إذا كنت تبحث عن الهدوء في لبنان.. اذهب إلى «بيوتي»

بيت ضيافة في قلب جبال الشوف عنوانه.. الراحة بالخط العريض

جلسة رائعة لتناول وجبة الفطور الصباحية بمحاذاة بركة السباحة
جلسة رائعة لتناول وجبة الفطور الصباحية بمحاذاة بركة السباحة
TT

إذا كنت تبحث عن الهدوء في لبنان.. اذهب إلى «بيوتي»

جلسة رائعة لتناول وجبة الفطور الصباحية بمحاذاة بركة السباحة
جلسة رائعة لتناول وجبة الفطور الصباحية بمحاذاة بركة السباحة

إذا كنت تبحث عن مكان تبتعد فيه عن ضوضاء المدينة، وعن طاقة إيجابية تخوّلك تمضية باقي أيام الأسبوع وأنت مبتسم وهادئ و«يا جبل ما يهزّك ريح» كما تقول أغنية الراحلة صباح، ما عليك سوى التوجه إلى «بيوتي» حيث السكينة وراحة البال.
فمن الصعب وصف بيت الضيافة اللبناني «بيوتي» في بضعة سطور أو كلمات. فهذا المكان الواقع وسط جبال الشوف وبالتحديد في منطقة معاصر بيت الدين أقل ما يمكن القول عنه بأنه قطعة من الجنّة على الأرض.
فهناك لا أبواق سيارات ولا رنّات تلفونات ولا زحمة سير ولا أي وجود للضوضاء التي تثقل حياة المدينة. فزقزقة العصافير ونسمات الهواء العليل ورائحة أشجار الغار والبهار وحفيف أوراق شجر الحور، هي الوحيدة المخوّلة أن ترافقك في رحلتك هذه إذا كنت باحثا شغوفا عن الشعور بالاسترخاء في الطبيعة.
ولعلّ الحجر الصخري المبنية به «بيوتي»، هو أول إشارة تلوح أمامك لتنبئك بأنك في حضرة الأصالة اللبنانية العريقة، التي تتوق إليها بعد أن صارت العمارات المرتفعة وناطحات السحاب في مدينتك، بمثابة حلم مزعج لطالما تمنيت أن تستيقظ منه على غفلة.

*موقع «بيوتي» وخصائصه

- تقع بلدة معاصر بيت الدين حيث يستقرّ فيها بيت الضيافة «بيوتي» على بعد 40 كيلومترا عن العاصمة بيروت، وترتفع 850 مترا عن سطح البحر.
ومنذ اللحظة الأولى لوصولك إلى «بيوتي» المنتشر على مساحة 35 ألف متر مربع، يخيّل إليك أنك في الريف الإيطالي، أو بالأحرى في واحدة من مناطقها المعروفة توسكانا.
وتحتار عيناك أين تستقر بنظرها، فهنا درب طويل مفروش بالزهور وهناك أشجار الجميز والزنزلخت تظللك بفيئها، ومقابلك تماما حدائق معلّقة تشكّل لوحات طبيعية لا تملّ من تأملّها. ابتسم أنت في «بيوتي» قد تكون العبارة الأفضل لوصف المكان الذي أنت موجود فيه.
أما العنوان العريض لـ«بيوتي» فهو الهدوء والسكينة. «هنا تشعر بأنك في جزء آخر من العالم، وقد آثرت أن يتمتع المشروع بهذه الصفة كي يتميّز عن غيره من بيوت الضيافة في لبنان، فالأشخاص الذين نستقبلهم يمثلون شريحة من المجتمع اللبناني الراقي الباحث عن الراحة والتمتع بالطبيعة في آن» هذا ما يقوله رفيق بازرجي صاحب فكرة «بيوتي» والذي قرر أن يترك عمله الأساسي (صاحب شركة سيارات سوزوكي ومازيراتي) للتفرّغ لهذا المشروع السياحي البيئي، وتساعده زوجته رلى في تثبيت فكرته هذه على أرض الواقع، لا سيما وأنها المسؤولة عن استقبال الضيوف وتأمين وسائل الراحة لهم. فكونها تعمل في مجال تصميم الهدايا والتذكارات، فلقد أخذت على عاتقها ترتيب «بيوتي» بأسلوبها الخاص بحيث مزجت ما بين العراقة والحداثة في ديكوراته وأثاثه. فلذلك تشاهد المدفأة على الحطب (الشيمينيه) إلى جانب الصوبيا (وسيلة تدفئة قديمة) في آن، وكذلك شراشف مطرّزة بالدانتيل البريطاني على الأسرة ومغسلة على شكل جرن الكبّة في صالة الحمام المغطّى بالرخام.

