أسطول الصيد الصيني يبحث عن «السمكة الكبيرة»: الهيمنة من دون إطلاق رصاصة واحدة

تحتاج الأميركتان إلى الاجتماع لصياغة «عقيدة مونرو» جديدة

بحثاً عن «السمكة الكبيرة» (أ.ف.ب)
بحثاً عن «السمكة الكبيرة» (أ.ف.ب)
TT

أسطول الصيد الصيني يبحث عن «السمكة الكبيرة»: الهيمنة من دون إطلاق رصاصة واحدة

بحثاً عن «السمكة الكبيرة» (أ.ف.ب)
بحثاً عن «السمكة الكبيرة» (أ.ف.ب)

يقول الباحث الأميركي لورانس كاديش، عضو مجلس إدارة «معهد جيتستون»، إن الصينيين أثبتوا بالقول والفعل عزمهم على الهيمنة على بقية القرن الحادي والعشرين، لكنهم على عكس الأساليب البشعة التي اتبعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يسعون إلى الوصول إلى مكانة عالمية من دون إطلاق رصاصة واحدة.
ويتساءل كاديش في تقرير نشره المعهد: هل يملكون أسلحة نووية في ترسانتهم؟ نعم، بلا شك. وهل يملكون جيشاً قوياً؟ نعم، مع بحرية لديها قدرة كبيرة على تحدي أسطولنا في المحيط الهادي. هل يقوم الصينيون باستكشاف الفضاء؟ إنهم هناك بالفعل. هل يملكون هيمنة رقمية؟ إنهم في سبيلهم إلى تحقيقها، مع القدرة على مراقبة أفكار وتصريحات وآراء أكثر من مليار مواطن... ولكنهم يسعون من خلال اقتصادهم، إلى جعل الولايات المتحدة قوة عالمية من الدرجة الثانية، لإدراكهم أن اقتصادها مفلس، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف، إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي.
ويرى كاديش «أن أحدث رؤية في استراتيجية الصين من أجل هيمنة عالمية لا يمكن التغلب عليها، تأتي من البحر، ولا علاقة لها فقط وإن كانت محدودة، بحاملة الطائرات الجديدة لديهم، أو غواصات الأعماق. وإنما بالأسماك». ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» دراسة شاملة عن صناعة الصيد في الصين، ووصفتها بأنها «عملية عالمية لا نظير لها لدى أي دولة أخرى».
وأشار الباحث كاديش إلى أن السفن الصينية الضخمة التي تحمل مصانع على ظهرها، تجوب المياه سعيا لصيد أطنان من السمك لتعويض خسائر المياه الصينية. الأمر الذي لا يثير الدهشة، هو أن هذه السفن، تنتهك بشكل منتظم المياه الإقليمية لدول ذات سيادة تطل على المحيطات. وذكر الباحث الأميركي «هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها حقوق الصيد غضبا دوليا». فقد اندلعت «حروب سمك القد» بين بريطانيا العظمى وآيسلندا في خمسينات القرن العشرين لتحديد صاحب الحق في الصيد شمال المحيط الأطلسي. واحتاجت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى إلى الاتفاق بشأن حقوق الصيد في ثمانينات القرن الثامن عشر، وأصبحت الأمور مثيرة للصراع بشكل خطير مطلع القرن التاسع عشر، قبل أن يسود المنطق السليم.
ولكن في القرن الحادي والعشرين، صار الموقف أكثر خطورة: فمن الواضح أن الصينيين يرون أن الصيد في العالم في أي وقت وفي أي مكان ومن دون مراعاة للاستدامة، هو من حقوقهم بوصف الصين القوة العظمى الصاعدة في هذا العصر. وهم يرون أن معاهدات، مثل التي تحمي الديمقراطية في هونغ كونغ، «مجرد قصاصات من الورق». ومع ذلك، ليست المحيطات المكان الوحيد الذي يدعي الصينيون امتلاكه، فهم يحاولون امتلاك الأراضي الزراعية في أميركا. ويشير كاديش إلى تقارير منشورة، تكشف أن شركات صينية تشتري مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في وسط الولايات المتحدة، وقال: «فكروا في التداعيات عندما تشتري دولة ترى فينا عقبة أمام هيمنتها على العالم، ممتلكاتنا التي نعتمد عليها بشكل حيوي لإطعام شعبنا».
ورغم ذلك، ليست أميركا الشمالية هدف الاستحواذ الوحيد بالنسبة إلى الصينيين، فهم يسعون إلى امتلاك موارد طبيعية في أميركا الجنوبية أيضا، ضرورية للاقتصاد الحديث. ولمواجهة ذلك، تحتاج دول الأميركيتين بشكل عاجل، إلى الاجتماع لصياغة «عقيدة مونرو» جديدة (نسبة إلى الرئيس الأميركي الأسبق جيمس مونروا التي أعلنت في عام 1823)، لتكون مثل الوثيقة الأصلية، التي أنذرت القوى الأوروبية بضرورة «احترام الحقوق السيادية للأمم الناشئة في العالم الجديد، وإلا فإن هذه القوى ستصبح في حالة عداء مع الولايات المتحدة»، ولذلك يتعين على الصين أن تفهم «أن الصيد غير المشروع قبالة مياه الدول الموقعة على العقيدة، ستتم مواجهته بقوة».
وأوضح كاديش، أن صياغة «عقيدة مونرو» في القرن الحادي والعشرين، «سوف تذكر الصين بشكل واضح تماما، أنه رغم أنه ربما تكون هناك خلافات بين دول الأميركيتين، فإن هذه الدول تقف كدولة واحدة تدرك سعي الصينيين إلى قلب النظام الحالي. ومن شأن مثل هذا الجهد الدبلوماسي أن يوحد دول العالم الجديد التي تمتلك ثقافات مختلفة للغاية، وسيذكر قادتها أن صراعاتهم العابرة للحدود والآيديولوجيات المختلفة تبدو أمرا تافها مقارنة بالتهديد الخارجي قبالة سواحلهم». واختتم كاديش تقريره: «ندرك أن هناك عددا من الأزمات التي تصرف انتباهنا: حرب بوتين (على أوكرانيا)، والتداعيات الدائمة للجائحة، والركود المتصاعد، والتأثير الكارثي لتعاطي المخدرات، والحالة المأساوية للتعليم العام، وغيرها من الأزمات. لكن يجب أن نفهم أن الأساطيل الصينية التي تعمل على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع، قبالة السواحل هي مجرد انعكاس لعزم بكين على صيد سمكة أكبر بكثير: الهيمنة العالمية على حساب جميع الدول الأخرى على الكوكب».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».