دراسة: شَعر الأطفال السوريين أرشيف حي لويلات الحرب

عن طريق قياس تركيزات الكورتيزول

تحليل الشعر كشف عن معلومات عن الصحة النفسية والجسدية للأطفال السوريين (المصدر: كلية شوليتش للطب وطب الأسنان)
تحليل الشعر كشف عن معلومات عن الصحة النفسية والجسدية للأطفال السوريين (المصدر: كلية شوليتش للطب وطب الأسنان)
TT

دراسة: شَعر الأطفال السوريين أرشيف حي لويلات الحرب

تحليل الشعر كشف عن معلومات عن الصحة النفسية والجسدية للأطفال السوريين (المصدر: كلية شوليتش للطب وطب الأسنان)
تحليل الشعر كشف عن معلومات عن الصحة النفسية والجسدية للأطفال السوريين (المصدر: كلية شوليتش للطب وطب الأسنان)

هناك ما هو أكثر من مجرد خصلة شعر تراها العين، فهذا النسيج البشري هو سجل زمني للمحن التي يعانيها جسم الإنسان وعقله. هذا ما أثبته فريق بحثي من مختبر سلامة الأدوية التابع لكلية شوليتش للطب وطب الأسنان بجامعة ويسترن أونتاريو الكندية، بالاعتماد على عينات تم جمعها من الأطفال السوريين.
ويرتبط التعرض لأحداث الحياة المجهدة نفسياً أو المؤلمة، بتدهور الصحة الجسدية والنفسية، وهذا ينطبق بشكل خاص على أولئك الذين تعرضوا خلال الطفولة والمراهقة، لأحداث يمكن أن تزيد خطر الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة.
وغالباً ما تكون الحرب مصحوبة بأحداث حياتية معاكسة، بما في ذلك التعرض المباشر وغير المباشر للصراع والعنف والقصف، فضلاً عن التهجير القسري اللاحق والعوامل المتعلقة بظروف المعيشة غير المستقرة. وترتبط كل هذه الأحداث بتدهور الصحة النفسية في وقت لاحق، خصوصاً عن طريق الإصابة بـ«اضطراب ما بعد الصدمة».
خلال عام 2022 ارتفع عدد النازحين على مستوى العالم إلى أكثر من 100 مليون شخص، كثير منهم قد شهدوا الحرب، وكانوا تحت سن 18 عاماً؛ لذلك تبدو هناك حاجة لفهم أفضل للعلاقة بين التعرض للحرب السابق، وظروف المعيشة الحالية، والصحة النفسية والجسدية. وهذا ما قام به الباحثون في الدراسة المنشورة في العدد الأخير من مجلة «الطب النفسي الجزيئي»، باستخدام «الكورتيزول».
والكورتيزول، هو مؤشر حيوي للإجهاد، وكل جسم بشري يصنع هذا الهرمون. وعندما نكون تحت الضغط، نصنع المزيد منه، وتكون مستويات هذا الهرمون في الدم أو في البول، مؤشراً لقياس الإجهاد خلال الـ24 ساعة الماضية فقط. لكن الباحثين اختاروا «كورتيزول الشعر»؛ لأنه يترسب في هذا النسيج البشري، ليحوله إلى أرشيف حي لأحداث التوتر التي مر بها الإنسان.
وكانت دراسات سابقة قد ربطت بين اضطراب ما بعد الصدمة، الناتج عن التعرض لأحداث الحياة المجهدة نفسياً أو المؤلمة، وخطر الإصابة ببعض أنواع سرطانات الكبد. ولأن مستويات الكورتيزول في الشعر، هي مؤشر قوي للتعرض لهذه الأحداث، فقد تم استخدامها خلال الدراسة، كمؤشر للإصابة بسرطان الكبد.
وبالتعاون مع باحثين من جامعة البلمند في لبنان، وجامعة كوين ماري في المملكة المتحدة، حللت الدراسة مجموعة من عينات خصلات شعر لألف و591 طفلاً ومراهقاً سورياً، تتراوح أعمارهم بين 6 و18 عاماً، ومقدمي الرعاية لهم، وطابقوا نسب الكورتيزول مع المعلومات المتعلقة بتعرضهم للحرب.
ووجدت الدراسة أن المراهقين الذين عانوا من أحداث متعددة مرتبطة بالحرب، معرضون لخطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بنسبة 40 في المائة تقريباً، مقارنة بمن لم يتعرضوا للحرب أو الصراع. كما تظهر الدراسة أن الإناث معرضات لخطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بنسبة 62.7 في المائة أكثر من غيرهن.
ووجدوا أيضاً، أن مستويات سرطان الكبد تزيد مع كل زيادة في الحوادث المرتبطة بالحرب التي يتعرض لها الشخص. وكان الأطفال الذين يبلغون من العمر 12 عاماً أو أكثر هم الأكثر عرضة للخطر، والمراهقون هم أيضاً أكثر عرضة لخطر تطوير تغييرات طويلة الأجل في أنظمة الجسم المتكاملة بسبب صدمة الحرب.
وأشارت الدراسة إلى أن الظروف المعيشية الحالية، والتي تشمل الظروف المعيشية في مستوطنات اللاجئين في لبنان، لم تسهم في زيادة مستويات سرطان الكبد أو اضطراب ما بعد الصدمة.
ويقول مايكل جي ريدر، الباحث الرئيسي في مختبر سلامة الأدوية بكلية شوليتش للطب وطب الأسنان، في تقرير نشره (الجمعة) الموقع الإلكتروني لجامعة ويسترن أونتاريو، إنه «على الصعيد العالمي، هناك زيادة في عدد الأشخاص الذين نزحوا بسبب الحرب والصراع، معظمهم من الأطفال والمراهقين. وتسلط نتائج هذه الدراسة الضوء على الحاجة إلى التدخلات التي تعالج صدماتهم، حيث إن الصدمات يمكن أن تؤدي على المدى الطويل، إلى التغييرات في فسيولوجيا ونفسية الأطفال المعرضين للخطر».


مقالات ذات صلة

المحتوى السلبي على الإنترنت يزيد الاضطرابات النفسية

يوميات الشرق المحتوى السلبي على الإنترنت يزيد تدهور الحالة النفسية (جامعة كولومبيا)

المحتوى السلبي على الإنترنت يزيد الاضطرابات النفسية

كشفت دراسة بريطانية أن الأفراد الذين يعانون تدهور صحتهم النفسية يميلون إلى تصفح محتوى سلبي عبر الإنترنت، مما يؤدي إلى تفاقم معاناتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك شرب القهوة يزيد من تنوع ميكروبيوم الأمعاء (إ.ب.أ)

كيف تؤثر القهوة في أمعائك؟

كشفت دراسة جديدة عن أن شرب القهوة يزيد من تنوع ميكروبيوم الأمعاء ويعزز نمو البكتيريا المفيد بها، الأمر الذي يؤثر بالإيجاب في صحتنا ككل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الشاي الأخضر من المشروبات الغنية بالفلافانول (جامعة باستير الأميركية)

مشروبان يحميان الأوعية الدموية بعد الوجبات الدسمة

كشفت دراسة بريطانية عن أن الشوكولاته والشاي الأخضر يمكن أن يساهما في حماية الأوعية الدموية من تأثيرات التوتر النفسي حتى بعد تناول طعام دسم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.