عبد الباقي السعدون يلتحق بـ«جثة» عزة الدوري بصفته مطلوباً في قائمة الـ55

عضو القيادة القطرية لحزب البعث المنحل اعتقل في محافظة كركوك

عبد الباقي السعدون
عبد الباقي السعدون
TT

عبد الباقي السعدون يلتحق بـ«جثة» عزة الدوري بصفته مطلوباً في قائمة الـ55

عبد الباقي السعدون
عبد الباقي السعدون

خلال الشهور الأولى من الاحتلال الأميركي للعراق في التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 كان الخبر الأول في وسائل الإعلام، محلية أم عالمية، هو إلقاء القبض على أحد المطلوبين للقوات الأميركية ضمن قائمة الـ55 لكبار قادة وزعماء حزب البعث أثناء حكم البعث في العراق (1968 - 2003).
لكن بعد مقتل المطلوبين رقم 2 و3 عدي وقصي، نجلا الرئيس السابق صدام حسين، في يوليو (تموز) 2003 وإلقاء القبض على المطلوب رقم 1 (صدام) أواخر عام 2003 ومن ثم محاكمته وتنفيذ حكم الإعدام به في اليوم الأخير من عام 2006، ووفاة طارق عزيز أوائل هذا الشهر الذي كان يحمل الرقم 43 في قائمة المطلوبين وإعلان خبر «مقتل» عزة الدوري (المطلوب رقم 6 الذي لا تزال جثته تبحث عن عائديتها له أم لراعي الأغنام شعلان البجاري)، لم يعد يهم العراقيون خبر إلقاء القبض على قيادي هامشي مثل عبد الباقي السعدون (الرقم 40 في القائمة) حتى لو كان يحمل صفة عضو في القيادة القطرية لحزب البعث سوى أن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي منحه لقب «إرهابي».
بهذا التوصيف الأخير الذي أطلقه العبادي على السعدون الذي ينتمي إلى قبائل السعدون الشهيرة والممتدة جنوب العراق بين محافظتي ذي قار والبصرة، فإن القيادي البعثي، وطبقًا لما أكده مسؤول أمني رفيع لـ«الشرق الأوسط» طالبًا عدم الكشف عن هويته، لم يكن خاملاً مثلما يتصور الكثيرون «بل كان أحد أبرز القيادات البعثية رغم أنه حاول النأي بنفسه عن الصراع بين جناحي عزة الدوري ومحمد يونس الأحمد حيث كان أكثر ميلاً إلى وحدة حزب البعث». وأضاف المسؤول الأمني أن «جناح الدوري يضم قيادات بعثية بارزة بقيت تنشط بين محافظتي كركوك وديالى وصلاح الدين بالتنسيق مع الطريقة النقشبندية ومن ثم تأسيس جيش الطريقة النقشبندية. وبالتالي، فإن اعتقال السعدون في محافظة كركوك يدل على أنه كان جزءًا من قيادة البعث برئاسة الدوري»، موضحًا أن «قيادات البعث وفي المقدمة منها الدوري رحبت بتنظيم داعش وسعت إلى التنسيق معه خلال الفترات الأولى من احتلال محافظة صلاح الدين لكن (داعش) أجبرتهم إما على طاعته أو مواجهة مصيرهم. وبالتالي، أصبح وضعهم أكثر صعوبة وهو ما جعلهم يتساقطون الواحد تلو الآخر بعد أن انكشفت أماكن اختبائهم وتغير مفهوم الحاضنة التي كانت في الغالب تأوي أو تتعاطف مع القيادات البعثية إلى أن صادرها (داعش) وأعاد توصيفها حسب ما يريده هو».
ومع تراجع أهمية القيادات البعثية التي تم اختزالها بقائمة من 55 شخصًا من بين ملايين البعثيين، بمن فيهم قيادات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى، فإن ما تبقى من هذه القيادات التي لا تزال حرة طليقة ولا يتخطى عددها أصابع اليد الواحدة لم تعد تمتلك تلك الأهمية التي كانت تمتلكها قبل التحول الجذري في الأوضاع السياسية في العراق منذ بروز ظاهرة الإرهاب بدءًا من عام 2005. ويبدو أن الشيء الوحيد الذي أنقذ قيادات البعث هو منحها صفة إرهابي للتدليل على الصلة الجديدة بين «داعش» والبعث رغم الدعوات إلى إلغاء المساءلة والعدالة وتحويل ملفها من سياسي إلى قضائي مثلما يقول العضو في البرلمان العراقي عن محافظة ديالى رعد الدهلكي في حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويضيف الدهلكي أن «قضية المساءلة والعدالة والعفو العام والتوازن هي من الأمور التي لم تحسم رغم أنها موجودة في أي اتفاق سياسي أو أي وثيقة أو تعهد حكومي أو من قبل شركائنا في التحالف الوطني، لكن مما يؤسف له أن أيا منها لم تجد طريقها للتنفيذ». ويرى الدهلكي أنه «لو تم تطبيق كل ما اتفقنا عليه لما وصلنا إلى ما نعانيه من أوضاع الآن وفي المقدمة منها تنامي ظاهرة الإرهاب».
وفيما لم تعرف بعد التهمة التي سوف توجه إلى عبد الباقي السعدون هل هي كونه عضوًا في قيادة البعث وجزءًا من قائمة كبار المطلوبين أم لأنه إرهابي، فإنه في ضوء الجدل بشأن قتل عزة الدوري، كما تؤكد السلطات العراقية وينفي حزب البعث، فإن مصير السعدون سيبقى متأرجحًا بين المصير الغامض لـ«جثة» الدوري، بعد فشل الحصول على الحمض النووي، وبين المصير الأكثر غموضًا لحزب البعث الذي بدأت قياداته تتساقط بينما بدأت شخصيات ومسميات بعثية تنشط إما مع تنظيم داعش بالكامل أو تبحث عن موطئ قدم في العملية السياسية بانتظار ما تسفر عنه إجراءات المصالحة الوطنية التي من المؤمل أن تشمل قيادات بعثية بارزة قررت مراجعة نفسها في مسعى منها للنظر إلى المستقبل رغم أنه لا يزال مجهولاً للعراق كله.



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.