في العشرين من الشهر الحالي، عمدت السلطات الفرنسية إلى استرداد 15 امرأة و40 طفلاً من عائلات «داعشية»، كانوا محتجزين منذ عام 2019 في معتقلات يسيطر عليها الأكراد شمال شرقي سوريا. وجاءت هذه البادرة، الثانية من نوعها، مخالفة للسياسة الفرنسية التقليدية التي كانت ترفض الترحيل الجماعي للنساء والأطفال. والنساء في غالبيتهن الساحقة التحقن إرادياً بمناطق سيطرة «داعش» ما بين سوريا والعراق. ومنذ انتهاء المعارك واندحار «داعش»، تمسكت فرنسا بمبدأ الانتقائية في استعادة القاصرين والنساء وربطها بدراسة كل حالة على حدة، مما جعل استعادة مواطنيها عملية بالغة البطء رغم الضغوط التي مارستها الإدارة السورية الكردية والولايات المتحدة والأمم المتحدة فضلاً عن هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان ورابطات عوائل المعتقلين والمعتقلات والمحكمة الأوروبية الخاصة بحقوق الإنسان. وكان الموقف الفرنسي الرسمي، نظراً لحساسية الموضوع، رهينة المخاوف من انتقادات تنصب من اليمين التقليدي واليمين المتطرف ورفض الرأي العام، فضلاً عن التخوف من أن تؤدي استعادة هؤلاء إلى تغذية الإرهاب الذي عانت منه فرنسا منذ عام 2015. وانتقد النائب عن حزب «الجمهوريون» اليمين الكلاسيكي أريك سيوتي ما قامت به الحكومة إذ رأى أن استعادة الأطفال «ليس عملاً غير مسؤول بينما استعادة البالغين تصرف خاطئ». ومن جانبها، قالت مارين لوبان، النائبة وزعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، «إنه تتعين محاكمة النساء اللواتي ارتكبن جرائم في المناطق التي ارتكبت فيها هذه الجرائم... بينما استرجاعهن يمثل مخاطرة كبرى» بالنسبة لفرنسا. وكانت باريس قبل العملية الأخيرة قد استعادت، بداية شهر يوليو (تموز)، قد استعادت 16 امرأة و35 قاصراً.
جاء الحكم الصادر عن المحكمة الأوروبية الشهر الماضي الذي أدان فرنسا ليدفع باريس إلى إعادة النظر جدياً بسياستها السابقة، مما برز في تصريح لوزارة الخارجية التي أعلنت أن الحكومة مستعدة للقيام بعمليات الاستعادة «كلما توفرت الظروف». وقال الناطق باسمها، الوزير أوليفيه فيران، الأسبوع الماضي، إن «عمليات استعادة جماعية إضافية سوف تحصل وأن الأمور (سوف تتم تدريجياً). أما بالنسبة للفرنسيين الرجال الموقوفين في المعتقلات الكردية، فإن باريس ترفض استعادتهم وتدافع عن «مبدأ محاكمتهم حيث ارتكبوا جرائمهم». وباستثناء 12 شخصاً نقلوا إلى العراق حيث تمت محاكمتهم، فإن المتبقين الذين لم يكشف عن عددهم بدقة، ما زالوا بأيدي الأكراد.
حتى اليوم، لم يتكامل ملف استعادة النساء والقاصرين فصولاً، إذ اعتبرت ماري دوزيه، المحامية عن عدة عائلات فرنسية، أنها «لا تتصور أن تترك فرنسا 60 امرأة و150 قاصراً في المعتقلات الكردية ليمضوا فيها شتاءً خامساً»، مطالبة الحكومة باستعادتهم سريعاً. وكانت المحامية المذكورة الأكثر دينامية في متابعة الملف مع السلطات وأمام المحاكم وإثارته أمام الرأي العام مركزة خصوصاً على المصير البائس للأطفال الذين لا ذنب لهم وكثيرون منهم ولدوا في مناطق المعارك.
ومن جانبه، أعلن تجمع العائلات عن «ترحيبه» بالعملية الأخيرة، معتبراً أنها تعني التخلي عن سياسة كل حالة على حدة. وأضاف البيان أن الأمور لم تنته وأنه يتعين على السلطات أن تواصل عمليات الاستعادة حتى استرجاع كافة النساء والقاصرين من غير استثناء.
يوم وصول هؤلاء في رحلة جوية خاصة إلى مطار فيلاكوبليه، الواقع جنوب باريس، الخميس الماضي، عمدت السلطات إلى فصل النساء عن القاصرين. ووفق بيان صادر عن وزارة الخارجية، فقد تم تسليم القاصرين إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية لإخضاعهم لمتابعة طبية واجتماعية، فيما سلمت النساء إلى السلطات القضائية المعنية. وبحسب المعلومات القضائية، فإن 3 نساء من العائدات كانت قد صدرت بحقهن مذكرات توقيف فيما صدرت 12 مذكرة تحرٍ عن الـ12 الأخريات. وفيما تم سوق الثلاثة إلى السجن، تم توقيف الأخريات في مقر المخابرات الخارجية. وأول من أمس، أفادت النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب أنه تم توجيه الاتّهام بالانتماء إلى منظمة جرمية إرهابية رسمياً إلى عشر من النساء العائدات ووُجّهت إلى إحداهن تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية. وفيما امتنعت النيابة العامة عن توجيه أي اتهام لشابة تبلغ من العمر 19 عاماً لعدم توفر العناصر الجرمية الكافية، واعتبرت أن الوضع الصحي لإحدى العائدات لا يتيح مثولها أمام قاضٍ، فإن تم توجيه الاتهام إلى بعضهن بالتهرّب من واجباتهن القانونية تجاه أولادهن بما يعرض صحتهم وأمنهم للخطر. وتتراوح أعمار الـ15 امرأة ما بين 19 و42 عاماً.
يبقى أن المصير النهائي لهاته النسوة يبقى بيد القضاء وبمناسبة مثولهن أمام المحاكم. ولم يعرف بعد موعد المحاكمات، علماً بأنه لن يحل قبل العام المقبل.
النيابة الفرنسية توجه اتهامات الانتماء لمنظمة إرهابية لعشر نساء استعدن من سوريا
فرنسا: 60 امرأة و150 قاصراً فرنسياً ما زالوا محتجزين في المعتقلات الكردية السورية
النيابة الفرنسية توجه اتهامات الانتماء لمنظمة إرهابية لعشر نساء استعدن من سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة