خاصة لمشاركات الأطفال من خلال نشر إسهاماتهم، ما يُعزّز نموذجاً تفاعلياً، ما ساهم في تطوير مواهبهم في إطار ترفيهي يحترم عقلية ونفسية الطفل بصفته فرداً من أسرة تحرير المجلة».

التطوّر الرقمي... و«مانجا»

وفي ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم راهناً، تعتقد الفنانة الإماراتية آمنة الحمادي أن «أثر التكنولوجيا بات واضحاً وإيجابياً على شكل مجلات الطفل، من حيث سعة المعلومات وسرعة الإنتاج وسهولة الوصول للجميع وسهولة المشاركة بين المجلة والأطفال، وأيضاً حماية البيئة في تقليل الاعتماد على الأوراق وجماليات الألوان، وهو ما يعدّ أحد جوانب الجمال البصري». وتشدّد على أن «الطفل العربي أكثر انفتاحاً على التكنولوجيا، ما يعني وجود فرصة لصنّاع صحافة الطفل للتطوير».

من ناحية أخرى، عدّ خبراء التجارب الإلكترونية لمجلات الأطفال الورقية الراسخة بأنها «محدودة»، إذ تمثّل أغلبها في تعزيز الأرشيف بنسخة «بي دي إف»، أما التحول الفعلي نحو الرقمنة والتفاعل فلا يزال محل سجال. وفي السياق نفسه، جاءت المبادرة الأولى لإطلاق مجلات إلكترونية تفاعلية للأطفال على يد المملكة العربية السعودية من خلال طرح تجربة «مانجا العربية» عام 2021، وهي مجلة إلكترونية مخصّصة للأطفال والشباب متوفرة عبر الإنترنت وتطبيقات متجر «غوغل بلاي» و«آبل»، فضلاً عن حضورها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وتضم «مانجا العربية» مجموعات قصصية عربية ويابانية مصوّرة ومزوّدة بالفيديو بصفتها طريقة لجذب الفئات العُمرية الصغيرة، كما تقدّم حملات رقمية توعوية تستهدف الأطفال والشباب، وتطرح المسابقات التحفيزية لتحقيق مزيد من التفاعل. ولقد اتجهت المجلة في مايو (أيار) الماضي، نحو تعاون مع شركة «بلايستيشن» لتعزيز دورها في صناعة الألعاب التفاعلية، كما أعلنت الشهر نفسه عن خطة توسعية بإطلاق «مانجا إنترناشونال».

في هذا السياق، قال الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة «أم القيوين» في دولة الإمارات، يرى أن مجلات الطفل بشكلها التقليدي «بحاجة إلى أذرع التكنولوجيا»، مضيفاً: «تقف مجلات الأطفال الكلاسيكية في مفترق طرق غير مستقر، إذ يبدو أن مستقبلها متأثر بعدة عوامل أشارت إليها الأبحاث الحديثة».

وحقاً، تشير الأبحاث إلى أن اهتمام الجمهور الأصغر سناً بوسائل الإعلام المطبوعة آخذ في التناقص. ومن ثم، فإن الأشكال الكلاسيكية على وشك الاختفاء، لكنها لن تختفي تماماً أمام نظيراتها الرقمية، وبدلاً من ذلك، ستكون نموذجاً هجيناً، جزء منه ورقي، وجزء رقمي، وهذا من شأنه أن يلبي الأذواق المتباينة، ويساعد مجلات الأطفال على البقاء في مشهد إعلامي يزداد تحدياً».

وشدد سعد، من ثم، على عنصر التفاعل، بقوله: «دراسات عدة أثبتت أن منصّات التعلّم بالألعاب فعّالة، لأنها توفر المتعة مع تعليم الشخص التفكير النقدي ومهارات حل المشاكل... ومن شأن تزويد مجلات الأطفال العربية بأدوات تفاعلية تعليم الطفل قيماً كثيرة، من بينها التعاون ومشاركة الأفكار مع آخرين لتحقيق أهداف تنعكس على مجتمعاتهم».

يرى خبراء أن التجارب الإلكترونية لمجلات الأطفال الورقية الراسخة بأنها «محدودة» إذ تمثّل أغلبها في تعزيز الأرشيف بنسخة «بي دي إف» أما التحول الفعلي نحو الرقمنة والتفاعل فلا يزال محل سجال

مخاطر الهواتف

في المقابل، ترى الكاتبة المصرية أمل فرح، المتخصّصة في الكتابة للطفل، التي تقلّدت عدة مناصب في مجلات عربية منها مجلة «ميكي»، أن «التكنولوجيا ورقمنة محتوى الطفل سيفُقد المجلات الورقية هويتها». وتشرح أمل فرح: «صحيح، لدينا أزمة ضخمة في مجلات الأطفال، غير أن السبب ليس في شكل المجلة أو الوسيلة المستخدمة، سواء كانت نسخة ورقية أم رقمية، بل في جاذبية المحتوى، ومدى تطوره ليرضي حاجة أطفال اليوم». ثم تضيف: «على مدار العقد الماضي، بالغنا في الترويج للثقافة الإلكترونية بحجة عزوف الطفل عن القراءة، غير أنها فرضية تحتاج إلى إعادة نظر وتحليل أكثر دقة».

وهنا تدلّل أمل فرح على فرضية أن الطفل العربي لا يزال معنياً بالقراءة، مضيفة: «شهدت سلسلة كتب هاري بوتر مبيعات ضخمة، رغم تقديمها من دون رسوم أو عناصر جذب رقمية». وكذلك تدحض ربط تطوير مجلات الأطفال بضرورة الاعتماد على التكنولوجيا، بقولها: «ثمة مخاطر صحية عدة لاستخدام الهاتف الذكي والآيباد، فقد حذرت دراسات كثيرة من آثار ذلك على صحة العين والدماغ والإدراك، حتى إن بعض الدراسات أشارت إلى أن المدة المسموح بها لاستخدام الطفل الهاتف الذكي لا تتخطّى ساعة يومياً؛ ولذلك فنحن بحاجة إلى النسخة الورقية الكلاسيكية، بشرط أن تحمل بين صفحاتها أفكاراً عصرية تحترم رغبات وعقلية الطفل».

عودة إلى الدكتور سعد، فإنه لا يُعوّل على التطور التكنولوجي فقط، بل يرى أن الصحافيين وكتاب الأطفال ركيزة في التطوير، «ولتقديم محتوى جذاب للأطفال، يجب على الصحافيين والكتاب تطوير اللغة وفقاً للعمر والتجربة، والاستعانة بالرسوم التوضيحية وغيرها من العناصر المرئية المطوّرة وفقاً للتكنولوجيا، إلى جانب التفاعل، إذ يمكن لتقنيات سرد القصص -مثل تطوير الشخصيات والحبكات المثيرة- أن تعزز الاستثمار العاطفي والانتباه».