بيوت «بيوتي» لكل منها قصة وحكاية

يبلغ عدد بيوت الضيافة في مركز «بيوتي» السياحي عشرة، وهي موزعة بشكل متباعد عن بعضها بعضا للحفاظ على الحميمية والحريّة بين نزلائها. فكل بيت يحكي قصة أن بهندسته أو بالاسم الذي يحمله. فمنها ما يتسّع لأربعة أشخاص وأخرى لشخصين، إلا أنها جميعها مطلّة على منظر طبيعي خلّاب محاط بالورود والأشجار ودروب المشي. كما أنها مفروشة بالأثاث القديم والمحدّث معا، وكذلك بأسرّة وحمامات صممّت بأسلوب راق. ولا تغيب عن هذه المنازل التكنولوجية الحديثة، بحيث عمد أصحاب هذا المشروع إلى تأمين الإنترنت ومكيفات التبريد وما إلى هنالك من المستلزمات الحياتية لتمضية عطلة أسبوع بنسبة رفاهية عالية.
أما أسماء هذه البيوت فتدلّك مباشرة على ما ينتظرك فيها أو بقربها، فيكفي أن نقول مثلا «بيت الورد» حتى تعلم أنك على موعد مع صباح الورد حقيقة فلا يكون الأمر كمجرّد تحية اعتدت أن تلقيها على صديق. فرائحة الزهور البرّية والجوريّة المزروعة على جانبيه لا بدّ من أن تنعشك فتشعر بسعادة الأطفال.
وتكرّ سبحة الأسماء لتكشف عن حنايا البيوت الأخرى: «المندلون» (نسبة إلى هندسته التي ترتفع على شرفاتها القناطر القديمة)، «اليسار» وهي تسمية ارتآها صاحب المشروع رفيق بازرجي تيمنا بالراقصة اليسار كركلا التي سكنته لأسبوعين متتاليين فقرر أن يقرنه باسمها، «الجل» كونه يقع في وسط أحد «الجلالة» (قسم من عدة أراض متدرّجة)، و«الياسمين» لأن رائحته تعبق بأشجار الياسمين المحيطة به و«العريشة» لأن مدخله تظلله أشجار الكرمة وعناقيد العنب، و«التنور» كون هذا المخبز القديم يوجد في منطقته فتتناول خبزه الطازج أثناء وجبة الفطور، و«النهر» لموقع البيت على ضفافه، و«الغار» لأن أشجاره تكلل الأراضي والتلال في قربه و«الجسر» لأنه يقع إلى جانب جسر بيت الدين الذي بني في حقبة الأمير بشير الثاني الكبير، وذلك بطلب من أحد أبناء بلدة مجاورة ويعرف بـ«أخوت شاناي» والذي استطاع بذكائه أن يجرّ المياه إلى قصر الأمير المذكور.
* ممارسة رياضة المشي والسباحة واستكشاف الطبيعة أبرز النشاطات في «بيوتي»
قد تتساءل عن النشاطات التي يمكنك ممارستها على مساحة 35 ألف متر مربع. إلا أن «بيوتي» يؤمن لنزلائه أهمها والتي تدور ما بين زرقة السماء وظلال الأشجار وأشعة الشمس الدافئة وجلسات الليل المسليّة.

رياضة

رياضة السباحة تأتي في مقدمة النشاطات التي في إمكانك ممارستها في «بيوتي»، وعلى ضفاف بركتي السباحة الموجودة في المشروع، تتوزّع الكراسي المريحة لتستلقي على إحداها وتلوّن بشرتك بالسمرة البرونزية. أما إذا كنت من هواة رياضة المشي فإنك في «بيوتي» ستلاقي مرادك كون دروب السير على الأقدام لا تحصى ولا تعدّ لا سيما وأن بعضها تظللها أشجار الفاكهة مثل (الكرز والتفاح والخوخ والأجاص)، والبعض الآخر منها تتوزّع على جوانبها أشجار البهار الأبيض والأحمر والأسود والحور والسرو والصنوبر وغيرها. ولمحبي جلسات السمر وتناول الطعام مع مجموعة من الأصدقاء، فإن «بيوتي» تؤمن لهم ذلك داخل مطعمها أو تحت ضوء القمر في الخارج.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن تكلفة تمضية ليلة واحدة في هذا المشروع السياحي تتراوح ما بين 200 دولار (لشخصين) و350 دولار (لأربعة أشخاص). وتغطي هذه التكلفة تناول وجبة الفطور الصباحية والتي هي كناية عن ترويقة لبنانية تتألّف من مناقيش الزعتر والكشك واللبنة البلدية والبيض المقلي والمربيات وغيرها من الأطباق التي عادة ما تزيّن مائدة اللبناني وقت الفطور، وجميع هذه الأطباق مصنوعة ومحضّرة من مكونات طبيعية لخضار مزروعة في حدائق «بيوتي»، وللحوم حيوانات من تربية المزرعة التي تعدّ جزءا من هذا البيت الضيافي.

معالم مهمة قريبة

أما في أوقات الفراغ فباستطاعتك زيارة معالم سياحية وأخرى أثرية موجودة في بلدة بيت الدين كـ(قصر بيت الدين)، أو في بلدة دير القمر المجاورة لها كـ(قصر موسى)، أو التوجه إلى محمية أرز الباروك التي تحتوي على نحو مليوني شجرة أرز وتشغل 7 في المائة من المساحة الخضراء العامة في لبنان، أو تناول طعام الغداء في أحد المطاعم المنتشرة في منطقة الشوف والتي تقدّم اللقمة اللبنانية الطيبة.
المشوار إلى «بيوتي» في بلدة معاصر بيت الدين لن يكون بالتأكيد شبيها بأي من المشاوير والنزهات التي سبق وقمت بها في أي بقعة من العالم، ولذلك فإن التخطيط لقضاء عطلة الصيف أو الشتاء فيها قد يكون واحدا من أنجح المخططات السياحية التي تنوي القيام بها قريبا، والصور التي ستلتقطها ذاكرتك فيها ستبقى دون شك تسكن خيالك فترويها بشغف لأصدقائك عند عودتك منها.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».